الزيارة اليابانية بين آمال واشنطن وطموحات طهران

حجم الخط
0

قد لا يكون غريبا أن يطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من رئيس الوزراء الياباني إيصال رسالة إلى القيادة الإيرانية برغبته في عقد لقاء مباشر مع المرشد الأعلى للنظام الإيراني آية الله علي خامنئي، حسب ما نشرت وكالة سبوتنبك الروسية نقلا عن مصدر مطلع، وأن شينزو آبي سيطلب من خامنئي المشاركة في قمة دول مجموعة العشرين G20 التي تستضيفها مدينة اوزاكا اليابانية هذا الشهر، ويتم على هامشها ترتيب عقد اللقاء الثنائي بين الزعيمين، ودائما حسب هذه الوكالة.

شروط أمريكية

قد لا يكون هذا الطلب غريبا، فترامب رفع مستوى المطالب من إيران إلى مستوى أنه لا يرى في الإدارة الحالية في طهران التي يمثلها رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف القدرة على الاستجابة إلى الشروط الأمريكية، من منطلق إدراك واشنطن بأن القرار النهائي والحاسم من أجل الوصول إلى نتائج في أي مفاوضات مع طهران لا بد أن يصدر عن المرشد الذي يعطي الشرعية لأي اتفاقية بهذا الحجم من الأهمية والتي قد تؤسس لمرحلة جديدة في منطقة غرب آسيا لسنوات طويلة.
فالرئيس الأمريكي لا يريد تكرار التجربة التي خاضها سلفه باراك اوباما باعتماد قناة تبادل الرسائل مع المرشد الإيراني التي لعبت دورا محوريا في دفع المفاوضات التي خاضها الثنائي روحاني وظريف وسهلة عملية التوصل إلى تفاهم انتهى بالتوقيع على الاتفاق النووي في تموز/يوليو 2015. وطلب اللقاء المباشر أو التفاوض المباشر بينه وبين خامنئي يسمح لترامب في تحقيق انتصارات سياسية يستطيع أن يوظفها في تكريس موقعه في الداخل الأمريكي وعلى الساحة الدولية كأحد أبرز الزعماء الذين حققوا إنجازات في التعامل مع دول تعتبرها واشنطن مصادر خطر دولية، ولعل التجربة التي خاضها في الحوار المباشر مع زعيم كوريا الشمالية، على الرغم من أنها لم تحقق كامل النتائج التي سعى لها ترامب، إلا أنها تشكل الدافع لديه من أجل الإصرار على مثل هذا اللقاء، حتى لو لم يؤد إلى تحقيق النتائج المرجوة مع طهران. خصوصا وأنه تعمد في كثير من المواقف التي أطلقها تجاه إيران وإمكانية الحوار، أن يوجه رسائل تتعلق باستعداده للجلوس مع قيادة النظام الحقيقية، متجاوزا أي إشارة إلى نظيره الإيراني حسن روحاني.
قد تكون الإدارة الأمريكية تدرك صعوبة تحقيق هذا اللقاء أو إمكانية أن يقوم مرشد النظام الإيراني بتلبية رغبة ترامب بذلك، وأن يقوم بزيارة اليابان لعقد مثل هذا اللقاء، وهذه الزيارة في حال حصلت، وهو أمر مستبعد كليا، ستكون الأولى له منذ توليه منصب ولي الفقيه والمرشد الأعلى للنظام والثورة قبل ثلاثين سنة آتيا من موقع رئاسة الجمهورية. فهو ومنذ توليه المنصب، لم يحدث أن غادر الأراضي الإيرانية، واستخدم هذا الموقع في إطار إعطاء الشرعية الدينية والسياسية والقانونية لأي علاقة دبلوماسية أو اقتصادية أو سياسية تنسجها إيران عبر سلطتها التنفيذية مع أي دولة أخرى، بحيث يكون أي لقاء بينه وبين أي رئيس جمهورية يزور إيران بمثابة الموافقة على فتح قنوات العلاقات مع هذه الدولة في جميع المستويات، من دون أن يكون مضطرا أو مجبرا على التحرك من مكتبه.
عقد لقاء مباشر بين ترامب وخامنئي قد تعتبره طهران بمثابة الشرط الاكثر صعوبة وتعجيزية من الشروط 12 التي أعلنها وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو قبل أكثر من سنة، وقد لا تكون المغريات التي قد يحملها رئيس الوزراء الياباني في زيارته إلى إيران محفزا أو حافزا لهذه القيادة للموافقة على عقد مثل هذا اللقاء، فما سوف يقدمه آبي للمسؤولين الإيرانيين عن المحفزات الأمريكية لا يعدو في اعتبارات طهران حقا طبيعيا لها. فهي ترى في العقوبات التي فرضتها واشنطن نوعا من الإرهاب الاقتصادي بعد تراجع التهديد العسكري، وإن الإجراءات العقابية التي تمارسها واشنطن بحقها مجرد «بطلجة» لكسر الإرادة الإيرانية الرافضة للشروط الأمريكية. لذلك فإن ما تسرب عن مقترحات أمريكية يحملها «الوسيط» الياباني حول السماح بإعادة تصدير النفط الإيراني/ تعليق العقوبات على قطاع صناعة السيارات/ الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة، لا ولن تشكل دافعا للقيادة الإيرانية في تمهيد الطريق لعقد مثل هذا اللقاء.
إلا أنها قد تسمح للمرشد الإيراني التخفيف من حدة الموقف الذي رسمه لمستقبل الأزمة بين بلاده وأمريكا، بقوله « لا حرب ولا مفاوضات»، وأن يفتح الطريق أمام منح الرئيس حسن روحاني صلاحية الجلوس مع نظيره الأمريكي لبلورة رؤية مشتركة بين الطرفين للخروج من الأزمة ورسم مسار العلاقات المستقبلية بين البلدين والأسس التي ستقوم عليها من دون أن تكون طهران مجبرة على الانسحاب التام من الأوراق والملفات التي تشكل نقاط قوتها الإقليمية، أو تتخلى عن ورقة الردع العسكرية الأساسية المتمثلة في البرنامج الصاروخي.
وعليه فإن الأفق الممكن لأي نتائج إيجابية لزيارة رئيس الوزراء الياباني إلى إيران، إضافة إلى الاتفاق على تعزيز العلاقات الاقتصادية وتوسيعها بين البلدين، قد لا يتعدى إقناع القيادة الإيرانية بالتجاوب مع الطروحات التي يحملها من قبل الرئيس ترامب لفتح كوة في جدار الأزمة تفتح الطريق أمام إعادة بناء الثقة التي انهارت بعد الإجراءات الأمريكية ضد الاتفاق النووي، وبالتالي قد تسمح بالحصول على موافقة المرشد الأعلى للنظام الانتقال إلى مرحلة التفاوض غير المباشر، أو في حال أقدم الضيف الياباني على توجيه دعوة للرئيس روحاني للمشاركة في قمة دول مجموعة العشرين أن يعطي المرشد الضوء الأخضر بالموافقة على هذه المشاركة وما فيها من إمكانية ترتيب ياباني لعقد لقاء مباشر بينه وبين الرئيس الأمريكي حتى عن طريق الصدفة في أروقة مقر انعقاد القمة.

حوار إيراني أمريكي مباشر

كل هذه التوقعات تبقى من باب التكهنات لنتائج الزيارة اليابانية، لكن في حال حصلت الدعوة، فإنها ستكون بمثابة إشارة البدء أو الانطلاق لحوار إيراني أمريكي مباشر، لن تقف حدوده عند إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي وإدخال بعض التعديلات عليه، بل سيفتح الطريق أمام حوارات متعددة ومتشعبة تطال جميع القضايا العالقة بين الطرفين على خلفية الدور والموقع والمطالب الأمريكية في منطقة غرب آسيا عموما والشرق الاوسط تحديدا.
قبل حرب افغانستان، فتح الإيرانيون والأمريكيون قناة تواصل بينهما «قناة فيينا» قادها من الجانب الإيراني محمد جواد ظريف الذي كان آنذاك سفير إيران الدائم في الأمم المتحدة، وقد قامت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بوضع حد لها وانتهت دورها ومفاعيلها بعد الهجوم على افغانستان واحتلالها، إذ أقدمت إدارة بوش حينها على وضع إيران في محور الشر، إضافة إلى لائحة مطالب يتوجب من طهران تنفيذها، وكان على رأسها تسليم شخصيات وقيادات من النظام متهمة بدعم عمليات إرهابية في العالم.
وكان من بين هذه الأسماء كل من المرشد الأعلى للنظام، والرئيس السابق الراحل هاشمي رفنسجاني إضافة إلى بعض وزراء وقيادات أمنية بينها القائد الأسبق لحرس الثورة محسن رضائي، الأمر الذي قطع الطريق على إمكانية استمرار التعامل بينهما، إلا أن واشنطن عادت إلى سياسة خفض سقف التشدد مع طهران عشية الاستعدادات للهجوم على العراق، ما أعطى طهران فرصة التقاط الأنفاس والتخطيط لاستغلال التورط الأمريكي في مستنقعي افغانستان والعراق، وهو ما نجحت به ومهدت الطريق أمام تحولها إلى لاعب أساس في ملفات المنطقة من خلال مد نفوذها إلى العديد من العواصم العربية وتعزيز دورها في قرارات المنطقة والإقليم.

كاتب لبناني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية