بعد عشر سنوات من التسويف والمفاوضات العقيمة، زاد ملف السد الإثيوبي تعقيدا، ومقابل بحث السودان ومصر عن حل في شكل اتفاق ملزم خاص بملء السد، وعلاج الآثار المترتبة عليه، وزاد المأزق حدة مع استمرار عناد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد وحكومته، وإصراره على حلول تلبي مطلبه وحده، وتمكنه من مصادرة مياه النيل الأزرق؛ المصدر الرئيسي لمجرى النيل الذي يجري بين دولتي المصب؛ بداية من السودان، ونهايته لمصبه في مصر؛ على ساحل البحر المتوسط، ورفض إبرام اتفاق ملزم يراعي إحتياجات إثيوبيا والسودان ومصر واحتياجات الغير من شركاء حوض النيل، وإثيوبيا ليست في حاجة لمزيد من المياه، وكان عليها البحث عن طرق أكثر جدوى، تُبنى على التفاهم والتعاون بين الدول المتشاطئة، ولدى إثيوبيا أكثر من حاجتها للمياه عدة مرات، لكن يبدو إن هناك سر وطرف خفي يهمه مصادرة حصص السودان ومصر المائية، ولا يراعي الحقوق المتكافئة، والتعاون الجماعي، والمصالح المشتركة.
ضاعت سنوات طوال في مفاوضات عقيمة، وحوار طرشان، وذلك أصاب الشارعين السوداني والمصري بتململ وقلق شديدين وصلا لأقصى المدى، وأديا لمزيد من الضغوط على المسؤولين، والمواطنين وأغلبهم في مصر يحمِّلون «المشير السيسي» وحده مسؤولية «اتفاق المبادئ» الذي اقتنصه أبي أحمد ويُشهره في وجه الجميع، وجعل منه وثيقة ألغت الاتفاقيات السابقة، ولهذا يضغطون للأخذ بالخيار العسكري.
ولنقارن الضغوط التي أعقبت هزيمة 1967، ووقتها ضَغَط الشارع العربي، في أكثر من قطر، وزاد ضغطه في مصر وسوريا، وهما من تحملا النصيب الأكبر من أعباء الهزيمة، فسارعتا إلى بناء القوات المسلحة وإعدادها لـ«إزالة آثار العدوان» وفي مصر بدأت «حرب استنزاف»؛ من يونيو 1968 إلى مايو 1970، ودارت بين القوات المصرية غرب قناة السويس وقوات العدو في شرقها، وإن بدأت في حقيقتها قبل ذلك التاريخ بنحو عام؛ في معركة «رأس العش» أول يوليو 1967؛ حين تقدمت مدرعات صهيونية على امتداد الضفة الشرقية للقناة؛ في اتجاه بورفؤاد؛ المواجه لبورسعيد على ضفة القناة الغربية، وكان الهدف دخول العدو لبورفؤاد، التي لم تكن قد احتلت، وكان الدخول إليها يضع بورسعيد تحت رحمة العدو وتهديدها بشكل دائم.
وعند وصول قوات العدو إلى «رأس العش» جنوب بورفؤاد، وجدت أمامها نحو ثلاثين مقاتلا من الصاعقة بأسلحتهم الخفيفة، وتحركت تلك القوات المعادية بعشر دبابات، وقوة مشاة ميكانيكية ومركباتها نصف المجنزرة، وتصدت لها عناصر الصاعقة، وتشبثت بمواقعها، وتمكنت من تدمير ثلاث دبابات للعدو، الذي فوجئ ببسالة مقاتلي الصاعقة، التي أنزلت بدورها خسائر كبيرة في معدات وأفراد العدو، وأُجبِر على الانسحاب والهرب جنوبا، لكنه استأنف الهجوم، وفشل في اقتحام الموقع، وتم تدمير عدد من مركباته نصف المجنزرة، وزادت خسائره في الأفراد والمعدات، واضطر للفرار مرة أخرى.
وتواصلت حرب الاستنزاف، ووصلت إلى العمق المصري، وامتدت لخارج مسرح العمليات؛ ومن أهم عملياتها تفجير الحفار العملاق كيتنج1، في 28 مارس 1968 في ابيدجان، عاصمة ساحل العاج، وكان عملا ناجحا للمخابرات العامة، والمخابرات الحربية، والقوات البحرية، ووزارة الخارجية، والقصة إنه بعد حرب 1967 اتفقت تل أبيب مع شركة هولندية امريكية على شراء «حفار» لاستخراج النفط من خليج السويس. وتوقفت حرب الاستنزاف رسميا مع الأخذ بـ«مبادرة روجرز» في مايو 1970؛ وقد مكنت من بناء حائط الصواريخ، واستطاعت القوات المسلحة إنجاز أصعب مهامها في عبور قناة السويس، وتحطيم «خط بارليف» الذي رآه خبراء عسكريون وهندسيون مستعصيا على التدمير، حتى باستخدام القنابل النووية، وكانت خسائر الاحتلال كثيرة في المعدات والأفراد.
والخيار العسكري يحتاج لتعبئة، وجبهة قوية تدافع عن حقها في الحياة، وعلى المصريين وقواتهم المسلحة التحرر من «اتفاق المبادئ» وإلغائه، فما زال قيدا على دولتي المصب
ومع الوفاة المفاجئة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1970، وفي وقت استعدت فيه القوات المصرية والسورية للمعركة؛ بادر السادات بتمديد وقف إطلاق النار، وحدد عام 1971 عاما للحسم، ومر ذلك العام دون حسم!!، وانتشرت في مصر النكت والرسوم الساخرة، واشتعلت الجامعات بالمظاهرات طوال عام 1972؛ تطالب بالحرب، واستمرت المظاهرات اضطر السادات لدخول الحرب.
وعبرت القوات المصرية والسورية الموانع الحصينة للعدو، وأهمها وأصعبها «خط بارليف» على ضفة القناة الشرقية، وحدث في اليوم التالي للمعركة (07/ 10/ 1973) أن أبلغ السادات «صديقه هنري» وهو وزير الخارجية هنري كيسنجر، بخطة الحرب وأفصح له عن غرضها المحدود، وهو«التحريك» وليس «التحرير» وأسرع «الصديق هنري» وأبلغ غولدا مائير رئيسة الوزراء الصهيونية؛ بما قاله السادات وطمأنها، وهكذا أجهض السادات نصر عسكريا عظيما بنفسه خلال ساعات، وحال دون تحوله لنصر سياسي، وكان ذلك سببا في إقالة رئيس الأركان وبطل العبور الراحل الفريق سعد الدين الشاذلي؛ بعدها صرح السادات بإن «حرب اكتوبر هي آخر الحروب»!!، وتوالت تداعيات الهزيمة السياسية، وبدأت مع «فض الاشتباك الأول» في الكيلو 101 على طريق القاهرة – السويس، وبدأ الاجتماع الأول الساعة 1.30 صباح يوم 28 أكتوبر 1973.
وشهد اجتماع «فض الاشتباك الثاني» أصعب لحظات عاشها المشير الجمسي في حياته؛ دفعته إلى البكاء أثناء استكمال المباحثات في يناير 1974 بأسوان، وجلس الجمسي أمام كيسنجر، الذي أخبره بموافقة السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة، و70 ألف جندي من الضفة الشرقية لقناة السويس، وتخفيض القوات المصرية في سيناء الي 7000 رجل و30 دبابة!! ورفض الجمسي ذلك بشدة، وسارع بالاتصال بالسادات، وأكد له قول «صديقه هنري»؛ وعاد الجمسي منكسرا، وما أقسى إنكسار قائد منتصر بلا مبرر، وأخذ يغالب دموعه، ولم يتمالك نفسه، وأشاح بوجهه ليخفي دموعا زرفت حرقة على نصر عسكري مجهض، وأرواح آلاف الشهداء، الذين أزهقت أرواحهم من رئيس على شاكلة السادات. وفوجئ «الصديق هنري» بدموع الجنرال، الذي كثيرا ما أسرّ إليه القادة الصهإينة «بأنهم كانوا يخشونه أكثر مما يخشون غيره من العسكريين العرب» وبعد تقاعد ذلك القائد العظيم أبدى ندمه على «اشتراكه في التفاوض مع اليهود».
و«المشير السيسي» إبن مدرسة السادات، التي أجهضت نصر أكتوبر، وهو مثله الأعلى؛ يمقت العمل المؤسسي، ووحده الآمر الناهي؛ يفهم ويقرر ويفتي في كل شيء، ويكره المشاريع الانتاجية والصناعية، ويهمل التنمية الشاملة، ويعشق الاستيراد، ويُغلق ما بقى من مصانع بعد الخصخصة، وينفر من الاكتفاء الذاتي، ويخاصم العمل الجاد، ويعطى الأولوية للمنتجعات، وبناء عاصمتين جديدتين؛ واحدة شتوية في شرق القاهرة، وأخرى صيفية في الساحل الشمالي على البحر المتوسط؛ غرب الإسكندرية؛ هي «العامرية الجديدة»؛ يعلم إنها مشروعات بلا عائد، تستنزف الجبايات والهبات والمعونات والقروض والديون أولا بأول، ويزيد على ذلك إنتماؤه للثورة المضادة المصرية والعربية والدولية؛ بقيادة واشنطن وتل أبيب والرياض وباقي عواصم التطبيع والصهينة!!.
والشارع المصري يضغط حاليا على «المشير السيسي» للأخذ بالخيار العسكري، الذي لا يراه مجديا، في وقت يتهيأ فيه الشارع المصري لاستعادة زمام الأمور، بعد أن أضحى غير قادر على تحمل الموت عطشا، أيا كان الحاكم. ومن يقف وراءه، فالخيار العسكري يصبح مشروعا دفاعا عن حق الحياة، ولن يقبل المصريون بخيار الموت عطشا؟، وهو خيار عادل ويستمد قيمته من عدله، فهو دفاع عن حق الحياة، وهي خيار ليس للتوسع، أو حرمان إثيوبيا أو غيرها من حقها المشروع في الحياة، ولديها فوائض مياه لا تتوفر لبلد آخر، وحين قالت إثيوبيا إن سدها للكهرباء لم يُمانع أحد، والكل مع تنمية وتقدم إثيوبيا ورفاهية شعبها.
وهذه نوايا معلنة من دولتي المصب فلماذا العنت؟ ألا يعني ذلك إن هناك أمر أكبر من الحكومة الإثيوبية ورئيسها أبي أحمد؟ وأكبر من الممولين للسد وموقفهم غير المفهوم، والخيار العسكري قائم ومعلن من إثيوبيا، ويحتاج لـ«نوبة صحيان» بلغة ميادين القتال، والخيار العسكري يحتاج لتعبئة، وجبهة قوية تدافع عن حقها في الحياة، وعلى المصريين وقواتهم المسلحة التحرر من «اتفاق المبادئ» وإلغائه، فما زال قيدا على دولتي المصب، وأطلق يد إثيوبيا في إلغاء الالتزامات السابقة عليه دون حق قانوني أو إنساني أو سياسي!!.
كاتب من مصر
خطوة مصر والسودان الذهاب لمجلس الأمن غير موفقة المتأخرة كثيرا. وما اراه الآن أن إثيوبيا قررت السيطرة على النيل تماما وذلك من خلال كلام وزير الري الأثيوبي في مجلس الأمن. وانا ورغم انني لست مصريا ولكن أشعر بالحزن لما وصلت إليه مصر من تفريط في نيلها وكذلك ارى شجاعة واقدام الإثيوبيين.. ولكن أحس أن إثيوبيا تلعب بالنار .فوجب الحذر. حيث أن الرئيس السيسي ربما لا يعرف خطورة الأمر. ولكن في قادم الأيام قد يكون لمصر رئيس مختلف ربما سوف يطالب بحقوق مصر بالقوة. فهنا وجب على اثيوبيا عدم الظن ان النيل اصبح بحيرة اثيوبية. وتم لها ما أرادت. فهنيئا لاثيوبيا رئيس وزرائها ابي أحمد الذي عرف كيف يسيطر على النيل ويجعل مصر والسودان بلا حول أو قوة..اما مصر والسودان فلهم الله. ولا يسعنا إلا الدعاء.
وكيف يتحرر المصريون وجيشهم من إتفاق المبادئ والسيسي الذي وقعه لا يزال رابض على كرسي الحكم وقلب مصر.
وكيف يتحرر الجيش وقادته يستغلونه في أعمال السخرة والاستحواذ على ثروات البلاد ومصادر دخلها وإخراج رجال الأعمال من السوق؟!
لاخيار أمام الدولة العسكرية المصرية غير تسديد المقابل المادي للحصول على مياه النيل…المياه أصبحت تنافس الجواهر يا سيدمحمد دياب…
لا أظن أن الزعيم المهزوم دائما كان يريد حرب استنزاف أو عبور. المبادرات كانت ذاتية من مقاتلين بسطاء أبطال يريدون الشهادة من أجل دينهم ووطنهم. أما جيش الماريشال عامر المشغول بكرة القدم ورعاية الحفلات الفنية، والسهرات الجميلة االتي تتم بعلم الزعيم المهزوم فلم يكن في حسبانه شيء عن الحرب مواجهة العدو، ولذا كانت الهزيمة فاقعة ومريرة وبشعة!
2- كنت مع مئات الألوف من شبان بلادي المهزومة تحت السلاح عقب الهزيمة مباشرة، وظللنا مجندين حتى تم العبور خرجنا بعده إلى الحياة العامة بعد ما يزيد عن ست سنوات. كانت العبرة أن العسكري الديكتاتور الذي يتعاطى السياسة لا تهمه مصلحة البلاد والعباد بقدر ما يهمه الكرسي الواطي الذي يجلس عليه! ولذا لم يفكر أبدا – بشهادة خالد محيي الدين – في مواجهة العدو مواجهة حقيقية. خرج الشعب الألماني يوم أمس ليصفق ست ساعات لأنجيلا ميركل النتي لم تغير بدلتها طوال الحكم (18 عاما) ويحييها على إنجازاتها الحقيقية التي يتكلم عنها الشارع ، وليس محجوب عبد الدايم!
تصويب: اعتذر عن ست ساعات. هي ست دقائق متواصلة!
3-احنا شعب وانتو شعب. هذه هي السياسة العسكرية الإرهابية في بلادي. الأجهزة إياها تشغل الناس بقضاياها التافهة أو الشخصية: فتاة تتزوج كلبا لتكايد طليقها. أخبار ممثلة مصابة بالكورونا لا تتوقف على مدى أربعة شهور أو أكثر، فتيات التوكتوك اللاتي يعرضن أجسامهن مقابل الدولارات، العوالم في صراعهن من أجل الأزواج، متابعة تتلاسن مع فنانة أو مذيعة. أين السد الحبشي بعد أن قدمه الماريشال مجانا وديلفري للسيد آبي أحمد وحكومته؟ مجلس الأمن طلب من السادة المتخاصمين بشأن الملء الثاني أن يهدأوا ويعودوا إلى السيد الإفريقي الذي طلب الأحباش أن تكون لعبة الاستغماية تحت إشرافه. احنا شعب وانتو شعب .. من الذي سيحرر النيل في ظل ديكتاتورية الماريشال وأبواق محجوب عبد الدايم؟ سنغافورة التي تقودها السيدة المحجبة حميدة يعقوب والتي تصلي جماعة بعد اجتماعات الوزراء، وتتنوع عقائد وأعراق بلادها، حققت زيادة في دخل بلادها تقدر بثلاثة تريلونات دولار، والفساد نسبته صفر، البطالة نسبتها صفر. سلام على الدكر!
شكرًا أخي محمد عبد الحكيم دياب. أرى المرضوعية والجدية في معالجة الواقع ولاشك عذا مهم لكن أعتقد أن ماأفسدته السياسة لن تصلحه الحرب لأن السيسي هو ذاته في السباسة وفي الحرب. ليس الحل في الحرب برأيي لأن المشكلة في السيسي ونظامه أي أن الثورة المضادة في مصر هي المشكلة شئنا أم أبينا حيث لايستطيع إلا البلطجة على الشعب المصري، ولن يتغير الكثير حتى يتغير النظام نفسه أو يتم تغييره!