السعودية: تغيير السياسات وليس الأشخاص

حقيقة واحدة اكدتها الخطوة السعودية الاخيرة بقيامها بتعديلها الوزاري المفاجئ، مفادها ان البيت السعودي شعر، ربما للمرة الاولى منذ سيطرته على الحكم قبل اكثر من ثمانية عقود، بانه فقد الكثير من المصداقية وان عليه استعادة شيء منها اذا اراد البقاء في السلطة. واذا كانت جريمة قتل الاعلامي جمال خاشقجي الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فان سياسات اخرى انتهجتها المملكة في الاعوام الاخيرة ساهمت في الغضب الدولي الذي انفجر بعد حادثة اسطنبول.
تتصدر تلك القضايا الحرب التي شنتها السعودية والامارات والبحرين (وعشر دول اخرى) على اليمن والتي بدأت مؤخرا تستثير مشاعر العالم بعد انتشار صور المرض والجوع والدمار. ولولا الدعم غير المحدود او المشروط من التحالف الانكلو ـ أمريكي لكان الغضب الدولي أشد وطأة وأوسع مدى. فعلى مدى السنوات الاربع الماضية مارس التحالف العسكري بقيادة السعودية سياسة تكميم الافواه ومنع بث مشاهد الدمار المادي والبشري في بلد ذي حضارة راسخة وتاريخ انساني وإسلامي ناصع. يضاف الى ذلك ضعف الاداء على صعيد السياسات الداخلية والاقليمية والفشل الذريع للدبلوماسية السعودية في قضية فرض الحصار على دولة قطر. هذه العوامل مجتمعة دفعت العاهل السعودي للقيام بالتغيير الوزاري في محاولة لاحداث تغيير لدى العالم بوجود ديناميكية سياسية ودبلوماسية لدى نظام لم يعرف بالمبادرات الاصلاحية او احترام حقوق الانسان.
ومن المؤكد ان الدبلوماسية السعودية في الاعوام الاخيرة اصبحت اكثر تحررا واقداما وحضورا على الصعيد الاقليمي والدولي. ولكن هذه الدبلوماسية هي الاخرى ادت لتراجع موقع المملكة الميزان الاخلاقي الدولي المعني بمراقبة التطور الديمقراطي والحقوقي وقضايا العدالة والسلام. هذه الدبلوماسية ساهمت في حماية النظام من ضربات كانت ستكون موجعة.
تبرز بضع قضايا كبرى حدثت منذ مطلع التسعينيات وساهمت في تشكيل النظرة العالمية للجزيرة العربية خصوصا المملكة العربة السعودية.
اولاها الاجتياح العراقي للاراضي الكويتية في 2 آب / اغسطس 1990 والحرب التي اعقبتها. اظهر ذلك الاجتياح هشاشة سياسية وعسكرية واضحة في الجسد الخليجي الذي تمثل السعودية رأسه. فقد فشل مجلس التعاون الخليجي في التنبؤ بالاجتياح او الاستعداد له. كما فشل في التصدي له بعد وقوعه، ووجدت القيادة السعودية نفسها مضطرة للاستنجاد بالولايات المتحدة وحليفاتها، وربما دفعها ذلك للتفكير الجاد في انهاء حالة الحرب مع قوات الاحتلال الاسرائيلية والبدء بتطبيع العلاقات مع «اسرائيل». انه تحول كبير في الدبلوماسية السعودية والسياسات الإسلامية المحافظة التي اقام الملك عبد العزيز مملكته على اساسها.
ثانيها: حوادث 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية وما تركته من صورة اصبحت نمطية، للدور السعودي في تلك الحادث الإرهابي، خصوصا مع ثبوت ان 15 من الاشخاص التسعة عشر الذين قاموا بتفجير الطائرات كانوا من ذوي الجنسية السعودية. هذه الحادثة التي تعتبر باكورة الإرهاب الدولي الواسع النطاق فتحت اعين العالم على الدور السعودي في رعاية فكر التطرف ونزعة الإرهاب.

حقيقة واحدة أكدتها الخطوة السعودية الأخيرة بقيامها بتعديلها الوزاري المفاجئ، مفادها أن البيت السعودي شعر، ربما للمرة الأولى منذ سيطرته على الحكم قبل أكثر من ثمانية عقود، بانه فقد الكثير من المصداقية وأن عليه استعادة شيء منها اذا اراد البقاء في السلطة

وبغض النظر عما اذا كان احد من رموز البيت السعودي متورطا في التمويل ام ان الامر مقتصر على بث الفكر الديني المتطرف المؤسس على فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فان الانطباع العام ان الحكم يتحمل جانبا من المسؤولية. وبعد سنوات على تلك الحادثة أقر الكونغرس الأمريكي قانون «جاستا» الذي يسمح لعائلات ضحايا 11 أيلول / سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية امام المحاكم المدنية طلبا للتعويضات. وقد أغضب ذلك القرار الحكومة السعودية وبذلت اموالا هائلة لمواجهته بتحريك بعض اعضاء الكونغرس وشركات العلاقات العامة لتجميده على الاقل. ويقول بعض المحللين ان الاموال التي تعهدت الرياض بدفعها لواشنطن بطلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتضمن تعويضات تدفع لعائلات الضحايا خارج المحاكم، فتلك صيغة مفيدة للطرفين.
اما التطور الثالث فهو الحرب على اليمن التي ستكمل بعد اقل من ثلاثة شهور عامها الرابع. ويمكن القول انها كانت المخاطرة الأسوأ لولي العهد السعودي. فقد اثارت الشعب اليمني ضد المملكة، وحركت الضمير العالمي للتعاطف مع ضحاياها وشجب السعودية والامارات والبحرين بسبب دور كل منها في العدوان، ولم تبق جهة دولية مرموقة الا اتخذت موقفا مطالبا بالوقف الفوري للحرب التي اتت على الاخضر واليابس. ولكن الاخطر من ذلك، في المنظور السعودي، ان وقفها يساوي اعترافا سعوديا بالهزيمة امام صمود الشعب اليمني. ولكن الموقف السعودي بدأ يتآكل خصوصا بعد فشل القوات السعودية والاماراتية في السيطرة على ميناء الحديدة برغم الحشد العسكري الكبير لفرض حصار عليها من كل الجهات وقطع طرق الامداد عنها.
مع ذلك استطاع اليمنيون الصمود والدفاع عن المدينة وقتل العشرات من السعوديين والاماراتيين، الامر الذي اجبرهم على القبول بوقف اطلاق النار. جاء ذلك في جولة المحادثات التي عقدت هذا الشهر في العاصمة السويدية، ستوكهولم، بحضور ممثلين عن اليمنيين بقيادة حركة انصار الله (الحوثيين) وابداء مرونة كبرى في المواضيع التي هي موضوع النقاش. وتحت الضغط الدولي ونظرا لحضور المبعوث الخاص لليمن التابع للامم المتحدة وافقت الاطراف على وقف اطلاق النار في ميناء الحديدة.
وستستمر المفاوضات من اجل التوصل لصيغة توافقية تفضي الى تشكيل حكومة وطنية ثم الشروع في الانتخابات البرلمانية. اليمنيون وجدوا انفسهم في ستوكهولم يتفاوضون مع قوى اجنبية وليس مع معارضيهم من اليمنيين، الامر الذي اضفى عليهم قيمة سياسية كبرى وجعلهم رقما صعبا في المعادلة السياسية اليمنية. وقد كان هذا من الامور التي اغاظت الرياض ودفعتها لشن العدوان قبل اربعة اعوام.
الدبلوماسية السعودية في السنوات الأربع الأخيرة التي اعقبت رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز في كانون الثاني /يناير 2015 اصبحت اكثر تحررا وحراكا، ولكن السعودية اصيبت بداء العظمة معتقدة ان بامكانها فعل ما تشاء. فما سبب هذا الشعور الوهمي المفاجئ بالعظمة والكبرياء؟. ثمة عوامل عديدة ساهمت في ذلك ومنهاك اولا: ما حققته السعودية (بالتعاون مع قوى الثورة المضادة) من انجازات ذات شأن في تصديها للثورات العربية وافشالها جميعا. ثانيها: التوجه لتطبيع العلاقات بين الكيان الاسرائيلي وبعض دول الخليج كالسعودية والامارات والبحرين. البعد الاسرائيلي له دور كبير في توجيه السياسة السعودية الجديدة التي تبناها ولي العهد محمد بن سلمان وفرضها على والده العاجز عن ادارة الدولة نظرا لتقدمه في العمر وتداعي قواه الجسدية والعقلية. هذه السياسة اصبحت تتمحور حول قضايا ثلاث: التصدي لأية محاولة للتغيير السياسي في الدول العربية باستخدام الخبرات الاسرائيلية المدعومة بما توفره أمريكا وبريطانيا من دعم امني للانظمة العربية. ثانيها: التصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الاوسط خصوصا بعد حدوث التغيرات غير المتوقعة ومنها جنوح العراق نحو الاستقرار بعد تصديه لتنظيم داعش وكسر ظهرها في الاراضي العراقية، وتحطم الآمال السعودية على صخرة الصمود اليمني في الحرب التي مضى عليها اربعة اعوام، والسعي لانهاء القضية الفلسطينية للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي في مقابل خدماته الأمنية لهذه الانظمة. هذه الاستراتيجية لا يبدو لها نجاحات تذكر. ثالثها: ضمان المصالح الأمريكية في الشرق الاوسط. واقناع واشنطن بضرورة حماية هذه الانظمة لتستطيع القيام بذلك.

كاتب بحريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تيسير خرما:

    قبل ولاية بن سلمان تحجج محور أعداء العرب أن السعودية منهوبة من آلاف أمراء ومتنفذين وتضطهد نساء وأديان وأرامكو ملك آل سعود والسعودية والإمارات تكدس أسلحة بمليارات لتصدأ، والآن يبكي محور أعداء العرب ملاحقة السعودية أمراء ومتنفذين ورفع ظلم نساء وأديان وتحول أرامكو لمساهمة عامة بقيمة سوقية 2 تريليون وينصدم المحور لاستعمال السعودية والإمارات أسلحتها لصد عدوان حرس ثوري على الجزيرة العربية بقوة عربية هائلة غير قابلة للاستنزاف بل استنزاف موارد ولي فقيه وداعميه وأذنابه حتى انتفضت شعوب إيران والعراق عليها

  2. يقول عصام عثمان عبد القادر:

    اليمنيون وجدوا انفسهم في ستوكهولم يتفاوضون مع قوى اجنبية وليس مع معارضيهم من اليمنيين، حاولت افهمة بس عجزت عن ذلك هل من معين.

إشترك في قائمتنا البريدية