مع كل دورة برلمانية جديدة في العراق يثار موضوع تغيير العلم والسلام الجمهوري والنشيد الوطني، اعتبارات كثيرة تقف وراء المقترحات، منها ارتباط هذه الرموز الوطنية بحقبة تم تجاوزها، ومنها وجوب اختيار رموزنا على أسس وطنية، بمعنى أن تكون منتجا عراقيا محضا. وهذه الدورة البرلمانية لا تختلف عما سبقها من دورات، لذلك اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام عندما أعلن الفنان الفنان سنان العزاوي، عبر حسابه على «فيسبوك» قائلا إن: «سماحة السيد القائد مقتدى الصدر، أشاد في سياق الحوار معه، بالفنان كاظم الساهر وأعرب عن إعجابه بأنشودة «سلام عليك على رافديك عراق القيم» وسماها بالنشيد الوطني».
وعلى إثر ذلك، أعلنت كتلة «سائرون» البرلمانية التابعة للصدر تقديمها مقترحاً إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لإدراجها كفقرة للمناقشة في إحدى الجلسات المقبلة. أثير الكثير من اللغط في عائدية لحن النشيد، فقد نشر الفنان وليد حبوش تعليقا حول الأمر أثار فيه مسألة تشابه الجمل اللحنية الرئيسية في لحن كاظم الساهر مع السلام الجمهوري للجمهورية الأولى الذي اعتمد عام 1958. السلام الجمهوري الأول كان قد لحنه ملحن شاب حينها هو لويس زنبقة، وتم اختياره من حكومة عبد الكريم قاسم ليكون بديلا عن السلام الملكي.
الدول تحتفظ عادة برموزها مثل العلم والسلام الوطني والنشيد الوطني لفترات طويلة، لأنها رموز جامعة لا يجوز تغييرها بسهولة
في هذا الموضوع تكمن مجموعة مفارقات يجب تسليط الضوء عليها، في البدء يجدر بنا أن نبين أن دول العالم تحتفظ عادة برموزها مثل العلم والسلام الوطني والنشيد الوطني لفترات زمنية طويلة، لأنها رموز جامعة لا يجوز تغييرها بسهولة، أو تبعا لتقلبات الوضع السياسي، فإذا نظرنا إلى نماذج معروفة في هذا الأمر نرى مثلا النشيد الوطني الفرنسي، الذي كتبه كلود جوزيف روجيه دي ليسلي عام 1792 ليصبح نشيد الثورة الفرنسية، ولم يتوقف استعمال هذا النشيد إلا في زمن امبراطورية نابليون بونابرت، لكنه سرعان ما عاد في زمن الجمهورية، وبقي ثابتا حتى الآن، أي قرابة القرنين. ويذكر أن ألمانيا النازية خلال حقبة الاحتلال الألماني القصيرة لفرنسا، كانت قد أمرت حكومة فيشي بتعليق استخدام النشيد الوطني الفرنسي بسبب حماسته المفرطة ضد أعداء فرنسا، لكن بعد التحرير مباشرة عاد النشيد نفسه ليكون نشيدا وطنيا لفرنسا، كما كان عبر تاريخها الحديث.
كذلك حال النشيد الوطني البريطاني المعروف بـ(حفظ الله الملكة) الذي يعد نشيدا مهما ورمزا من التقاليد الملكية الراسخة ويستخدم كنشيد وطني في بعض دول الكومنولث مثل أستراليا ونيوزلندا وكندا، ويعود تاريخه إلى عام 1770، المفارقة أن فيه تهجما واضحا على الأسكتلنديين، ففي المقطع قبل الاخير منه يرد: «الأسكتلنديون العصاة سَيَسْحقونَ.. فليحفظ الرب الملكة»، ومع ذلك تقبله الأسكتلنديون بصفتهم جزءا من المملكة المتحدة، واعتبروه نشيدا وطنيا تاريخيا. وبالعودة إلى أناشيدنا الوطنية التي باتت معروفة، يمكن أن نقول بعجالة، إن العراق التاريخي بصفته جزءا من الامبراطورية العثمانية كان يستخدم رموزها مثل، العلم والسلام الوطني العثماني، وفي مطلع عشرينيات القرن المنصرم ومع تأسيس المملكة العراقية، تم اتخاذ رموز جديدة للأمة العراقية الجديدة مثل، علم المملكة العراقية وشعارها الملكي، وكذلك السلام الملكي. ويذكر الباحث الموسيقي باسم حنا بطرس بهذا الخصوص «عند تشكيل (الحكم الوطني) في العراق رأى القائمون على الأمر ضرورة وجود (سلام ملكي عراقي) أسوة بدول العالم.. ولذلك أعلن في عام 1924 عن مسابقة بهذا الخصوص، ورصدت لها جائزة نقدية تمنح لمن يفوز بتلك المسابقة. وقد اشترك في هذه المسابقة عدد من الموسيقيين الأجانب، وفاز اللحن الذي وضعه (الميجر جي. آر. موري) وهو أحد ضباط الجيش البريطاني ليعلن رسميا اعتباره (السلام الملكي)». بعد الإطاحة بالنظام الملكي، ارتأى قادة العهد الجديد ضرورة تغيير الرموز الوطنية واستحداث ما يتلاءم مع عصر الجمهورية، وقد فاز لحن موسيقار شاب هو لويس زنبقة الذي كان يكمل دراسته العليا في فيينا عندما حدثت الثورة في يوليو/تموز 1958، وقد قدم نوتات اللحن الجديد الذي سجله على اسطوانة بعد أن عزفته اوركسترا نمساوية، وسلم زنبقة السلام الجمهوري المقترح لسفارة العراق في فيينا مع رسالة إلى الجنرال عبد الكريم قاسم، وما لبث اللحن الجديد أن اعتمد سلاما وطنيا للجمهورية الأولى في العراق.
مع سلسة الانقلابات العسكرية المتلاحقة التي غطت عقد الستينيات في العراق، تغيرت الرموز الوطنية ومنها السلام الجمهوري، باعتباره رمزا لعهد تم الانقلاب عليه، ونتيجة سيطرة حزب البعث على نظامي الحكم في سوريا والعراق مطلع عام 1963، وسرعان ما طرح البعثيون فكرة التقارب مع مصر عبد الناصر، ومحاولة تدشين مشروع وحدة ثلاثية، وقد تم نتيجة ذلك اعتماد رموز وطنية مشتركة هي، العلم ذو النجوم الثلاثة رمزا للوحدة الثلاثية، وأغنية (والله زمان يا سلاحي) التي لحنها كمال الطويل وكتبها صلاح جاهين وغنتها أم كلثوم لتصبح نشيدا وطنيا في مصر والعراق على مدى حوالي ستة عشر عاما.
وهنا لابد من التنويه ‘لى ما ذكره الباحث الموسيقي باسم حنا بطرس حين كتب: «أذكر في أوائل السبعينيات، تمَّ الإعلان عن مسابقة لتلحين سلام جمهوري جديد، وتم تشكيل لجنة في دائرة الفنون الموسيقية بوزارة الإعلام، لفحص النماذج المقدمة للمسابقة. كان لويس زنبقة في تلك الفترة قد عاد إلى العراق، وتم تعيينه للعمل معي في إدارة الفرقة السمفونية الوطنية العراقية. قلنا له: لماذا لا تشارك في هذه المسابقة؟ أجاب بأنه يرفض فكرة المسابقة، لأن السلام الجمهوري الذي ألَّفه وتم اعتماده عام 1958، ما كان مكرَّساً لنظام معيِّن، بل للعراق الجمهوري. أقنعناه بمقابلة وزير الإعلام فرفع مذكرة إلى الوزير قال فيها ما معناه: أعيد تقديم السلام الجمهوري لعام 1958، وهو صالح لاعتماده مجدداً ودائماً. والتقى الوزير الذي وعده برفع المقترح إلى ديوان الرئاسة، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء في هذا الأمر، وبعد بضعة أشهر عاد لويس زنبقة إلى فيينا، وانقطعت أخباره عنا، لنسمع بخبر وفاته في ما بعد».
في عهد الجمهورية الثالثة ومع ما عرف بانقلاب القصر الذي أزاح فيه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين سلفه أحمد حسن البكر، وتسنم كرسي الرئاسة في 17 يوليو 1979 ابتدأ العمل على إنتاج رموز جديدة لعهد القائد الجديد، ومنها طبعا السلام الجمهوري والنشيد الوطني، وهنا فازت قصيدة شاعر الحزب حينها، شفيق الكمالي «وطن مد على الأفق جناحا» لتصبح نشيدا وطنيا منذ عام 1981، بينما فاز لحن الملحن اللبناني وليد غلمية ليصبح سلاما جمهوريا يدشن عهد «القائد الضرورة» كما كان الإعلام يصف صدام حسين. لكن سرعان ما دب خلاف قديم متوار بين الكمالي والنظام الجديد، لتسجل مفارقة جديدة بهذا الشأن يصعب استيعابها، ففيما كان النشيد الوطني العراقي الذي كتبه شاعر الحزب يذاع صباح مساء وتردده ملايين الحناجر كل يوم، كان مؤلفه يئن من هول التعذيب في أقبية الأجهزة الأمنية العراقية، حتى أفرج عنه بعدها وهو محطم ليموت عام 1984 في عزلته، بينما نشيده بقي يتردد حتى سقوط النظام بعد عشرين عاما.
مع إطاحة نظام صدام عام 2003 وفي حقبة بول بريمر والإدارة المدنية الامريكية للعراق، كان الفراغ الإداري هو المسيطر على الساحة، والاستعجال هو سمة التعاطي مع الكثير من الامور الشائكة، والاستقرار على رموز وطنية لها أهميتها لا يمكن أن يتم في مثل هذه الاجواء المتوترة، لذلك لم يجد من كانوا في واجهة المشهد السياسي أمامهم سوى نشيد عربي قديم من ثلاثينيات القرن العشرين، هو نشيد «موطني» الذي كتبه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ولحنه الملحن اللبناني محمد فليفل ليصبح نشيدا وطنيا للعراق الجديد. وقد اعترضت عليه البرلمانات العراقية منذ 2005 حتى الان كونه لا يمت بصلة للعراق، ويدعون لاعتماد قصيدة لشاعر عراقي، يقوم بتلحينها ملحن عراقي، ليعتمد سلاما وطنيا. لكننا نفاجأ في كل مرة بتأجيل إقرار رموزنا الوطنية لسبب ما.
كاتب عراقي
السياسيون بالعراق لا يحسون بمشاكل العراقيين الحقيقية!! ولا حول ولا قوة الا بالله
الكاتب المحترم؛ لم هنالك وطن مستقل وسيد لتصبح له رموز وطنية وأي نشيد وطني يعتمد فارغ المحتوى …
بالنسبة للنشيد الوطني أرى أنه يجب إختيار الأفضل بغض النظر عن زمان ظهوره أو مؤلفه و ملحنه
و أرى ، تفادياً لتكريس دولة دينية طائفية ، أن يُرفع إسم الجلالة من العلم ، حفاضاً على قدسية .
لقد كان حلاً كاريكاتيرياً تغيير خط الكتابة الى نمط مختلف عما كان عليه وقت النظام السابق ، فذلك لم يلغي حقيقة أن رأس النظام أضاف ذلك لأغراض إنتهازية و نفاقاً
دائما نهتم بالشكليات وننسى ونتغاضى عن المهم والاهم