هل توجد سلطة خامسة؟ سلطة جديدة تنضاف إلى السلطات الموجودة حاليا، سلطة تقترب من مفهوم السلطة الرابعة، وهي الصحافة. يتعلق الأمر بسلطة مراكز التفكير الاستراتيجي، التي ترسم لنفسها حيزا في فضاء صنع القرار الوطني والدولي، وأصبحت أداة من الأدوات الضرورية في وقتنا الراهن.
واعتاد المحللون، الحديث عن السلطات الكلاسيكية الثلاث، وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ثم السلطة القضائية. وهذا التصنيف والترتيب منطقي عندما يتعلق الأمر بالتدبير الشفاف والديمقراطي للسلطات، حيث تمارس كل سلطة الدور المنوط بها. ويغيب هذا الدور المتعدد في كثير من الدول التي تتميز بوجود سلطة واحدة مهيمنة على الحياة العامة، تختزل في «سلطة الديكتاتور». وتمت إضافة سلطة رابعة مع مرور الوقت وهي سلطة وسائل الإعلام بحكم قوتها في مخاطبة الناس، وتشكيل الرأي العام، بل يسميها بعض الباحثين بالبرلمان الورقي، ليس من باب التبخيس، بل بحكم إن قراءة المقالات، خاصة الافتتاحيات ذات التوجه السياسي تدعو المتلقي إلى اتخاذ موقف من قضية ما.
ومفهوم السلطة الرابعة يعود إلى القرن التاسع عشر، وكان أول من وضع تصورا متكاملا للسلطة الرابعة هو المؤرخ الأسكتلندي توماس كاريل في كتابه «الأبطال وعبادة البطل» سنة 1841، واعتمد على سابقة وهي، خطاب إدموند بورك في البرلمان البريطاني، عندما تحدث عن قوة الصحافة في سبعينيات القرن الثامن عشر. وبلور كاريل تصوره ضمن ترتيب مختلف عن مفهومنا الكلاسيكي للسلطات. وهكذا، عندما ظهر تقسيم السلطات الثلاث في الغرب، كان الأمر يتعلق بسلطة الكنيسة، ثم سلطة طبقة النبلاء، والسلطة الثالثة هي سلطة عوام الناس. ومع تراجع دور الكنيسة والتراجع شبه الكلي للنبلاء في الغرب، أصبح مفهوم السلطات الثلاث الكلاسيكي هو المهيمن، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية، لاسيما بعد ارتفاع الإنتاجات الفكرية حول هذه السلطات الثلاث، وكيفية التوازن بينها لإقرار الديمقراطية.
وتحولت الصحافة في الدول الديمقراطية إلى سلطة حقيقية للدفاع عن المكتسبات السياسية والاجتماعية وتحصينها. وساهم الصحافيون في إسقاط حكومات ورؤساء دول، ولعل الحدث البارز هو دور الجريدة المرموقة «واشنطن بوست» في إسقاط الرئيس نيكسون في منتصف السبعينيات بسبب فضيحة «ووترغيت». واتخذت الصحافة طابع مقاومة الطغيان في الدول الديكتاتورية، أي سلطة مضادة للقهر الممارس، ويخاف الديكتاتور من حرية التعبير، ولهذا يلجأ إلى قمع الصحافة. وتشهد المجتمعات تطورات متلاحقة، فهي ليست جامدة، حيث تغيب تصورات وتندثر وتحضر أخرى، ويغيب فاعلون ويظهر آخرون جدد في هيئات وأشكال لم نشهدها من قبل. وعلاقة بالأشكال التنظيمية التي تمارس التأثير وترقى إلى سلطة حقيقية تنضاف إلى السلطات الأربع، هناك سلطة جديدة آخذة في التبلور، وهي مراكز التفكير الاستراتيجي، التي تحاول توجيه السياسات نحو أهداف معينة، وتعمل بشكل أفقي وعمودي في مختلف القطاعات من دون استثناء.
مراكز التفكير الاستراتيجي لم تعد بوصلة لتحديد اتجاه معين بشأن قرار ما، بل أصبحت تساهم في صنع القرار وتقوم بالقيادة
وتعود مراكز التفكير الاستراتيجي إلى منتصف القرن التاسع عشر في بريطانيا وكان أولها هو Royal United Services Institutionالذي جرى تأسيسه سنة 1831. ثم إلى بداية القرن العشرين في الولايات المتحدة مع المعهد الشهير كارنيغي، الذي بدأ مسيرته سنة 1910. وكانت مراكز التفكير الاستراتيجي مرتبطة أساسا بالغرب، ولكنها انتشرت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين. وأصبحت كل دولة بما فيها الدول الفقيرة تتوفر على مراكز التفكير الاستراتيجي التي أصبحت تلعب دور «المستشار». وكل دولة تطمح للريادة تقوم بالتشجيع على مراكز البحث الاستراتيجي، ولهذا ليس من باب الصدفة توفر الصين على أعلى نسبة من هذا النوع من المراكز، وهي الدولة التي تنافس الولايات المتحدة الريادة على العالم. وكانت الجامعة والأحزاب تزود الدولة بالأطر والخبراء، والآن أصبحت مراكز التفكير الاستراتيجي بدورها خزانا تلجأ إليه الدول. وكانت المعرفة مقتصرة بشكل كبير على الجامعة والباحثين المستقلين، والآن أصبحت مراكز التفكير الاستراتيجي تنتج الأبحاث والمعرفة بشكل يتجاوز بعض الجامعات العريقة في مجال العلوم الإنسانية.
وفي دولة في حجم الولايات المتحدة، أصبحت مراكز التفكير الاستراتيجي تنافس الأجهزة الدبلوماسية والاستخباراتية في صنع القرار السياسي، لاسيما بعدما نجحت هذه المراكز في استقطاب أسماء حكومية سابقة. ومن ضمن الأمثلة، المدير الحالي للمخابرات الأمريكية «سي آي أيه» ويليام بارنز كان قبل تعيينه يشغل منصب رئيس مركز كارنيغي، وبهذا فهو يحمل معه تصورات عمل المركز لتطبيقها في الاستخبارات، مع الحرص على ملائمتها مع مصالح البلاد. وأصبح عدد من السياسيين في الدول الغربية، بل حتى في دول أخرى ينضمون إلى مراكز التفكير الاستراتيجي، أو يؤسسون مراكز جديدة لتحقيق هدفين، التأثير في القرارات، أو المشاركة في صنعها من جهة، ومحاولة ضمان منصب حكومي عبر هذه المراكز من جهة أخرى. ودراسة مسار مركز من حجم «راند» الأمريكي، سيندهش المرء لقوة تأثيره في الأحداث الأمريكية منذ الخمسينيات.
وتقدم جامعة بنسلفانيا سنويا تقريرا حول دور هذه المراكز، وتصنفها حسب التأثير والإنتاج الفكري والمعرفي. وتشمل الدراسة أكثر من 6500 مركز، أغلبها في الغرب، لكن مع حضور لافت وتدريجي كل مرة لمراكز من مناطق أخرى مثل، اريقيا والعالم العربي وآسيا، خاصة أمريكا اللاتينية. وأخذا بعين الاعتبار عددا من عوامل التأثير الذي تمارسه مراكز التفكير الاستراتيجي، وسط المجتمع وفي صنع القرار السياسي، فهذه المراكز بدأت تتخذ مع مرور الوقت طابع سلطة نظرا لتأثيرها الكبير والمتنامي وسط المجتمعات. لم تعد بوصلة لتحديد اتجاه معين بشأن قرار ما، بل أصبحت تساهم في صنع القرار وتقوم بالقيادة بطريقة أو أخرى. ولهذا، فهي تنضاف إلى السلطات الأربع المذكورة لنكون أمام السلطة الخامسة.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
حرب امريكا ضد العراق تمت التنضير لها في مثل هذه المراكز التي يسيطر علينا الصهاينة
جزء من القرارات الخاصة بالعالم العربي تخرج من هذه المراكز مثل حرب العراق ومثل التنظير لوصول الاسلاميين الى الحكم. مراكز تينك تانك سلاح خطير يتجاوز السلطة الخامسة الى النيابة عن السلطة الأولى في الغرب
مركز بيكر…ومركز بولتون..يعتبران من أكثر المراكز توجيها للسياسة الخارجية الأمريكية…واليهما تعود المسؤولية في تكريس قرار احتلال العراق…وتهويد القدس…وتوجيه الكثير من التفاصيل الإستراتيجية حول ماسمي بالربيع العربي….؛ ومن المعروف ان كلا المركزين استقطبا تمويلا جزائريا مكثفا طوال العقدين السابقين….ويعتبران من اكثر الداعمين لمشروع فرنكو المقبور في الصحراء المغربية…