قبيل الاغلاق الفتح لسلطة البث تصعد من معسكر الصحفيين صرخة لبث عام ‘نقي من السياسة’، وثمة من يبتعد أكثر ويطالب ‘النهاية للمكارثية!’. فمن يقصدون؟ من يسحق باقدام فظة المادة 4 من قانون سلطة البث والتي تقول ان ‘السلطة تضمن في بثها مكانا لتعبير مناسب عن الاراء والمواقف المختلفة في الجمهور وتبث معلومات مصداقة’؟ الحكومة؟ ومن هو ‘المكارثي’ الاسرائيلي الذي يجعل البث العام متحيزا الى اليسار ويجنده سياسيا لـ ‘معسكر السلام’ (وبتعبير القانون: يعطي تعبيرا فقط لموقف ورأي واحد في الجمهور)؟ من، ان لم يكونوا هم انفسهم المحررين، اصحاب البرامج، مقدمي البرامج، المذيعين، مجري المقابلات، القارئين وباختصار الجماعة الافاضل؟ أوليست صرختهم هي صرخة القوزاقي السليب؟ هل ثمة بين اصحاب البرامج الاذاعية التي تقرر جدول الاعمال الوطني صباحا، ظهرا ومساء، واحد موقفه الصريح ليس في صالح دولة فلسطينية في بلاد اسرائيل، خلافا لرأي نصف الشعب؟ ومن لا يرى بان هؤلاء يستدعون اشخاصا يجرون معهم اللقاءات وخبراء يتنبئون كما يشاءون؟ ومن يعطي فرصة للتعبير لباقي الشعب؟ من اطلاق أناشيد ‘السلام’ وحتى اخضاع اللغة الى السياسة، سلطة البث هي القلعة ذات الحكم المطلق الاخيرة المتبقية في اسرائيل من عهد حكم مباي، الذي لم يكن ديمقراطيا الا في قشرته الخارجيية. عندي حلم في أن ذات يوم تكون الندوات في البث العام منقسمة بين معسكرين متساويين و ‘الجدالات’ لا تكون فقط بين اطياف متنوعة من اليسار. عندي حلم في أنه في الاعلام العام لا يسمى الارهابي ‘ناشط’ (‘ناشط حماس’)؛ والنزول من البلاد والصعود اليها لا يسميان ‘هجرة’؛ وانجاز العدو لا يوصف بانه ‘اختراق للطريق’؛ والارض لا تكون ‘مناطق’ وانقاذها لا يعتبر ‘سلبا’؛ ‘المتطرفون’ لا يكونوا فقط في اليمين؛ ‘المتفائل’ لا يسمى فقط من يرى في قلب البلاد مستقبلا عربيا، ويهودا والسامرة لا تسمى بعد اليوم ‘الضفة الغربية’. عندي حلم في أن يعرض المذيعون في البث العام على رجل اليمين أسئلة من اليسار وعلى رجل اليسار أسئلة من اليمين والا تكون كل الاسئلة من اليسار فقط. عندي حلم في أنه في موت العدو لا يقال عنه في البث العام انه ‘قضى نحبه’، وليس ‘شيع الى مثواه’؛ عندي حلم في أن يعود العدو ليسمى عدوا وليس ‘شريكا’. عندي حلم في أن يعترف البث العام بالجغرافيا اليهودية لبلاد اسرائيل، واذا ما رشقوا حجارة على باص قرب عوفرا في بنيامين لا يبلغ عن هذا بانه كان ‘شمالي رام الله’، وعن حدث في يتسهار في السامرة ‘جنوبي نابلس’. عندي حلم في ألا تستغل دولة اسرائيل لشطب بلاد اسرائيل من البث العام؛ وعندما تدرج شخصية وطنية في مذكراتها كلمات ‘هنا في بلاد اسرائيل’، لا تستبدل بـ ‘دولة اسرائيل’ (القناة الاولى في التلفزيون). عندي حلم في أن أرى في البث العام برنامجا ساخرا يهزأ فيه اليمين من اليسار وليس العكس. في الثمانينيات نشرت ملصقات ‘الشعب ضد الاعلام المعادي’ وجمعية مستهلكي الاعلام طالبت ببث عام متوازن وديمقراطي. جيلان مرا، ولم يتغير شيء. ‘مكارثية’، قلتم؟ ربما بالذات أقرب الى ‘ستالينية’ الطغيان الاعلامي اليساري. باختلاف ان ستالين كان يمكنه أن يتعلم منا: فقد صنع اعلاما دكتاتوريا كان مكتوبا عليه انه كذلك. اما هنا فالاعلام الدكتاتوري يتخفى في زي ديمقراطي، وصانعوه هم قادة من يصرخون ‘امسكوا الحرامي!’.