ليس هناك أدنى شك بأن الثورة السورية واحدة من أكثر الثورات المشروعة تاريخياً، فلم يتعرض شعب في القرن العشرين للقهر والفاشية والإذلال المنظم كما تعرض الشعب السوري على أيدي النظام الأسدي الطائفي الغاشم الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً. وبما أن ذلك النظام بات رمزاً لكل ما هو وحشي وهمجي قذر، لم يقبل حتى بتلبية أبسط مطالب السوريين، فاستبدل قوانين الطوارئ سيئة الصيت التي ثار السوريون عليها بقانون الإرهاب الذي راح يحاكم السوريين بموجبه، ويضعهم أمام محكمة الإرهاب لمجرد التلفظ بكلمة بسيطة. كل من يفتح فمه ضد النظام أصبح حسب القانون الجديد إرهابياً وجب اعتقاله إذا كان موجوداً، أو صدر قرار بحرق منزله أو مصادرة أملاكه إذا كان خارج البلاد. لقد أصبح السوريون بعد الثورة يترحمون على قوانين الطوارئ على بشاعتها بعد «الإصلاحات» الإرهابية التي قام بها النظام بعد الثورة. وعندما أراد بشار الأسد أن يضع دستوراً جديداً للبلاد على سبيل الإصلاح المزعوم، وضع مواد جديدة تجعل حتى سلاطين القرون الوسطى يحسدونه على السلطات التي منحها لنفسه بموجب الدستور الجديد، فهو راع لكل شيء في سوريا حتى الزبالة والزبالين والقمامة والنخاسين. لم يترك شيئاً إلا ووضعه تحت رعايته.
وليت بشار الأسد اكتفى بوضع القوانين القراقوشية للانتقام من السوريين لأنهم ثاروا عليه، بل راح يستخدم كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً كي يثأر من الثورة. والأنكى من ذلك أنه عمل على تحويل سوريا إلى بؤرة تجتذب كل شذاذ الآفاق إليها لإفساد الثورة وجعلها تبدو في نظر العالم مجرد فوضى وحركات إرهابية. كلنا يتذكر كيف أخرج كل المتطرفين من سجونه بعد الثورة، وزودهم بالسلاح كي يقاتلوه، ويحولوا الثورة إلى صراع دموي. وقد لاحظنا كيف كان بشار الأسد في خطاب القسم السخيف يتلذذ ويتشفى وهو يتحدث عن إفشال الثورة وتحويل سوريا إلى ساحة صراع يعبث بها القاصي والداني.
وكي يحمي بشار الأسد نفسه ونظامه قدم كل أوراق اعتماده لإيران وروسيا وإسرائيل، وتعهد بأن يكون مجرد بيدق في المخططات الروسية والإيرانية والإسرائيلية بشرط أن لا يسقط نظامه تحت أقدام السوريين، ويكون مصيره كمصير بقية الطغاة الذين قضوا تحت نعال الشعوب. لقد تحول النظام السوري إلى مجرد أداة قذرة ضد سوريا والسوريين، لا بل أصبح حراس قصره من غير السوريين، فالآمر الناهي أمنياً وعسكرياً في سوريا هي إيران وميليشياتها العراقية واللبنانية باعتراف الميليشيات الشيعية نفسها. أما روسيا فقد سلمها بشار الأسد كل ثروات الغاز والنفط من خلال عقود طويلة الأمد مدة بعضها ربع قرن من الزمان.
لقد كان النظام السوري يهدف من خلال الارتماء الكامل في الحضنين الروسي والإيراني دفع خصومه أيضاً إلى الارتماء في أحضان القوى المنافسة لإيران وروسيا في سوريا، بحيث تضيع القضية السورية، وتتحول سوريا إلى سلعة دولية يسمسرون عليها من أجل منافع سلطوية حقيرة. فعندما وجدت جماعات المعارضة السورية أن النظام بات يحتمي بمنظومة عسكرية وأمنية واقتصادية روسية إيرانية مفضوحة، لم يجدوا بداً من الارتماء في أحضان المعسكر الآخر لمواجهة النظام. وقد أصبح بعض شرائح المعارضة السورية بدورها كالعراقية سابقاً مضرباً للمثل في التسول والسير وراء الآخرين. لا شك أن هناك بعض الجهات العربية والأجنبية التي وقفت إلى جانب المعارضة السورية لتمكينها من مواجهة أكثر الأنظمة فاشية في القرن العشرين، وعملت الكثير على مساعدة السوريين. لكن هناك جهات كثيرة أخرى لا يهمها في سوريا سوى تحقيق مصالحها الضيقة التي لا تمت لمصالح السوريين بصلة.
ولو نظرنا إلى الخارطة السورية الآن لوجدنا أن كل طرف خارجي منخرط في الأزمة يغني على ليلاه، ولا يهمه لا سوريا ولا السوريين. هل يعلم السوريون الآن أن كل القوى المتصارعة على سوريا والمتحالفة مع النظام أو بعض فصائل المعارضة لا يهمهما الشعب السوري قيد أنملة. الكل يبحث عن مصلحته في سوريا. إيران تستخدم بشار الاسد كأداة لتوسيع إمبراطوريتها الشيعية الفارسية والوصول عبر الأسد إلى شواطئ المتوسط. وروسيا تريد الحفاظ على قواعدها البحرية في سوريا، بالإضافة الى نهب الثورات الغازية والنفطية السورية التي أعطاها إياها الاسد مقابل الحماية والسلاح والحفاظ على طرق الغاز والنفط الدولية. وتركيا لا تريد لإيران أن تصبح على حدودها السورية، وتعمل على تأمين الشمال السوري لصالحها. وأمريكا طبعاً تريد تأمين الحليف الاستراتيجي إسرائيل من الخطر السوري واستغلال الموقع الاستراتيجي لسوريا. مع ذلك، يستمر بشار الاسد، ويستمر معارضوه في السمسرة للقوى المتكالبة على سوريا كي تنهش في الجسد السوري، وتحقق مطامعها، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير الوطن وتهجير شعبه وتحويله إلى طعام للأسماك في عرض البحار والمحيطات.
٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]
د. فيصل القاسم
مقال مأساوي يا دكتور فيصل
ما كنت أحب أن أقرأه عدا عن كتابة تعليق عليه
لقد كنت الأمل عند كثير من السوريين يا دكتور فيصل
هل وصل التشاؤم لهذا الحد أم انها الحقيقة التي لا نريد سماعها
أنا مصدوم
لكم الله ياشعب سوريا المظلوم والله ينتقم ممن ظلمكم
ولا حول ولا قوة الا بالله
كل هذا الكلام أصبح معروفا ولاأظنه يجدي شيئا, أخطاء إرتكبها الجميع, سورية لم تكن مستقلة في قرارها قبل الإنتفاضة, المعارضة غير مستقلة هي كذلك فاشتعلت الحرب بالوكالة ولو بالعناوين التي نسمع.
إيران لن تفك قبضتها على النظام, روسيا تضخ الأسلحة, المعارضة تلاشت , داعش وأخواتها المتحجرة تسيطر على الميدان, البلاد تخربت, الملايين تشردت , أما الخطاب فلايزال كماهو, معذرة ,
ألى متى يستمر هذا النزيف والخراب؟ , قريبا لن تبقى هناك دولة , أرى أن هناك بعض التلاعب في السياسة الغربية, آخرها الأمريكان يفكرون في إزاحة الأسد, كيف وبأية طريقة؟ لن يحدث شيء, هناك من يريد أن تخرب سورية أكثر وتعود للعهد الحجري مرة وإلى الأبد, لذلك يجب عليكم التفكير مليا, تغيرت المعطيات على الأرض يجب تغيير الأفكار والإستراتيجيات .
كما هي العادة الدكتور فيصل القاسم المحترم يقدم توصيف للمشهد السوري لا ينازعه عليه أحد لأنه إبن سوريا الوطني الذي عاش و تربى في سوريا و يعرف كل صغيرة و كبيرة فيها و كما أنه صاحب مبدأ فقد كل أملاكه في سوريا و التي إستولى عليها نظام بشار السفاح لأجل ان يقول الحق
مقال رائع كالعادة
لقد صدق السوريين عندما كانوا يصرخون مالنا غيرك يا الله. وليس لنا الا الاعتماد على النفس للتخلص من هذا السفاح السايكوباث وكل من يتاجر بهذا الشعب الابي
هذه هي حقيقة الوضع في سورية ( باختصار) .
انا ارى ان الرئيس بشار الاسد هو عبد الناصر في القرن الواحد والعشرون وقد رأينا من هو الوحشي والهمجي المجرم انهم الارهابيون المجرمون الذين عاثوا فسادآ وقتلآ وتنكيلآ بالشعب السوري ودمروا بلده وجعلوه حطامآ
واسفاه هل يشبه الزيت بالماء او السكر بالملح.
بشار قتل شعبه من اجله
وعبد الناصر قتل نفسه من اجل شعبه.
لطالما بقي الاخوان المسلمين منبوذين من الشعوب قبل الحكام
ولطالما كان الإسلاميون يتشدقون بالاسلام وبين ملفاتهم اجندات خارجية
الرئية متاخرة الان اصبحتم تلومون اعداء الحقيقيين لسوريا (فرنسا و و) انظر حولك الي تفكيك الدول لصالح من تامل جيدا اين الصديق و العدو
هي فعلا سمسرة وهي كلمة دقيقة وفي محلها وحتى إذا بحثت في قاموس اللغة العربية على رحابتها لتجد الكلمات التي تصف هذا النظام الحقير بما هو أكثر من السمسرة سوف لا تعثر عليها فقد فاق حتى دراكيولا وأعتى الجبابرة في التنكيل بهذا الشعب الأبي الذي عرف نكبة لم يعشها حتى إخوتنا الفلسطينيين لما يزيد عن 60 سنة. ودنائة وخسة هذا النظام جاوزت حتى الفاشية و النازية لأن هتلر وموسوليني لم يرهنا بلدهما للسمسرة الدولية ليظلا في الكرسي بل صارا في تطبيق مبدئهما حتى ماتا في النهاية.
تحية لك دكتور فيصل والى كل أبناء الطائفة الدرزية الشرفاء وعموما الى كل الشرفاء الذين يفضحون هذا النظام المسخ الأعجوبة. على كل حال لم يعد يفل الحديد الا الحديد, هذا النظام كأسرائيل تماما قام بالدم وسوف لن ينتهي الا به. وما أخذ بالقوة لا يسترد الا بها. وها هو النموذج اليمني واضحا أمام أعيننا فلم يعد الحل السياسي نافعا. الحل ما اقترحه أردوغان جزاه الله خير. ومن خلال معرفتنا بالساسة التركية أنها واضحة وصريحة وهادئة ومثابرة فلا بد انها سوف تنجح في النهاية بإزاحة هذا النظام