الخرطوم ـ «القدس العربي»: دعا الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض، الرئيس السوداني عمر البشير، لتقديم استقالته والتأسيس لنظام ديمقراطي جديد وإطلاق سراح المعتقلين وطالب أنصاره بالمشاركة في تظاهرات أبريل لإسقاط النظام.
خمسة مطالب
وقال المهدي في خطبة الجمعة في أم درمان: «أناشدك أنت أخي الرئيس أن تقرر إطلاق سراح كافة المعتقلين، وأن ترفع حالة الطوارئ، وأن تقرر بمحض اختيارك الاستقالة من رئاسة الجمهورية وحل المؤسسات الدستورية المضروبة، وأن تدعو 25 شخصاً نرشحهم لك لتكوين جمعية تأسيسية لإقامة النظام الجديد المنشود. أنت تعلم أن هناك عوامل منعتك وتمنعك من ممارسة كافة صلاحيات الرئاسة، وتعرض السودان بالتالي لعقبات. وستكون لك محمدة وطنية».
مناشدة القوات المسلحة
ودعا المهدي المحتجين لمواصلة سلمية الثورة وعدم الاستجابة والالتفات للاستفزازات، وناشد القوات المسلحة السودانية أن تحافظ على قوميتها وألا تبطش بمواطنين عزل يطالبون بحقوق يكفلها الدستور. وطالب الأسرة الدولية أن تكون جماعة أصدقاء السودان للمطالبة بعدم البطش بمواطنين يتحركون سلمياً.
خرجت مدينة الدمازين المحكومة بقانون الطوارئ في تظاهرة ضد حكم البشير
وأضاف: «السلطة اعتقلت النشطاء لاحتواء مشهد 6 أبريل، ولكن هناك ثلاثة مليونيات: مليونية النازحين، ومليونية اللاجئين، ومليونية انعدام الثقة في كل الإدارة النقدية ما صنع أزمة سيولة غير مسبوقة في كل العالم. هذه المليونيات تشهد على التصويت ضد النظام».
استلهام انتفاضة أبريل
وحشدت المعارضة السودانية قواها لتظاهرات السادس من نيسان/أبريل للإطاحة بحكم البشير الذي قاد إنقلابا عسكريا ضد الحكومة المنتخبة والتي جاءت عقب انتفاضة شعبية أنهت حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري في الشهر نفسه من عام 1985.
استلهام ذكرى انتفاضة نيسان/أبريل يجيء حسب مراقبين تتويجا لاحتجاجات متواصلة منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي حيث خرجت مدينة الدمازين المحكومة بقانون الطوارئ في تظاهرة ضد حكم البشير.
وبعد أيام قليلة من تظاهرة الدمازين، امتدت الاحتجاجات شمالا وشرقا في مدينتي بورتسودان وعطبرة ثم توسعت في العشرين من كانون الأول/ديسمبر إلى مدن أخرى من بينها العاصِمة الخرطوم والقضارف بعد ذلك ثم أصبحت التظاهرات فعلا يوميا في الخرطوم وأم درمان والأبَيض وغيرها من مدن السودان.
وكان للاحتجاجات التي بدأت مطلبية بسبب الغلاء وانعدام الدقيق والوقود، أثر كبير في تغييرات مهمة في حكومة البشير بدأت بإجراءات محدودة وإنتهت بإعلان الرئيس السوداني عمر البشير حال الطوارئ في جميع أنحاء البلاد وحل الحكومة القومية وحكومات الولايات وتكوين حكومة مهام تضم فريق عمل تنفيذي وإجراء تدابير اقتصادية وصفت بالمحكمة، وما زالت القرارات الرئاسية مستمرا يوما بعد يوم.
حملات ونقاشات
ومنذ أكثر من أسبوع بدأ المحتجون حملات كبيرة لتظاهرة الرحيل الكبرى. وتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي استدعاء أحداث رحيل الرئيس الأسبق جعفر نميري في مشهد تتطابق تفاصيله ما يحدث الآن، وتعليقا على ذلك يقول الصحافي عبد الماجد عبد الحميد رئيس تحرير صحيفة «مصادر» إنه يتعجب لما سماها بحالة النفاق الإسفيري التي يعيشها عدد من أصدقائه ومعارفه في الأوساط السياسية والاجتماعية. ويضيف موضحا: «عدد منهم التحق بركب المناضلين وسار في موكب تسقط بس بلا وعي. ما يحيرني أن أمثال هؤلاء يعيشون حالة قلق داخلي موجع، أعرف أنهم بلا انتماءات سياسية سابقة، ولا يعارضون الحكومة، ومع هذا يكتبون في حوائطهم الفيسبوكية أنهم مع ركب المناضلين، أحترم من يعارضون الحكومة ويتمنون زوال دولة الإسلاميين، هذه قناعاتهم وأراؤهم، لكنني أتعجب لمن ينافقون أنفسهم، ودواخلهم».
كان للاحتجاجات التي بدأت مطلبية أثر كبير في تغييرات مهمة في حكومة البشير
ويقول الصحافي طارق عثمان: «قد يتساءل المتابع لحركة الاحتجاجات ومواكبها المعلنة من قبل تجمع المهنيين السودانيين، لماذا تم اختيار القيادة العامة وجهة لموكب السادس من أبريل؟ الجميع يدرك رمزية الموعد التاريخية بإعتباره يوم انحاز الجيش لصوت الثورة الشعبية في نيسان/أبريل 1985 والتي أطاحت بالرئيس الأسبق جعفر نميري».
ويضيف طارق أنه ورغم اختلاف الظروف الراهنة عن تلك التي عايشها السودان في حقبة نميري، وما جرى تحت الجسر من مياه آسنة بفعل ممارسات هذه الحكومة التي عملت على تصفية مؤسسات الشعب القومية، وتحويلها إلى مؤسسات حزبية قوامها الولاء للتنظيم، إلا أن موكب السبت حمل بجانب رمزيته التاريخية تلك، رسالة لأُسود الجيش ضباطاً وضباط صف وجنودا مضمونها لا يتعدى عبارة: (نحن نستنجد بكم في عرينكم من البطش والإذلال، وما زال العشم فيكم باق لم ينقطع).
ويخلص إلى أن عامة رجال الجيش المنحدرين من رحم هذه الأمة يعايشون ويكابدون ما يواجهه الشعب من المسغبة، ويقف جلهم بعد أن يخلع بذته العسكرية في صفوف المعاناة، ويضيف: «فالشعب وجيشه متدثرون بثوب واحد اهترى مع الأسف بفعل سياسات التمكين التي أفسحت المجال واسعاً لتمدد (كروش المفسدين) فالسادس من نيسان/أبريل 1985 هو يوم الجيش، الذي انتصر فيه لإرادة الشعب، والمرتجى أن يعيد التاريخ نفسه بإلتفاف الجيش حول شعبه».
وظل الصحافيون السودانيون يجهزون لموكب الرحيل من خلال كتاباتهم في صفحاتهم الشخصية عبر فيسبوك وتويتر ومجموعاتهم في واتساب، ولا وجود لأي صوت معارض لنظام البشير في الصحف اليومية المحكومة بالرقابة الأمنية والقبلية والبعدية، إضافة للاعتقالات المستمرة. وشهد الأسبوع الماضي اعتقال الصحافي ماهر أبو الجوخ وهو من أبرز الناشطين ضد نظام الانقاذ رصدا وتحليلا للمواقف والأحداث.
جاء خطاب الرئيس البشير في الجلسة الافتتاحية للبرلمان في دورته التاسعة مكررا ولا يحمل جديدا
وطالبت «شبكة الصحافيين السودانيين» (كيان غير حكومي) جموع الصحافيات والصحافيين بالمشاركة الفاعلة والتغطية المباشرة للاحتجاجات؛ تحدياً لسلطة القمع، واستجابة لنبض الشارع، وقالت في بيان: «استشعارا للمسؤولية التاريخية لصحافتنا تجاه شعبنا واعتبارا لاستثنائية موكب 6 أبريل في معركتنا المريرة مع السلطة المستبدة، فقد لقيت الصحافة من عسف السلطة نَصَبًا؛ تكميما ومصادرة واعتقالا ومطاردة وضربا وتشريدا وابتزازا، ولأنّ الصمت إزاء تلك الانتهاكات الجسيمة أصبح معيبا».
واستدعى جهاز الأمن السوداني أكثر من سبعة فنانين في حقل الدراما وطالبهم بالحضور يوميا إلى مكاتبه وقال تجمع الدراميين السودانيين إن هذه الاستدعاءات تجيء على خلفية موقفهم من الحراك، وأضاف في بيان: «انطلق النظام وأجهزته ومنتفعيه في حملة استدعاءات تخويفية لإيقاف الحراك المتصاعد، نحن في تجمع الدراميين السودانيين نؤكد رفضنا لمنهج السلطة المتهالك ونطالب بإطلاق سراح الدراميين وكل المعتقلين ونؤكد مشاركتنا في موكب السادس من أبريل المجيد وكل مواكب قوى الحرية والتغيير وفاء للشهداء وأنحيازا لهذا الشعب وارتباطا بالوطن».
تفاعل الكيانات السياسية
ودعت الجبهة الثورية السودانية جماهيرها وجميع فئات الشعب السوداني للمشاركة الفاعلة في مظاهرات نيسان/أبريل الجاري التي دعت لها قوى إعلان الحرية والتغيير. وذلك عبر بيان موجه إلى الشعب السوداني بكل مكوناته وشرائحه ونقاباته العمالية والطلابية والمهنية وتشكيلاته المدنية وجموع النازحين واللاجئين الخروج لتحقيق أكبر حشد ممكن لإسقاط النظام.
وقالت في بيان ممهور باسم محمد زكريا فرج الله، أمين الإعلام الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية السودانية: «إن روح ثورة أبريل المجيدة مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى وعلينا الخروج بقوة وحزم إلى الشوارع والساحات في العاصمة والولايات مستلهمين بطولات أبريل لنكتب تأريخا جديدا لشعبنا، فمثلما قدّمنا الغالي والنفيس في أكتوبر وأبريل وقاومنا وانتصرنا، وفي دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وكجبار والمناصير وبورتسودان وفي سبتمبر المجيد، فنحن اليوم نترَسم خطى تلك النضالات، فالشعب هو ذات الشعب المِقدام الثائر لأجل الكرامة الإنسانية».
منظمات حقوقية أكدت أن عدد ضحايا الاحتجاجات تجاوز الخمسين قتيلا إضافة لمئات المعتقلين
وأعلن حزب الأمة القومي أن موكب أبريل «نقطةٌ فارقة في طريق الوعي والعبور التاريخي». وقال في بيان: «إننا إذ نحتفلُ في هذا الشهر بانتفاضة رجب-أبريل 1985 التي تحلُّ علينا ذكراها هذه الأيام، فإننا نقاربُ بين ما حدث في تلك الثورة، وما قبلها من ثورات، وما يحدث في ثورة ديسمبر القاصدة، لاعتباراتِ تراكم نضال شعبنا ضد النظم الديكتاتورية، والتطلع المستمر لنظام جديد يحققُ التداول السلمي للسلطة، والعدالة الاجتماعية، والحرية والسلام».
وأكد الحزب استمراره في معالجة مسارات الثورة السياسية بالتوافق على الميثاق السياسي، والدستور الانتقالي، والسياسات البديلة، مع السير الحثيث في مساراتها الميدانية بتنوع المواكب، والاعتصامات، والوقفات الاحتجاجية، والاضرابات العامة وصولاً للعصيان المدني الشامل، والمحافظة على وحدة الصف الثوري، وسلمية الثورة.
ويتساءل كثيرون عن القصد من الحشد لهذا الموكب وهل يمثل نهاية الحراك الشعبي ضد نظام البشير ويجيب على ذلك تجمع قوى إعلان الحرية والتغيير بقوله: «نؤكد مرة أخرى إن مواكب 6 أبريل ليست سدرة منتهى الثورة بل هي درج سامٍ ومتقدم في سلم الصعود نحو تمام التغيير ولكنها درج مكلل بعشم الوصول لهتاف عزيز يصدقه العمل، أن جيشا واحدا وشعبا واحدا، إيذاناً بإتمام القصيدة: أشكر جندينا الرشيد اللي مجد السودان مُشيد».
انتقاد خطاب البشير الأخير
وحسب مراقبين، فقد جاء خطاب الرئيس البشير في الجلسة الافتتاحية للبرلمان في دورته التاسعة مكررا ولا يحمل جديدا بخصوص حل الأزمة المستمرة منذ ثلاثة أشهر، وبدأ البشير خطابه بالتذكير بوجود أزمة اقتصادية وتأكيده على حق المتظاهرين في الاحتجاج لكنه عاد ليقول إن بعض القطاعات «لم تلتزم بالضوابط القانونية في التجمع والتظاهر وأحدثت خللاً في النظام العام واتلفت بعض الممتلكات، وما استتبع ذلك من محاولة البعض القفز على تلك الاحتجاجات والعمل على استغلالها، لتحقيق أجندة تتبنى خيارات إقصائية، وتَبثُّ سمومَ الكراهيةِ».
وجدّد البشير الدعوة لخريطة طريق لانتقال سياسي، يرتكز على حوارٍ واسع ملتزم بالدستور، ومشيرا إلى أنه اتخذ قرارات وتدابير عاجلة، تمثلت في «حل الجهاز التنفيذي، وتشكيل حكومة المهام الجديدة، وإعلان حالة الطوارئ». مضيفا أن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من القرارات والتدابير التي تعزز مسار الحوار وتهيئ الساحة الوطنية لإنجاز التحول الوطني المنشود.
ووجد خطاب البشير في البرلمانان انتقادات واسعة، ليس من المعارضين فحسب، بل من بعض الذين يشاركونه في الحكم. فقد نقلت مصادر محلية عن رئيس لجنة الصناعة في البرلمان، عبد الله مسار، دعوته لنواب حزب المؤتمر الوطني بتقديم النصح للبشير حتى ينصلح حال البلد، مضيفا أن خطاب البشير في فاتحة دورة البرلمان لا يعبر عن حال البلاد والتردي الاقتصادي الذي وصلت له.
وانطلقت أنباء عن القاء البشير لخطاب مهم مساء الجمعة، ودعا القصر الجمهوري وسائل الإعلام لتغطية ذلك الخطاب، لكن فضل عبد الله وزير شؤون الرئاسة نفى وجود خطاب للبشير وقال إن الرئيس ونائبيه ومساعديه وهيئة الحوار الوطني وبعض القوى السياسية التقوا، واصفا اللقاء بالتفاكري ما يعني عدم وجود خطاب للأمة السودانية كما أعلن من قبل.
وتسود البلاد حالة احتقان وعدم استقرار منذ إندلاع الاحتجاجات، واعترفت الحكومة بسقوط ثلاثين قتيلا في هذا الحراك، لكن منظمات حقوقية، أكدت أن عدد الضحايا تجاوز الخمسين قتيلا، إضافة لمئات المعتقلين.
وأصبح تجمع المهنيين السودانيين يضع جدولا أسبوعيا للحراك يبدأ يوم الأحد من كل أسبوع ويتصاعد ليصل ذروته يوم الخميس. وفي الأسبوع الماضي خرجت أكثر من 40 منطقة (مدينة وقرية) في احتجاجات جاءت تحت مسمى مواكب الزحف الأكبر، تزامنت مع لقاء حاشد للرئيس في مدينة كسلا، شرقي السودان، والتي أكد فيها أن حكومته لن تسقط عبر فيسبوك وواتساب.