الخرطوم ـ «القدس العربي»: خلال زيارتها الأخيرة للبلاد، تلقت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي فيي، تعهدات من القادة العسكريين بالالتزام بالحوار وإنشاء بيئة سلمية للسماح للعملية السياسية بالمضي قدما، ولكن مع تواصل القمع والانتهاكات يبدو أن الموقف الأمريكي سيكون أكثر تشددا تجاه القادة العسكريين.
وأكدت فيي، في تغريدة على تويتر، الثلاثاء، أن «أفعال القادة في المجلس السيادي ستكون لها تبعاتها» مشيرة إلى أنها قابلت، مع المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، قيادات مجلس السيادة العسكريين، وأعلنوا بشكل رسمي أنهم ملتزمون بالحوار لحل الأزمة الراهنة.
وأضافت: «إلا أن أفعالهم؛ التعامل بمزيد من العنف مع المتظاهرين، والاعتقالات في أوساط نشطاء المجتمع المدني، على العكس، وستكون لها تبعات».
وينتظر أن تنعقد جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي حول السودان، الثلاثاء المقبل بحضور فيي.
ووصل عدد القتلى في التظاهرات الرافضة لانقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى أكثر من 76 شخصا، حسب لجنة اطباء السودان المركزية، بينما أصيب أكثر من 2000 شخص خلال التظاهرات في مدن السودان المختلفة، حسب مبادرة حاضرين لعلاج مصابي الثورة السودانية، فضلاً عن الاعتقالات واستخدام العنف المفرط ضد المواطنين.
كذلك قال المتحدث الرسمي باسم التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين، آدم رجال لـ«القدس العربي» إن أكثر من 300 شخص قتلوا في أحداث عنف في دارفور وبرصاص مجموعات مسلحة، منها قوات الدعم السريع، منذ انقلاب قائد الجيش.
واعتقلت السلطات مساء الإثنين تسعة من الكوادر الطبية من منظمة «أطباء بلا حدود» بعضهم سوادنيون وآخرون من جنسيات أخرى، بعد تأديتهم لعملهم بمستشفى الجودة، وسط الخرطوم، قبل أن تفرج عنهم مساء أمس.
واعتبر المكتب الموحد للأطباء، عملية الاعتقال استمرارا لانتهاكات السلطة الانقلابية ضد الكوادر الطبية والصحية وانتهاكا صريحا للقوانين والأعراف الدولية، مشيرا إلى أن مكتب أطباء بل حدود يقدم خدمات إنسانية كبيرة للمصابين الذين ترديهم السلطات برصاصها وأدوات قمعها المختلفة بصورة يومية.
وكانت مبادرة «لا لقهر النساء» قد إعلنت عن اعتقال رئيسة المبادرة، أميرة عثمان، منتصف ليل الأربعاء الماضي، بعد اقتحام عشرات المسلحين الملثمين لمنزلها في حي الرياض شرق الخرطوم، في وقت تعتقل الأجهزة الأمنية العشرات من أعضاء لجان المقاومة والناشطين السياسيين دون محاكمات أو توجيه تهم، بعد إعلان قائد الجيش لحالة الطوارئ منذ الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأعلنت تنسيقيات لجان مقاومة منطقة العشرة جنوب الخرطوم، مساء الخميس عن اعتقال مجموعات كبيرة من القوات الأمنية المسلحة لعدد من أعضائها، مشيرة إلى تعرض المعتقلين للضرب المبرح والإذلال فضلاً عن الإساءات اللفظية المهينة.
ولا يزال أعضاء لجان مقاومة العشرة في الخرطوم، والعشرات من أعضاء اللجان في العاصمة والولايات قيد الاعتقال، بعضهم لم يتم توجيه أي تهم لهم حتى الآن، وتبرر السلطات ذلك بأنه تحفظ وفق حالة الطوارئ التي أعلنها قائد الجيش.
وحثت واشنطن، خلال زيارة وفدها للخرطوم، الأسبوع الماضي، العسكريين على رفع حالة الطوارئ كإجراء هام لبناء الثقة.
وعبرت عن قلقها العميق على الشعب السوداني بسبب تعطيل التحول الديمقراطي.
وأدانت بشدة استخدام القوة غير المتناسبة ضد المتظاهرين، خاصة استخدام الذخيرة الحية والعنف الجنسي وممارسة الاحتجاز التعسفي. ودعا الوفد الأمريكي إلى إجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في الوفيات والإصابات التي حدثت، ومحاسبة جميع المسؤولين عنها.
إلا أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي، عادت وتوعدت القادة العسكريين بأن أفعالهم ستكون لها تبعات.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي لا يوفي فيها العسكريون في السودان بوعودهم لمسؤولين أمريكيين، فبعد لقاء البرهان مع المبعوث الأمريكي السابق للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بساعات قام بانقلاب عسكري أطاح عبره بالحكومة الانتقالية، وأعتقل شركاءه المدنيين في الحكم.
عقوبات «قريبا»
ويرجح الخبير الدبلوماسي، الرشيد أبو شامة، الذي تحدث لـ«القدس العربي» فرض واشنطن عقوبات على قادة الانقلاب في وقت قريب، مشيرا إلى أنها قد تنتظر نتائج مبادرة الأمم المتحدة للمشاورات غير المباشرة، قبل هذه الخطوة.
وقال: «من الوارد أن يفرض الكونغرس عقوبات على الأفراد، فضلاً عن وقف المساعدات والمنح» مضيفاً: «أرسلت الولايات المتحدة إسرائيل لدفع العسكريين لتقديم تنازلات، إلا أنهم لا زالوا مصرين على عدم الالتزام بتعهداتهم لواشنطن».
ورأى أن «واشنطن لا تنسى، وغالبا ما ستنتظر نتائج المبادرة الأممية، قبل أن تتخذ إجراءات ضد العسكريين» لافتاُ إلى أن «واشنطن ربما يئست من إحراز تقدم مع العسكريين، وفي هذه الحالة ستتخذ خطوات صارمة بحقهم».
كذلك بين أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات السودانية، صلاح الدين الدومة، أن أفعال العسكريين بدأت تكذب أقوالهم، مضيفاً لم يوف العسكريون بالتزاماتهم مع واشنطن.
محللون يتوقعون فرض عقوبات… والانتهاكات تتواصل بحق الكوادر الطبية
وقال لـ«القدس العربي» إن واشنطن ستصدر عقوبات على القادة العسكريين ومن يعيقون التحول الديمقراطي، عقوبات شخصية تشمل تجميد أرصدة ومنعا من السفر وملاحقة قانونية وقضائية، وبالنسبة لحكومة الانقلاب فرض عقوبات على المتعاملين معها من دول ومنظمات.
كذلك أوضح الصحافي والمحلل السياسي، عبد الله رزق، لـ«القدس العربي» أن حديث مولي فيي، يعني تراجعا في موقفها، من كيفية التعامل مع انقلابيي 25 أكتوبر/ تشرين الأول. وأضاف «تردد أنها كانت قد اختلفت في هذا الشأن مع المبعوث الأمريكي السابق للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان حول الأمر».
ورجح أن «استقالة فيلتمان تعود لهذا السبب، إذ يبدو انه قد اقتنع بأهمية فرض عقوبات على العسكريين، الذين استشعر منهم الخديعة، وهم ينفذون انقلابهم بعد مغادرته البلاد، بعد مقابلة معهم لم يكشفوا له عن خطتهم ونواياهم».
وتابع: «وجد نفسه في موقف حرج، حيث بدا وكأنه أعطى الضوء الأخضر للانقلابيين للمضي في مخططهم، بعد مقابلته لهم. الآن تقول مولي، وتكرر كلام فيلتمان نفسه بأن الانقلابيين يقولون شيئا خلال مقابلتهم مع المبعوثين، ثم ينفذون شيئا آخر. ومن ذلك تعهداتهم الكثيرة بحماية حق المواطنين في الاحتجاج السلمي، وممارستهم العنف المفرط في مواجهتهم».
وأكد أن «تصريح المسؤولة الأمريكية يحمل تغيرا في طريقة تفكير واشنطن وربما يحمل طريقة جديدة في التعامل مع الانقلابيين» مشيراً إلى أنها لن تكتفي بمجرد التلويح بالعقوبات.
وأكمل: لقد أثبتت التهديدات التي ظلت تطلقها أمريكا وحلفاؤها، خلال الشهور الثلاثة الماضية، أنه لا تأثير لها في سلوك الانقلاب، مثلما اثبتت فشلا واضحا للإدارة الامريكية في التعامل مع الأزمة السياسية في البلاد ومعالجتها».
ورأى أن «واشنطن قد لا تنجح في تطبيق عقوبات سريعة، إذ إنها على الأرجح، وفي إطار التنسيق مع المبعوث الأممي، أن تعمد إلى انتظار المهلة التي طلبها فولكر بيرتس، وقدرها أربعة أسابيع لبلورة مبادرته، وأي عقوبات قد تفرضها واشنطن ستكون مرتبطة باستجابة العسكر لمبادرة الأمم المتحدة».
فيما أكد الناشط الحقوقي، عبد الباسط الحاج، لـ«القدس العربي» أن تصريحات مولي حول مواقف المجلس السيادي، لم تنطلق من فراغ.
ورأى أن «البرهان لن يكون جادا في أي عملية سياسية مقبلة لأنه يسعى لتعزيز سلطته باتخاذ عدد من الإجراءات وإصدار قرارات، مثل الانفراد بتشكيل حكومته واحتكاره لكل السلطات، بالإضافة إلى عملية القتل المنظمة التي تحدث مع كل موكب والقمع المستمر وعمليات الاعتقال للناشطين من أعضاء لجان المقاومة».
وقال «كل هذه المؤشرات تفيد بأن البرهان غير صادق في وعوده التي يطلقها للمجتمع الدولي بأنه ملتزم، ولكنه في الواقع يحاول خلق تحالفات إقليمية ودولية تطيل أمد وجوده وتفرض أمرا واقعا على الشارع».
وأضاف «كما هو معلوم، فإن مشروع القانون الخاص في السودان داخل الكونغرس مقدم من لجنة الشؤون الخارجية والتي تعمل بتنسيق مع وزارة الخارجية في تحديد سياسة الإدارة الأمريكية تجاه السودان».
ويعتقد أن التصريحات الأخيرة لمساعدة وزير الخارجية الأمريكية ستؤثر على القرار الذي يمكن أن يتخذه الكونغرس بخصوص فرض عقوبات على السودان.
وحسب ترتيب الإجراءات، فإن الجلسة المقبلة يفترض أن يجيز فيها الكونغرس مشروع القرار الخاص بفرض عقوبات على الأشخاص أو المسؤولين السودانيين الذين يعرقلون عملية التحول الديمقراطي في البلاد، حسب الحاج
خطوة مهمة
ورأى إمكانية أن يسرع موقف الإدارة الأمريكية الجديد بعملية إجازة القانون، كما أن الوقائع ستكون أكثر إقناعاً مع استمرار البرهان في خداع المجتمع الدولي وعدم رغبته الفعلية في استعادة مسار الانتقال.
وأشار إلى أن إجازة القانون وتمريره بواسطة مجلس الشيوخ، ستمثل خطوة مهمة للضغط على البرهان وقيادات الجيش والدعم السريع الذين يدعمون الانقلاب، وستلقي بظلالها على الوضع السياسي سريعاً، لأنها تترتب عليها عقوبات فردية صارمة وحصار دبلوماسي كبير لن يستطيع البرهان الاستمرار معه.
وكانت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي اعتمدت بالإجماع مشروعين لفرض عقوبات ملزمة وغير ملزمة على مسؤولين سودانيين، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.