الخرطوم – «القدس العربي»: بعد مرور خمسة أشهر على الانقلاب العسكري، ما تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها في السودان، في وقت يتواصل التصعيد الشعبي الرافض لاستيلاء الجيش على السلطة. وأعلنت الجبهة الثورية، أمس الأحد، عن مبادرة لحل الأزمة السودانية، بينما تشهد نذر، انقسامات وشيكة، بعد بروز خلافات حادة بين عدد من مكوناتها الرئيسية. ويعتزم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير المعارض للانقلاب العسكري عقد مؤتمر صحفي اليوم الاثنين، حول الوضع السياسي الراهن في البلاد والتدهور الاقتصادي بعد انقلاب 25أكتوبر/تشرين الأول الماضي. في حين تمضي آلية التنسيق المشتركة بين الاتحاد الأفريقي وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس)، في عقد اللقاءات التشاورية مع الأطراف السودانية، دون الاعلان عن أي تقدم في الصدد. وفي مواصلة، للمقاومة الشعبية، أغلق المحتجون، أمس الأحد، عدد من الشوارع الرئيسية والفرعية بالمتاريس (الحواجز)، في مدن العاصمة السودانية الثلاثة-الخرطوم، الخرطوم بحري وأمدرمان، منددين بالانقلاب العسكري واستمرار العنف والانتهاكات ضد المدنيين.
وأعلنت تنسيقيات لجان المقاومة السودانية، أمس، العودة لإغلاق الطرق بالمتاريس، بعد الاغلاق الناجح الأسبوع الماضي، مؤكدة مواصلة المقاومة بكافة الوسائل السلمية رغم القمع والانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية في مواجهة المتظاهرين السلميين. والسبت قتل متظاهر برصاص الأجهزة الأمنية خلال مشاركته في مواكب “حراس العدالة” بمدينة بحري شمالي الخرطوم، ليرتفع عدد القتلى منذ الانقلاب العسكري إلى 92 متظاهر، فضلا عن حوالي4000 مصاب وعشرات المعتقلين.
وحسب لجنة أطباء السودان المركزية، قتل الضحية، إثر إصابته بالرصاص الحي في البطن، ونددت اللجنة باستمرار استخدام العسكريين للعنف المميت ضد المتظاهرين السلميين، مشيرة إلى تمسك الشارع السوداني بالسلمية التي أثبتت قوتها ضد الرصاص والترسانة الأمنية. وأكدت في بيان أمس، إصابة 24 متظاهر، في مواكب “حراس العدالة” بينهم 6 حالات إصابة بالرصاص الحي، و3 إصابات بطلق ناري متناثر، رجحت ان يكون بسلاح “خرطوش”، بالإضافة إلى حالة دهس واحدة بعربة تتبع للقوات النظامية وحالة طعن بآلة حادة، و8 حالات اصابة بعبوات الغاز المسيل للدموع، وأخرى بمتناثر قنبلة صوتية، فضلا عن حالات إصابة متفرقة في نتيجة الضرب بالهراوات والتدافع. ونوهت لجنة الأطباء السودانيين المركزية إلى أن رصد الحالات في العاصمة الخرطوم، لا يشمل الإصابات التي تم علاجها في العيادات الميدانية المرافقة للتظاهرات، فيما يجري التحقق من أي إصابات أخرى وقعت في تظاهرات المدن الأخرى.
نظم محامو الطوارئ، السبت مواكب حراس العدالة، بمشاركة تنسيقيات لجان المقاومة في المدن العاصمة السودانية الثلاثة، الخرطوم، الخرطوم بحري وأمدرمان، رفضاً لانتهاكات العسكريين واستخدام العنف المميت في مواجهة التظاهرات الرافضة للانقلاب. ودعت لجان المقاومة لتظاهرات غير مركزية داخل الأحياء دعما للمعلمين، في اضرابهم الشامل، المستمر منذ أكثر من أسبوعين، رغم فصل ادارة التعليم للعشرات من المدراء التعليميين ومدراء المدارس لجهة دعمهم الإضراب. وبينما يواصل الشارع التصعيد وتمضي عدد من القطاعات المهنية في إضرابات مطلبية وعمليات بناء قاعدي لانتخاب النقابات المهنية ولجان الأحياء، تمضي العمليات السياسية نحو مزيد من التعثر. وقالت الجبهة الثورية التي تضم عدد من الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية، أنها قامت بإعداد مبادرة خاصة لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد. وحسب المتحدث الرسمي باسم الجبهة الثورية أسامة سعيد، جاءت المبادرة، نتيجة دراسة عميقة للأوضاع في البلاد، خلال فترة مشاركة الجبهة في الحكم، مشيراً إلى أن المبادرة متكاملة ومصحوبة بخريطة طريق ومصفوفة بجداول زمنية للتنفيذ.
وأكد أن الهدف الرئيسي من المبادرة، هو المحافظة على سلامة السودان واستقراره عبر حوار شامل لا يقصي أحدا، مبينا أن الجبهة الثورية، تعتزم طرح المبادرة على جميع القوى السياسية والفاعلين في البلاد، خاصة شركاء الفترة الانتقالية المنصوص عليهم في الوثيقة الدستورية. ونصت الوثيقة الدستورية، على شراكة بين المجلس المركزي للحرية والتغيير والعسكريين لمدة 39 شهر، يترأس النصف الأول منها العسكريين ثم تنتقل الرئاسة للمدنيين، وبعد توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، تم دمج الاتفاق في الوثيقة الدستورية، وأصبحت الجبهة الثورية طرف مشارك في الحكم. لكن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قوض الشراكة الانتقالية، بعد إبعاده قوى الحرية والتغيير من الحكم، واحتجاز قادتها في المعتقلات والإقامة الجبرية. وفي الاثناء، شهدت مواقف مكونات الجبهة الثورية تباين واسع، حيث دعمت الانقلاب العسكري، حركة العدل والمساواة التي يقودها وزير المالية جبريل ابراهيم وحركة جيش تحرير السودان بقيادة حاكم اقليم دارفور مني أركو مناوي. وبينما أعلنت حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي وتجمع قوى تحرير السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان (قيادة عقار)، رفض الانقلاب، بينما تمسكها قادتها الهادي ادريس والطاهر حجر ومالك عقار، بمقاعدهم في المجلس السيادي رغم الانقلاب، مبررين ذلك بالحفاظ على اتفاق السلام.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت نذر الخلافات بين مكونات الجبهة الثورية، إلا أنها بعد غياب حركة العدل والمساواة عن المؤتمر التداولي للجبهة الثورية، اصبحت أكثر وضوحا. وقالت حركة العدل والمساواة، في تصريح صحفي، أنها ليست طرفاً في الاجتماع “الذي يشارك فيه بعض اطراف الجبهة الثورية”، مشددة على أنها في حلٍ عن أي قرارات تصدر عن الاجتماع الذي وصفته بغير الدستوري. واعتبرت الاجتماع تعزيز لسلوك وثقافة “اختطاف القرار وتجيير التحالفات السياسية لصالح أجندات تنظيمات أخرى تتعارض مع أهداف وحدة الجبهة الثورية”، محذرة من مغبة ذلك. وأضافت أن الأمين العام للجبهة الثورية هو المعني بالدعوة لاجتماعات المجلس القيادي واقتراح الأجندة وتحديد زمان ومكان انعقاد الاجتماع والإشراف علي كل الإجراءات الإدارية لكن لم يتم اتباع الصيغة الواردة في الدستور في الدعوة للاجتماعات وكذلك لم يتم تأجيل انعقاد الاجتماع حتى تتوافق كلا لأطراف في اجتماعات تحضيرية تشارك فيها كل مكونات الجبهة الثورية. وشددت على أن حركة العدل والمساواة واحدة من أربعة تنظيمات أسست الجبهة الثورية برفقة الحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة تحرير السودان قيادة مناوي وحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد نور في العام 2011، مؤكدة انها ظلت الحركة الأكثر حرصاً علي توسعة الجبهة الثورية وتطوير تجربتها ومواثيقها ودستورها و خطابها السياسي.
في المقابل، اختتمت الجبهة الثورية، برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي، الهادي إدريس وحضور عضوي المجلس مالك عقار، والطاهر حجر، أمس الاحد، مؤتمرها التداولي الأول الذي كان بمسمى “تجديد الخطاب السياسي والهيكل التنظيمي”، وتحت شعار “السودان اولا” والذى استمر لمدة أربعة أيام، في مدينة الروصيرص .وأكدت في بيانها الختامي، أن الازمة التي تمر بها البلاد سببها غياب المشروع الوطني، مؤكدة أن التوافق الوطني حول ثوابت تفضي الى تسوية سياسية شاملة، تشارك فيها كل القوى السياسية الفاعلة بالبلاد، عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول، تمثل المخرج الصحيح للأزمة الراهنة في البلاد.
وأطلقت في نهاية مؤتمرها التداولي، مبادرة وطنية متكاملة للتوافق بين الفرقاء لحل الأزمة السودانية، تحتوي خريطة طريق ومصفوفة للتنفيذ. وقسّمت المبادرة الحوار إلى مرحلتين، الأولى بين شركاء الفترة الانتقالية المنصوص عليهم في الوثيقة الدستورية ويهدف إلى الاتفاق على حكومة تدير الفترة الانتقالية، بينما تتضمن المرحلة الثانية حوار بين القوى السياسية ينتظر أن يفضي إلى إنتاج مقاربة بشأن الموضوعات التى تختص بنظام الحكم والدستور والانتخابات، حسب البيان.
وقالت إن المكون العسكري شريك في إدارة الفترة الانتقالية بحكم الوثيقة الدستورية وان استمرار هذه الشراكة تمثل ضمانة أساسية لاستمرار الفترة الانتقالية وإنجاز التحول الديمقراطي.
وطالبت الجبهة الثورية بوقف العنف ضد المتظاهرين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من القوى الثورية ورفع حالة الطوارئ في البلاد، مؤكدة ترحيبها بأي تعديلات على الوثيقة الدستورية شريطة ألا تمس اتفاق السلام. وعزا البيان الختامي للمؤتمر، الذي تلاه الناطق الرسمي باسم الجبهة أسامة سعيد ، الازمة التي تمر بها البلاد لغياب المشروع الوطني، وأن المخرج الصحيح منها، يتم عبر التوافق الوطني حول ثوابت تفضي الى تسوية سياسية شاملة، تشارك فيها كل القوى السياسية الفاعلة بالبلاد، عدا المؤتمر الوطني المحلول.
وشددت على ان الوضع الاقتصادي المتردي بالبلاد، يحتاج إلى إصلاحات عاجلة لتخفيف المعاناة واعتماد خطة استراتيجية لرفع الإنتاج وجذب الاستثمار وتفعيل التبادل التجاري. ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين مصعب محمد علي الذي تحدث لـ”القدس العربي”، أن الجبهة الثورية كغيرها من الفاعلين الفترة الانتقالية يمكن أن تواجهها بعض المشاكل التنظيمية التي قد تؤثر على تحالفها العسكري باعتبارها تحالف نشأ بين مكونات عسكرية انخرطت لاحقاً في العملية السياسية بعد اتفاق سلام جوبا وأصبحت من ضمن الفاعلين في الفترة الانتقالية. ولفت إلى ان المبادرة التي تطرحها الجبهة الثورية تعتبر أول مبادرة تأتي من القوى الموجودة بالحكم، مشيرا إلى إمكانية نجاحها إذا طرحت على القوى السياسية في البلاد. لكن الذي قد يقف عائقا أمام المبادرة، حسب “علي” اعتبار المكونات الأخرى ان الجبهة الثورية، شريك أساسي في الأزمة الحالية في البلاد، مما يتطلب منها أن تعمل على تقديم تنازل اتمن شأنها ان تساعد على الحوار السياسي خصوصاً وانها ستربط المبادرة بجدول زمني ومصفوفة للتنفيذ ويعتقد علي أن المبادرات السياسية التي تطرح من فترة لأخرى يمكن ان تحدث اختراق في حل الازمة التي تتصاعد يوما بعد يوم، متوقعا أن تشكل لاحقا أساس لمبادرة واحدة تطرح للحل باتفاق الفاعلين السياسيين، لافتا إلى تعثر العملية السياسية في البلاد لانعدام الثقة بين الأطراف السياسية.