الخرطوم- «القدس العربي»: شارك آلاف المحتجين السودانيين، أمس الإثنين، في تظاهرات رافضة للانقلاب العسكري ومنددة بالاعتقال التعسفي والانهيار الاقتصادي في البلاد. في وقت يواصل المعلمون في مدن السودان المختلفة وعمال السكك الحديدية في مدينة عطبرة وسط السودان، الإضراب عن العمل احتجاجاً على انخفاض الأجور وتأخر صرفها، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة.
وأكد عضو اللجنة التسيرية لهيئة السكك الحديدية بمدينة عطبرة، هاشم خضر، لـ»القدس العربي»، أنهم سيواصلون الإضراب عن العمل، رغم وصول مرتبات شهر فبراير/شباط أمس، بعد يوم من الإضراب لجهة عدم التزام السلطات بصرف الزيادات المتفق عليها في المرتبات. ولفت إلى تدني أجور عمال السكك الحديدية بشكل لا يحتمل في ظل الغلاء وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية ومصروفات التعليم والعلاج في البلاد، مشيراً إلى أن السلطات مع ضعف الأجور ضيقت على العمال بتأخير موعد صرفها، الأمر الذي دفعهم للإضراب، بالتزامن مع احتجاجات واسعة في مدينة عطبرة تنديداً بالانقلاب العسكري وغلاء المعيشة وسوء الخدمات. وقالت تنسيقيات لجان مقاومة عطبرة، في بيان أمس، لن نتوقف عن استخدام كل وسائل الاحتجاج السلمية حتى إسقاط الانقلاب العسكري، مؤكدين تضامنهم مع عمال السكك الحديدية ومواصلة التصعيد حتى إسقاط الانقلاب العسكري.
وأغلق المتظاهرون في مدينة عطبرة، أمس، معظم الشوارع الرئيسية والأسواق، مرددين هتافات منددة بسيطرة العسكريين على الحكم وتدهور الأوضاع عقب الانقلاب العسكري، أبرزها: «حكومة الجوع تسقط بس»، «حكومة العسكر تسقط بس». وردد المتظاهرون كذلك الهتاف الشهير، «شرقت شرقت.. عطبرة مرقت»، في إشارة للدور البارز للمدينة في اسقاط النظام السابق، حيث مثلت التظاهرات في مدينة عطبرة في التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2018، الانطلاقة السياسية للثورة السودانية التي أسقطت نظام عمر البشير، بعد حكمه البلاد لقرابة الثلاثين عاماً. وفي غضون ذلك، يواصل المعلمون في مدن السودان المختلفة الإضراب عن العمل منذ الأحد الماضي، استجابة لدعوات أطلقتها لجنة المعلمين، احتجاجاً على ضعف الأجور. وصباح أمس، اقتحمت الأجهزة الأمنية عدداً من المدارس في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، واعتدت بالضرب على المعلمين، واعتقلت عدداً منهم، استباقاً للوقفات الاحتجاجية المحددة أمس تنديداً بضعف أجور المعلمين.
واعتبرت لجنة المعلمين السودانيين الانتهاكات التي تعرض لها بعض المعلمين، قوة دفع ورافعة للإضراب، الذي يمثل الإصرار على نيل الحقوق. واعتبرت في بيان، أمس، الإضراب الذي بدأ الأحد وسيستمر حتى الغد، ناجحاً، لجهة مشاركة أغلب المعلمين في الإضراب، مشيرة إلى أنه لقن السلطات درساً بأن إرادة الشعب لا تقهر.
تظاهرات «مليونية»
وفي العاصمة الخرطوم، دعت لجان المقاومة، أمس، لتظاهرات «مليونية المعتقلين»، للتضامن مع المعتقلين السياسيين، المعارضين لانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتوجهت التظاهرات في مدن العاصمة السودانية الثلاثة – الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان- نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم، مطالبة بإسقاط الانقلاب وإطلاق سراح المعتقلين. ورغم الطوق الأمني الذي فرضته الأجهزة الأمنية في محيط القصر الرئاسي، والشوارع القريبة منه، استطاع المتظاهرون الوصول إلى شارع القصر، القريب من القصر الرئاسي. بالمقابل، أطلقت الأجهزة الأمنية الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة، على المتظاهرين مما أسفر عن سقوط عشرات المصابين، في وقت لم تعلن لجنة أطباء السودان المركزية عن عدد المصابين حتى لحظة كتابة التقرير. وأكدت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم أنها ستواصل التصعيد حتى إسقاط الانقلاب العسكري، وتحقيق شعارات الثورة السودانية، «حرية، سلام وعدالة». وقالت في بيان: «لن تضل أقدامنا ولن يخبو هتافنا عن المطالبة العادلة بالقصاص للشهداء، ولن تعود مواكبنا حتى إسقاط المجلس الانقلابي وكل معاونيه». وأضافت: «لننقْر أو نسكُن حتى يحاسب من ارتكب المجازر بحق الشعب السوداني، وعهدنا أن نكمل ثورتنا التي كان مهرها أرواحاً عزيزة سمّت وآلاف الجرحى ومئات المعتقلين». وتابع: «سنرسم مع شعبنا خارطة وطن الحرية والعدالة والسلام والمساواة، وسنحقق كمال دولتنا المدنية الديمقراطية مهما غلا الثمن، سنخطو بثبات لنصنع السودان الذي نريد».
وردد المتظاهرون، في محيط القصر الرئاسي، هتافات تضامنوا خلالها مع المعتقلين السياسيين، والمحتجزين في قضية مقتل ضابط الشرطة علي بريمة، أبرزها «توباك ما قاتل.. توباك أخونا مناضل» في إشارة للطفل المعتقل في القضية «محمد آدم» الشهير بـ«توباك»، والذي أكدت أسرته ومحاموه تعرضه للتعذيب أثناء التحقيق.
وحسب الشرطة السودانية، قتل العميد علي بريمة، خلال حمايته للتظاهرات في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني الماضي.
وأعلنت هيئة الدفاع عن المحتجزين في القضية، دخول المعتقلين في إضراب عن الطعام، بدأ أمس، مؤكدين استمراره حتى قيام النائب العام بالتحقيق في مخالفة الشرطة والنيابة للمسلك الواجب اتباعه في القضية.
وقالت هيئة الدفاع، في بيان أمس: «دخل الثوار المقبوضون على ذمة البلاغ 94/2022، الخاص بمقتل عميد الشرطة بريمة، في إضراب عن الطعام منذ اليوم وسيستمر حتى قيام النائب العام بالتحقيق في مخالفة الشرطة والنيابة للمسلك الواجب اتباعه. وأشار البيان إلى رفض النائب العام، وفقاً لصلاحياته القانونية التحري والتحقيق وفتح بلاغ في الانتهاكات الدستورية والقانونية التي تمت في مواجهة المشتبه فيهم، مؤكداً على مخالفة مسلك الشرطة والنيابة لحقوق الإنسان وقانون الإجراءات الجنائية ومخالفة الشرطة والنيابة لمهنيتهم والعمل وفقاً للمسلك الواجب اتباعه.
ولفتت إلى تقديم هيئة الدفاع عن المتهمين في القضية بعريضة شكوى ضد كل من نيابة الخرطوم شمال وشرطة مباحث ولاية الخرطوم ونيابة التحقيقات الجنائية ببحري وقسم التحقيقات الجنائية ورئيس نيابة التحقيقات الجنائية ووكيل أول نيابة التحقيقات الجنائية بوصفه المشرف على التحري ووكيل النيابة المتحري وإدارة سجن كوبر لمخالفتهم القانون الجنائي السوداني لعام 1991. وأوضح البيان أنه إضرب المتهمين عن الطعام بسبب تعرضهم لمعاملة غير إنسانية وعنف مفرط من قبل الشرطة، فضلاً عن تستر النيابة على ذلك، بالمخالفة للقانون والمسلك الواجب اتباعه. وأكدت على إجبار المتهمين علي تقديم بينة ضد أنفسهم عبر تسجيل اعترافات قضائية تحت الضغط والإرهاب والتعذيب، وإجبارهم على تمثيل الجريمة تحت تهديد السلاح.
كما تم إجبارهم على تقديم بينة ضد أنفسهم بالإمساك بأداة الجريمة وتمثيلها بعد الثانية فجراً في وجود مكثف للقوات الأمنية، وأخذ عينات دم من المتهمين، حسب البيان. وتابع: «منع المحتجزون من مقابلة أسرهم ومحاميهم، بينما تم إخفاء مكانهم عن الأهل والمحامين، الأمر الذي يخالف المادة 83 من قانون الإجراءات الجنائية والمسلك الواجب اتباعه في الصدد. وأكمل: «قامت الشرطة بتنصيب نفسها حكماً وقاضياً وجلاداً في مواجهة المشتبه بهم، مخالفة بذلك مهنيتها والمسلك الواجب اتباعه عندما قامت بمحاكمة المشتبه فيهم إعلامياً. وشددت الهيئة على منع السلطات للمحامين من تأدية واجبهم وفقاً للقانون ابتدأ بعدم تمكينهم من معرفة مكان المشتبه فيهم، وسبب القبض علي موكليهم لأكثر من شهر وتهديدهم بالسلاح والتهديد باعتقالهم بموجب قانون الطوارئ، وإحضار قوة مكافحة الشغب لمنع المحامين من ممارسة مهامهم وفقاً للقانون.
النيابة لطلبات المحامين
وكشفت عن رفض النيابة لطلبات المحامين إخضاع المحتجزين للفحص الطبي الجنائي لإثبات فعل التعذيب الذي ارتكب في حقهم، مؤكدة علم النيابة بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في حق المشتبه بهم، ومخالفة الشرطة للمسلك الواجب اتباعه والقانون. ولفتت إلى رفض النيابة علاج المشتبه بهم في مستشفيات حكومية وإصرارها على أن يكون العلاج بواسطة طبيب الوحدة العلاجية فى سجن كوبر. وأضاف بيان هيئة الدفاع: «تعامل سجن كوبر، كان مخالف لمبادئ القانون وذلك باستلامهم من نيابة التحقيقات الجنائية وهم مصابون نتيجة التعذيب وتسترهم على ذلك، حيث تم تقييدهم بالسلاسل الحديدية وحبسهم انفرادياً وتعذيبهم معنوياً، مشيراً إلى تهديدهم بالشنق أثناء التحقيق. وتابع: بعد شهر أو أكثر من المماطلة، أصرت إدارة سجن كوبر على وجود ضابط برتبة عقيد وآخر برتبة رائد بالغرفة أثناء مقابلة المحامين لموكليهم، مخالفين بذلك الإجراءات الجنائية ولائحة الحراسات والسجون.
ولفت إلى مخالفة إدارة سجن كوبر للمسلك الواجب اتباعه لجهة عدم إدانة المشتبه بهم حتى الآن بواسطة محكمة مشـــدداً على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، حسب القانون. وأكد، استمرار وضع القيود الحديدية على أرجل المشتبه بهم، و سجنهم في مكان سيئ فضلاً عن تعرضهم لسوء المعاملة.