الخرطوم: يشهد السودان، الثلاثاء والأربعاء، إضرابا عاما، استجابة لدعوة “قوى إعلان الحرية والتغيير”، قائدة الحراك الشعبي؛ للضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة للمدنيين.
وأخفق المجلس العسكري و”قوى التغيير” في الاتفاق على نسب مشاركة المدنيين والعسكريين في مجلس السيادة، أحد أجهزة السلطة في المرحلة الانتقالية.
فيما اتفق الطرفان على تشكيل حكومة من “قوى التغيير”، ومنح الأخيرة 67 في المئة من مقاعد المجلس التشريعي (300 مقعد)، مع شغل بقية المقاعد بالتشاور، واستبعاد حزب “المؤتمر الوطني” الحاكم سابقا.
وتتهم قوى التغيير المجلس بالسعي إلى الهيمنة على عضوية ورئاسة مجلس السيادة، ووضع عراقيل أمام المفاوضات، والمماطلة في تسليم السلطة إلى المدنيين.
بينما يتهم المجلس العسكري، قوى التغيير بعدم الرغبة في وجود شركاء حقيقيين لها، والبحث عن شركاء رمزيين في المرحلة الانتقالية.
العصيان المدني
مع تعثر المفاوضات، دعت قوى التغيير إلى إضراب عام، لمدة يومين، في المؤسسات والشركات الخاصة والعامة والقطاعات المهنية والحرفية.
وقالت إن الإضراب والعصيان المدني “عمل مقاوم سلمي لا مفر من استخدامه، لتقويم مسار الثورة واستكماله”.
وأعلنت عن تنظيم مسيرات، باسم “السلطة المدنية”، نحو ميدان الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم، الخميس المقبل.
وشهدت الخرطوم ومدن أخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، وقفات احتجاجية لعاملين في مؤسسات حكومية وشركات عامة وخاصة وبنوك وجامعات وقطاعات مهنية، للمطالبة بتسليم السلطة إلى المدنيين.
مجلس السيادة
وإحدى نقاط الخلاف المركزية بين الجانبين، “مجلس السيادة” الذي يتمسك المجلس العسكري بأن يكون غالبية أعضائه من العسكريين، بحسب مصادر في قوى التغيير.
المصادر أفادت بأن المجلس العسكري يريد أن يكون مجلس السيادة مكون من سبعة عسكريين وثلاثة مدنيين، وأن يكون رئيسه عسكريا.
بينما تطالب المعارضة بأن تكون أغلبية أعضاء مجلس السيادة مدنيين، وأن يكون رئيسه مدنيا أيضا.
واتفق الطرفان على نحو 95 في المئة من النقاط الخلافية بشأن بقية هياكل أجهزة الفترة الانتقالية، وهما: الحكومة والمجلس التشريعي.
لكن لمجلس السيادة أهمية بالغة لدى الطرفين، إذ يتمتع بصلاحيات مهمة، منها: التصديق على عقوبات الإعدام والمعاهدات والمواثيق الدولية، بحسب وسائل إعلام محلية.
شكوك قوى التغيير
وفقا للقيادي بتحالف قوى التغيير، عضو وفد التفاوض، الطيب العباسي، فإن “العسكر يتمسكون بغلبة المكون العسكري؛ لأن القرارات داخل مجلس السيادة بأغلبية التصويت”.
ويقول العباسي: “تمسكهم يثير القلق.. لماذا يخشون من تواجد المدنيين؟ هل لأنهم سيقبلون على محاسبة أركان ورموز النظام السابق الذين قد يواجهون عقوبات ربما تصل إلى الإعدام؟”.
وعزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، عمر البشير من الرئاسة، بعد ثلاثين عاما في الحكم؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية، بدأت أواخر العام الماضي؛ تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.
ويضيف المعارض السياسي: “ذلك يجعلنا نشكك في أنهم يحاولون حماية مفسدين سابقين أو وقف أية قرارات متوقعة قد تضر بمصالح رموز النظام السابق”.
أهداف الإضراب
الهدف القريب المأمول من الإضراب بالنسبة لقوى التغيير، هو دفع المجلس العسكري إلى التراجع عن موقفه من نسبة تمثيل العسكريين في مجلس السيادة.
لكن ثمة هدف آخر محتمل، وهو الإطاحة بالمجلس، برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان، والضغط على الجيش، لتقديم قيادة جديدة تساهم في عملية انتقالية تنتهي بتسليم السلطة إلى المدنيين.
ورغم أن قوى التغيير لم تعلن صراحة رغبتها في إسقاط المجلس، إلا أنها تبث رسائل، عبر المعتصمين، تطالب صراحة بـ”إسقاط مجلس البرهان”.
وصكت قوى التغيير، عبر هؤلاء المعتصمين، هتافها لإسقاط البشير، ثم رئيس المجلس العسكري الأول، عوض بن عوف، وبات هتافهم حاليا هو: “تسقط ثالث”، في إشارة إلى البرهان.
تحديات وتحركات
لكن الإطاحة بالمجلس العسكري ربما تواجهه صعوبات كبيرة، منها استهلاك طاقة قيادات قوى التغيير في اعتصام طويلة الأمد، أمام قيادة الجيش، منذ 6 أبريل الماضي.
من المحتمل أيضا أن يتحرك العسكر للبحث عن أرضية قبول جديدة لهم بين المواطنين، وهو ما يبدو أنهم شرعوا به فعلا، عبر إعادة النقابات المجمدة، وتقديم حوافز وعلاوات لموظفي الدولة.
كما يمكن أن يتلقى المجلس دعما من حلفاء إقليميين، وخاصة السعودية والإمارات ومصر، لاسيما إذا اتهم المجلس قوى التغيير بعدم الجدية في المفاوضات، واقترح إجراء انتخابات بعد ستة أشهر.
وبالفعل، بدأت وسائل إعلام محلية تتحدث عن ذلك المقترح، إذ فشل الطرفان في بلوغ اتفاق.
ولتحقيق ذلك، وفق خبراء، على “العسكري” أن يتجاوز عقبة المجتمع الدولي، الذي يطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين، وكذلك عقبة مجلس الأمن والسلم الإفريقي الذي أمهل “العسكري” 60 يوما، شارفت على الانتهاء، لتسليم السلطة.
مع كل تلك التطورات سيخضع المجلس العسكري وقوى التغيير لاختبار الشارع والمتغيرات المحلية والدولية.
وستشهد الأيام المقبلة حراكا مكثفا من الطرفين، لتجاوز ذلك الاختبار، على أمل الوصول إلى السلطة، وإدارة مقاليد الحكم في السودان. (الأناضول)