الخرطوم ـ «القدس العربي»: طالب مدعي المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أمس الأربعاء، السلطات السودانية بتسليم الرئيس المخلوع عمر البشير وبقية المطلوبين للمحكمة الجنائية.
وقال في مؤتمر صحافي في الخرطوم، إن “قيام محاكمات للمتهمين في جرائم دارفور يتطلب إرادة من السلطات”، مشيرا إلى أنه لم يلمس تطورا بهذا الخصوص.
ولفت إلى أن مكتب المدعي العام لم يتلق ردا من السلطات بخصوص طلبهم مقابلة البشير وبقية المطلوبين، الذين تحتجزهم السلطات السودانية منذ أبريل/ نيسان 2019.
وبخصوص أسباب طلبهم لقاء البشير، أوضح أن من الطبيعي للإدعاء مقابلة المطلوبين لإجراء التحقيقات، ومحاولة الحصول على الأدلة المجرّمة والمبرئة وفقا لنظام روما، مبينا أن هناك بعض مطلوبات التحقيق لا تتطلب قبول السلطات مثل الإطلاع على الوثائق المتعلقة بالجيش، التي طلبها مكتب المدعي العام منذ يناير/ كانون الثاني الماضي.
ولفت إلى تلقيه وعودا عديدة من القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بخصوص التعاون في ملف المطلوبين وإنشاء مكتب للمدعي العام للمحكمة الجنائية في الخرطوم، مبينا أن فريقا من الجنائية سيزور الخرطوم خلال الأسبوعين للشروع في ترتيبات إنشاء المكتب.
وأوضح أن إمكانية الشروع في محاكمة البشير وبقية المطلوبين في السودان غير ممكنة في ظل القوانين الحالية في البلاد، وأن الخيارات الأخرى غير المحاكمة في مقر المحكمة في لاهاي، هي قيام محكمة “هجينة” بالتعاون مع الجهات العدلية الأفريقية.
وتحفظ على الكشف عن تفاصيل الوعود التي تلقاها من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، مشيرا إلى ضرورة الالتزام ببعض السرية بهذا الخصوص.
وبين أنه أوضح للقائد العام للجيش أن أوامر القبض التي أصدرتها المحكمة الجنائية ملزمة قضائيا ويتعين تنفيذها، وأن القضية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد ويجب أن تصل إلى نتائج.
وقال إنه أشار خلال اللقاء مع البرهان، إلى أن أهم مبدأ في نظام روما هو المحاسبية، وأنه لا يمكن الإفلات من العقاب، مشددا عزمه على الوصول بخصوص جرائم دارفور إلى النتائج المرجوة.
وأضاف: أن السودان فيه كثير من التعقيدات، وأنهم لم يتلقوا إجابات حول العديد من الطلبات التي تقدموا بها إلى السلطات السودانية، ولكنهم يقدمون مبدأ حسن الظن حتى تظهر نتائج الوعود التي تلقوها.
وتابع: أن البرهان أشار خلال لقائه معه، إلى أن وزارة العدل ستتابع طلبات مكتب المدعي، مشيرا إلى ترتيبات لعقد اجتماعات شهرية بين المنسقين من طرف السلطات السودانية ومكتب المدعي العام لضمان الإيفاء بالوعود في الصدد وتحقيق العدالة للضحايا.
أوضاع مأسوية
وأبدى ارتياحه لزيارة إقليم دارفور ومقابلة الناجين من الحرب هناك والوقوف على أوضاعهم التي وصفها بـ “المأسوية”، مشيرا إلى أن الزيارة كانت مطلوبة للتأكيد للضحايا أن هناك من يعمل من أجل تحقيق العدالة.
وقال: إنه كان من المهم بالنسبة له الايفاء بوعده والذهاب إلى دارفور ، مضيفا: كنت أريد أن أحضر في أبريل/ نيسان الماضي، ولكن التعقيدات في البلاد حالت دون ذلك.
وتابع: الناس هناك كانوا سعيدين، من المهم أن يروني وأن يجدوا من يقف إلى جانبهم، ويروا أن معاناتهم ستنتهي.
وأشار إلى أنه كان يريد أن يستمع إليهم بشكل مباشر ويرى مدى معاناتهم، مشددا على ضرورة الاستماع لأصوات الناجين والحديث مع المسؤولين في الدولة للوصول للنتائج المطلوبة والنظر للقضية من كل الاتجاهات.
واختتم خان، أمس الأربعاء زيارته للسودان، والتي استمرت لخمسة أيام عقد خلالها عددا من اللقاءات مع السلطات السودانية والناشطين الحقوقيين وضحايا الحرب.
وتعتبر هذه الزيارة الثانية من نوعها للمدعي العام للبلاد منذ توليه منصبه في يونيو/ حزيران الماضي، حيث زار السودان عقب ذلك بشهرين.
والإثنين، قدم خان إحاطة مباشرة لمجلس الأمن من الخرطوم، أكد خلالها على ضرورة إيجاد طرق جماعية للمضي قدما، مطالبا مجلس الأمن النظر في عقد جلسة من السودان لمعرفة المزيد من خلال مقابلة الناجين.
وتعد هذه المرة الأولى في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية التي يقدم فيها المدعي العام إحاطة لمجلس الأمن من بلد تجري فيه المحكمة تحقيقات.
كابوس لم ينته
وقال خلال مخاطبته مجلس الأمن إنه إذا لم يتم التعامل مع الانتهاكات التاريخية، والحالات المعروفة جيدا في السودان، فقد تستمر دورة الإفلات من العقاب، وتحدث دورات أخرى من العنف.
وتابع: العدالة والمساءلة الجادتان لم يتم الإحساس بهما بالطريقة المطلوبة مثلما كان متوقعا، مشيرا إلى أن الحقيقة المجردة هي أن كابوس الآلاف من سكان دارفور لم ينته بعد.
والأحد الماضي توجه خان إلى إقليم دارفور، حيث قام بجولة امتدت ليومين، تفقد خلالها عددا معسكرات النازحين والتقى عددا من ضحايا الحرب والنزاعات في الإقليم.
وقالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في بيان، إن خان بدأ زيارته بمعسكر “كلمة” في ولاية جنوب دارفور، حيث التقى قادة المعسكرات وضحايا جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب من مناطق “مكجر” و”بندسي” و”كدم” و”دليج” الذين نزحوا إلى معسكرات جنوب دارفور، فضلا عن زيارة
المقابر الجماعية لضحايا الحرب في معسكر “كلمة”.
وتوجه ايضا إلى معسكرات “الحصاحيصا” و “الحميدية” في ولاية وسط دارفور، حيث التقى الناشطين والنازحين هناك، وممثلين للمعسكرات في غرب دارفور.
وسلمت المنسقية مدعي الجنائية مطالب النازحين واللاجئين ووثائق تتضمن أسماء الضحايا ووثائق تثبت تورط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب في دارفور. ووصفت مواقف المحكمة الجنائية بالثابتة، مؤكدة على ضرورة ترجمة الأقوال إلى أفعال وتحقيق العدالة لضحايا حرب دارفور.
واندلعت الحرب في إقليم دارفور في الفترة من 2003 إلى 2017، بينما لا تزال تداعياتها مستمرة، حيث راح ضحيتها نحو 300 ألف قتيل فضلا عن نزوح ولجوء حوالى 3 ملايين، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.
وتواجه حكومة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير اتهامات بإرتكاب انتهاكات واسعة خلال حرب دارفور.
وفي 4 مارس/آذار من عام 2009، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير، بناء على اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
ولاحقا، أضافت الجنائية تهما أخرى للبشير تتعلق بارتكاب جرائم إبادة جماعية. وإضافة للبشير، تشمل قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية، وزير الدفاع السوداني الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الداخلية الأسبق أحمد هارون، بينما سلم علي كوشيب الذي يعتبر من القادة البارزين لميليشيات الجنجويد وقوات الدفاع الشعبي، نفسه للجنائية في 9 يونيو/حزيران 2020، الأمر الذي وصفته المدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا بـ”التطور المهم”، حيث لا تزال جلسات محاكمته التي بدأت في 5 أبريل/ نيسان 2022.
وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 وقعت الحكومة الانتقالية اتفاق سلام مع مجموعة من التنظيمات المعارضة والمسلحة، شملت عددا من حركات دارفور.
إلا أن التداعيات الأمنية في الإقليم لا تزال مستمرة، حيث قتل خلال النزاعات المسلحة هناك، منذ انقلاب القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، حوالى 300 شخص، حسب المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، التي تتهم السلطات السودانية وميليشيات وحركات موالية لها بالتورط في النزاعات المسلحة في الإقليم، واصفة اتفاق السلام باتفاق تقاسم السلطة.
وقالت إن الاتفاق لم يحقق مطالب النازحين واللاجئين، بينما تفاقمت النزاعات عقب توقيعه وانتشرت المجموعات المسلحة داخل المدن وانتشرت أعمال النهب والقتل، فضلا عن الانتشار غير المسبوق للسلاح.