الخرطوم ـ «القدس العربي»: تصاعدت موجة الإضرابات المطلبية في عدد من القطاعات المهنية السودانية، احتجاجا على ضعف الأجور في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، والتي تفاقمت منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2020 بدأت السلطات السودانية، برامج رفع الدعم عن الوقود والخبز والسلع والخدمات الاستهلاكية.
وفي مقابل الزيادات العالية في أسعار السلع الأساسية، التي ترتبت على رفع الدعم، تراوح أجور الموظفين والعمال السودانيين مكانها، الأمر الذي تسبب في موجة واسعة من الإضرابات.
وتشهد ولايتا شمال وجنوب دارفور، غرب السودان، إضرابا شاملا في جميع مؤسسات الخدمة المدنية، منذ منتصف الشهر الماضي، حيث يؤكد الموظفون والعمال أنهم لن يعودوا إلى مكاتبهم، إلا في حال دفع الحكومة، كافة الأجور المتأخرة منذ مارس/ آذار الماضي، واعتماد هيكل راتبي جديد يتناسب مع الغلاء المعيشي في البلاد.
وفي مدينة تمبول في ولاية الجزيرة، أعلن أصحاب العمل الإضراب الشامل، وأغلق التجار محالهم التجارية، احتجاجا على إجراء السلطات، زيادات غير معلنة على ضريبة العمل، بينما تشهد المنطقة بالأساس احتجاجات واسعة بسبب انقطاع خدمات الكهرباء والمياه بشكل كامل منذ أربعة أيام.
وبعد انتهاء المهلة، التي أعلنتها لجنة الهيكل الراتبي للعاملين في قطاع الكهرباء، دون استجابة من السلطات، أعلنت التصعيد ابتداء من، أمس الإثنين، والإضراب الشامل عن العمل في كل القطاعات الإدارية والفنية والتوقف عن كل أعمال الصيانة في جميع أنحاء البلاد.
وبدأت تخفيض الحمولات الكهربائية تدريجياً بنسبة 20٪ إضافية لتصبح 40٪، وعدم إرجاع المعدات، المحولات، الخطوط والمغذيات عند خروجها عن الخدمة، مشددة على عدم رفع الإضراب إلا بعد التصديق النهائي على الهيكل الراتبي الجديد.
ويهدد العاملون في قطاع الكهرباء، بالإطفاء الكامل في جميع أنحاء البلاد، إذا تواصل التجاهل الحكومي لمطالبهم، مشيرين إلى أن أجورهم الحالية لا تكفي لإعالة أسرهم في ظل الارتفاع الهائل في أسعار السلع والخدمات وتواصل سياسات رفع الدعم الحكومي.
وأشارت، لجنة الرواتب، في بيان، إلى أن قطاع الكهرباء وصل حالة من التدهور والتردي جعلت العاملين يتسربون منه كـ»تسرب الماء من الغربال»، واعتذرت للمواطنين عن أي ضرر ينالهم بسبب الإضراب.
وأكدت أن الأضراب يمضي بشكل أكثر صلابة وتماسكا «من أجل نيل الحقوق المشروعة للعاملين»، مشددة على وضوح موقفهم وأنهم لن يتراجعوا عن الإضراب أو يتنازلوا عن مطالبهم.
واشترط العمال وضع هيكل راتبي مجز ومرضٍ لطموحاتهم، مشددين على أنهم لن يرفعوا الإضراب بناء على وعود مؤجلة من السلطات وإنما بالتصديق على الهيكل الراتبي الجديد.
واتهم وزير الطاقة والنفط، محمد عبد الله محمود، من وصفهم بـ«أصحاب الأجندة بمحاولة استغلال المطالب المشروعة للعاملين بغرض فرض هيمنتهم على القطاع، داعيا الى تفويت الفرصة عليهم، ومواصلة العمل.
ويتخوف السودانيون من استمرار إضراب العاملين في قطاع الكهرباء، وتأثيره على الإمداد الكهربائي غير المستقر في الأساس، وسط معاناة من انقطاعه لساعات وفق برمجة يومية مستمرة منذ أشهر.
بينما تشهد مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر والميناء الرئيسي للبلاد، انقطاع كامل للكهرباء منذ الأحد، بسبب أعطال فنية، ويتوقع أن يتواصل في ظل إضراب العاملين في قطاع الكهرباء.
واعتقلت السلطات اثنين من العاملين في قطاع الكهرباء، أمس، بعد تمسكهم بتنفيذ الإضراب، وعدم إصلاح العطل الفني في الخط الناقل «عطبرة -بورتسودان»، قبل أن تطلق سراح أحدهم.
اعتقالات
وقالت لجنة الهيكل الراتبي في بيان، إن السلطات احتجزت فني الكهرباء في المحطة، الذي أطلقت سراحه لاحقا، بعد اعتقال المهندس المشرف الذي رفض القيام بعمليات الإصلاح، وأكد تمسكه بالإضراب.
السلطات رفعت الدعم عن الوقود والخبز والسلع والخدمات الاستهلاكية
وشددت على أنها لن تقبل إلحاق أي ضرر بالعاملين بسبب الإضراب الذي وصفته بـ« المشروع، مضيفة : «أن سلامة العاملين خط أحمر، وأنها حال استمرار الاعتداء على منسوبيها ستقوم بتسليم المحطات للمسؤولين خلال 48 ساعة.
ولاية البحر الأحمر، شهدت هي الأخرى، إضرابا عاما في جميع القطاعات، رفع صباح أمس الإثنين، بعد وعود قدمتها حكومة الولاية بتنفيذ المطالب المعلنة من قبل لجنة الإضراب.
وقال مقرر لجنة الإضراب في بورتسودان، حسن كنة لـ«القدس العربي» إنهم رفعوا الإضراب بشكل مشروط، بعد وعود تلقوها من حكومة الولاية، مشيرا إلى أنهم سيعلنون التصعيد حال لم يتسلموا المرتبات المتأخرة منذ مايو/ آيار الماضي وتتم إزالة التشوهات في الرواتب وتطبيق الهيكل الجديد.
وعلى الرغم من عدم تفاؤله بتنفيذ الوعود الحكومية، قال كنة إنهم منحوا حكومة الولاية، الفرصة التي طلبتها، وسيراقبون نتائج ذلك.
تأخر الرواتب
وفي الأثناء، يتواصل إضراب أطباء الامتياز، في مستشفيات العاصمة الخرطوم والولايات الأخرى، لليوم الثالث على التوالي، احتجاجا على تأخر رواتبهم الضعيفة بالأساس منذ مطلع العام الجاري، وتردي بيئة العمل والأوضاع المهنية للعاملين في القطاع.
وأشارت إلى أن لجان الإضراب قامت بتسليم خطابات بالخصوص لإدارات المستشفيات وسبق ذلك تنفيذ عدد من الوقفات الاحتجاجية، متهمة وزارة الصحة بمحاولة الالتفاف على الإضراب بصرف أجزاء قليلة من المرتبات لعدد قليل من الأطباء.
وقال الأمين العام للجنة إضراب أطباء الامتياز، مصطفى قاسم لـ«القدس العربي» أن نسبة نجاح الإضراب وصلت إلى 95 ٪ مشيرا إلى أنهم سيعلنون إبتداء من اليوم الثلاثاء، إضرابا مفتوحا عن العمل، إذا تجاهلت السلطات مطالبهم. وحدد مطالبهم بتحسين المرتبات وصرف المتأخر منها مع الالتزام بصرف المرتبات مستقبلا في موعدها المحدد، بالإضافة إلى المنح والبدلات وتحسين بيئة العمل.
وأشار إلى أن أطباء الامتياز، وعلى الرغم من عدم ايفاء وزارة الصحة باستحقاقاتهم المالية، ظلوا يباشرون مهامهم إيمانا بالمسؤولية المهنية والأخلاقية، مشددا على أن الوصف الوظيفي لأطباء الامتياز، أنهم أطباء تحت التدريب إلا أن معظم الأعباء تقع عليهم داخل المستشفيات السودانية، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة حول النظام الصحي في البلاد وقدرة المؤسسات العلاجية على تقديم التدريب لأطباء الأمتياز.
وعقب موجة من الانفتاح الاقتصادي، أوقف المجتمع الدولي جملة من المساعدات والمنح للسودان تقدر بنحو 4.5 مليار دولار، بعد انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية، تضمنت مساعدات لتخفيف آثار تطبيق سياسات رفع الدعم على المواطنين.
وفي ظل الأزمات الإقتصادية والأمنية المتفاقمة، تشهد البلاد انسدادا سياسيا لأكثر من عشرة أشهر، بينما فشل العسكر في تعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة، وملء الفراغ الدستوري في البلاد.
يأتي ذلك في وقت تتصاعد التظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري في البلاد والمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي، وسط دعوات للإضراب العام والعصيان المدني.
وراح ضحية قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات الرافضة للانقلاب 117 قتيلا معظمهم بالرصاص وفق إحصاءات لجنة أطباء السودان المركزية بينما تجاوز عدد مصابي الاحتجاجات 6000 حسب منظمة «حاضرين» الناشطة في علاج مصابي الثورة السودانية.