الخرطوم- «القدس العربي»: تصاعدت نداءات الاستغاثة في ظل الأوضاع المأساوية التي تشهدها مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وسط السودان، وذلك بعد سقوطها في يد قوات الدعم السريع التي ما تزال قواتها تتوغل في مدن الولاية المتاخمة للعاصمة الخرطوم.
وقالت لجان مقاومة، إن قوات الجيش انسحبت بناء على تعليمات قيادتها، تاركة المدنيين في مواجهة قوات الدعم السريع التي اتهمتها بانتهاك الأعراض وقتل ونهب وترويع المدنيين.
وفيما نددت اللجان بانتهاكات قالت إنها طالت أعراض سكان مدينة ود مدني، في إشارة إلى حدوث اغتصابات وأحداث عنف جنسي، فإنها لم تعلن أي إحصاءات بالخصوص.
وبلغت حالات العنف الجنسي في السودان منذ اندلاع حرب 15 أبريل/ نيسان الماضي، 136 حالة موثقة بينها 14 طفلة، حيث سجلت 68 حالة في العاصمة الخرطوم و47 في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور 21 في الجنينة عاصمة ولاية شمال دارفور، وفق الإحصاءات الأولية التي أعلنتها وحدة حماية المرأة في السودان، التي أشارت إلى إفادة معظم الناجيات بأن المعتدين كانوا يرتدون زي “الدعم السريع”.
وبعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني، تجددت المخاوف من تصاعد العنف الجنسي، فيما أطلق ناشطون سودانيون حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لإغاثة النساء السودانيات وإنقاذهن من الحرب التي تخاض كل يوم على أجسادهن.
فيما نشط هاشتاغ “احموا النساء من الاغتصاب” و”أنقذوا نساء السودان” و”أوقفوا الحرب” وغيرها، التي سلطت الضوء على الانتهاكات الواسعة التي يواجهها السودانيون خاصة النساء.
يأتي ذلك وسط حالة من الذعر تعيشها الفتيات والأسر السودانية، حيث نشرت العديد من الفتيات بالتزامن مع استيلاء “الدعم السريع” على مدينة ود مدني، منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبروا خلالها عن مخاوفهن بالخصوص وجدوى استخدام عقارات منع الحمل، فضلاً عن التساؤل حول إسعاف المغتصبات، في وقت أثار إغلاق المستشفيات والمرافق الطبية المزيد من الهلع.
وفي الأثناء، انقطعت خدمات الكهرباء والاتصالات والإنترنت عن ولاية الجزيرة وعدد من الولايات المتاخمة لها، منذ مساء الثلاثاء.
والجمعة، اجتاحت قوات الدعم السريع عدة مناطق شرق مدينة ود مدني قبل أن تعلن سيطرتها على المدينة التي تعد من أكبر المدن السودانية وأقربها إلى العاصمة الخرطوم، كما أنها منفذ مهم للولايات شرق وجنوب السودان، الأمر الذي يعني انتقال المعارك في السودان إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيداً.
وتؤوي ولاية الجزيرة، التي تبعد عاصمتها ود مدني نحو 186 كيلومتراً من الخرطوم، أكثر من ثلثي النازحين الذين فروا من المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، بما يعادل نحو مليوني نازح.
وحذرت نقابة الأطباء السودانيين من أن اتساع رقعة الحرب وتمددها إلى مدينة ود مدني يضع البلاد أمام واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في ظل الحرب الراهنة. ولفتت إلى أن مدينة ود مدني بعد اندلاع الحرب في الخرطوم ومدن أخرى أصبحت ملاذًا آمنًا لمرضى القلب والسرطان والكلى والحالات الطبية المستعصية.
وبينت أن مئات الآلاف من المرضى ممن نزحوا من مختلف ولايات السودان، بما في ذلك جرحى ومصابو الحرب والمرضى بأقسام العناية المركزة، يواجهون مصيراً مجهولاً بسبب إغلاق المستشفيات ونقص الدعم الصحي والموارد الطبية ونزوح الأطباء والكوادر الصحية إلى خارج مدينة ود مدني.
ولفتت إلى أن أغلب المستشفيات أصبحت خاوية وغير قادرة على تقديم الخدمات الطبية اللازمة، حيث تم احتلال مستشفى الجزيرة للطوارئ والإصابات وخرج عن الخدمة، وأغلق مركز مدني لأمراض وجراحة القلب بعد أن أصبح مباشرة في مرمى نيران الاشتباكات العسكرية، فضلاً عن توقف الخدمة في باقي المستشفيات التخصصية. وأضافت: “تزداد الأمور تعقيداً بإغلاق الصيدليات ونقل الأدوية التجارية خارج ود مدني”.
على الصعيد الإنساني، تؤوي ود مدني ملايين النازحين الفارين من الحرب المندلعة في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى التي دخلت شهرها التاسع، لجأوا إلى مراكز الإيواء في ود مدني، محذرة من أن تمدد المعارك في المدينة يفاقم تعقيدات الأزمة الإنسانية القائمة في السودان.
ونبهت نقابة الأطباء إلى أن السودان يشهد حركة واسعة النطاق للنازحين سعياً لمأوى آمن دون توفر أي شكل من أشكال الحماية والدعم الإنساني.
وبما أن ولاية الجزيرة كانت الملاذ الآمن للفارين من المعارك في الخرطوم، نقلت إليها عدد من دور الرعاية، بما يتضمن الأيتام وفاقدي البصر الذين يواجهون الموت مرة أخرى بعد تمدد المعارك إلى ود مدني.
ووجهت عدد من المنظمات والمجموعات الحقوقية نداء عاجلاً لإنقاذ أطفال دار الأيتام (المايقوما) الذين تم ترحيلهم من الخرطوم إلى مدني. وأبدت خوفها من أنهم في مرمى النيران، حيث يوجد 251 طفلاً و91 من الأمهات البديلات العاملات في الدار، جميعهم في وضع خطير ويحتاجون إلى مساعدة فورية. وكذلك توالت نداءات الاستغاثة من أجل إجلاء العشرات من فاقدي البصر العالقين في دارهم منذ تفجر الأوضاع في ود مدني وسط حالة من الهلع.
وقالت لجان مقاومة ود مدني في آخر بيان لها قبل انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت، إن “الدعم السريع” نشرت قواتها في عدة ارتكازات داخل مدينة ود مدني.
ونددت بعدم التزام “الدعم السريع” بتعهداتها الخاصة بعدم الاعتداء على المدنيين، متهمة إياها بالقيام بعمليات ترهيب ونهب وسلب المواطنين بالتركيز على (الذهب، المال، السيارات)، مشيرة إلى أنه في حال عدم التعاون معهم يتم تهديد المواطنين بهتك الأعراض.
وأشارت إلى أنها تقوم بتكسير المنازل المغلقة ونهبها، خاصة في منطقة حنتوب حيث يواجه المدنيون أعمال النهب وتقييد الحركة في ظل انعدام الإمداد الغذائي.
وقالت إن تلك القوات أغلقت الطريق المؤدي إلى مدينة سنار جنوب الجزيرة، المار بأحياء “عووضه” و”مارنجان”، وتقوم بإرجاع المسافرين الفارين من المعارك هناك.
وناشدت لجان مقاومة ود مدني منظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة بالتدخل العاجل لفتح ممرات آمنة للمواطنين ووقف انتهاكات “الدعم السريع”.
وحسب تحديث نشره مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، الأربعاء، نزح أكثر من 6.9 مليون شخص داخل السودان وخارجه منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل / نيسان الماضي.
وأشارت إلى رصدها نزوح حوالي 250,000 إلى 300,000 شخص من ود مدني والمناطق المحيطة بها في ولاية الجزيرة بعد المعارك الأخيرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بينما لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم وأصيب 10 آخرون ونزح 750 آخرون في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عقب اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وحذرت من تأثير انعدام الأمن والنهب والعوائق البيروقراطية وضعف الاتصال بالشبكات والهواتف ونقص النقد ومحدودية عدد الموظفين الفنيين والإنسانيين على إيصال المساعدات الإنسانية في أجزاء كثيرة من البلاد.