الخرطوم ـ «القدس العربي»: قمعت الأجهزة الأمنية السودانية تظاهرات معارضة كانت متوجهة نحو القصر الرئاسي، وسط الخرطوم، للمطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، فيما قال القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، إن العسكر لم يوقعوا على أي اتفاق ثنائي مع أي جهة، مشددا على أنه لن يفرط في وحدة المؤسسة العسكرية بما فيها قوات «الدعم السريع».
وأكد أن «القيادة العسكرية ملتزمة بالانسحاب من المشهد السياسي حال توافق القوى السياسية»، مشيرا إلى أن «القوات المسلحة والدعم السريع، ستتفرغ لإعادة ترتيب صفوفها ومراجعة تنظيماتها وتتهيأ لتحديات المستقبل».
وحسب بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة، استعرض البرهان تطورات الأوضاع السياسية في البلاد، أمس، خلال اجتماع مع هيئة قيادة القوات المسلحة وقادة القوات الرئيسة والمفتش العام ومدراء الإدارات والأفرع وقادة التشكيلات والوحدات والقواعد ورؤساء الدوائر بقوات «الدعم السريع».
وأشار إلى أن «أي صيغة تأتي تضمن تماسك البلاد وتحفظ كرامة القوات النظامية بما يمكنها من القيام بواجباتها الوطنية، وتأتي بحكومة مستقلين غير حزبية، وتتوافق عليها القوى السياسية، ستكون مقبولة من قبل القوات المسلحة».
وشدد على «ألا تفريط في وحدة المؤسسة العسكرية بما فيها قوات الدعم السريع».
وأكد على موقف القوات المسلحة الذي وصفه بـ« الثابت بالوقوف مع تطلعات الشعب السوداني منذ أبريل/ نيسان 2019»، وأنه «لن يتراجع»، عن ذلك الموقف.
محاسبة الانقلابيين
جاء ذلك بالتزامن مع قمع الأجهزة الأمنية تظاهرات معارضة توجهت نحو القصر الرئاسي، وسط الخرطوم، للمطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين.
ووصلت التظاهرات التي دعت لها لجان المقاومة، الأربعاء، إلى موقف شروني القريب من القصر الرئاسي، حيث هتف المحتجون، مطالبين بمحاسبة الضالعين في انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، مرددين شعار اللاءات الثلاث الرافض للتفاوض والشراكة ومنح الشرعية للعسكر.
وندد المحتجون باستمرار اعتقال قادة سياسيين وأعضاء لجان مقاومة، كما حملوا لافتات ورايات تحمل صور ضحايا الانقلاب الذين بلغ عددهم، حسب إحصاءات لجنة «أطباء السودان المركزية»، 119 سودانيا، منذ بداية الانقلاب، فضلا عن عدد المصابين الذي يقدر بأكثر من 6000.
وفي الأثناء، أطلقت مجموعة من السياسيين والناشطين الحقوقيين، حملة للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين، مطالبين بعدم تسييس المؤسسات القانونية والعدلية في البلاد.
واستنكر رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان» (التيار الثوري الديمقراطي)، ياسر عرمان، خلال مخاطبته المؤتمر الصحافي لإطلاق الحملة، ما وصفها بـ«الاستهداف غير القانوني»، للمعتقلين. وقال إن «قوى الثورة تأخرت كثيرا في كشف جرائم الانقلاب»، مشيرا إلى أن «الاعتقالات الحالية لأعضاء في لجنة إزالة التمكين ولجان المقاومة، تمثل مأزقا أخلاقيا وسياسيا وقانونيا للسلطات، وتفضح الكثير مما يتعلق بالممارسات التي أعقبت انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي».
وحول اعتقال القيادي في «الحرية والتغيير» ومقرر لجنة إزالة التمكين، وجدي صالح، وعضو اللجنة عبد الله سليمان، أشار عرمان إلى أنه «استخدام للقانون لتصفية حسابات سياسية».
واعتبر استمرار قمع التظاهرات والاعتقالات السياسية «غطاء قانونيا، ومؤشرا غير جيد للعملية السياسية»، مضيفا: «كيف يكون هناك حل سياسي في مثل هذه الأجواء؟ من الواضح، أنه لا توجد تهيئة للمناخ، والشعب لا يشعر بأننا مقبلون على حل سياسي».
وأشار إلى «تصاعد وتيرة العنف ضد الحراك الجماهيري والتوترات الأمنية في عدد من مناطق البلاد، فضلا عن الاعتداء على اللجان التسييرية والنقابات»، مؤكدا أن هذه الأجواء «لا تتوافق مع أي حديث معسول عن حل سياسي».
سياسيون وقانونيون يطلقون حملة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين
وشدد على أن «الحل السياسي يتطلب استحقاقات من ضمنها إطلاق سراح كافة المعتقلين، ووقف العنف ضد الحركة الجماهيرية السلمية».
وقال إن «الاستهداف الذي تعرضت له لجنة تفكيك نظام الإنقاذ عقب الانقلاب على الحكومة الانتقالية، أكد على أهمية إزالة تمكين الإسلاميين، باعتباره قضية استراتيجية وأساسية لاستكمال الثورة وبناء الدولة السودانية».
وأضاف: «يجب أن يستمر التفكيك لإنهاء دولة الاسلاميين التي استمرت وولغت في دماء وحقوق وثروات السودانيين، كما يجب الوقوف ضد القوى المضادة للثورة».
وأكد على أن «العملية السياسية ليست دعوة للخنوع والاستسلام لقادة الانقلاب أو الابتعاد عن الثورة، وإنما هي حل سياسي يجب أن يتحقق بمشاركة فاعلة من الحركة الجماهيرية»، مشددا على أنه «لا يوجد حل سياسي بالابتعاد عن الحركة الجماهيرية وإنما بتصعيد الحراك الشعبي». أما عضو المجلس السيادي السابق ولجنة إزالة التمكين، محمد الفكي، فقد أكد خلال المؤتمر الصحافي على أن قضية المعتقلين «مهمة ومركزية في العملية السياسية»، مشيرا إلى أنها «قضايا استهداف سياسي من الدرجة الأولى، ولا علاقة لها بالقانون».
وأشار إلى أن زميله في لجنة تفكيك نظام الإنقاذ، وجدي صالح، معتقل سياسي بغطاء قانوني، مستنكرا ما وصفه بـ«استخدام أجهزة العدالة لتصفية الحسابات».
وقال إن «الإسلاميين يستهدفون وجدي بشكل شخصي لأنه صاحب الرواية القانونية الدقيقة حول فسادهم»، مشيرا إلى أنه «ظل يعرض عبر سلسلة من المؤتمرات الصحافية، الأدلة والبراهين والوثائق التي تكشف نهب الإسلاميين لثروات البلاد، وأنهم منظمة إجرامية، الأمر الذي تسبب في كراهيتهم الشديدة له وإلصاق التهم به، في وقت عاد الكثير منهم إلى السلطة عقب الانقلاب».
وندد بقيام السلطات القضائية بإعادة أموال النظام السابق بعد الانقلاب، معتبرا ذلك «تسييسا للمؤسسات القضائية والقانونية ومؤشرا خطيرا لفقدان الشعب الثقة بالمؤسسات العدلية».
معركتنا مستمرة
وأكد أن «البلاد مقبلة على فترة تحولات»، مشددا على أن لجنة إزالة التمكين «عائدة»، وأنه «لن يستقيم التحول الديمقراطي من دون تفكيك نظام الإنقاذ»، مضيفا: «نقول للإسلاميين، إننا باقون في هذه البلاد، وسنعود ونسترد كل أموال الشعب، وإن معركتنا معهم مستمرة».
وتابع: «إننا لم ننجز خلال الفترة الماضية أكثر من 15٪ من العمل المرجو من لجنة إزالة التمكين»، مشيرا إلى أنها «ربما تحتاج 5 سنوات أخرى وفترة إضافية بعد انتخاب حكومة لإزالة تمكين الإسلاميين بشكل كامل».
وأشار إلى أن «المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ليست رجاء للسلطات، ولكنها لتذكير المؤسسات العدلية بمسؤولياتها، وبأن ما يحدث الآن عار على النيابة وعلى النظام القانوني بأكمله، وأنه لا يمكن أن يعتقل الناس باسم القانون بسبب مواقف سياسية معروفة».
وقال: « لو كانت السلطات تصر على استمرار الاعتقال السياسي فلتقم بإعادة جهاز الأمن سيئ السمعة بدلا مما يحدث، حتى يصبح صراعا سياسيا بمعنى واضح»، مشيرا إلى خطورة انعدام ثقة الشعب بالأجهزة القانونية وأن ذلك قد يقود البلاد إلى منعطف خطير، إذا قرر المواطنون أخذ حقوقهم بأيديهم».
وأكد على ضرورة عدم السماح للسياسيين بالتدخل في المؤسسات القانونية والعدلية، مشددا على ضرورة إصلاحها على الرغم من مقاومتها عملية الإصلاح، على حد قوله.
«دليل واضح»
ولجنة تفكيك النظام السابق تضم بالإضافة إلى المدنيين الخمسة، ثلاثة عشر عضوا من منسوبي القوات النظامية ومؤسسات الدولة، وفق عضو تجمع المحامين الديمقراطيين، طارق كانديك، الذي أشار إلى أن استهداف الأعضاء المعتقلين دون غيرهم «دليل واضح على أن ما يحدث بدواع شخصية، ولا علاقة له بالقانون».
وقال إن «ما يحدث من استهداف للسياسيين والناشطين من لجان المقاومة يؤكد أن السلطات عقب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي غير جادة في المضي في أي عملية سياسية»، متهما إياها بـ «إعادة أموال النظام السابق وإعادتهم إلى السلطة».
وأضاف: هذه السلطة «لا يعنيها سير العدالة، وتمارس إجراءات انتقائية تستهدف إسكات الأصوات الرافضة للانقلاب»، مؤكدا أنها «غير مؤهلة للوصول لأي اتفاق سياسي يفضي إلى فتح الطريق أمام التحول الديمقراطي في السودان».
وأشار إلى أن «هناك افتراضا قانونيا معلوما ببراءة المتهم في أي قضية حتى تتم إدانته في محكمة مختصة بحكم نهائي»، مبينا أن هذا الافتراض «لديه اشتراطات والتزامات يجب أن تتوفر في مراحل التقاضي المختلفة، وصولا لمحاكمة عادلة وفي أبسط نواحيه يستدعي معاملة المتهمين معاملة كريمة والتعامل بحذر مع حقوقهم الخاصة، وهذا الأمر أغفلته السلطة الانقلابية».
وتعرّض المعتقلين للانتهاكات يؤكد على «ضرورة إصلاح المنظومة القانونية والعدلية في السودان، خاصة بعد إعادة الانقلاب عناصر النظام السابق إلى تلك المؤسسات، وإلغاء قرارات التفكيك التي جعلت البلاد تعيش أوضاعا شبيهة بما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير»، طبقا لكانديك.