السودان: علي كوشيب يواجه الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية اليوم

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم – «القدس العربي»: “حتى دون المتهمين الآخرين، فإن محاكمة علي كوشيب مهمة في حد ذاتها، لأنها تُظهر أن الجرائم لا تُنسى وأن المسؤولين عن ارتكابها سيواجهون العدالة”، هذا ما قاله رئيس هيئة محامي دارفور صالح محمود، مؤكداً أن هذه المحاكمة تمثل بداية العدالة لدارفور. واليوم الثلاثاء، تبدأ اولى المحاكمات الخاصة بجرائم دارفور، بمثول القيادي في مليشيا الجنجويد، علي محمد علي عبد الرحمن المعروف بـ”علي كوشيب”، أمام الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ويواجه كوشيب (31) تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُدعى ارتكابها في دارفور، غربي السودان، تشمل جرائم القتل، والاغتصاب، والتعذيب، ونهب للممتلكات.
وتستمع الدائرة الابتدائية، اليوم، لمرافعة افتتاحية لهيئة الادعاء، تليها إفادة غير مشفوعة بيمين يدلي بها المتهم، وملاحظة قصيرة يقدمها الممثلون القانونيون للمجني عليهم، حسب بيان من المحكمة الجنائية. وتُمنَح هيئة الادعاء ست ساعات لتقديم مرافعتها الافتتاحية، ويليها أول شاهد إثبات، وهو خبير من المقرر أن يبدأ في الإدلاء بإفادته غداً الأربعاء.
و”كوشيب” الذي يعتقد أنه كان القائد الأساسي لمليشيا الجنجويد في منطقة وادي صالح غربي دارفور، نُقل إلى عُهدة المحكمة الجنائية الدولية في 9 يونيو/حزيران 2020، بعد أن سلم نفسه، في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وبعدها بأسبوع، مثل أمام المحكمة الجنائية الدولية مثولاً أولياً في 15 يونيو 2020، وعُقدت جلسة اعتماد التهم أمام الدائرة التمهيدية الثانية في الفترة من 24 إلى 26 مايو/أيار2021. وأصدرت الدائرة التمهيدية الثانية في 9 يوليو/تموز 2021، قرارًا بالإجماع يعتمد جميع التهم التي وجهها المدعي العام ضد “كوشيب”، وأحالته إلى المحاكمة أمام الدائرة الابتدائية.
واستعرض بيان المحكمة التهم الموجهة له، بشكل مفصل، وتشمل تعمدُ توجيه الهجمات ضد السكان المدنيين، باعتبارها جريمة حرب والقتل العمد الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، وجريمة الحرب المتمثلة في النهب، وجريمة الحرب المتمثلة في تدمير ممتلكات العدو.
وكذلك الأفعال اللا-إنسانية الأخرى التي تشكل جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب المتمثلة في الاعتداء على الكرامة الشخصية، والاغتصاب باعتباره جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، والنقل القسري الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية، والاضطهاد الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية، والتعذيب الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، بالإضافة إلى جريمة الحرب المتمثلة في المعاملة القاسية، والشروع في القتل العمد الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب.
وأحال مجلس الأمن الدولي في العام 2005، قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية، بموجب القرار رقم1593، التي تعتبر المرة الأولى التي يقوم فيها مجلس الأمن بإحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وحسب إحصاءات الأمم المتحدة، قتل نحو 300 ألف خلال حرب دارفور التي اندلعت في العام 2003، فضلاً عن نزوح ولجوء الملايين من السكان المحليين.
ومنذ تكوين الحكومة الانتقالية في العام 2019، شهد التعاون بين المحكمة الجنائية والحكومة السودانية بعض الخطوات الإيجابية، رغم تضارب المواقف في الصدد بين العسكريين والمدنيين، ولكن تلك الخطوات تعثرت لاحقاً، بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقبل الانقلاب، زارت المدعية العامة للحكمة الجنائية فاتو بنسودا السودان مرتين، وذهبت إلى دارفور والتقت النازحين وضحايا الانتهاكات. بعدها، زار المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان، الخرطوم ووقع اتفاقيات تفاهم مع الحكومة السودانية. وزار وفد من المحكمة الجنائية الدولية البلاد، الشهر الماضي في زيارة تعتبر الأولى من نوعها منذ استيلاء العسكريين على السلطة. وحسب وزارة الخارجية السودانية، كان الغرض من الزيارة التشاور مع الجهات المختصة حول بعض الإجراءات المتعلقة بتسهيل التعاون بين السودان والمحكمة الجنائية. وقالت إن وكيل وزارة الخارجية المكَلَف بالإنابة السفير نادر يوسف الطيب، التقى وفد الجنائية، وأكد أن السلطات السودانية ملتزمة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة وفقاً لمبادئ القانون الدولي وتسهيل عمل المحكمة بالتنسيق مع الوزارات الأخرى والجهات ذات الصلة. وعلى خلفية الانقلاب العسكري، اضطر مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى تعليق نشر فريقه في السودان وإيقاف جميع أنشطة التحقيق على الفور لجهة انعدام الأمن والاستقرار، فضلاً عن أن العديد من المحاورين والمنسقين الرئيسيين لمكتب جرائم دارفور لم يعودوا يشغلون مناصبهم في الحكومة الحالية.
وخلال تقرير قدمه أمام مجلس الأمن الدولي في يناير/كانون الثاني الماضي، طالب المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان، الحكومة السودانية بضمان وصول مكتبه بأمان إلى السودان، بما في ذلك الوصول إلى الوثائق ومسرح الجريمة والشهود، مؤكداً ضرورة الرد على الطلبات العديدة بشأن المساعدة التي أرسلها مكتب المدعي العام دون مزيد من التأخير، في إشارة ربما لتجاهل قادة الانقلاب اتفاقيات التفاهم الموقعة بين الجانبين.
وفضلاً عن علي كوشيب، الذي يمثل أمام المحكمة الابتدائية اليوم، ما يزال هناك أربعة مطلوبين صدرت بحقهم أوامر توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، هم الرئيس السابق عمرالبشير، ووزير الداخلية السابق عبد الرحيم محمد حسين، ووالي ولاية جنوب كردفان السابق أحمد هارون، المحتجزون في الخرطوم منذ سقوط النظام السابق، بالإضافة إلى القائد السابق في حركة العدل والمساواة عبد الله بندة، الذي لا يزال طليقاً. ورغم أن المطلوبين الأربعة الآخرين لم يتم تسليمهم للمحكمة الجنائية، ولكن محاكمة كوشيب بحد ذاتها حدث بالغ الأهمية، حسب رئيس هيئة محامي دارفور صالح محمود. وقال، في بيان أمس: “لقد مضت قرابة الـ 20 عامًا منذ اندلاع أعمال العنف من قبل القوات الحكومية والميليشيات التي تدعمها الحكومة في منطقة دارفور، و15 عامًا منذ أن بدأت المحكمة الجنائية بإصدار أوامر توقيف بحق المشتبه بهم في هذه الجرائم، لكن الناجين والضحايا لم يتخلوا قط عن الأمل في تحقيق العدالة”.
وأضاف: “كانت المحكمة الجنائية الدولية هي الفرصة الوحيدة لتحقيق العدالة في الجرائم التي قتل خلالها آلاف المدنيين ودفعت الملايين إلى الفرار من ديارهم، بينما سعت الحكومة وقتها لإرهاب سكان دارفور ردًا على تمرد الجماعات المتمردة”. وتابع: “لم تقدم المحاكم السودانية المسؤولين عن هذه الجرائم المروعة للعدالة، وغابت أي إرادة سياسية من حكومة عمر البشير لمحاسبة الجناة”.
ولفت صالح إلى آمال الناجين التي زادت بعد الإطاحة بعمر البشير في ثورة 2019، مشيراً إلى أنها فتحت الباب أمام إمكانية إرساله مع المشتبه بهم الأربعة الآخرين المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية إلى لاهاي.
وشدد على أن العسكريين لا يريدون تسلم البشير أبدًا، قائلاً إن “السلطات الحالية أكدت لمدعي المحكمة الجنائية أن مذكرة التفاهم ما زالت سارية، لكن الضحايا والناجين اليوم لا يرون شيئًا يشير إلى وجود أي أمل في التعاون بشأن الهاربين البارزين”.
وفي السياق، قال الناشط في قضايا دارفور عبد الباسط الحاج، لـ”القدس العربي”: “ستكون هذه المحاكمة بالغة الأهمية لشعب دارفور ووادي صالح وعموم السودان والعالم أجمع بعد انتظار دام قرابة العقدين من الزمان لتري العدالة النور ويري الضحايا القيادي في مليشيا الجنجويد علي كوشيب يحاكم أمام العالم”.
وأضاف: “هذه المحاكمة هي نافذة أمل كبيرة ينظر من خلالها الضحايا بعد أن تبددت آمالهم في النظام القضائي السوداني”. ورجح الحاج أن تستمر محاكمة كوشيب مدة عامين أو ثلاثة حسب طبيعة إجراءات المحكمة، مشيراً إلى أن أقصى عقوبة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي السجن المؤبد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية