الخرطوم-“القدس العربي”: تباينت ردود الأفعال الرسمية والشعبية بعد أن أصدر الرئيس السوداني عمر البشير قرارا الجمعة قبل الماضية بفرض حال الطوارئ، لكن كثيرا من المراقبين اتفقوا على أن هذه الخطوة تمثل الكرت الأخير للبشير في مواجهة الاحتجاجات.
وأعلن البشير حال الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة عام وحل الحكومة القومية وحكومات الولايات وعينّ ضباطا في الجيش والأمن لإدارة شؤون الولايات وأصدر تغييرات كبيرة في الجيش القومي كما أصدر خمسة أوامر متعلقة بتنفيذ إجراءات الطوارئ.
وصدرت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي أربعة أوامر طوارئ تتعلق بتفويض سلطات ومنح حصانات، وحظر التجمهر والتجمع والمواكب والاضراب وتعطيل المرافق العامة، وتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي وتحديد ضوابط خروج النقد والذهب عبر الموانئ والمعابر، وحظر توزيع وتخزين وبيع ونقل المحروقات والسلع المدعومة خارج القنوات الرسمية تلاها أمر خامس يتعلق بحظر الممارسات الفاسدة ويستهدف موظفي الدولة.
محاكم ونيابات
وتنفيذا لأوامر الطوارئ، أصدر النائب العام عمر أحمد محمد وفقا لسلطاته حسب قانون النيابة العامة لسنة 2017 قرارا قضى بتأسيس نيابات طوارئ في ولاية الخرطوم وكل ولايات السودان، كما أصدر رئيس القضاء عبد المجيد ادريس علي قراراً بتشكيل محاكم طوارئ من الدرجتين الابتدائية والاستئنافية في كل ولايات السودان.
وتختص المحاكم المشكلة بمحاكمة المتهمين بمخالفة أحكام القانون الجنائي لسنة 1991 وقانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1997 وأوامر الطوارئ الصادرة من رئيس الجمهورية، وأي جريمة بموجب أي قانون آخر. كما تطبق المحاكم قواعد إجراءات محاكم الطوارئ الصادرة من رئيس القضاء بالقرار رقم 56 لسنة 2019.
وحسب وكالة الأنباء السودانية فقد أكد الفريق أول ركن عوض محمد أحمد بن عوف النائب الأول لرئيس الجمهورية ووزير الدفاع، عقب لقائه رئيس الجمهورية أن “الطوارئ تم إعلانها بعد الظروف الاستثنائية الاقتصادية التي مرت بها البلاد، وتهدف إلى تحقيق العدالة وتسهيل الإجراءات في مواجهة كل ما يخل بنظام الدولة”.
تحالف المحامين يرفض
وقال تحالف المحامين الديمقراطيين إن إعلان الطوارئ والأوامر الخمسة “مثلت في مجملها إهدارا للحياة الطبيعية وإعلانا للقوانين العرفية وشيعت حقوق الإنسان السوداني وسلامة المواطن دون أساس دستوري أو قانوني”.
وأضاف التحالف في بيان له أن “إعلان حال الطوارئ غير دستوري ويخالف مقتضيات الدستور، ما يعني بطلان الإعلان ولا يجوز أن تجري عليه الإجازة من السلطة التشريعية، كما لا يجوز أن تعيره المحاكم والنيابات أي اعتبار. ووفقا لذلك لا يجوز للنائب العام تشكيل نيابات للطوارئ، كما لا يجوز أن تستجيب السلطة القضائية لإنشاء محاكم الطوارئ لبطلان الإعلان الصادر عن رئيس الجمهورية لمخالفته للدستور مخالفة صريحة”.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رزق أن حال الطوارئ المعلنة الآن تستهدف الحياة السياسية بوجه خاص وان امتدت تأثيراتها بشكل مباشر أو غير مباشر للحياة الاقتصادية خصوصا تحت ذريعة محاربة الفساد، ويضيف بأن المؤكد أنها ستؤثر على الحياة العامة اجمالا عندما تؤثر على الحريات والحقوق، وتعطل الدستور، وتخضع البلاد لما يسمى بالأحكام العرفية.
ويقول رزق لـ “القدس العربي”: “يعكس إعلان الطوارئ، الموجه أساسا للشارع والمحتجين منذ أكثر من شهرين بغرض احتواء احتجاجه المتصاعد، يعكس افتقار الحكومة للبدائل الاقتصادية والخيارات السياسية لأجل معالجة جذور الأسباب التي ظلت تدفع بالآلاف من السودانيين للخروج يوميا للشوارع طوال شهرين للاحتجاج على الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد”.
ويخلص إلى أن الطوارئ استهدفت بشكل صريح حرية التعبير وحرية التجمع السلمي، كشكل من أشكال تجليات الحل الأمني الذي ما زالت تعول عليه الحكومة في غياب أي بدائل أو خيارات أخرى. وفي رأيه أن الطوارئ تمثل امتدادا لنهج العنف والعنف المفرط الذي ظلت تقابل به الحكومة الحراك الشعبي منذ بداياته، والذي خلف حتى الآن أكثر من خمسين شهيدا، ويتوقع مزيدا من الشهداء والمزيد من ضحايا العنف والقمع والعسف الرسمي. ويتوقع في هذا الإطار، اتساع دائرة القمع والكبت لتشمل نشطاء السوشيال ميديا، لإسكات صوتهم، ومحاولة محاصرة الحراك الشعبي وشله، من خلال تعطيل تواصل قواه وتنسيق وتنظيم نشاطه عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وحسب رزق فإن اعلان الطوارئ موجه في الدرجة الأولى لأي احتمالات لانشقاقات داخل النظام تهدد وجوده واستمراره، في ضوء الخلافات المحتدمة بين أطرافه ومراكز القوى المكونة له، بشأن التعامل مع الاحتجاجات الشعبية، ومع المبادرات المتعلقة بإيجاد مخرج من أزمة النظام، وبروز أصوات ترفض تعديل الدستور وبالتالي التجديد للرئيس، والدعوة لتنحيه.
ويضيف: قد رافقت إعلان الطوارئ تغييرات واسعة في تكوين الحكومة، قضت بخروج قوى ودخول أخرى، حيث برز العسكريون كمكون أساسي للحكم، وخروج المدنيين، بمن فيهم الإسلاميون، وتراجعهم في معادلة تكوين السلطة وبنيتها، وهو ما دفع بالبعض منهم لتلمس طريقه للالتحاق بالثورة، أو بالمبادرات الهادفة لإحداث تغيير سلمي في كابينة قيادة النظام، والتي تحظى بدعم إقليمي ودولي”.
ويرى إن إعلان الطوارئ وتوابعه، ليس مجرد إجراء أمني محض، وانما هو “انقلاب بكل المقاييس السياسية، ويشكل عودة إلى بدايات الانقاذ، وفي ظل إعلان الطوارئ، فان من المتوقع أن يتم تأجيل الانتخابات المقررة عام 2020 وخلق واقع جديد يسمح للرئيس بالاستمرار في الحكم لفترة غير محددة”.
الاحتماء بالجيش
ويصف المحلّل وأستاذ العلوم السياسية الطيب زين العابدين، الخطوات التي اتخذها البشر بأنها محاولة للاحتماء بالجيش لاعتقاده بأن ذلك يخلصه من الاحتجاجات، لكن الطيب يرى أن الإجراءات الأخيرة سوف تزيد حدة الاحتجاجات، مشيرا إلى أنها الورقة الأخيرة للبشير.
ويقول زين العابدين لـ”القدس العربي” أن “خطاب البشير الأخير والإجراءات التي تلته فيها كثير من التناقضات، فهو دعا للحوار مع معارضيه والحوار يحتاج لمناخ تحفه الثقة والحريات وهو ما لا يتوفر في ظل الطوارئ التي توجد مناخا معيقا للحوار والفعل السياسي من خلال منع الندوات والتجمع وقمع حرية التعبير وكل ذلك يشير إلى أن هذه الدعوة قصد منها الدعاية السياسية لأنه لم يحدد نوع الحوار وأجندته وزمانه”.
ويصف تجارب الإنقاذ مع الحوار بالفشل، مستدلا بمؤتمر الحوار الوطني الذي استمر ثلاث سنوات ولم تنفذ أهم وأبرز مخرجاته ما أدى لعدم رضاء المشاركين فيه خاصة حزب المؤتمر الشعبي، ويشير إلى اعتقاده بأن البشير لم يستشر في الإجراءات الأخيرة أعضاء حزبه مؤكدا أنها خطوة قاتلة للنظام.
ويخلص إلى أن إجراءات الطوارئ إضافة لمساوئها الداخلية، فإنها سوف تدخل البلاد في مشاكل جديدة مع المجتمع الدولي الذي بدأت أصواته ترتفع ضدها مما يؤكد أن النظام سوف يدخل في عزلة جديدة بعد أن بدأ يتعافى ويلم أطرافه في التعامل مع القوى الدولية.
تأثير سالب
ويرى الكاتب الصحافي فيصل محمد صالح أن إجراءات الطوارئ لها تأثير سالب في مجمل الحياة في السودان، “فهي تمكّن النظام من إطلاق يده دون حساب في التفتيش والقبض والاعتقال لفترات متطاولة، وتضع قيودا على التجمع والتظاهر وتزيد الرقابة على أجهزة الإعلام، وأخطر ما فيها إنشاء نيابات ومحاكم لا توفر فيها مساحات كافية للمتهمين للدفاع عن أنفسهم وتصدر أحكامها في فترات قصيرة جدا”.
لكنه يرى، من ناحية أخرى، أن الأمور قبل إعلان إجراءات الطوارئ لم تكن جيدة بل أنها كانت سيئة، فالتظاهرات السلمية تقمع بقسوة والتعدي على الجامعات ومقار العمل كان موجودا بل وصل الأمر للتعدي على المنازل. غير أن الجديد في تقديره هو المحاكم والنيابات، مشيرا إلى حادثة اعتقاله مع 40 من المتظاهرين وتقديمه لمحكمة حيث لم تستغرق إجراءات إطلاق سراحهم ربع الساعة لعدم قدرة الشاكي على إثبات التهم، مشيرا إلى أن هذه الظروف لن تكون متوفرة في محاكم الطوارئ.
وبخصوص تقييد عمل الصحافة والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي يقول فيصل: “الصحافة أصلا تم قمعها قبل صدور أوامر الطوارئ، وسوف تعاني الكثير في ظل هذه الأوضاع. أما منع النشر في وسائل التواصل الاجتماعي فهو من الأمور الصعبة لأن الملايين سوف ينشرون يوميا، لكن يمكن للطوارئ أن تستهدف الرموز بشكل أكبر علما بأن هذا الاستهداف مستمر من قبل إعلان الطوارئ”.
ويطعن الصحافي طارق عثمان في دستورية الطوارئ ويقول: “حسب الدستور الانتقالي للعام 2005 المعمول به فإن إعلان حالة الطوارئ، محكوم بضرورة عرض الأمر على الهيئة التشريعية (البرلمان) لإجازته خلال 15 يوما وفي حال لم تكن في حالة انعقاد تعقد الهيئة دورة طارئة، وهذا نصت عليه المادة 210 من الدستور الفقرة الثانية وجاء النص كالآتي:
(يعرض إعلان حالة الطوارئ على الهيئة التشريعية القومية خلال خمسة عشر يوماً من إصداره، وإذا لم تكن الهيئة التشريعية منعقدة فيجب عقد دورة طارئة).
ويضيف: “بما أن الرئيس عمر البشير أعلن حال الطوارئ يوم الجمعة قبل الماضية، وأن الإعلان لم يعرض على البرلمان بعد، وبما أن البرلمان في إجازة ولم يجز الإعلان فإن إعلان الطوارئ يظل مجمدا إلى حين تعقد الهيئة التشريعية جلسة طارئة لمناقشة الأمر”.
الأحزاب ترفض
وقوبلت إجراءات فرض الطوارئ برفض شديد من الأحزاب السودانية، وأصدرت أحزاب الأمة والشيوعي والإصلاح الآن وغيرها، بيانات ترفض فيها هذه الإجراءات وتؤكد استمرارها في الاحتجاجات حتى سقوط النظام.
وأصدر تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود التظاهرات عدة بيانات دعا فيها لمواصلة الاحتجاجات، وقالت قوى إعلان الحرية والتغيير في بيان مشترك إن “إصدار أوامر الطوارئ الأربعة بتاريخ 25 شباط/فبراير الماضي تخالف وثيقة الحقوق من الدستور وتفتقد الشرعية الدستورية والقانونية في مجملها، وتحديداً حظر التجمهر والتجمع والمواكب السلمية والإضراب وتكوين المحاكم الخاصة واعتقال الأشخاص وتجريم النشر وحق الوصول للمعلومات”.
مضيفة أن دخول المباني وتفتيش الأشخاص والحجز على الأموال وإعطاء النائب العام سلطة رفع الحصانات وإعطاء رئيس القضاء الحق في إنشاء محاكم الطوارئ، يتنافى مع مبادئ العدالة الطبيعية وسيادة حكم القانون، و “هو محاولة بائسة لزج السلطة القضائية في جرائمه وانتهاكاته بعد أن فشلت قواته وميليشياته وكتائبه في إثناء جماهير شعبنا عن غاياتها”.
وأكد المجلس الرئاسي لقوى نداء السودان (تضم أحزاب معارضة ومنظمات مجتمع مدني) أن إعلان النظام لحال الطوارئ محاولة لإرهاب الشعب السوداني، مؤكدا أن الإجراءات التي أعلنت موجودة من قبل وتمارس على الشعب ودعا منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية لمراقبة تعديات النظام على الحقوق.
المجتمع الدولي على الخط
وعلى المستوى الدولي قالت دول أعضاء الترويكا (المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج) وكندا إنها تشعر بقلق عميق إزاء الوضع في السودان.
وأضافت في بيان لها أن “القرارات التي اتخذها الرئيس البشير مؤخرا بإعلان حاله الطوارئ في البلاد وبتعيينه أعضاء عسكريين وأمنيين في مناصب حكومية عليا، وإصدار أوامر الطوارئ تجرم الاحتجاجات السلمية وتسمح للقوات الأمنية بممارسة أعمالها القمعية والإفلات من العقاب، ستسهم في تقليص حقوق الإنسان والحكم والإدارة الاقتصادية الفعالة بصورة أكثر مما هي عليه، فالعودة للحكم العسكري لا تخلق بيئة مواتية لتجديد الحوار السياسي أو للإجراء انتخابات ذات مصداقية”.
وأضاف البيان أن دول الترويكا وكندا ستستمر في رصد الوضع عن كثب، وتؤكد “أن ردة فعل حكومة السودان تجاه الاحتجاجات وممارسات الحكومة العسكرية ستحدد تعامل بلداننا في المستقبل”.
وحذرت منظمة العفو الدولية من “الإجراءات القاسية التي فرضتها الحكومة السودانية على مواطنيها بموجب قانون الطوارئ” وطالبت مديرة مكتب شرق افريقيا والقرن الافريقي جوان نيا نيوكي، بالسماح للمحتجين في الشوارع بالتعبير عن آرائهم بشكل سلمي. وقالت: “إن حال الطوارئ تستخدمها السلطات السودانية لتبرير التصعيد في استخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع ضد المحتجين، وتعذيب المعتقلين دون أي ضابط ويجب على حكومة السودان أن تتوقف فوراً عن استخدام هذه الإجراءات المفرطة في ظل حال الطوارئ لترهيب الشعب السوداني، ومنعه من ممارسة حريته في التعبير. فمن حق الناس الاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد”.
بالتوفيق دوما