السودان: قوات الدعم السريع تستولي على ودمدني وتتعهد بالتعاون لتشكيل حكومة انتقالية تأسيسية

محمد الأقرع
حجم الخط
0

استولت قوات “الدعم السريع” الإثنين، على مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان بعد معارك محدودة استغرقت ثلاثة أيام تبعها انسحاب مفاجئ للجيش وفرار عشرات الآلاف من المواطنين نحو المدن والقرى الآمنة في البلاد.
وفي ظل التطورات العسكرية، أعلن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” خلال تغريدة على منصة “أكس” استعداده الكامل للقيام بكل ما هو ضروري لتمكين القوى الديمقراطية الثورية الحقيقية والتعاون معها لتشكيل “حكومة انتقالية تأسيسية” من أجل بناء دولة جديدة على مبادئ تأسيسية، وأهمها بناء جيش قومي ومهني جديد لا يتدخل في السياسة، ويخضع كلياً للحكومة المدنية.
صبيحة الجمعة، أفاقت ود مدني على سماع دوي انفجارات ضخمة وإطلاق كثيف للرصاص جراء توغل الدعم السريع في الأحياء والقرى الواقع شرق المدينة، أفلح الجيش في بداية المعركة في التصدي لموجات الهجوم التي شنتها الدعم لدرجة أن المواطنين خرجوا للشوارع مساء يوم الأحد، للإحتفال بما أشيع عن تحقيق الجيش لانتصار.
في اليوم التالي الذي اقتحمت فيه الدعم المدينة كانت حدة الاشتباكات أقل مقارنة بالأيام التي سبقتها، لكن أكد شهود عيان لـ”القدس العربي” أن هجمات قوات “حميدتي” كانت أكثر تركيزا باستخدام المسيرات والمدفعية على دفاعات الجيش للقدر الذي أجبره على التراجع خلف كبري حنتوب وإخلاء مقر اللواء الأول مشاة.
وقال الشهود، إن الجيش أعاد تنظيم نفسه خلف الكبري الذي يعد المدخل الأساسي لودمدني ونشر قواته على طوال شارع النيل الأزرق مرورا بأحياء الدباغة والعشير وصولا حتى السوق الكبير وقلب المدينة الذي يضم المؤسسات الرسمية لكن وبصورة مفاجئة بدأت قواته بالانسحاب بعضها إلى خارج المدينة وآخر تراجع إلى قيادة الفرقة الأولى مشاة ومن ثم غادرتها.
وإلى ذلك، أعلن الجيش تشكيل لجنة تحقيق حول انسحاب قواته من المدينة، ووعد بتمليك الحقائق للرأي العام، كما أصدر قائد الجيش عبدالفتاح البرهان قرارا بإقالة قائد الفرقة الأولى مشاة اللواء أحمد الطيب وتعيين اللواء ربيع عبدالله بديلا عنه.
وفي أول تعليق له، قال عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش، الفريق أول، ياسر العطا “الجيش لن يخسر المعركة وحتى إذا فقدنا أي منطقة عسكرية ليست هي آخر المطاف فالمعركة ليست احتلالا لمدني أو عطبرة أو نيالا”.
وزاد بالقول انهم يثقون بأن نهاية المعركة انتصار الجيش لأنه على حق ويدافع عن دين ومكتسبات شعب عظيم.
بالمقابل، قالت الدعم السريع في بيان، أنها لم تكن تنوي مهاجمة ودمدني رغم التآمر المتواصل والاستهداف الذي كانت تتعرض له من الفلول وأعوانهم في المدينة لولا تهديدات البرهان المعلنة وتأكيداته بحشد 40 آلف مستنفر وتجهيز الفرقة في مدني لتكون مركز للقضاء على الدعم السريع وما تبعها من تحركات كبير لعناصر المؤتمر الوطني – الإرهابي على حد وصفه.
كذلك عزا البيان مهاجمة “المدينة” إلى رفض قيادات الجيش الموالية للنظام البائد للسلام، ودعا المواطنين بالبقاء وعدم مغادرة منازلهم واعدا حمايتهم وضمان سلامتهم والحفاظ على كافة الخدمات الأساسية الضرورية وتوصيل المساعدات الإنسانية.
وفي سياق متصل، عينت “الدعم السريع” قائد قوات درع الشمال أبوعاقلة كيكل، قائدا للفرقة الأولى للجيش، فيما طالبت أهل الحزيرة إلى الشروع فورا في تشكيل لجان مدنية لإدارة ولايتهم مشيرا إلى توفير كل ما يلزم من الدعم.
ويذكر أن “كيكل” لم يكن جزءا من “الدعم السريع” وإنما كان كون ميليشيا خاصة – درع الشمال – أبان الفترة الانتقالية وبعد قرابة الثلاثة أشهر من الحرب، أعلن انحيازه لـ”حميدتي” بعد الاتفاق معه بالسيطرة على مناطق تخوم الخرطوم من أجل تسهيل الإمداد العسكري.
ومنذ منتصف نيسان/أبريل الماضي دخل السودان دوامة حرب مدمرة بين الجيش والدعم السريع تسببت في وقوع آلاف الضحايا ونزوح أكثر من 5 مليون مواطن، بالإضافة إلى تخريب ونهب واسع طال مؤسسات الدولة والشركات والمحال التجارية والمنازل.
اندلاع الحرب في مدينة ودمدني واستيلاء “الدعم السريع” عليها تسبب في حالة من الهلع وسط المواطنين الأصليين والوافدين عليها من الخرطوم، خاصة بعض عمليات النهب للبيوت والأسواق والبنوك مؤسسات الدولة على يد منسوبيها.
عشرات الآلاف فروا جنوبا من مدني – أغلبهم سيرا على الأقدام – نحو قرى الولاية ومدينة سنار المجاورة وبعض المناطق الآمنة، وللتحولت المنطقة التي كانت ضاجة بالناس والنشاط التجاري في ساعات قليلة مدينة أشباح، تعاني انقطاع الكهرباء والمياه والاتصالات وإغلاق للمستشفيات والمخابز.
وعلى طوال الطريق كانت أمواج النازحين الراجلين تسرع الخطى، كانوا يتحدثون عن وضع الدعم السريع لارتكازات ونقاط تفتيش تقوم بإرجاعهم مرة أخرى إلى ودمدني بالإضافة إلى حكايات عن تعرضهم للنهب والتهديد.
وقال أحد المواطنين الفارين لـ”القدس العربي” إنه نزح سابقا من الخرطوم وأنشأ ورشة لصيانة السيارات في المدينة بعد معاناة واستدانة أموال لكنه فقدها في اللحظات الأولى لدخول الدعم السريع إذ قام الجنود بطرده. شخص ثاني روى عن تهديده بإطلاق الرصاص عليه قبل نهب سيارته وهاتفه، آخرين أكدوا عمليات التخريب وسطو طالت عدد مقدر من مصانع المدينة ومخازن السلعة الغذائية.
ويشار أن بعض النازحين استخدموا الدواب وسيارات نقل البضائع والماشية في هروبهم، كما أمتلأت دور العبادة – الجوامع – المطلة على الطريق الرئيسي المتجه جنوبا بالذين يتوقفون لأخذ قسط من الراحة.
بينما قام بعض أهالي قرى جنوب الجزيرة بتوفير الطعام ومياه الشرب للنازحين خاصة في قرية الخور وقرية الشكابة الجاك في وقت غابت في المنظمات المحلية والدولية المختص في توفير الاحتياجات للنازحين.
وكانت تضم مدينة ودمدني العدد الأكبر من سكان العاصمة الخرطوم الذي خرجوا منها بسبب الحرب، وأعلنت عدد من المنظمات الحقوقية والدولية إدانتها لتقدم الدعم السريع ونقل المعارك إليها، إذ عبرت الأمم المتحدة عن استنكارها لتلك الخطوة وكذلك الاتحاد الأوروبي بينما وجه محامو الطوارئ – مجموعة ضغط – ونقابة وأطباء السودان إدانات لدعم السريع ورصدا عدد من الانتهاكات.
وقال الصحافي الهضيبي يس – من ودمدني – إن قوات الدعم السريع قد قامت باستباحة المدينة مما أدى إلى نزوح الآلاف في ظروف قاسية للغاية ونقص حاد في الغذاء.
وأشار إلى أن “الدعم” لم تكتف بودمدني بل ذهبت أبعد من ذلك إذ قامت بنهب وقتل مواطنين في مدينة رفاعة التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في ولاية الجزيرة، كذلك روعت الأهالي في كل من الحصاحيصا والجنيد والكاملين ونهبت المحال التجارية وبعض الممتلكات.
ودعا الهضيبي المنظمات العاملة في الحقل الإنسانية إلى ضرورة الإسراع في توفير مساعدات إغاثية في أعجل ما تمكن لتدارك آثار موجات النزوح الكبير والمستمر في السودان منذ منتصف نيسان/ابريل الماضي.
وفي صعيد آخر حول تعهدات “الدعم السريع” لتشكيل حكومة انتقالية تأسيسية من قبل قوى الثورة عقب الاستيلاء على ودمدني، قال المحلل السياسي مجدي عبدالقيوم كنب: “في تقديرى أن هذه الدعوة تأتي فى إطار التكتيك ليس إلا في سياق الشعار الذي ترفعه قوات الدعم السريع بأن الصراع الذي تخوضه من أجل الدولة المدنية والتي كما هو معلوم دولة الدستور والقانون والحقوق والحريات فالواقع يضحى مثل هذا الزعم بالنظر إلى الانتهاكات الجسيمة والتعديات غير المبررة والممارسات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والتي وثقت لها كثير من تقارير المنظمات المعنية بالحقوق”.
وزاد: “صحيح أن الدعوة لتشكيل حكومة انتقالية تأسيسية تزامن مع تغيير ملحوظ فى منهج التعامل مع المواطنين بعد أحداث مدني إذ حملت التصريحات المنقولة عن قيادات الدعم السريع نبرة مختلفة تنحو فى اتجاه تطمين المواطنين والتهدئة من روعهم بأنها لا تستهدفهم ومع أن تجربتهم في الخرطوم تجعل المرء يتشكك في صدقية تلك الدعاوى إلا أننا نرجو أن يكون ذلك حقيقة فالمنطق يقول انك لا يمكن أن تدعي بأنك تخوض حربا من أجل المواطن وفي الممارسة الواقعية تنكل به تنكيلا”.
ويرى كنب أن الدعوة لتشكيل حكومة مدنية تأسيسية تستلزم نشاط مكثف للقوي المدنية وتساءل هل المناخ الحالي في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع يسمح بذلك وهل هي فعلا على استعداد لتعبيد الطريق للوصول إلى هذه الحكومة؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية