اصطفاف أعضاء المقاومة وبعض اللجان إلى جانب الجيش وجد استنكارا من بعض قوى الثورة التي رأت أن انتصار الجيش يمثل عودة مباشرة للعهد الشمولي القديم.
أعلنت لجان مقاومة في العاصمة السودانية الخرطوم، مقتل عدد من أعضائها أثناء اصطفافهم إلى جانب الجيش في مواجهة الدعم السريع في المعارك التي تشهدها البلاد منذ منتصف نيسان/ابريل الماضي.
والإثنين، قالت لجان مقاومة حي الشجرة جنوبي الخرطوم، إن 2 من أفرادها – وائل محمد الحسن وأكرم البشرى – قتلا بعد تصديهم بكل بسالة وعزة للهجوم الغادر والفاشل من قبل ميليشيا الجنجويد المتمردة – وفق تعبيرها – على سلاح المدرعات.
وسبق كذلك، أن نعت لجان مقاومة الكلاكلات وجنوب الخرطوم، سقوط آخرين من أعضائها في معارك مشابهة في المنطقة، ويأتي ذلك في وقت أعلنت فيه عدد من لجان المقاومة تأييدها للجيش بينما ظل الموقف الرسمي للتنسيقيات على مستوى العاصمة رفض المشاركة في الحرب أو دعم أي طرف والعمل على تخفيف وطأتها على المدنيين.
ويشار أن لجان المقاومة هي عبارة تنظيم أفقي – على مستوى الأحياء السكنية – كان يعمل بشكل تنسيقي في تحريك الشارع السوداني وإشعال التظاهرات أبان اندلع ثورة ديسمبر وبعد انقلاب «البرهان» في 25 تشرين الأول/اكتوبر للعام 2021.
وظلت المقاومة في السودان ترفع شعارات عودة العسكر للثكنات وحل قوات الدعم السريع، وتشكيل حكومة مدنية تحقق أهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
وبعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات «حميدتي» أكدت لجان المقاومة عبر مكاتب التنسيقيات الرسمية رفضها للحرب وحذرت عضويتها من الإنخراط في أي أعمال حربية من شأنها أن تلحق الضرر بالمدنيين وتجعلهم عرضة للاستهداف من طرفي النزاع خاصة من قبل «الدعم السريع» بعد ما راجت دعوات بوضع المتاريس والحواجز على الطرقات للحد من حركة قوات الأخيرة داخل الأحياء.
ورغم أن غالبية نشاط لجان المقاومة تركز طيلة الفترات الماضية في عمل غرف الطوارئ التي تقدم المساعدات الطبية والإغاثية للمتضررين من الحرب، إلا أن أعدادا مقدرة وشخصيات معروفة من عضويتها اصطفت إلى جانب الجيش ووثق ناشطون مشاركاتهم الفاعلة في المعارك، بينما أعلنت عدد من لجان المقاومة بشكل صريح تأييدها للمؤسسة في معركته ضد «الدعم السريع».
ويقول المنضمون من لجان المقاومة إلى الجيش أو المؤيدين له، إن قوات الدعم السريع تخوض معركتين أولى ضد الجيش وأخرى ضد المواطنين الذين تحتل منازلهم وتقتلهم وتقوم بنهبهم وتعذيبهم بالتالي الوقوف في خانة الحياد مع الكم الهائل من الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون الأبرياء لا يفسر سوى جبن وخيانة لمبادئ الثورة وشعاراتها.
وإلى ذلك، أصدرت بعض لجان مقاومة وتنظيمات مهنية في السودان، بيانا أعلنت فيه دعمها الجيش في معركته ضد الدعم السريع والعمل لتنسيق الجهود وتوحيد الصوت المدني.
وقالت في بيان مشترك، إن الجبهة المدنية المكونة من بعض لجان المقاومة والمهنيين ستعمل لسحب الغطاء والشرعية عن الدعم السريع وتنسيق الفعاليات المناهضة لتلك القوات سلمياً.
وأفادت بأنها ستقاوم أي مبادرة أو تفاوض أي عملية سياسية تهدف لإعادة وضع الميليشيا السابق، قاطعة بأنه لا تفاوض معها إلا على التسليم.
ودعا البيان إلى العمل على ضرورة تشكيل قيادة جديدة للجيش بعد الحرب، والعمل على محاسبة قادتها الحاليين وعلى دورهم في تطور الميليشيا وتهديدهم للأمن القومي وعلى قيامهم بانقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر ومحاولاتهم المتكررة لإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة.
ووقع على البيان تجمع الصيادلة المهنيين، تجمع الزراعيين السودانيين، ولجان مقاومة أحياء «الشجرة الحامداب، الحتانة أمدرمان، الثورة الحارة 20 والدروشاب، ولجنة مقاومة جبرة مربع 12.
اصطفاف أعضاء المقاومة وبعض اللجان إلى جانب الجيش وجد استنكارا من الطرف الآخر وبعض قوى الثورة التي رأت أن هذه المعركة صنيعة النظام البائد وأن انتصار الجيش يمثل عودة مباشرة للعهد الشمولي القديم.
المتحدث باسم تنسيقيات لجان المقاومة ولاية الخرطوم، حسام علي: قال لـ«القدس العربي»: «إن أفراد اللجان المصطفين مع الجيش خرجوا من منطلقات نحترمها لكن ليس عليها إجماع داخل اللجان».
وأوضح أنهم في لجان المقاومة متفقين جميعا على مبدأ الانحياز للمؤسسة العسكرية ضد الاختطاف الإسلاموي وكذلك ضد مطامع الدعم السريع في ابتلاعها، بالإضافة إلى ضرورة تغيير القيادة العسكرية وبناء جيش مهني يحمل أجندة وطنية واحتكار الدولة لأدوات العنف وضبط القدرة على استخدامها دستوريا وقانونيا.
وبين علي، أن الاختلاف يتمثل في الرؤية التكتيكية للوصول للأهداف المذكورة، في أن بعض الأفراد واللجان ربما، يرى أن الجيش بسبب سياسات النظام السابق وقادة انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر بلغ مرحلة «يحتاج» فيها للاسناد وأن الأولوية الآنية هي القضاء على الميليشيا ثم مواجهة سرطان الإسلامويين في وقت لاحق. بينما ترى غالبية اللجان أن الجيش «قادر» على إدارة الصراع منفرداً ويمتلك القدرات الفنية اللازمة لأجل ذلك.
واستدرك متحدث المقاومة قائلا: «إن السبب في تراجع الجيش ميدانياً هي اختلاط الأجندة الإسلاموية الطامحة للعودة للسلطة وآمال قادة الجيش الفاسدين في الافلات من العقاب والاستمرار على سدة الحكم اختلاط كل ذلك بالأجندة الوطنية المناط بالقوات المسلحة القيام بها».
وتابع: «غالبية لجان المقاومة ترى أن حان أوان تغيير قادة الجيش الفاسدين كخطوة أولى نحو بناء الجمهورية وتحقيق أحلام السودانيين في بناء جيش منحاز لهمومهم وقضاياهم وقادر على حفظ أمنهم وبطبيعة الحال قادر على احتكار العنف عبر تكامل العمل الميداني والسياسي والقضاء على الوجود السياسي والاقتصادي والعسكري لمليشيا الدعم السريع».
وقطع بأن موقف لجان المقاومة ليس محايدا وإنما ينحاز لرؤيته المسبقة المتلخصة في شعار «العسكر للثكنات والجنجويد ينحل» بمعنى تفكيك ميليشيا الدعم السريع لصالح بقاء الدولة واحتكارها للعنف، مشيرة في الوقت نفسه أنهم متمسكون أيضا بتطوير الجيش من خبث النظام السابق وابتعاده بشكل كامل عن الحياة الاقتصادية والسياسية.
ويبدو أن المواقف المتضاربة التي تتخذها لجان المقاومة جعلها بالمقابل عرضة للاستهداف من طرفين تضم معتقلاتهما أعدادا من المحتجزين من أعضاء المقاومة بتهم التخابر أو التعاون مع الطرف الآخر.
وفي السياق، يقول حسام علي: «إن احتجاز الكثير من عضوية اللجان من قبل الدعم السريع من ناحية، واتهامهم من ناحية بالتعاون مع الدعم السريع، نتيجة لحالة الاستقطاب والتجييش العالية الرافضة إلى أي موقف حكيم ومتوازن للأسف».
وأضاف: «اللجان تدفع ثمن عدم انحيازها إلى أي من أطراف الصراع في حربهم والسلطة، وتدفع ثمن تشديدها على حق السودانيين في الحياة وبناء جمهوريتهم الحديثة وفق رؤى وطنية».
وزاد: «هناك حالة من العصاب والهياج الهستيري تؤججها مطامع أمراء الحرب الذين يستغلوا مخاوف المواطنين من عودة النظام السابق مرة في استقطابهم لصالح ميليشيا الدعم السريع ومشروع آل دقلو الاستيطاني ودكتاتوريته الجديدة التي ينوي إقامتها على ركام النظام السابق، ومرة لصالح أجندة النظام السابق نفسه الذي يستغل تردي الأوضاع بسبب الحرب وانتهاكات الميليشيا الصارخة لكل ما هو إنساني واستباحتها للأعراض والبيوت، ويقوم بإعادة تدويرها من أجل إنتاج نفسه من جديد عبر اختطاف الجيش واتخاذه مطية للعود للسلطة».