الخرطوم ـ «القدس العربي»: شارك الآلاف من المحتجين السودانيين في تظاهرات غير مركزية، الخميس في العاصمة الخرطوم، جاءت تحت شعار «مليونية العدالة» للمطالبة بإيقاف انتهاكات الأمن والإفراج عن المعتقلين، بالتزامن مع توقيع عدد من تنسيقيات «لجان المقاومة»، ميثاقا سياسيا، ينص على إلغاء الوثيقة الدستورية واتفاق السلام وصناعة دستور جديد.
وتحتجز السلطات السودانية العشرات من أعضاء تنسيقيات «لجان المقاومة» وقادة الاحتجاجات، بينما لا يزال عدد من المعارضين مفقودين، حيث يتهم الناشطون الحقوقيون السلطات بإخفائهم قسريا.
وواجهت قوات الأمن المحتجين في تظاهرات الأمس بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة، بينما انتشرت السيارات المدرعة في شوارع الخرطوم الرئيسية.
وفي مدينة بحري، شمال الخرطوم، تجمع المتظاهرون في ميدان المؤسسة، قبل أن يتوجهوا نحو مباني السلطة القضائية وتجمع المحاكم، منددين باستمرار القمع واعتقال الأجهزة الأمنية للمعارضين.
وحسب ما أكدت لجان مقاومة بحري، في بيان «تظاهرات الخميس جاءت مواصلة في طريق ضحايا النضال السلمي المناهض لإنقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وللتأكيد على تحقيق العدالة للضحايا، الذين أصابتهم أيادي البطش والتعذيب والمخفيين قسراً والمعتقلين زوراً وبهتاناً».
أما مواكب مدينة الخرطوم، فقد تجمعت في محطة سبعة، التي تعد من أبرز نقاط تجمع التظاهرات، ثم انطلقت منها نحو شارع أفريقيا، حيث رفع المحتجون صور المعتقلين وضحايا الانقلاب ورددوا هتافات تطالب بالحرية للمعارضين وإسقاط الانقلاب.
«الحقوق تنتزع»
لجان مقاومة الخرطوم أكدت في بيان أن «السودانيين قادرون على إنهاء الانقلاب في هذا الشهر»، مشددة على أن «الحقوق لا تطلب، ولكن تنتزع».
وقالت إن «الشعب ظل يناضل من أجل قيم الحرية والعدالة على الرغم من أعمال القمع والقتل، وإنهم سيواصلون ملء الشوارع بالهتافات والمتاريس»، مؤكدة على «حق المعتقلين في السجون وعموم السودانيين في الحرية والسلام والعدالة».
وقطعت بأن 25 أكتوبر/ تشرين الأول الممقبل، «لن يمثل ذكرى الانقلاب الأولى فقط ولكن تاريخ نهايته»، مضيفة: «سنظل نحفر، على وجه الجدار، إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا عليه، لا يأس تدركه معاولنا ولا ملل أو انكسار، سوف نعلق فيه للطغاة المشانق، وفي أكتوبر/ تشرين الأول شهر الثورات ستكون الحرية والسلام وعدالة الانتصار».
وتابعت: «سنعمل على إنهاء الانقلاب الذي ولد ميتا بالأساس، والذي سيكون الأخير في تاريخ الانقلابات العسكرية في البلاد».
ودعت «هذا الشهر لعدد من التظاهرات المركزية وغير المركزية في أنحاء البلاد المختلفة، على أن تكون ذروتها في تظاهرات ضخمة في الخامس والعشرين من الشهر الجاري بالتزامن مع الذكرى الأولى لانقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية السودانية». ومساء الأربعاء، وقع عدد من تنسيقيات لجان المقاومة في ولايات السودان المختلفة على «الميثاق الثوري لسلطة الشعب»، وسط الهتافات المطالبة بإسقاط الانقلاب والحكم المدني الديمقراطي في البلاد.
ونص الميثاق على «رفض أي دعوات للتفاوض المباشر وغير المباشر مع قادة الانقلاب والاستمرار في المقاومة السلمية، وصولا لتأسيس سلطة الشعب وعودة العسكر للثكنات».
وحدد «بناء هياكل السلطة بفترة لا تتجاوز الشهرين من إسقاط الانقلاب واستلام السلطة عبر مجلس ثوري»، مشيرا إلى أن «رئيس الوزراء المدني سيتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة السودانية».
وتضمنت الشروط التي وضعتها اللجان لشاغلي المناصب العامة في الدولة، «الكفاءة والخبرة وعدم الارتباط بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير وواجهاته المختلفة، فضلا عن تقديم شهادة إبراء ذمة مالية من محكمة مختصة تجدد سنويا».
ينص على إلغاء الوثيقة الدستورية واتفاق السلام وصياغة دستور جديد
وأكد الميثاق على أن «السودان دولة وطنية ديمقراطية تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الثقافة أو الجنس أو اللون أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي والرأي السياسي».
وكذلك «عدم التمييز بسبب الإعاقة أو الانتماء الجهوي أو أي أسباب أخرى بالإضافة إلى إلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات والتأسيس فوق الدستوري للحريات العامة والحقوق الأساسية وفق مبادئ حقوق الإنسان».
ودعت إلى «سن قانون نقابات ديمقراطي ومرن يشارك أصحاب المصلحة في صياغة تصوراته بصورة تسمح لجموع العاملين بتنظيم أنفسهم وقيادة عمليات الإصلاح المؤسسي والدفاع عن حقوقهم والمشاركة في صنع السياسات العامة وصياغتها في قطاعاتهم المختلفة لضمان تحول النقابات إلى فاعل أساسي في المشاركة الشعبية».
تجاهل التحالف
لكن مكونات المجلس المركزي «للحرية والتغيير» اعتذرت عن المشاركة في فعاليات التوقيع على ميثاق لجان المقاومة، مؤكدة أن «أي دعوات تقدم للكتل وتتجاهل التحالف لن تجد نصيبها من الاستجابة».
وقال المجلس، في بيان، إن «بعض مكوناته تلقت دعوات فردية لحضور فعاليات توقيع الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب»، مؤكدا «رفضه لأي محاولات ترفض التعامل مع الحرية والتغيير كتحالف عريض عبر العمل على مخاطبة وانتقاء أطراف محددة».
واعتبر «الغرض من ذلك عدم التعامل أو الاعتراف بالحرية والتغيير كتحالف»، مشيرأ إلى أنه «سبق ورفض ذلك، عندما اشترط الحزب الشيوعي السوداني الاجتماع مع بعض مكوناته بشكل فردي».
وقالت المكونات إن «موقف لجان المقاومة في الصدد يتطابق مع الموقف السياسي للحزب الشيوعي الذي تم رفضه بشكل جماعي من كل مكونات قوى الحرية والتغيير سابقاً».
وجددت «دعمها لكل مجهودات لجان المقاومة الهادفة لتوحيد قوى الثورة بما في ذلك جهود آلية دمج المواثيق المطروحة من الخرطوم والولايات»، مؤكدة على أن «تحقق تلك الجهود ووحدة لجان المقاومة، تقوم على الوصول لتوافق وقبول بين جميع تنسيقيات لجان المقاومة المختلفة».
وأكدت» تطلعها إلى الوصول لصيغ عمل مشتركة تقوم على التنسيق السياسي والميداني والإعلامي ورؤى وإجراءات إنهاء وهزيمة الانقلاب في ظل تعذر الوحدة، ليس مع لجان المقاومة فقط وإنما مع كل القوى المؤمنة بالانتقال المدني الديمقراطي»، مشيرة إلى أنها «خطوة مفتاحية وأساسية لهزيمة الانقلاب والتصدي لعودة النظام السابق الذي أسقطه الشعب السوداني في 11 إبريل/نيسان 2019».
وأعلنت «استعدادها لمناقشة التدابير اللازمة للتنسيق المشترك وبشكل فوري»، مؤكدة أنها تضع نصب عينيها أهمية إنهاء وهزيمة الانقلاب والتصدي الحاسم لمحاولة إحياء نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وأن «الانقلاب أصاب الثورة السودانية ببعض التعثر، إلا أنها ستواصل التصاعد، وصولا لتحقيق تطلعات السودانيين في الحكم المدني الديمقراطي».
ومنذ انقلاب القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قتل 117 متظاهرا، خلال قمع الأجهزة الأمنية للاحتجاجات، معظمهم بالرصاص، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، بينما أصيب الآلاف.
وبينما تتواصل الاحتجاجات الرافضة للحكم العسكري في البلاد منذ نحو عام، تتصاعد موجة من الإضرابات في القطاعات المهنية الحكومية والأسواق بسبب ضعف الأجور وارتفاع الضرائب.
وتعيش البلاد فراغا دستوريا وحكوميا منذ الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، واستيلاء العسكر على السلطة، فضلا عن تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية في البلاد.
وفي يوليو/ تموز الماضي أعلن البرهان خروج العسكر عن العملية السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية المشتركة المكونة من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان(يونيتامس) والاتحاد الأفريقي وإيغاد، مطالبا المدنيين بالتوافق على حكومة مدنية تدير البلاد وصولا للانتخابات.
واعتبرت قوى «الحرية والتغيير» دعوات البرهان مجرد مراوغة سياسية، بينما أكدت «لجان المقاومة» أنها لا تثق في العسكر ووعودهم، متمسكة بشعار اللاءات الثلاث» لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية» لقادة الانقلاب.