الخرطوم – «القدس العربي»: بعد ما يقارب 6 أشهر على انقلاب الجيش في السودان، ما يزال الفرقاء السودانيون من جهة ومنظمات دولية وإقليمية من جهة أخرى، يحاولون وضع حد للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد.
وفي إطار هذه التحركات برزت مبادرة الجبهة الثورية، التي تتبنى خريطة طريق لتسوية، تمضي وفق مرحلتين، تُبتدر، بإجراءات لبناء الثقة وتنتهي حال نجاحها إلى حوار شامل يفضي إلى تشكيل حكومة.
ورغم الموقف العسكري الحاد حولها، تواصل الآلية المشتركة لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي وايقاد، طرح عملية سياسية يقومون فيها بدور الميسر للمبادرات الوطنية.
في المقابل، يسعى قادة الانقلاب، لتشكيل حكومة، وفق تحالفات مع أحزاب موالية للنظام السابق، وقادة عشائريين، يبدو أنها تواجه رفض دولي واسع، حتى قبل تشكلها. بينما تتواصل عمليات الإفراج عن كوادر حزب المؤتمر الوطني المحلول منذ اطاحة الثورة الشعبية بالنظام السابق، وإعادة تمكينهم في أجهزة الدولة.
وفي محاولة لكسب التأييد للحكومة المنتظرة، قام القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان بجولات خارجية، شملت الإمارات والسعودية ومصر، بالإضافة إلى يوغندا، وجنوب السودان، بينما زار نائبه محمد حمدان دقلو روسيا والامارات وجنوب السودان وإثيوبيا، وكذلك قام العضو العسكري في المجلس السيادي ابراهيم جابر بزيارات أخرى.
وبالتزامن مع زيارة البرهان للقاهرة، قامت بعض الفصائل الاتحادية، بقيادة رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، محمد عثمان الميرغني، بتوقيع اتفاق وحدة، بحضور رئيس حزب الأمة “الإصلاح والتجديد” المنشق عن حزب الأمة القومي، مبارك الفاضل.
وقبل أسبوعين من زيارة البرهان ليوغندا، سبقه الفاضل إلى هناك، حيث التقى الرئيس اليوغندي يوري موسفيني، وبحث معه الدور الأفريقي لحل الأزمة السودانية وفق بيان لحزب الأمة “الإصلاح والتجديد”.
والأسبوع الماضي، التقى الفاضل والميرغني، في القاهرة، والمنتظر أن يمثلا الركيزة الأساسية لحكومة العسكر القادمة، وحسب بيان، ناقش اللقاء العمل المشترك بين الحزبين الاتحادي الأصل والأمة لحل الأزمة الراهنة في البلاد.
وبعدها، طالب الفاضل القوى السياسية بالتعاون مع الوساطة المشتركة بقيادة الاتحاد الأفريقي والقوات المسلحة لإعادة ترتيب المسار الانتقالي والتوافق على ترتيبات دستورية وبرنامج انتقالي واقعي على حد قوله، مؤكدا أن الفترة الانتقالية ليست مجالا للصراع على السلطة، بل كبري للعبور الى انتخابات حرة ونزيهة.
وكشف عن تشاورات تمنح السيادة وسلطة الأمن الى المجلس العسكري، مشيراً إلى أن دور القوات المسلحة في الفترة الانتقالية في أصله دور مؤقت، بحكم قوميتها، وينتهي بقيام الانتخابات،
الأمر الذي لا يبدو متوافقا مع موقف الشارع الرافض للانقلاب العسكري وتدخل الجيش في السلطة، والذي ظل يرفع لاءات ثلاثة: لا تفاوض، لا شرعية، لا مساومة، مع العسكريين، ويواصل التصعيد والتظاهر، منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إلى ذلك، لم تبتعد مبادرة الجبهة الثورية، كذلك، عن خط التسوية مع العسكر، حيث يرى قادة الجبهة الثورية تقاربهم مع العسكريين نقطة قوة للمبادرة. وقال عضو المجلس السيادي، رئيس الجبهة الثورية، الهادي إدريس، وفق تصريحات لوكالة السودان للأنباء، أن ما يميز الجبهة الثورية عن غيرها من الأطراف أن لها علاقات مميزة مع قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري بحكم وضعها في الحكومة ومع كل القوى الاخرى.
وأكد أن المبادرة جاءت انطلاقا من المسؤولية الوطنية في الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد، لتوحيد السودانيين ووضع معالجة شاملة للأوضاع في البلاد، مؤكدا أنها ستؤتي أكلها قريبا.
وأعلن عن وضع الجبهة الثورية لخريطة طريق للمبادرة، تبدأ بإجراءات بناء الثقة وتهيئة المناخ وفق ثلاثة إجراءات، أولها إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من قوى الثورة، خاصة أعضاء لجنة التمكين ووقف العنف ضد المتظاهرين السلميين ورفع حالة الطوارئ وتشكيل لجنة محايدة لتقصي الحقائق لكشف من يقتل المتظاهرين والجهة التي تسببت في ذلك.
وطالب إدريس المكون العسكري بإطلاق سراح المعتقلين ورفع حالة الطوارئ لبناء الثقة والدخول في حوار مع أطراف الوثيقة الدستورية، الحرية والتغيير والمكون العسكري وأطراف العملية السلمية ولجان المقاومة وكل قوى الثورة لتشكيل الحكومة والعودة للوثيقة الدستورية والمسار الديمقراطي.
وحول الضامن لنجاح المبادرة أبان الهادي أن هناك أطراف يمكن أن تكون مسهلة مثل (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي، مؤكداً أن الجبهة الثورية ليست وسيط وإنما شريك أساسي. وقال إنه حال نجاح المرحلة الأولى سيتم البدء في المرحلة الثانية التي هي الحوار الشامل وتتضمن جلوس كل القوى السياسية ما عدا المؤتمر الوطني، لمناقشة الانتخابات والمؤتمر الدستوري والتحول الديمقراطي المدني وكيفية إتمام التحول وبحث الأزمة الكبيرة المتعلقة بالمشروع الوطني.
وأضاف أن المبادرة تناولت أيضا شكل الحكومة والمؤسسات مشيراً إلى إمكانية أن يفضي الحوار إلى تغيير شكل الحكومة ويفتح المساحة للآراء المختلفة حول شكل المجلس السيادي ومجلس الوزراء ومجلس الأمن والدفاع وبروز أشكال جديدة حسب ما تتوافق عليه الأطراف مؤكدا أن أولويات الحكومة القادمة تتمثل في معاش الناس والسلام والإعداد للانتخابات. وأكد أن الغرض النهائي من المبادرة هو إنقاذ البلاد من الانهيار الوشيك وقطع الطريق على عودة المؤتمر الوطني وسيادته على المشهد.
وفي السياق، التقت الجبهة الثورية بالمجلس المركزي للحرية والتغيير، الخميس الماضي، حيث وعدت بدراسة المبادرة والرد عليها، بينما اجتمعت أمس بعدد من قادة حزب الأمة القومي لمناقشة المبادرة المطروحة. وقال القيادي في الحرية والتغيير، عادل خلف الله، لـ”القدس العربي”، إن تعدد المبادرات في جانب من تعبيراته يبين عنق الزجاجة التي وصلت لها البلاد نتيجة للانقلاب العسكري. وأضاف: “العديد من المبادرات المطروحة حريصة على استقرار البلاد وتجاوز الأزمة التي أصابت كل جوانب الحياة في السودان”، مشيرا إلى أن مبادرة واحدة لن تستطيع تقديم الحلول المطلوبة في الصدد.
وتابع: “تجاوز الأزمة الراهنة في البلاد يعتمد على ما توافق عليه الرأي العام، الرافض للتسلط والدكتاتورية التي تستخدم اسم القوات المسلحة لفرض سلطتها”، لافتاً إلى أن مبادرة الجبهة الثورية والمبادرات الأخرى المطروحة، رغم حرصها على استقرار البلاد، تتجنب الإشارة إلى إسقاط الانقلاب العسكري كمدخل لحل الأزمة الراهنة وتكوين سلطة انتقالية مدنية ديمقراطية تنجز مهام انتقالية محدودة وصولا للانتخابات.
ويرى، خلف الله، أن المبادرات المطروحة عاجزة عن توفير إطار ومطلوبات تجاوز الأزمة السودانية، مشيرا إلى محاولة تجميع الآليات الإقليمية والدولية في إطار الالية المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وايقاد.
وشدد على أن الوصول لنظام مدني ديمقراطي لا يمكن أن يتم عبر الحوار مع قادة الانقلاب، لجهة نكوصهم بالعهد وانقلابهم على الشراكة الانتقالية، فضلا عن مواجهة ارادة الشعب بالسلاح وقتل أكثر من 90 متظاهر، مؤكداً على ضرورة التزام الجيش بأدواره المحددة بحماية الدستور والحدود والخروج تماما من العملية السياسية.
ولفت إلى أن التدهور المريع في أوضاع البلاد، سببه الأساسي هو توالي حكم النظم العسكرية للبلاد، مشيراً إلى أن مبررات مشاركة العسكر في الحكم المرتبطة بحفظ الاستقرار والأمن في البلاد، انتفت بعد الانقلاب العسكري الأخير، الذي تفاقمت في عهده الانتهاكات والانفلات الأمنية.
ويبدو أن الحوار مع قادة الانقلاب، ما يزال أمر مرفوضاً من قبل المجلس المركزي للحرية والتغيير.
وأكد خلف الله أن المجلس المركزي لن يخوض أي حوار مع قادة الانقلاب، لافتا إلى أنهم مضوا في الحوار الأول الذي أفضى إلى الوثيقة الدستورية والشراكة الانتقالية على مضض، في وقت انتقل العسكريين من العمل على تعطيل الانتقال، إلى إيقافه تماما والانقلاب على الحكومة الانتقالية.
ولفت إلى أن إطار الحل للأزمة الراهنة، محدد بإسقاط الانقلاب العسكري عبر مواصلة المقاومة وصولا للعصيان المدني والإضراب الشامل، ثم استعادة سلطة الشعب واقامة فترة انتقالية قصيرة تقوم بتوفير مطلوبات الانتخابات وفق ثلاث ركائز اساسية تشمل تنفيذ الترتيبات الأمنية وبناء جيش موحد يقوم بمهام حماية الدستور والحدود، بعيداً عن العمل السياسي واستئناف عمل لجنة ازالة التمكين ووضع خطة اقتصادية وفق برنامج وطني اسعافي لمعالجة الضائقة المعيشية في البلاد بالإضافة إلى العمل على تحقيق العدالة.
وشدد على أن الانقلاب العسكري الذي يمضي نحو شهره السادس مرفوض من الشعب وفاشل بكل المقاييس، مؤكدا أنه لن يستمر طويلاً.
وبين خلف الله أن الجبهة الوطنية لهزيمة الانقلاب التي يطرحها المجلس المركزي للحرية والتغيير قيد التشكل لتنسيق الجهود وصولا لإسقاط الانقلاب وانتزاع سلطة الشعب.
وفيما يلي، موقف لجان المقاومة من مبادرة الجبهة الثورية، قال المتحدث باسم تنسيقيات لجان المقاومة في مدينة الخرطوم، عثمان أحمد لـ”القدس العربي” إنهم لم يتلقوا دعوة من الجبهة الثورية لمناقشة المبادرة المطروحة، مبينا أنهم لم يشكلوا رأي رسمي بخصوصها ولكن الخط العام للجان هو رفض التفاوض المباشر وغير المباشر مع قادة الانقلاب.
وأضاف: “أي مبادرة تتحدث عن تسوية مع قادة الانقلاب مرفوضة”، مشيرا إلى أنهم حال سقوط قادة الانقلاب، يمكن أن يمضوا في حوار مع المؤسسة العسكرية لتحديد مهامها بالعمل على حماية الدستور والحدود والخروج من العملية السياسية.
وأشار إلى ان لجان المقاومة تطرح مبادرة لتوحيد القوى المدنية الرافضة للانقلاب عبر ميثاقها السياسي الذي يتم التداول حوله في ولايات السودان المختلفة وصولا لميثاق موحد للجان المقاومة.
وأكد أنهم منفتحين على المبادرات وعلى جهود تنسيق المقاومة وحريصون أكثر على أن يتم تأسيسها على أرضية ثابتة لتجنب اخفاقات الماضي وتحقيق الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد.