الخرطوم: لم تراوح الأزمة السودانية مكانها رغم مرور أكثر من شهرين على الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 أبريل/ نيسان الماضي.
بالإضافة إلى مرور أسبوعين على فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش، الذي أودى بحياة حوالي 118 قتيلا ومئات الجرحى، بحسب لجنة الأطباء المعارضة، و61 قتيلا، وفقا الإحصائية الحكومية.
ولازالت الأجواء محتقنة بين المعارضة والمجلس العسكري، رغماً عن إقرار الطرفين في أكثر من مناسبة بأنهم لا يرفضون التفاوض وصولاً لترتيبات الفترة الانتقالية.
والإثنين، بدا واضحا تباعد المواقف بين الطرفين مع إعلان تجمع المهنيين، الذي يقود الحراك منذ 19 ديسمبر/ كانون أول الماضي، عن جدوله للحراك الجماهيري خلال الأيام القادمة بما فيه من “التظاهر والاحتشاد وتنظيم الصفوف وتنفيذ الوقفات الاحتجاجية”، للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين.
يقابل ذلك موقف متأرجح، بحسب المراقبين، للمجلس العسكري فتارة يلوح بتشكيل مجلس وزراء وحكومة وفي أخرى بإجراء الانتخابات، وأيضا يبدى استعداده للتفاوض وفق الوساطة الإثيوبية المدعومة من الاتحاد الأفريقي وأطراف دولية.
والثلاثاء كرر نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو، ذات الحديث عن تشكيل حكومة كفاءات لأن البلاد لا تحتمل نزاعات.
وذلك بالتأكيد يدفع بالأوضاع في البلاد إلى عدة سيناريوهات قد تلتقي أحيانا في تفاصيلها وتختلف في أخرى.
الأول .. سيناريو الفوضى:
هو سيناريو قائم على انتشار الفوضى في البلاد في ظل مكونات عسكرية عديدة وغير موحدة “الجيش، والدعم السريع، والأمن والمخابرات ، والشرطة”، ولكن تصريحات المجلس العسكري تنفي ذلك وتؤكد أنها كل هذه القوات تعمل بتنساق وفق منظومة أمنية متسقة.
ولكن ليس الخلاف بين المكونات العسكرية في البلاد هو الذي يشكل مخاوف من الانزلاق نحو الفوضى، باعتبار أن التهديد يأتي من ميليشيات وكتائب النظام السابق التي تهدف إلى قطع الطريق أمام الثورة، وفق الخبراء باعتبار أنها تقطع الطريق أمام أهداف الثورة الرئيسية وهي محاكمة رموز النظام السابق وتفكيك مؤسساته.
إلا أن البعض يرى أن الفوضى – حتى إذا حدثت – فهي تتيح للمجلس العسكري أن يسيطر على السلطة منفرداً بشكل أكبر، وذلك تحت دعاوى فرض الأمن.
كما أن اندلاع الفوضى كفيل بأن يجعل العسكري يقضى على أي حراك مدني من قبل قوى إعلان “الحرية والتغيير” التي تقود الاحتجاجات باستخدامه الوسائل القمعية لإسكات أي أصوات معارضة في ظل التهديد الأمني المحتمل.
الثاني.. سيناريو الاتفاق:
خيار مطروح ومدعوم إفريقياً ودولياً بأن يستأنف الطرفان”العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير” التفاوض لوضع ترتيبات الفترة الانتقالية.
وهذا الطرح يمكن أن يحدث، بحسب المحللين، إلا أن ذلك يتطلب أن يقدم الطرفان التنازل بالقضايا الخلافية والتي تتمثل في نسب المشاركة بين العسكر والمدنيين، بالاضافة إلى الخلاف الطارئ عقب فض الاعتصام ومقتل العشرات.
لاسيما أن الطرفين قطعا شوطا في الاتفاق، بعد اتفاقهما على المجلس التشريعي والحكومة في الفترة الانتقالية والتي تستمر لثلاثة أعوام تعقبها انتخابات وتبقى المجلس السيادي ونسب المشاركة فيه.
إلا أن بعض المحللين يستبعدون حدوث اتفاق في الوقت الراهن في ظل تمسك “الحرية والتغيير” بعدم الجلوس في تفاوض مباشر مع العسكري وتشكيل لجنة تحقيق دولية، وشروط تتعلق بالحريات العامة والإنترنت وسحب القوات العسكرية من شوارع المدن.
والإثنين، أعلن القيادي بتجمع المهنيين محمد ناجي الأصم، أنهم مستعدون لتنظيم التظاهرات الليلة والرجوع إلى المواكب الجماهيرية لتحقيق أهداف الثورة .
واعتبر الأصم، خلال مؤتمر صحافي، أن الأجواء لم تعد مهيئة للتفاوض في ظل “ممارسة العسكري للاعتقالات للسياسيين وتضييق الحريات العامة”.
الثالث.. السيناريو المصري:
يظل هذا الاحتمال قائما وجاهزا للتنفيذ، بتمسك العسكري بمواقفه بعيدا عن قوى التغيير وتلويحه بإجراء انتخابات خلال فترة لا تتجاوز الـ9 أشهر.
وكذلك اتباعه خطوات شبيه لدرجة كبيرة بما حدث في مصر منذ نحو 6 أعوام، وبحسب محللين، يسير المجلس العسكري على ذات الخطى بدءاً من فض الاعتصام في ميدان رابعة وصولا إلى الانتخابات التي تولى خلالها عبدالفتاح السيسي حكم مصر.
والعسكري السوداني فض الاعتصام في 3 من مايو/ أيار الماضي، وها هو يلوح بخيارات أخرى بعيداً عن قوى “الحرية والتغيير” التي قادت الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير.
ويدعم هذا الاتجاه، حسب مراقبين، تحركات نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع خلال اليومين الماضيين، وعقده لقاءين جماهيرين “السبت والأحد”.
إلى جانب حديثه عن أنه يملك تفويضًا شعبيًا لتسليم السلطة لحكومة منتخبة، في ظل زهد واضح من رئيس المجلس العسكري، عبد الفتاح البرهان، في الظهور الإعلامي، حسب قوله.
يدعم هذه الوجهة أنصار النظام السابق في ظل وجودهم في مفاصل السلطة والحكومة، ويأتي دعمه للعسكري كونه لم يتخذ أي خطوات ضد عناصر ورموز النظام السابق بالاعتقال أو تجميد الأموال والأصول.
كما أن هؤلاء يسيطرون كذلك على المؤسسات الاقتصادية بالبلاد ما يجعلهم يشكلون سندًا قويًا للبرهان أو حميدتي حال قرروا فرض الانتخابات كأمر واقع وترشحوا فيها.
ويضيف المحللون لهذه الأسباب الدعم الإقليمي الذي يجده العسكري من قبل دول “مصر والسعودية والإمارات” وهو كفيل بأن يجعل العسكري يتمسك بإدارة الفترة الانتقالية وصولًا للانتخابات.
كون أن هؤلاء الحلفاء يدعمونه بقوة وقادرون على إحداث اختراق في المواقف الدولية الداعية لتسليم السلطة للمدنيين، باعتبار أن الحكومة المدنية قد تكون خطرًا يهدد هذا الحلف بمطالبته مستقبلا بسحب القوات السودانية التي تقاتل منذ 2015 مع التحالف العربي في حربهم باليمن ضد الحوثيين.
الرابع.. سيناريو الجيش:
ولا يستبعد محللون التعويل على الجيش السوداني في إزاحة المجلس العسكري بانقلاب هو احتمال وارد في ظل توتر الأوضاع بالبلاد.
وينظر إلى هذا الاحتمال باعتبار أن الأوضاع تزداد سوءا بالبلاد على عدة أصعدة مقارنة بما كانت عليه في عهد البشير.
كما أن أعضاء المجلس العسكري يمثلون ذات الرجال الذين كانوا في دائرة البشير حتى لحظة عزله.
ويستند هذا السيناريو إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد لا زالت لم تراوح مكانها، وأن ذلك لن يتحسن في ظل عدم اعتراف دولى بالمجلس العسكري وأن وجوده في السلطة قد يدفع السودان بذات المصير من الحصار الاقتصادي الذي واجه نظام البشير.
ويأتي التعويل على الجيش نتاج مواقف عناصره في التصدي لهجومين على المعتصمين بالخرطوم في السابع والتاسع من إبريل/نيسان الماضي من جانب قوات أمنية تتبع نظام البشير.
كما أن المجلس العسكري بعضوياته المختلفة يمثل القوات النظامية بالبلاد من الجيش والأمن والمخابرات والدعم السريع، ولا يمثل الجيش وحده الذي يحظى بثقة كبيرة لدى السودانيين، على خلاف الأجهزة النظامية الأخرى وفق المتابعين. (الأناضول)