في مفهومه العام وراء مشروعه «تحفةٌ قديمة تنتمي للقرن الحادي والعشرين» يحاول مارسيلوت الترويج للثقافة، لإثارة رؤية جديدة للتراث اليوناني وعلاقاته بالحالة البشرية على عتبة العصر الرقمي، فيتقدم بخطى وئيدة لرسم خط بين فن العصر الكلاسيكي والعصر الرقمي الذي نعيش فيه اليوم، نظراً لشعوره أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين هذه الفترات الزمنية، فالكثير من الأفكار والأعمال تتكرر بأسماء جديدة، لأن الإنسان لم يتغير كثيراً وفقاً لرؤيته وفلسفة فنه، فالاحتياجات الأساسية بقيت كما هي: «الناس يبحثون عن السعادة والمغامرة، يريدون أن يحبوا، ويخافون من الموت». إنه يشعر بأن الإنترنت يشبه أوليمبوس الجديدة فهو خارج خرائط المكان من جهة، بينما يحتل مكانةً بالغة الأهمية في المجتمع من جهة أخرى، وما يزال عدد من الجوانب حاضراً في المجتمع المعاصر، كالديمقراطية أو البرلمانية.
يستند مارسيلوت أيضاً إلى مقولة إرنست جومبريتش في كتابه تاريخ الفن: «عندما يصنع النحات تمثالا لإله يوناني، فإنه يصنع نسخةً مثاليةً تماماً دون أخطاء. وإذا نظرتَ في مجلات الموضة المعاصرة، يمكنك أن ترى شيئاً مشابهاً جداً لما يحدث اليوم، حيث يتم استخدام الفوتوشوب لجعل النماذج تبدو مثاليةً تُزيل كل العيوب، فتعمل هذه الصور كأوثان نستخدمها بطريقة مشابهة لتماثيل الآلهة: «إننا ننظر إليها ونرى شيئاً يجب أن نطمح إليه».
اسمه الحقيقي مارسيلو توماز، أما اسمه الفني فهو مارسيلوت، باختصار اسمه الأول مضافا إليه حرف التاء الذي يدل على اسم عائلته (توماز) البرازيلية المنحدرة من أصول برتغالية. بدأ مشروع مارسيلوت عندما كان طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة – ميونيخ، وقتها زار Glyptothek (متحف الفن اليوناني الروماني) وفُتِنَ بجمال ذاك الفن، لكنه لم يرَ أي منحوتةٍ أصلية مصنوعة من الرخام أو البرونز، ليتساءل: «كيف سيكون الشكل المعاصر للنحت اليوناني القديم؟» عندها قرر أن يصنع مشروعاً مثيراً للاهتمام، بدأ العمل عليه بعد ذلك بوقت قصير، لكنه لم ينته منه أبداً! عندما كان في العشرينيات، أمضى بضع سنوات في العمل مُدَرِّسا في البرازيل، وكان غالباً ما يعمل مع أطفال من المجتمعات الفقيرة، ولم تكن المدارس تتلقى الكثير من التمويل، لهذا السبب كان عليه الاستفادة من الموارد التي كانت متاحة إلى الحد الأقصى، ولاسيما الكثير من الصحف القديمة التي استخدمها لتشكيل أدوات توضيحية لِطَلَبَته. لاحقاً سافر مارسيلوت للدراسة في ألمانيا، فوجد نفسه في وضع مماثل، فقد دُعِيَ للدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة ـ ميونيخ، وكان ذلك مثيراً لكنه مُحبِط، لأن طموحه اصطدم بحاجز اللغة الألمانية، التي لم يكن يتحدثها بشكل جيد. مع ذلك بدأ التحدي وباشر في مشروعه، أراد أن يبدأ العمل على تمثال، لكنه وجد أنه لا يمتلك سوى القليل من المواد، فاضطر مرةً أُخرى إلى الاستفادة مما لديه: ورق الجرائد! كان قراره استخدام الجرائد القديمة في أعمال فنية عفوية، وذلك بدافع الضرورة. وعلى الرغم من ذلك وجد نفسه أيضاً أمام عقبة اختيار المواد، فكانت هناك حلول ليست بعيدة عن ورق الجرائد المادة الوحيدة المتوفرة. وبسبب حرصه على الاهتمام بالصفات الجمالية انتقل إلى نوع آخر من الورق كالورق الياباني أو ورق الأرز، لأنه مادة ليست قابلة للعطب بالطريقة التي تتدهور بها الصحف، مع حقيقة مهمة لا بد من عدم تجاهلها وهي، أن الصحف ستصبح هَشَّةً وصفراء مع مرور الوقت، لكنها تمثل أيضا فكرةً ومعلومات. وهكذا بدأ عمله مع «الأفكار المسبقة» للأشياء باستخدامها ليس فقط من أجل مظهرها، لكن للأفكار التي تُمثّلها، ففي حالة الجريدة، تمثل المادة المعلومات، بالإضافة إلى ذلك فإن الجريدة باعتبارها ناقلة معلومات مادية ومهددة بالانقراض، لكنها مستمرة في الوقت نفسه في جميع أنحاء العالم المعاصر وهذا إثباتٌ آخرُ لاستمرارية مشروعه.
سُلطة المعلومات وتمثال نصفي مصنوع من الجرائد
في العالم القديم، كانت التماثيل النصفية تمثيلًا شائعاً للسُلطة، فقد بنى الرومان تماثيل نصفية لزعمائهم وبنى الإغريق تماثيل نصفية لآلهتهم من الحجارة، وكانت تلك التماثيل بمثابة مظاهر مادية لقوة تلك الكيانات، لكن فلسفة مارسيلوت تقوم على صنع تماثيل نصفية من الجرائد لقادة العالم اليوم، في ترميز شفاف إلى أن السلطة لا يتم تمثيلها من خلال الإيماءات الكبرى، أو الأعمال الفنية كثيفة العمالة، بل بدلاً من ذلك تتجسد السلطة من خلال المعلومات، حيث يتم تعريف الشخصية العامة اليوم من خلال وجودها في وسائل الإعلام، فما يُكتب عنهم يمكن أن يُؤلَّهَهُم أو يدمرهم، حيث يتأثر الكثير من القرارات السياسية بشدة من خلال التلاعب بالمعلومات ونشر معلومات مُضَلِّلَة. وهو ما يفعله مارسيلوت في جعل هذه التماثيل النصفية المصنوعة من الجرائد رابطاً أكثر وضوحاً، لأن استخدام الجريدة في عمله يمثل استخدام المعلومات، حينما لا تُوضَع الشخصيات السياسية الحديثة على قاعدة مادية في معبد أو قصر، لكن بدلاً من ذلك يتم وضعها على مجازيَّةٍ شيَّدَتْها وسائل الإعلام. إن قوة تلك الشخصيات مبنيةٌ على المعلومات – وبالتالي ستُبنى تماثيلهم النصفية منها أيضاً. وهو ما بدأ به مارسيلوت بصنع تمثال نصفي للرئيس البرازيلي الأسبق بولسونارو وتمثال نصفي آخر لأنغيلا ميركل مصنوعين أيضاً من جريدة محلية. بالإضافة إلى تماثيله المصنوعة من ورق الجرائد يرسم مارسيلوت مستخدماً الصورة، أو اللوحة كوسيط للتعبير عن شيء ما أو توضيحه أو ربما ترميزه، فإذا سأله أحدهم بخصوص انطباعاته عن موضوع ما، فلن يتردد على الإطلاق في استخدام أسلوب الرسم الانطباعي لأنه يستخدم التصوير المجازي للتعبير عما يجب فهمه، كما يرسم لوحته التجريدية، فيدمر الشكل لصالح التعبير إذا كان ذلك يساعده في تقديم الفكرة، كما هو الحال في مشروعه الذي يحمل عنوان «مجنون» وهو مشروع يعكس تجربته في الطب النفسي، التي يعبر من خلالها عن الاضطرابات النفسية لدى البشر.
مارسيلوت الغريب وهويات الأشخاص على الإنترنت
في العصر الرقمي يهتم مارسيلوت بكيفية بناء الأشخاص لهوياتهم الخاصة على الإنترنت، لأن معظم الأشخاص يستطيعون أن يكونوا ما يريدون فيقدمون من خلال صفحاتهم ما يقرِّبهم من صفات الكمال. يحب مارسيلوت فكرة السماح للشباب بأن يشعروا وكأنهم واقفون على قاعدة تمثال، ليشعروا بأنهم مرئيون، ويعتقد بأن هذا شيء رائع مرتبط بالمواضيع الرئيسية لمشروعه المقبل في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث سيعرض جميع «الآلهة» تماماً مثل التماثيل التي نراها في المتاحف، هذا الجزء المحدد من المشروع يمثل تحدياً إلى حد ما فقد أكمل عدداً قليلاً من «الآلهة العاديين» وليس لديه موعد نهائي لإنهاء ذلك المشروع أو لقطاف ثماره. إنه يريد إيجاد نماذج تُناقض «الآلهة السياسيين» ويطلب من العارضين وجوهاً معبِّرةً حتى يتمكنوا من تمثيل آلهة مختلفة، فأثناء تجربته بالتقاط صورة بتعابير وجوه قريبة من تَصوُّرِهِ الجديد للآلهة، اضطر لاستخدام برنامج فوتوشوب لتحريك حاجبي موديل «الإله العادي» بنفسه. وفي الفترة ما بين 23/04/2022 و 27/11/2022 تلقى مارسيلوت دعوة من مؤسسة Swatch الراعي الأكبر لبينالي البندقية، للمشاركة بأعماله هناك، فشارك بعملين مهمين وهما تمثال نصفي لنابليون بونابرت وتمثال أسد البندقية الذي احتُفِظ به لينتمي إلى مجموعة الأعمال الفنية العالمية دائمة العرض هناك. كما سيشارك مارسيلوت في معارض مقبلة في سويسرا.
مارسيلوت الغريب المسكون بالإبداع، جاء إلى أوروبا حاملاً فنه في جرائد تتلون سطوحها بعامل الوقت، يدير كعبه لكل ما هو غير إنساني، ويقفز فوق حواجز الأعمال الفنية التقليدية، ليعمل باستمرار على صياغة عمل فني جديد، محاولاً التغلب على الوقت الذي يهدد جرائده وفنه الآمن، ومتحرراً في ساعات إبداعه بتقديم رؤىً جديدة لحب كبير مقبل، ما يزال يراهن حتى اليوم على مشاريعه المقبلة التي يمكنها أن تتجاوز مشروعه الواعد وهويات الأشخاص على الإنترنت.
كاتب سوري
عندما كنت صغيرا استخدمت ورق الجرائد لتكوين مجسمات بسيطة في الغالب لم تكن مثالية ،و كنت أستمتع بذلك ..
المميز في هذا الفنان هو عدم اهتمامهم بالحالة المثالية.. و هو ما يذكرني بكلام مدرس التربية الفنية بأن البساطة هي جمال أيضاً
ادا سمحثم حرفا واحد ا أو بعض الحروف أضعها وسط سماء هد ا الفن العظيم وقلناها أكثر من مرة شكرا بين قوسين التشكيل رفيق الشعر قديما وحديثا فاكلاهما دكي وكلاهما يملك ثروة من لاساليب وكلاهما ينمثل ونعني ينتقل من صورة ألى صورة الشيء الدي يجعل العاشق يقع في حيرة ترى لمن هده الصورة فاالنحث باب من ابواب التشكيل ولايكون الا كدالك .