البرنامج النووي الإيراني، سواء أردنا أم لم نرد؛ سيقلب توازن القوى في المنطقة العربية، ونعني بالذات دول الخليج العربي بما فيها عراق المستقبل.. إيران تقول إن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية؛ ربما تكون في هذا القول صادقة وجادة، وربما هو للتغطية واستثمار الفرص لحيازة سلاح نووي، خاصة حين تتغير البيئة السياسية، سواء إقليميا أو دوليا، وتكون ملائمة لها.
لم تقم حرب بين باكستان والهند؛ عندما حازت الأولى السلاح النووي، وحين امتلكت الهند جارتها، القنبلة النووية التي حالت دون الصدام العسكري المفتوح بين الجارتين، لعقدين مضيا، أو أكثر. عليه فإن البرنامج النووي الإيراني السلمي، القابل إلى التحول السريع ذاتيا إلى برنامج عسكري، بفعل امتلاكه إمكانية هذا التحول؛ هو من حقها المشروع باستثمار العلم في حقل الطاقة، وفي بقية الحقول، أو بالامتلاك لاحقا لعناصر القدرة والقوة الرادعة التي تكفل لها؛ الحماية من الاعتداء، وتمنحها القوة والتمكين، لحماية قرارها السياسي المستقل وسيادتها، ويضيف لها قوة تأثير وفعل في محيطها سواء القريب أو البعيد.
في الأسابيع الأخيرة؛ تم توتير الموقف في منطقة الخليج العربي بشكل غير مسبوق، وكأن حربا سوف تقع بين لحظة وأخرى، في الفترة القليلة، قبل تنصيب بايدن على رأس الإدارة الأمريكية، بين أمريكا وإيران، بدعم عربي وإسرائيلي، على خلاف الواقع المتحرك تحت سطح الأحداث، الذي يشير إلى أن الثلاثي، إيران وأمريكا و(إسرائيل)؛ لن يضغط على الزناد لإطلاق رصاصة الحرب، حتى لو بطلقة بندقية في الايام القليلة المقبلة. وهذا ليس تنبؤا يقول به منجم؛ إنما هو قراءة عميقة للواقع الموضوعي في المنطقة العربية و(إسرائيل) والاستراتيجية الأمريكية بعيدة الأمد جدا، لا حاجة لشرحها، لأن شرحها لا يتسع له هذا المقال. قلنا في أكثر من مقال سابق؛ إن أمريكا لم ولن تهاجم إيران، بأي شكل كان، وبأي صورة من الصور، إلا في حالة واحدة، وهي رد الاعتبار عند حصول خطأ ما.. وإن حصول هذا الخطأ مستبعد جدا، إن لم نقل إنه مستحيل؛ لأن كلا الدولتين تتقاتلان بالوكلاء. إيران دولة نووية وستبقى وتتطور كدولة نووية، سواء قامت بصناعة السلاح النووي، أم لم تقم بصناعته في الوقت الحاضر وليس في المستقبل، لأنها وبكل تأكيد سوف تقوم بصناعته في المستقبل، حين يتغير شكلها السياسي، أو عندما تكون الظروف الدولية والإقليمية ملائمة لها، كما كان وحدث في محيط كوريا الشمالية، التي تغيرت الظروف لصالحها، فما كان منها إلا أن قامت باستثمارها بسرعة؛ لتفاجئ أمريكا بقنابلها النووية.
أمريكا لم ولن تهاجم إيران، بأي شكل كان إلا في حالة رد الاعتبار عند حصول خطأ ما لأن كلا الدولتين تتقاتلان بالوكلاء
إن تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين بخلاف هذا، ما هو إلا ذر الرماد في العيون، وحتى الضغوطات الأمريكية، سواء في إدارة ترامب الذي يطوي الآن أغراضه للخروج من البيت الأبيض، أو في إدارة بايدن لاحقا؛ بعد دخوله البيت الأبيض في العشرين من هذا الشهر؛ لن تستطيع إيقاف البرنامج النووي الإيراني، أو إيقاف تطوره في الوصول إلى العتبة النووية بصورة كاملة، أو إجباره على الاقتراب، أو الوقوف على حافاتها، فهذا أمر بعيد الاحتمال جدا. الأمريكيون اشترطوا أن تشترك كل من الإمارات العربية والسعودية، في أي مفاوضات مقبلة بين إيران وأمريكا، أو بين إيران والقوى الدولية الكبرى، أي يكون الاتفاق في حالة التوافق عليه، بين إيران من جهة والقوى الدولية الكبرى، بالإضافة إلى الإمارات العربية والسعودية. إيران رفضت على لسان المسؤولين فيها اشتراك أي طرف إقليمي في المفاوضات، أي رفض اشتراك الدولتين سابقتي الذكر. السيد محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران، قال بعد ساعات من إعلان بيان المصالحة الخليجية: إن إيران لن تسمح لأي طرف إقليمي بالتدخل في برنامجها النووي والصاروخي، وعلاقتها بدول المنطقة. وهي إشارة واضحة للتوجه الأمريكي في إشراك الإمارات والسعودية في المفاوضات المفترضة أو المرتقبة.
إيران دولة نووية، وطبقا لهذا الواقع الجديد؛ على دول الخليج العربي وحتى العراق مستقبلا، التعامل مع هذه الحقيقة بصورة جدية وحاسمة، بدل الاعتماد على الدعم والإسناد والحماية الأمريكية، أو الإسرائيلية، في الوقت الحاضر، وهذا هو ما يروج له في تبرير التطبيع بلا ثمن مع الكيان الإسرائيلي المحتل للأراضي الفلسطينية. (إسرائيل) لن تقاتل إيران، لا الآن ولا في المستقبل أبدا، لأن هذا ليس من مصلحتها تكتيكيا واستراتيجيا، وما فرية أو خديعة التحالف مع (إسرائيل) في مواجهة إيران، إلا كذبة كبيرة جدا، لتبرير التطبيع، وإيجاد موجبات ومسوغات له، أمام الجماهير العربية الرافضة لهذه العلاقة مع دولة محتلة لأرض عربية، وهي أرض فلسطين. إن التعامل مع حقيقة إيران نووية، أي دولة قوية من قبل الدول العربية وبالذات دول الخليج العربي، وعلى وجه التخصيص السعودية، بفعل امتلاكها لعناصر القدرة والإمكانية، سواء العلمية أو المالية، أو ما هو له علاقة بالاثنين؛ هو بالعمل الجاد على امتلاك برنامج نووي جاد ومواز للبرنامج النووي الإيراني، أي امتلاك وحيازة دورة الوقود النووي للأغراض السلمية، أي الوقوف على العتبة النووية لصناعة سلاح نووي، إن اقتضى ضغط الواقع وضرورة هذا التوجه في الفضاء الإقليمي. هنا تتجلى الحاجة التي لابد منها، لشجاعة اتخاذ القرار، بإرادة صلبة لا تخضع للضغط الأمريكي المبني على قاعدة أمريكية وإسرائيلية، تقول؛ إن الدولتين لن تسمحا لإيران بامتلاك سلاح نووي مهما كان الثمن؛ ما هو إلا عملية تخدير، يراد منه استمرار ومواصلة، بقاء دول الخليج العربي؛ فريسة للابتزاز الأمريكي والإسرائيلي. في النهاية نقول: إن بناء القدرة والقوة ليس بالضرورة للحرب والعدوان، بل هو أساس إقامة السلام واستدامته على قاعدة الكرامة وحفظ الحقوق والسيادة والاستقلال.. وعدم التدخل في الفضاءات الداخلية.
كاتب عراقي