الرباط ـ «القدس العربي»: اعتلى حديث التعديل الحكومي المرتقب عند بداية الموسم السياسي المقبل، صدارة النقاش في الصالونات السياسية وحتى لدى الرأي العام المغربي، وعادت معه التخمينات بخصوص الوزراء الذين سيغادرون سفينة عزيز أخنوش بعد مضي نصف ولايتها.
بين صعود ونزول، كانت حدة هذا النقاش ترتفع وفق معطيات جديدة، وأحدها ما ألمح إليه رئيس الحكومة عزيز أخنوش نفسه في وقت سابق من هذا العام، خلال حوار أجراه مع التلفزيون المغربي، لتقييم حصيلة النصف الأول للولاية الحكومية، حيث قال إن التعديل الوزاري هو بمثابة “مرحلة دستورية يجب أن يكون فيها كل شيء خاضعا لقواعد الدستور”.
وكسرت صحيفة “الأحداث المغربية” صمت الصيف بخبر يفيد بوجود تعديل حكومي مرتقب خلال دخول سياسي قادم، ينتظر فقط تأشيرة العاهل المغربي محمد السادس. ونقلت الصحيفة عن مصدر حكومي رفض ذكر اسمه، أن التعديل المرتقب سيكون موسعا، وهناك أسماء عديدة ستلتحق بسفينة أخنوش الحكومية، فيما ستغادرها أسماء أخرى، ناهيك عن التغييرات التي تتعلق بالهندسة الحكومية ذاتها. ووفق المصدر نفسه، فإن هذا التعديل ضرورة تفرضها السياسة، كما عبّر عن اعتزازه بما سماه “صمود” التحالف الحكومي الذي يقوده حزب “التجمع الوطني للأحرار”، بمشاركة كل من حزبي “الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال”.
وفي تصريحات لـ “القدس العربي”، عبّر سياسيون عن رأيهم في حديث التعديل الحكومي المرتقب، إذ أكد المحلل السياسي عن حزب “الحركة الشعبية” المعارض عبد المجيد الحمداوي، أن “العادة جرت منذ العمل بدستور 2011 أن يطرأ تعديل حكومي يمس بعض القطاعات التي يقال عنها إنها كانت فاشلة في تنفيذ البرنامج الحكومي. والواقع أن هذا العرف، إن صح التعبير، لا يغير من التزام وطموحات أي حكومة بمسايرة توقعاتها مهما كانت مرجعيتها الإيديولوجية، لأسباب داخلية وخارجية”.
وبالنسبة للحمداوي، فـ”اليوم، لا خيار لنا من اصلاح سياسي كمدخل رئيسي لمجموعة من الإصلاحات الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، وبأفق دستوري واضح، وبحكومة سياسية من أحزاب وطنية قادرة على خلق التوازن بين الإصلاحات السياسية والدستورية وتلبية المطالب الشعبية، من أجل الحفاظ على الاستقرار الكفيل باستثمار هذه الإصلاحات في ظروف جيدة”.
والحالة هاته، يوضح المتحدث، “لا يمكن الحديث عن نجاعة التعديل الحكومي في هذه المحطة الأساسية دون أن نستحضر تنظيمات الأحزاب وقيمتها المضافة في تسيير الشأن العام ودورها في الإصلاحات السياسية والدستورية”، مشيرا إلى أنه “قبل الوقوف عند التعديل الحكومي الذي يأتي وقد لا يأتي، مازال الانتقال الديمقراطي يسيل الكثير من المداد، منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله، حيث يبقى الأساس في عملية الانتقال الديمقراطي في جميع اللحظات والمحطات هو الانفتاح المتزايد على المجتمع وعلى القوى الفاعلة فيه، وعلى مطالبه الأساسية المتصلة بثلاثة مجالات: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والاقتصاد”.
وتساءل الحمداوي: “هل الأحزاب المشكّلة اليوم لحكومة أخنوش لعبت هذا الدور المحوري في الانتقال الديمقراطي؟ وهل لها مساهمة في الإصلاحات السياسية والدستورية، من أجل احترام مقولة: لا ديمقراطية بدون أحزاب ولا أحزاب بدون ديمقراطية؟”.
وحسب المتحدث نفسه، فإنه “سواء كان هناك تعديل حكومي أم استمرت الأحزاب الثلاثة المهيمنة على معظم المؤسسات المنتخبة من مجالس وجهات، فيبقى الشغل الشاغل لجميع الأحزاب بدون استثناء، الاستحقاقات الانتخابية المقبلة”، لذلك يتساءل مرة أخرى: “هل للحكومة جرأة على مراجعة المنظومة الانتخابية لتعزيز نزاهة العملية الانتخابية؟”. ويرى أن “الإشكالية ليس في تغيير أسماء الأشخاص على رأس بعض القطاعات الحيوية، بل مازالت هناك إشكالات عميقة في المشهد الانتخابي بالمغرب، ومشاكل في تطبيق البرامج الانتخابية، علماً أن أهم القرارات السياسية التي تؤخذ على المستوى الحكومي لا علاقة لها بالبرامج الانتخابية، يعني هناك محدودية القرار السياسي للأحزاب”.
وخلاصة القول، يقول الحمداوي، إن “المواطن المغربي الذي عانى السنين الأخيرة من ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية وهضم حقوق فئات من الشغيلة، لا ينتظر التعديل الحكومي وكأنه ممارسة ديمقراطية تتوفر على الحلول السحرية للمشاكل الاجتماعية المستعصية، بل يترقب القرارات الجريئة للحد من العطش والجوع والسكن غير اللائق والمدرسة المتقطعة بسبب الإضرابات والمستشفيات الناقصة التجهيز والبطالة المستشرية في عروق الأرياف بسبب الجفاف”.
على المنوال النقدي نفسه، سار الكاتب والإعلامي يوسف بوستة، الذي أكد متحدثا لـ “القدس العربي”، أن “الحديث عن التعديل الحكومي في حد ذاته، يوحي منذ الوهلة الأولى بأن هناك أزمة سياسية بين مكونات الأغلبية وبأن الحكومة غير منسجمة في برنامجها وفي عملها، وعوض تسليط الضوء على الجهاز التنفيذي برمته في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار المسؤولية الجماعية، يتم التركيز على بعض الهفوات والشطحات لبعض الوزراء في إطار حملة إعلامية للإلهاء وإغراق البلاد في مزيد من الشعبوية المقيتة، بحيث لم تعمر أية حكومة بكل أعضائها وتكمل ولايتها بدون أن يحصل فيها تعديل، ولم نسمع قط باستقالة أو إقالة كحق دستوري أو استقالة جماعية في إطار المسؤولية المشتركة والعلاقة التضامنية”.
وحسب الناشط السياسي في حزب “فدرالية اليسار الديمقراطي” المعارض، فإن هذا “يجعل كل الحكومات المتعاقبة تفتقر إلى المشروعية الديمقراطية، تضاف إلى فقدان المشروعية الشعبية التي تكشف عنها نسبة المشاركة المتدنية”. وبعد أن وصف عملية التعديل بـ “الإسهال”، أكد يوسف بوستة أن “تغيير الوزراء صار مثل تغيير الملابس، ما يفقد عملية التصويت على البرنامج الحكومي ومنح التزكية من طرف البرلمان بغرفتيه، لذا فالأمر لا علاقة له بتجويد الأداء الوزاري أو معالجة الاختلالات القطاعات، وإنما تتحكم فيه اعتبارات شخصية واستمرار للحروب الدونكيشوتية التي تسبق كل مرة تشكيل الحكومة”.
وتابع بوستة نقده اللاذع بالقول، إن “هذا لا علاقة له ببرنامج الحكومة ولا بسياستها إن وجدت، بقدر ما هو تدافع وصراع على المناصب والحقائب، يترتب عنه توسيع قائمة الاستوزار لإرضاء الاتباع والمريدين، ما سيكلف الخزينة العامة للدولة مزيداً من الاعتمادات المالية والإنفاق بسخاء في الملبس والسكن والتأثيث والتجهيز للإقامة والوزارة، والتنقل والسفريات… وأخيراً تقاعد مريح”. وحسب المتحدث، فإنه “في كل تعديل حكومي تمارس سرقة اجتماعية ويتم مزيد من نهب وهدر للمال العام”.
من جهته، أشار عبد الحكيم قرمان، إلى أن المسألة منهجية في إطار التداول بشأن معنى ومغزى (التعديل الحكومي) من الناحيتين الدستورية والسياسية”، لذلك “فإن مباشرة إجراء أي تعديل حكومي، سواء كان جزئياً أو موسعاً، تقنياً أو سياسياً، فهو أمر وارد ومؤطر بموجب الدستور وفقاً لمسطرة قانونية ومقاربة سياسية موضوعية من حيث الاستجابة لحاجة مجتمعية ولضرورة تدبيرية للشأن العام (لتحقيق المصلحة الفضلى للدولة والمجتمع)”، وذلك “أكثر نسبة من الرضى والإنجاز والقدرة على حلحلة القضايا المطروحة وايجاد البدائل والحلول الناجعة لها”.
ووفق حديث المنسق الوطني للهيئة التأسيسية لحزب “البديل الاجتماعي الديمقراطي”، لـ “القدس العربي”، فإنه “من هذه الزاوية، يمكن القول إن معظم التجارب الحكومية التي شهدها المغرب خلال العقدين ونيف المنصرمين، عرفت حالات مختلفة من أنواع التعديلات التي طالتها”، ومن هذا المعنى “يمكن القول إن التعديل الحكومي الذي يتم الحديث عنه بالنسبة لحكومة عزيز أخنوش لا يشذ عن القاعدة”.
وكموقف للهيئة التأسيسية للحزب، عبّر قرمان عن اعتقاده “بأن إجراء تعديل حكومي في السياق الراهن، هو أمر ينتظره ويترقب شكله ومضمونه العديد من الفاعلين والمتتبعين لأسباب مختلفة، نذكر منها دقة المرحلة بالنظر للتأثيرات غير الايجابية، والأزمة البليغة للنهج الحكومي القائم في وفاء مكونات الحكومة بالتزاماتها ووعودها الانتخابية، وضعف التسيير وتدبير العديد من القطاعات الحكومية ومراكمة الاختلالات والمشاكل وضمور الجدية والمسؤولية، والنجاعة في ترقية تدبير الموارد البشرية وغياب الحوْكمة في تدبير الإمكانيات والموارد المالية من حيث العقلنة والترشيد وابتكار الحلول للمشاكل المطروحة بعدد من مؤسسات ومرافق وقطاعات الحكومة، ثم ضمور ثقة المواطنين في جدية ونهج ومبادرات الحكومة بأدائها غير المقنع وتناقض خطابها السياسي مع ممارستها التدبيرية الممتدة منذ تنصيبها (تردي الأوضاع الاجتماعية، غلاء المعيشة، وارتفاع كلفة القفة والحياة بالنسبة لملايين الاسر المغربية، وانهيار القدرة الشرائية وانحدار الطبقات الوسطى نحو الفقر، ما خلق وضعية اجتماعية جد صعبة، رافقتها ردة حقوقية واتساع مظاهر الفساد والريع وأفول العمل الحزبي والنقابي تبعاً لذلك”.
وخلاصة القول، بالنسبة لقرمان، فإن “المقصود بالأساس، ألا يكون التعديل تقنياً أو جزئياً أو سياسياً، بل يُستحبّ أن يأتي في المقام الأول كجواب عن تطلعات مجتمعية وبأفكار ومشاريع وحلول عملية للمشاكل العالقة والمطروحة قبل أي اعتبارات أخرى”.