بغداد ـ «القدس العربي»: شدد رجل الدين الشيعي البارز، علي السيستاني، أمس الأحد، على أهمية إجراء الانتخابات المبكّرة في العراق، والمشاركة الواسعة فيها، فيما حثّ الحكومة الاتحادية، برئاسة مصطفى الكاظمي، على أهمية كشف المتورطين بعمليات القتل والخطف التي طالت المتظاهرين والناشطين، مؤكداً في الوقت عينه على ضرورة إيقاف التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، وحفظّ سيادة البلد.
جاء ذلك خلال بيان صحافي أصدره مكتب السيستاني، عقب لقاء جمّع رجل الدين الشيعي بممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، في محلّ إقامته في محافظة النجف.
شروط ضرورية
السيستاني أشار إلى أن «الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في العام المقبل تحظى بأهمية بالغة، ويجب أن توفر لها الشروط الضرورية التي تضفي على نتائجها درجة عالية من المصداقية، ليتشجع المواطنون على المشاركة فيها بصورة واسعة. ولهذا الغرض، لا بد من أن تجرى وفق قانون عادل ومنصف بعيداً عن المصالح الخاصة لبعض الكتل والأطراف السياسية، كما لا بد من أن تراعى النزاهة والشفافية في مختلف مراحل إجرائها، ويتم الاشراف والرقابة عليها بصورة جادة بالتنسيق مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة».
ورأى أن «الانتخابات المبكرة ليست هدفاً بحد ذاتها، وإنما هي المسار السلمي الصحيح للخروج من المأزق الراهن الذي يعاني منه البلد نتيجة لتراكم أزماته سياسياً واقتصادياً وأمنياً وصحياً وخدمياً وغير ذلك» مؤكداً ضرورة أن «تتاح الفرصة للمواطنين أن يجددوا النظر في خياراتهم السياسية وينتخبوا، بكل حرية وبعيداً عن أي ضغط من هنا أو هناك، ممثليهم في مجلس النواب المقبل، ليكون مؤهلاً للعمل باتجاه حلّ المشاكل والأزمات».
ونوه السيستاني، وفقاً للبيان، أن «مزيداً من التأخير في إجراء الانتخابات أو إجراءها من دون توفير الشروط اللازمة لإنجاحها بحيث لا تكون نتائجها مقنعة لمعظم المواطنين، سيؤدي إلى تعميق مشاكل البلد والوصول، لا سمح الله، إلى وضع يهدد وحدته ومستقبل أبنائه، وستندم عليه جميع الأطراف المعنية الممسكة بزمام السلطة في الوقت الحاضر».
في زاوية ثانية، دعا رجل الدين الشيعي، الحكومة العراقية إلى «الاستمرار والمضي بحزم وقوة في الخطوات التي اتخذتها في سبيل تطبيق العدالة الاجتماعية، والسيطرة على المنافذ الحدودية، وتحسين أداء القوات الأمنية بحيث تتسم بدرجة عالية من الانضباط والمهنية، وفرض هيبة الدولة وسحب السلاح غير المرخص فيه، وعدم السماح بتقسيم مناطق من البلد الى مقاطعات تتحكم بها مجاميع معينة بقوة السلاح تحت عناوين مختلفة بعيداً عن تطبيق القوانين النافذة».
خطوات جادة
كما دعاها أيضاً إلى «اتخاذ خطوات جادة واستثنائية لمكافحة الفساد وفتح الملفات الكبرى بهذا الشأن حسب الإجراءات القانونية، بعيداً عن أي انتقائية، لينال كل فاسد جزاءه العادل وتسترجع منه حقوق الشعب مهما كان موقعه وأياً كان داعموه» مطالباً إياها بـ«العمل بكل جدية للكشف عن كل من مارسوا أعمالاً إجرامية من قتل أو جرح أو غير ذلك بحق المتظاهرين أو القوات الأمنية أو المواطنين الأبرياء، أو قاموا بالاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة، منذ بدء الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح في العام الماضي، ولا سيما الجهات التي قامت بأعمال الخطف أو تقف وراء عمليات الاغتيال الأخيرة».
ولفت إلى أن «إجراء العدالة بحق كل الذين اقترفوا الجرائم المذكورة سيبقى مطلباً ملحاً لا بد من أن يتحقق في يوم من الأيام، وهو الأسلوب الناجع في المنع من تكرارها والردع عن العود الى أمثالها».
بحث مع ممثلة الأمم المتحدة «بسط هيبة الدولة وكف السلاح المنفلت وفتح ملفات الفساد»
كذلك، عدّ السيستاني أن «الحفاظ على السيادة الوطنية ومنع خرقها وانتهاكها والوقوف بوجه التدخلات الخارجية في شؤون البلد وإبعاد مخاطر التجزئة والتقسيم عنه مسؤولية الجميع، وهو يتطلب موقفاً وطنياً موحداً تجاه عدة قضايا شائكة تمسّ المصالح العليا للعراقيين حاضراً ومستقبلاً، ولا يمكن التوصل إليه في ظل تضارب الأهواء والانسياق وراء المصالح الشخصية أو الحزبية أو المناطقية، فالمطلوب من مختلف الأطراف الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية وعدم التفريط لأي ذريعة بسيادة البلد واستقراره واستقلال قراره السياسي».
وعقب انتهاء اللقاء عقدت بلاسخارت، مؤتمراً صحافياً بالقرب من منزله.
وقالت: «تحدثت مع السيد السيستاني في ثلاثة أمور منها إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بقانون منصف وعادل لجميع الأطراف، وبسط هيبة الدولة وكف السلاح المنفلت، وفتح ملفات الفساد الكبيرة في البلد لمحاسبة الفاسدين».
وأضافت: «أكدنا على حفظ سيادة البلد وعدم السماح بالتدخلات الخارجية وفرض هيبة الدولة في هذا الشأن».
وبيَنت أنه «يدعو الحكومة لفتح ملفات الفساد ومحاسبة المتسببين بها، كما دعا إلى إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، مع دعوة الدولة إلى فرض هيبتها وسحب السلاح غير المرخص والسيطرة على المنافذ الحدودية والمحافظة على سيادة البلد وعدم التدخل في شؤونه».
وأوضحت، أن «المرجع السيستاني يشجع المواطنين على الاشتراك في الانتخابات بصورة واسعة» محذرة بالقول: «إذا لم تجر الانتخابات في هذه الشروط فالبلد قد ينزلق إلى منحدرات خطيرة».
ولفتت إلى أن «المرجع السيستاني دعا الحكومة لتحسين أداء القوات الأمنية وكشف من مارس أعمالا إجرامية كالقتل والاغتيال».
ولم تُعلن القوى السياسية العراقية عن «موقفٍ محدد» بشأن موعد إجراء الانتخابات التشريعية، إذ تنقسم المواقف بين مؤيدٍ ورافض، الأمر الذي انعكس سلباً على استكمال اللوائح الخاصة بقانون الانتخابات التشريعية، ونظام تحديد الدوائر الانتخابية.
«الجبهة العراقية للحوار الوطني» حذّرت من مغبة عزوف المشاركة في الانتخابات المقبلة، عازية السبب في ذلك إلى إصرار الكتل وتمسكها بقانون على مقاساتها لتحقيق مصالحها. ووفقاً لبيان أصدرته الجبهة أمس الأحد، فإن «في الوقت الذي تنشغل فيه الكتل السياسية في حوارات للاتفاق على قانون الانتخابات، نرى لزاما علينا تذكير الجميع أن المحاولات التي تجري لرسم الدوائر الانتخابية على وفق أهواء بعض الجهات السياسية واغفال الإرادة الشعبية التي تريد قانون انتخابات منصفا سوف تؤدي في النهاية الى عزوف الناخبين وبالتالي نهاية أي نسبة من الثقة في العملية الديمقراطية والذهاب بمستقبل البلد الى المجهول».
وأضافت: «أنطلاقا من الحرص على مستقبل البلد، نقول للجميع أننا يجب أن نضع المصلحة العامة فوق المصالح الحزبية لأن ضياع مستقبل البلد معناه ضياع الجميع».
وأكد البيان، على ضرورة التذكير أن «إقرار قانون الانتخابات سيكون منعطفا مهما في تاريخ العراق، فإما قانون يضمن انتخابات نزيهة خالية من التزوير ومن تأثيرات السلاح المنفلت والمال السياسي ويأتي بمن يستحق، وأما المزيد من التراجع في العملية السياسية والمغامرة بمستقبل البلد».