السيسي: «ربنا هيسـألني عملت كده ليه وسبتهم كده ليه»… والحكومة تلجأ للمسكنات في التعامل مع الأزمة الاقتصادية

حسام عبد البصير
حجم الخط
1

القاهرة ـ «القدس العربي»: تأبى فلسطين إلا أن تقدم للسماء كل فسحة من وقت شهيدا لتؤكد حقها في الحرية، يرسل الفلسطينيون أبناءهم للشهادة عن طيب خاطر بلا دموع ولا ندم ليثبتوا للعالم أنهم جديرون بأن ينتزعوا وطنهم من بين أنياب أحقر سلطة احتلال عرفها الإنسان.. يكبر الفلسطينيون في اليوم ألف مرة ويهرم العرب في قصورهم منشغلين بخوض معاركهم متناهية الصغر، ومشاريعهم الوهمية.
حتى ظهيرة أمس وبعد أن ارتقت روح الشهيدة شيرين ابو عقلة للسماء، لم يصدر عن أي من قصور الحكم في عالمنا العربي مترامي الأطراف شيء ذو قيمة، حتى عبارت الشجب والإدانة باتت شحيحة وتصدر مغلفة بالحياء والعين المكسورة من الحكومة الإسرائيلية التي أمست تعيش وشعبها عصر السيادة المطلقة، فها هي مشاريع التطبيع تنطلق من عاصمة لأخرى وها هم شذاذ الآفاق وورثة قتلة الأنبياء والأطفال والنساء، يسيحون في العواصم العربية وسط ترحيب رسمي متواصل.. على المستوى الشعبي أثبت الرحيل المؤلم لـ”عين الحقيقة” شيرين أبو عقلة أن القضية حية في ذاكرة الجماهير مهما سعت الأنظمة المستقوية على شعوبها أن تدفنها.. كما كان حضور شيرين على الدوام كاشفا لجرائم الاحتلال، جاءت لحظة رحيلها فاضحة للمطبعين والمنافقين، فها هو نائب رئيس شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان يضرب أشد الأمثلة خسة في التماهي مع المشروع الإسرائيلي، متقمصا شخصية فرد أمن على بوابة تل أبيب وليس عن دبي، ذهب خلفان أمس أبعد مما يتوقعه منه مسؤولو جهاز الموساد، حينما سخر من الشهيدة والشعب الذي تنتمي إليه قائلا عبر “تويتر”: “بكرة بيقولون شيرين أبو عاقلة على قيد الحياة”، متبعا حديثه بـ”إيموشن” ساخر.
وفي صحف أمس الأربعاء 11 مايو/أيار تبوأت المشهد الإعلامي صور الشهيدة الإعلامية شيرين أبو عقلة، ومن جانبه أكد السفير مهند العكلوك، المندوب المناوب لفلسطين لدى جامعة الدول العربية، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمد تصفية وقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة. وأضاف أن الشهيدة تم استهدافها بشكل مباشر.. وأدانت رابطة الشؤون العربية والافريقية في نقابة الصحافيين الاعتداء ونعت للجماعة الصحافية، شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة “الجزيرة”، مؤكدة أن «هذا الحادث الجبان لن يخرس الصوت الصحافي العربي والفلسطينا وصوت الحقيقة في تعرية وجه الاحتلال الإسرائيلي القبيح وقمعه وعدوانه البربري ضد الشعب الفلسطيني الشقيق». كما نعى الفقيدة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
ومن أخبار القصر الرئاسي: دعا الرئيس السيسي، إلى إطلاق حوار مجتمعي بشأن قضايا الأحوال الشخصية. وطالب الرئيس السيسي المستشار عبد الله الباجا رئيس محكمة قائمة الأسرة السابق، بإعداد قائمة بأسماء قضاة سواء موجودين على المنصة أو غادروها لديهم خبرات كبيرة في هذا الملف. وقال السيسي، إنه يتعامل مع قضية الأحوال الشخصية من منطلق المسؤولية وليس مجرد الاهتمام وتابع: «أنا هتحاسب عن كل موضوع، (ربنا) هيقولي إنت عملت إيه وسبتهم كده ليه وضيعتهم ليه ولماذا لم تتدخل». وتابع: “أنا مسؤول أمام الله عن كل بيت وربنا يعيني على كده»… ومن التقارير التي اهتمت بها الصحف: أنذرت وزارة التموين والتجارة الداخلية أصحاب الدخل المرتفع من المستفيدين بالبطاقات التموينية، الذين ظهرت لهم رسالة تحذيرية عبر بون صرف الخبز المدعم، بضرورة التوجه إلى مكتب التموين، لتقديم ما يثبت الدخل الشهري.

لأنها فلسطينية

البداية مع المؤسسة الدينية التي خيم عليها حزن عميق على الشهيدة المناضلة: أدان الأزهر الشَّريف بشدة اغتيال الكيان الصهيوني الإرهابي للزميلة الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، بالرصاص الحي صباح يوم الأربعاء، أثناء قيامها بعملها ومهمتها الصَّحافية في نقل جرائم هذا الكيان في مدينة جنين شمال الضفة الغربية. ويؤكد الأزهركما ورد ذلك في معظم الصحف المصرية ومنها “الوطن” و”اليوم السابع” أن هذه الجريمة بحق الصحافة والصحافيين تبرهن بقوة أمام العالم بشاعة هذا الكيان الغاشم وما يقوم به من إرهابٍ وجرائمَ حتى بحق صحافية لم تحمل سلاحا ولم تقتل ولم تضرب ولم تكن جريمتها إلا أنَّها فلسطينية وأنَّها صحافية تنقل الصورة والحدث وتوصل صوت المظلومين والمضطهدين في أرضهم إلى العالم، وبسبب هذا تواجه الخوف والموت طَوال الوقت. والأزهر الشريف إذ ينعى الصحافية الراحلة التي كانت صوتا مسموعا للحقيقة؛ فإنه يتقدم بخالص التعازي إلى الشعب الفلسطيني وإلى أسرتها وزملائها، ويطالب المجتمع الدولي والمنظمات المعنية أن تضطلع بدورها في التحقيق في هذه الجريمة التي تُرتكب في حق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية ومحاكمة القتلة، والعمل الجاد على وقف إرهاب الكيان الصهيوني ومحاولات طمسه للحقائق بقتل واستهداف الصحافيين والإعلاميين.

نصر موعود

نبقى مع النضال الفلسطيني بصحبة جلال عارف في “الأخبار”: التصعيد الإسرائيلي في القدس العربية مستمر. انتهاكات المتطرفين للمقدسات الإسلامية والمسيحية يتصاعد بحماية الجيش الإسرائيلي هشاشة وضع الحكومة يجعلها تمضي في التصعيد لاسترضاء أنصارها من المتشددين. ورغم كل التحذيرات من انفجار الموقف، ما زال الصمت الدولي هو السائد.. والنتيجة أن يمضي التصعيد الإسرائيلي في طريقه وأن يتجاوز رئيس الحكومة الإسرائيلية خطوطا حمرا كثيرة ويعلن أن كل القرارات المتعلقة بالمسجد الأقصى ومدينة القدس سيتم اتخاذها من قبل إسرائيل وحدها، في انقلاب كامل على كل القرارات الدولية التي توكد أن القدس العربية هي أرض محتلة، وفي انتهاك كامل لكل الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل وتعهدت فيها باحترام الوضع التاريخى للمدينة المقدسة التي عاشت في أمان على مدى قرون كانت فيها عروبتها سياجا يحمي المقدسات ويوفر حرية العبادة للجميع. تصريح رئيس حكومة إسرائيل المتهاوية يعني أيضا نسف الوضع الذي تم الاتفاق عليه، والذي أعطى الأردن الشقيق حق الوصاية وإدارة الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس العربية المحتلة حتى تتحرر المدينة المقدسة من أسر الاحتلال الصهيوني. ومعه سوف تنسف معاهدة «وادي عربة» بين الأردن وإسرائيل، ولن يكون هناك مجال للحديث عن اتفاقيات أوسلو بعد ثلاثين عاما من محاولات إبقائها على قيد الحياة رغم كل جهود الإرهاب الإسرائيلي التي لم تتوقف لاغتياله ولقتل أي فرصة تلوح لتحقيق السلام. الجهود تتواصل لمنع انفجار لا يعلم إلا الله كيف ستكون عواقبه. الأطراف العربية الأساسية «فلسطين والأردن ومصر» تتحرك في كل الاتجاهات. لا بديل عن تراجع إسرائيلي، ولا سبب يبرر الصمت الدولي على جرائم إسرائيل التي لا تتوقف. الرئيس الأمريكي يستقبل ملك الأردن ويستعد لزيارة المنطقة. مسؤولية أمريكا ـ لأسباب عديدة ـ أكبر من غيرها. فلسطين طلبت ـ للمرة الألف ـ حماية دولية لشعبها من إرهاب إسرائيل، وحماية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس التي كانت وستظل عربية. الأيام المقبلة حاسمة، وللقدس ـ رغم الإرهاب الصهيوني والصمت الدولي ـ سلام آتٍ ونصر موعود.

عادت في صندوق

غير بعيد عن مآسي الأثرياء أفرط محمد أمين في “المصري اليوم” في رثاء ضحية الإهمال في إحدى مستشفيات الاستثمارية: تألمنا كثيرا لما حدث لزوجة شابة ذهبت على قدميها لمستشفى استثمارى فعادت في صندوق.. هذه قصة خطأ طبي تعكس حالة الإهمال القاتل في مصر.. شابة ذهبت لتجري أشعة لعينيها فعادت في صندوق.. ذهبت على قدميها وليس عندها أي شيء فعادت جثة هامدة. بمعنى أنها لم تكن تجري جراحة في القلب ولا الكبد ولا الكلى، ولكن فحص العين.. ليس في مستشفى حكومي ولا في وحدة صحية، ولكن في مستشفى استثمارى.. المصيبة أنه لم يتم عمل اختبار حساسية لها، وهو أبسط شيء يُقدم لمريض في أي مستشفى قبل أن يأخذ حقنة من أي نوع. للأسف، اعتدنا حالات الخطأ الطبي والتبريرات التي تحدث في كل مرة.. لذلك أقول ليست هذه آخر حالة إهمال في مصر، ولكن سيحدث إهمال طالما أفلت المهملون من العقاب في كل مرة. والأخطاء الطبية الشائعة في مصر وغيرها بعضها يتعلق بالتشخيص الخطأ أو التشخيص المتأخر أو استخدام دواء خطأ أو خطأ في التخدير، أو خطأ في استخدام حقنة تتعلق بالحساسية كما في حالة مارينا، أو أخطاء تتعلق باستخدام أدوية طبية خطأ أو جراحة بطريقة خطأ.. وكلها أخطاء حدثت وتحدث في مصر، وتعرفها نقابة الأطباء.
سينجوا الجناة

تساءل محمد أمين: ماذا تقول نقابة الأطباء عن حالة مارينا صلاح؟ هل تدافع عن أعضائها كما يحدث في كل مرة، أم تقوم بإجراء حقيقي شفاف يدافع عن حق المريض أيضا؟ وبالمناسبة ماذا تم حتى الآن في وفاة الإعلامي وائل الإبراشي؟ هل ما زالت التحقيقات جارية كل هذا الوقت، أم أن النية انعقدت على عدم الاهتمام، وهو ما يجعل حالات الإهمال الطبي تفوض أمرها لله وتسكت؟ إن حادثة مارينا صلاح ينبغي ألا تمر كما مرت حوادث أخرى قبلها.. فليست حالة التهاب رئوي أو حالة هبوط في القلب، وإنما هي حالة فحص للعين.. وحتى لو كانت مصابة بالعمى فيجب ألا تصل إلى حد الموت. لم أتخيل الأرقام المتداولة عن الأخطاء الطبية في مصر سنويا.. تشير الأرقام إلى أنها 180 ألف خطأ طبي سنويا.. وهذا الإحصاء معلوم لدى لجنة الصحة في البرلمان.. وكانت كفيلة بأن تقوم الدنيا ولا تقعد.. ولكن هل هناك حالة تواطؤ مع نقابة الأطباء؟ فقد قامت قيامة وسائل التواصل في حادثة وائل الإبراشي، ثم تبين أن من يتحمل أكثر يعبر الأزمة.. وانتهت القصة إلى لا شيء حتى الآن.. فتكررت حادثة مارينا ولم يحدث الردع اللازم في المجال الطبي لحماية المصريين من الإهمال القاتل. لا بد أن تقوم نقابة الأطباء بدورها في واقعة مارينا، ولا بد أن تقوم كل الأجهزة والمؤسسات بدورها لوقف وقائع الإهمال، ولا يقتصر الأمر على النيابة وحدها وإنما دور البرلمان في هذه الأحداث مهم جدا. وأعلم أن البرلمان تحرك في الواقعة بطلبات إحاطة وبيان عاجل. باختصار، لا بد من الضرب بيد من حديد على الإهمال حتى لا تتكرر حادثة مارينا.. فهل يُعقل أن تذهب مريضة إلى مستشفى استثمارى للعيون لإجراء أشعة فتعود في صندوق؟

للأسف عجزة

بدا الدكتور أحمد النجار في “المشهد” رافضا للمسكنات التي تلجأ لها السلطات في التعامل مع النكبة الاقتصادية التي ألمت بنا: تبدو ردود الأفعال على رفع سعر الفائدة على الدولار بمقدار نصف نقطة مئوية لتصل إلى 1% مبالغا فيها للغاية. وهناك توقعات تشير إلى أن البنك المركزي المصري يمكن أن يخفض سعر صرف الجنيه المصري مجددا. ولو حدث ذلك فإنه سيكون إجراء غير منطقي، بل إن التخفيض الأخير بنسبة 15% لم يكن منطقيا وساهم في الارتفاع الكبير الحادث حاليا في معدل التضخم. وللعلم فإن سعر تعادل القوى الشرائية بين الدولار والجنيه المصري هو دولار واحد = 4.65 جنيه حاليا وفقا لقاعدة بيانات تقرير صندوق النقد الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في إبريل/نيسان 2022 يعني كفاية تخفيض لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، لأنه بالغ التدني عن قيمته الحقيقية أصلا، ولأن أي تخفيض يتبعه ارتفاع في أسعار السلع المستوردة والسلع المحلية التي تستخدم مكونات مستوردة، ثم كل السلع والخدمات، بما يخفض القدرة الشرائية للأجور ويخفض الدخول الحقيقية للفقراء والطبقة الوسطى، ويدفع بشرائح جديدة لهوة الفقر، وأعتقد أن الحكمة وضرورات الاستقرار السياسي تقتضي تفادي المزيد من الإفقار للفقراء والطبقة الوسطى. صحيح أن أي تخفيض لسعر صرف الجنيه وما يعقبه من موجة تضخمية يؤدي إلى تقليل نسبة الديون المحلية إلى الناتج المحلي الإجمالي بعد الزيادة الكبيرة التي تحدث للأخير بالأسعار الجارية لأسباب تضخمية وليس نتيجة زيادة الإنتاج كميا، إلا أن هذا الانخفاض في نسبة الديون للناتج هو نتيجة لعبة نقدية – مالية وليس نتيجة كفاءة، ويمكن استخدامه في الدعاية الإيجابية للحكومة، لكن ينبغي للحكومة أن لا تخدع نفسها وتتصور أنها قامت بإنجاز لأنه غير حقيقي.

كفاية تخفيض

المبرر الدائم الخاص بأن تخفيض سعر صرف الجنيه سيؤدي وفق رأي الدكتور أحمد النجار لتقليص الواردات التي يرتفع سعرها بالعملة المحلية، وتنشيط الصادرات التي ينخفض سعرها بالعملات الأجنبية، بما يؤدي في النهاية إلى تحسين الميزان التجاري كهدف أعلى، فإنه مجرد وهم في الظروف المصرية ولننظر لنتائج التخفيض الكبير لسعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث تشير البيانات إلى أن العجز في تجارة السلع غير البترولية بلغ -35.1 مليار دولار عام 2015/2016 أي قبل تخفيض سعر الصرف، وانخفض إلى – 31.9 مليار دولار عام 2016/2017 نتيجة جمود الأعمال وتباطؤ الاقتصاد بعد تخفيض سعر الصرف وارتفاع معدل التضخم. وارتفع إلى 33.6 مليار دولار عام 2017/2018 وسجل نحو 38 مليار دولار عام 2018/2019، وتراجع في ذروة وباء كورونا إلى 36 مليار دولار عام 2019/2020، ثم ارتفع بقوة إلى 42.1 مليار دولار عام 2020/2021. وكما هو واضح فإن التخفيض لم يحقق المستهدف منه على صعيد التجارة السلعية لأننا ببساطة ليست لدينا قاعدة إنتاجية قادرة على التوسع في التصدير بالاستفادة من تخفيض سعر الصرف، خاصة في ظل تركيز الاستثمارات العامة على البنية الأساسية، وضآلة الاستثمارات الخاصة المحلية بسبب المخاوف من المخاطر غير الاقتصادية على غرار ما يحدث مع مالك رئيسي من ملاك شركة جهينة وغيرها، وبسبب التوسع في الإسناد المباشر، وعدم عدالة بيئة الأعمال في الاقتصاد المدني في ظل قانون الضرائب الذي صدر في عهد مبارك، والذي أعده وزيرا ماليته واستثماره آنذاك، والذي يعفي شركات جهاز الخدمة الوطنية من الضرائب في نشاطاتها الاقتصادية المدنية بما يمكنها من الفوز في أي مناقصة تدخل فيها في النشاط الاقتصادي المدني حتى في حالة عدم إسناد الأعمال إليها بصورة مباشرة، أي أن القطاع الخاص في كل أحجامه ليس لديه أمل في هذا الوضع، وأقصى ما يمكنه الحصول عليه هو عقود العمل كمقاول من الباطن.

حلول مؤلمة

أحد الحلول الأساسية للازمة القاسية التي تحيط بنا وفق رأي عماد الدين حسين في “الشروق” رفع سعر الفائدة حتى تقنع المواطنين الحائزين للنقود بوضعها في البنوك مقابل سعر فائدة مرتفع، وبالتالي تقل النقود ويحدث التوازن مرة أخرى، وينخفض التضخم. لكن بطبيعة الحال فإن التضخم يعني أيضا من زاوية أخرى «وجود نقود لكن مع عدم وجود سلع» وبالتالي فالحل السحري لكل المعضلات والمشكلات والأزمات الاقتصادية خصوصا التضخم، هو زيادة الإنتاج خصوصا الزراعي والصناعي وبالتالي زيادة الصادرات، ما يعني بداهة وجود استثمارات محلية وأجنبية، تقود بدورها إلى توافر وزيادة ما تمتلكه أي دولة من العملات الصعبة، التي تعود بدورها إلى التوسع أكثر في الاستثمار، وخير نموذج على ذلك هو التجربة الصينية وبعض التجارب الآسيوية في العشرين عاما الماضية. السؤال الذي يسأله كثيرون، لماذا تضطر غالبية الدول إلى رفع أسعار الفائدة بمجرد أن تفعل أمريكا ذلك؟ وربما يكون السؤال الأساسي والأول هو: ولماذا لجأت أمريكا من البداية إلى رفع سعر الفائدة في الأسبوع الماضي للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، وتنوي رفعها ثماني مرات خلال ثلاث سنوات لتصل إلى 3% أو أكثر؟ السبب ببساطة أن أمريكا تشهد تضخما هو الأعلى منذ أربعين عاما، وهو تضخم يضرب العالم كله تقريبا بنسب مختلفة. هذا التضخم له أسباب كثيرة داخلية وخارجية لكل بلد، لكن هناك سببان أساسيان يشترك فيهما كل العالم تقريبا. في أوائل عام 2020 ضربت كورونا العالم كله، فأصابته بحالة من الشلل، وتوقفت قطاعات اقتصادية كثيرة عن العمل بسبب الإغلاقات المتكررة، ولذلك اضطرت الدول الغنية إلى توزيع إعانات للفقراء والعاطلين، أو حزم لتحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة، بسبب ذلك صارت هناك نقود كثيرة في أيدي الناس، لكن من دون وجود إنتاج في الأسواق.

سنتجرع السم

حينما بدأت تأثيرات كورونا تقل إلى حد كبير، اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، وتعطلت سلاسل الإمدادات أكثر وزادت أسعار العديد من السلع خصوصا الحبوب، وكذلك ارتفعت أسعار البترول إلى مستويات شبه قياسية، ناهيك من عودة كورونا مرة أخرى إلى الصين المنتج والمصدر الأكبر في العالم. هذه العوامل الرئيسية من وجهة عماد الدين حسين مع عوامل مختلفة في كل دولة على حدة قادت إلى مستويات مرتفعة من التضخم أي أموال كثيرة مع إنتاج أقل. فماذا تفعل الدول في هذه الحالة؟ الحل الأسهل والمجرب والتقليدي هو رفع أسعار الفائدة كي يتم إغراء الناس بإيداع أموالهم في البنوك للحصول على نسبة فائدة مرتفعة، بدلا من وجودها في أيديهم، وهكذا يحدث التوازن في السوق مرة أخرى. سعر الفائدة في أمريكا نحو 1% وهو المستوى نفسه في غالبية البنوك الأوروبية، ولهذا السبب فإن كبار المغامرين وصناديق الاستثمار والتقاعد تحصل على قروض دولارية بسعر فائدة مخفض من أمريكا وأوروبا وتقرضه لبنوك الأسواق الناشئة مثل تركيا وجنوب افريقيا والأرجنتين ومصر وغيرها من الدول، وتغير الدولار إلى العملات الوطنية لهذه الدول وتضعها كودائع لمدد قصيرة من ثلاثة شهور إلى عام، لكي تحصل على سعر الفائدة المرتفع الذي يصل إلى 20% أحيانا، وبعد نهاية المدة تحصل على العائد المرتفع، ثم تحصل على دولاراتها المضاعفة وتخرج من هذه السوق، وهذه الظاهرة يطلق عليها «الأموال الساخنة»، وهي أحد المصادر الأساسية لتوفير العملات الصعبة للأسواق الناشئة، في ظل ضعف الاستثمار المباشر وتراجع الصادرات.

البحث عن حل

إذا ما سلمنا بما ذهب له مرسي عطا الله في “الأهرام” من أن العالم يواجه الآن أزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب الإفرازات السلبية لوباء كورونا قبل أن تبدأ التداعيات المرعبة للأزمة الأوكرانية، فإن النتيجة التي تترتب على ذلك حتميا هي موجة عاتية جديدة من غلاء الأسعار وزيادة التضخم وبطء معدلات التنمية في معظم دول العالم، وضمنها بلدنا الحبيب مصر. إذا ما سلمنا بذلك ولا مفر من التسليم به، فنحن أمام استحقاق سياسي واقتصادي واجتماعي غير مسبوق، يستوجب رؤية مستنيرة وشاملة تستند إلى حسن تصوير الواقع وتوضيح الحقيقة أمام الناس، ليس من خلال التلقين العلوي، وإنما من خلال النقاش الحر الذي أتصور أنه أحد أهم أهداف ومقاصد الدعوة الرئاسية الكريمة للبدء في حوار سياسي ومجتمعي شامل. تابع الكاتب: ربما يكون ضروريا القول إن الطريق نحو العبور الآمن للأزمة الاقتصادية ليس طريقا سهلا وممهدا، وإنما هو طريق تكتنفه المصاعب والتحديات، ومن ثم فإن السير عليه بأفضل درجات الأمان لا يحتاج فقط إلى تدفقات استثمارية هائلة، وإنما يحتاج في المقام الأول إلى خبرات متقدمة وإلى تخطيط علمى يستند إلى تغيير شامل في كثير من المفاهيم التي فرضتها ظروف وأوضاع ما قبل جائحة كورونا، وأزمة أوكرانيا، وبما يسمح مجددا بأوسع مساحة ممكنة لاستحداث تشريعات جديدة بالتوازي مع صلاحيات أوسع لسلطات الرقابة. وأتصور ـ دون أن أخفي ثقتي الكاملة في قدرة شعبنا على تجاوز الأزمة الراهنة بمثل فعلنا في مواجهة أزمات سابقة ـ أنه ومهما تكن صعوبة الظروف العالمية التي نعيش فيها فإن حاجتنا إلى التنمية ورفع معدلات الإنتاج الزراعي والصناعي يجب أن تحتل أولوية مطلقة في برنامج العمل الوطني للمرحلة المقبلة بحيث يصبح النصيب الأكبر من التدفقات الاستثمارية المتاحة بما فيها القروض الأجنبية مخصصا للزراعة والصناعة، وبما يسمح بإعادة تجديد الرهان على إمكانية الارتفاع بالناتج القومي لتلبية حصتنا في اقتحام أسواق التصدير العالمية بالتوازي مع أكبر نسبة ممكنة من الاكتفاء الذاتي في قطاعي الحبوب وزيوت الطعام على سبيل المثال.

ازيلوا الأسباب

حمل الهجوم الإرهابي الأخير على إحدى محطات رفع المياه في غرب سيناء جملة من الدلالات المهمة سعى لفك طلاسمها الدكتور يسري عبدالله في “الأهرام”: تأتي العملية الإرهابية بعد أن شهدت تقارير دولية للدولة المصرية بقدرتها على تحقيق الاستقرار في جميع ربوع الوطن من أقصاه إلى أقصاه، وعقب حالة من التنمية المجتمعية في سيناء بلغت 300 مليار جنيه، وبدت البوصلة المصرية تتجه إلى غايتها الرشيدة، حيث مواجهة الإرهاب عبر التنمية بكل مشتملاتها، وفق عناصر القوة الشاملة التي تجمع بين الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، في بنية متجانسة، وقد قطعت مصر شوطا كبيرا في هذا المسار، فكان من نتائجه إيجاد فضاءات عمرانية جديدة، قادرة على اجتذاب ملايين المصريين، فضلا عن إعادة الاعتبار للبعد السياحي الهائل لسيناء، واستزراع مساحات كبيرة من الأراضي فيها لتوفير الغذاء، وقد أثبتت الأيام والظروف الدولية المعقدة مدى الحاجة إلى هذا التصور المستقبلي للتنمية التي تخطو الآن بخطوات واثقة. إن استهداف التنمية هو استهداف للأمل ذاته، وهذا ما لن يتحقق أبدا إلا في ظل حالة التلاحم الوطني الحادثة الآن، وتآزر جماهير الشعب المصري في الدفاع عن مكتسبات الدولة المصرية وحقها الأصيل في التنمية، ومن قبل ومن بعد في ظل الإرادة الوطنية التي يملكها القلب الصلب للدولة المصرية، تلك الإرادة التي لن تفتر ولن تلين. إن تفكيك بنية الجماعات الإرهابية عبر الضربات الأمنية والعسكرية الهائلة التي شهدت استبسالا نادرا، وعزيمة تليق بخير أجناد الأرض، يجب أن يتوازى معه تفكيك معرفي لذهنية الجماعات الإرهابية، وتعرية للعوار الأيديولوجى الذي تنطلق منه، بدءا من ذهنية الإطلاق التي تعتمد على وهم الاعتقاد في امتلاك الحقيقة المطلقة، ومرورا بذهنية القتل التي تعتمد على إشاعة مناخات من الترويع. إن سيكولوجية الإرهاب تعتمد على عنصري الابتزاز والتخويف، وبحكم طبيعة هذه التنظيمات المغلقة فإنها تعتمد على استثمار المقدس، من جهة، ومحاولة الإيهام بالتأثير من جهة ثانية، وهي في سبيل ذلك كله تستخدم أدوات متعددة، من أبرزها الآن توظيف الوسائط التكنولوجية الجديدة لإيجاد مناخات غاضبة باستمرار، وانتقادية دائما، لا تتسم بأدنى درجات الموضوعية، أو النقد الخلاق، وفى هذا السياق فإن ثمة ملاحظات أساسية يجب الإشارة إليها، وتتمثل بعض هذه الملاحظات في استمرار حالة فقدان البصيرة لدى بعض المغيبين من أنصار الجماعات المتطرفة بجميع أطيافها، وهؤلاء تكفيريون لا يختلفون عن الإرهابيين في شيء، وبعضهم يحول دفة الحوار إلى انتقاد للدولة ذاتها، ويشير إشارات خبيثة وماكرة، مكر أهل الشر، إلى مسؤوليتها، وهذا النمط أكثر خطورة؛ لأنه يتوارى خلف مقولات عمومية، وصيغ مراوغة، وهراء فارغ، من قبيل انتقاد البعض للجيش المصري العظيم، في محاولة للنيل من عزيمته، ويشترك هؤلاء جميعا في تدعيم الإرهاب بشكل أو بآخر. وأكد الكاتب أنه من العار حقا، ومن المخزي بالفعل، أن نجد خطابات نظرية تناصر التطرف، قولا أو فعلا، وإنه لا شك عندي في أن أصحاب هذه الخطابات ليسوا أكثر من متثاقفي التقية، أولئك الذين يرون العالم من منظورهم الانتهازى الضيق، قادمون من خطابات بالية، وارتباطات مشبوهة؛ وللأسف فقد وجد بعضهم في بعض المنابر المدنية متسعا له، بل نجد بعض من يقدمون أنفسهم بوصفهم تقدميين يقدمون خطابات مائعة، تصب في النهاية لمصلحة المتطرفين.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه

نعود لأزمة الذهب بصحبة إسلام سعيد في “اليوم السابع”: الجميع تابع على مدار الأيام الماضية ما حدث في سوق الذهب من تطورات متسارعة في الأسعار، بزيادات سعرية تاريخية، وهنا لن أتطرق إلى مناقشة أسباب ارتفاع الذهب أو حتى مستقبل أسعار المعدن النفيس في السوق المصري، أو البورصة العالمية، ولكن سأذهب إلى نقطة أبعد من توقعات القارئ العادي وهي مستقبل صناعة الذهب في مصر، وقد تتساءل هنا ما علاقتي كمستهلك بصناعة الذهب؟ وهل تأثرت صناعة الذهب بما يحدث الآن؟ المفاجأة الكبرى أن مصانع الذهب التي توظف آلاف البشر من أكبر الخاسرين من ارتفاع الأسعار، وكذلك عزوف المستهلك عن شراء المشغولات الذهبية، حيث تعتمد المصانع في توفير مصاريف التشغيل وتوفير الرواتب على بيع المشغولات الذهبية المتعارف عليها للتجار، ومع زيادة الأسعار واتجاه المستهلك نحو شراء السبائك، بدأت المبيعات في تسجيل تراجعات كبيرة، ما ينذر بضرر كبير لصناعة الذهب. الأمر هنا مرتبط بمدى قدرات المصانع على الاستمرار في ظل الظروف الحالية، فصناعة الذهب من الصناعات كثيفة العمالة، وحدوث أي تراجع في حركة مبيعات المشغولات يؤثر وبقوة في هذه الصناعة، الأمر الذي يضع على عاتقنا البحث عن مخرج، فالمستهلك يتجه لشراء السبائك، وهذا يعني شراء ذهب خام، والمصانع تنتج المشغولات التقليدية إذا لجأت إلى إنتاج السبائك فقط والاعتماد على إنتاج السبائك والجنيهات، فهذا يعني أنها ستقوم بتسريح العمالة، لأنها لن تتمكن من توفير مصاريف التشغيل، لأن إنتاج السبائك غير مُجد للصناعة. الدولة المصرية تتجه بقوة لإحياء صناعة الذهب ودعمها بكل الوسائل عبر تدشين مدينة الذهب قرب العاصمة الإدارية، لكن الظروف الحالية تحتم علينا إيجاد حلول غير تقليدية للوضع القائم، فبعض المصانع اتجه إلى إنتاج السبائك، التي لا تفي بمصروفات التشغيل ومصانع أخرى تتمسك بإنتاج المشغولات، رغم المبيعات الصفرية للمشغولات الذهبية على مدار أكثر من شهر، وذلك للحفاظ على العمالة المدربة والنادر تعويضها في هذا القطاع. بالورقة والقلم لا نملك حلولا سحرية للأزمة الحالية، فالموقف يرتبط بقدرات المصانع على الصمود في ظل المبيعات الصفرية للمشغولات، أو إيجاد طرق جديدة لإحياء النزعة الشرائية للمشغولات الذهبية وإحياء المقولة الأشهر “الذهب زينة وخزينة” لأن ذلك يضمن استمرار عمل المصانع واستمرار حصول آلاف الموظفين والعمال على رواتبهم.

الأزهر يقظ

نتوجه نحو المؤسسة الدينية بصحبة خالد حسن في “الوفد”: عندما يعلن الأزهر عن وجود الخطر فهو يعلم ويعي جيدا ما يقول وهو ما يدفعنا إلى الوقوف صفا واحدا لصد هذا الخطر.. وهنا لا نغفل ما تقوم به مؤسسات عالمية ذات قدرات ضخمة في محاولات السيطرة على شعوب العالم، خاصة العالم الثالث وهي «الماسونية العالمية» تلك المنظمة التي تعمل في الخفاء وتحمل إمكانيات جبارة لنشر معتقداتها الفكرية الكفرية، وهي لا تغفل تماما عن تلك المنطقة العربية، التي أصبحت هدفا لترويج تلك الأفكار، وهنا لا نتحدث عن أجانب أو جنسيات فهى تستطيع اختراق من هم من جلدتنا فلا نشعر بالغربة، أو أنك تتعامل مع أجنبي ربما تتخوف منه أو تكون على حذر في التعامل معه.. الأزهر عندما يتناول دون الإفصاح عن مسميات أو هويات، ولكن الأمر أصبح معروفا لدى الجميع، وتلك المؤسسة السرية المريبة، التي تعمل على تعديل الدين، بل تحاول جاهدة نشر دين جديد وهو في الواقع ليس دينا، ولكنها على علم ويقين أن شعوبنا لا تحيا بلا دين، وأن مصر هي رمانة الميزان في المنطقة.. تستطيع أن تروج لك الخرافات وأفكار ما يسمى «مكس دين» وهو خليط الأديان الثلاثة «إسلامي، مسيحي، يهودي» تحت راية توحيد الأديان.. ولأن سلاح المال من أقوى أسلحتها، ما زالت تلك المنظمة تحاول اختراق مجتمعاتنا من خلال وسائل الإعلام والسيطرة على النخبة. وأصبحت العقبة الوحيدة أمامها الآن هو الأزهر الشريف كذلك الكنيسة، التى هي الأخرى تتصدى لتلك الأفكار، من خلال الحرص على جمع أبنائها حولها.. وهنا يأتي دور الدولة من خلال تفعيل دور الأزهر والكنيسة في الإعلام، أهم أدوات تلك المنظمة الخفية.. لماذا لا تفعل رقابة الأزهر على الأعمال الدرامية وتعديل تشكيل المجلس الأعلى للإعلام، ليضم أحد علماء الأزهر الشريف للمراقبة وتنظيم الأمر.. أعتقد أنه آن الأوان لتحرك الدولة نحو حماية مواطنيها من دراما لتشويه الدين أو برامج سيئة السمعة تحت عنوان التنوير وحرية الرأي. حتى وصل الأمر إلى محاولات نشر تعديل الثوابت الدينية من خلال نخبة باعت دينها بدنياها. إنها فرصة الدولة الذهبية لقطع هذا التسريب الخطير النتن وتلويث العقول وطمس القلوب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سعيد/الأردن:

    مقال جيد ولكنه طويل جدا لم أكمل قراءته خير الكلام ما قل ودل

إشترك في قائمتنا البريدية