القاهرة ـ «القدس العربي» : هل استجابت السماء للرئيس السيسي أخيرا، الذي صارح الجماهير من قبل بأنه يستيقظ فجرا ويدعو الله بعد صلاة الفجر أن يرزقه مزيدا من آبار الغاز مثل حقل “ظهر”.. أمس ساق الدكتور محمد سعد الدين رئيس لجنة الطاقة في اتحاد الصناعات، العديد من الأخبار السارة بشأن اكتشافات مذهلة، مؤكدا أن مصر لديها احتياطي من الغاز يصل إلى 120 تريليون قدم مكعب، لافتا إلى أن الدولة تعمل وفق خطة استراتيجية لزيادة الإنتاج على مراحل حتى يزيد الاحتياطي، من خلال طرح مناطق للتنقيب كل عام لعمل الشركات العاملة في ذلك المجال. إن الحقل الحالي المكتشف حاليا باحتياطي يصل إلى 3.5 تريليون قدم، بنسبة 45% لشركة شيفرون و45 لشركة إيني و10 لشركة الثروة المصرية. وكشف عن وجود حقل جوار الحقل الحالي تعمل على اكتشافه شركة إيني باحتياطات تبلغ 17 تريليون قدم واسمه «السريا»، بعد الاكتشاف هذا يكون لدينا حقل ظهر ثاني. وتابع: «مصر إنتاجها يوميا 7.3 مليار قدم مكعب من الغاز منها 3 من حقل ظهر، ومن المتوقع رفع الإنتاج بعد الاكتشافات إلى 12 مليار قدم مكعب من الحقول كلها وهذا يعطي مصر قوة». وأوضح أن شركة شيفرون لديها اختصاص في البحر الأحمر، وهذا أول اكتشاف لها في مصر في البحر المتوسط، متوقعا أن يكون إنتاج مصر في عام 2030، 20 مليار قدم مكعب لتغطية احتياجات أوروبا.. وأمس بدا الرئيس السيسي أكثر ثقة في تجاوز الأزمات التي تحيط بمصر، الدولة تتوسع في الإسكندرية شرقا وغربا وفى الأماكن التي يمكن إعادة صيانتها. وأكد أنه حريص على عدم زيادة الأسعار على المواطن، رغم ارتفاعها عالميا. وشدد على أن التعديات على أراضي الدولة ناتج عن غياب مؤسسات الدولة. وداعب الرئيس السيسي الفريق كامل الوزير وزير النقل. قائلا “الأرض بتاع الطريق والسكة الحديد غالية قوي مش عاوز يدي حاجة يقولك أرضي يا عم ده انت نحلت وبرنا”، موضحا :”نحل وبر الدولة في مشروعات النقل بتاعته ويقولك لا مديكومش ده حرم السكة الحديد بتاعتي ده كانوا بانيين عليها زمان وعشوائيا، لما جينا نتكلم على المحور تقول لا. ورد كامل الوزير قائلا: “خلال افتتاح مشروع محور أبو ذكري.. روحت للقائد العام وقلتله خد اللي انتوا عاوزينه بس نكتب ورقة علشان نحفظ حق السكة الحديد”. وقال الرئيس “أنا موافق يا كامل.. قله المحاور اللي تعملت ادينا تمنها دلوقتي سيب وانا سيب يا كامل”.. ومن أخبار “الخارجية”: رحبت وزارة الخارجية المصرية بالتوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري بشأن الفترة الانتقالية في السودان، مؤكدة في بيان صحافي أمس الاثنين، معتبرة الاتفاق «خطوة مهمة ومحورية لإرساء المبادئ المتعلقة بهياكل الحكم في السودان».
ومن الأخبار العامة التي أسفرت عن فرح الكثير من أهالي الدلتا براءة طفلة من تهمة قتل خطيبها قبل أيام من زفافها، حيث تم العثور على جثته وكشفت التحقيقات عن أنه انتحر في شقته وأمرت النيابة العامة بتسليم الطفلة لذويها.
رفقا بقطر
لا يزال كثير منّا يتذكرون التعامل الغربي مع الرسومات المسيئة للرسول الكريم، التي ظهرت في الدنمارك ثم فرنسا، وبعدها في أكثر من بلد أوروبي، واعتبروها تدخلا في إطار حرية الرأي والتعبير، التي تُعد إحدى القيم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الغربي، واضطر كثير، كما يقول عمرو الشوبكي في “المصري اليوم” من العقلاء في العالم العربي إلى أن يعتبر الأمر جزءا من ثقافة مجتمع مختلف عن المجتمعات العربية والإسلامية، بشرط ألّا تُفرض علينا أو تجعلنا نتقبلها. في المقابل، فإن رفض المجتمعات العربية والإسلامية وكثير من الحضارات الشرقية، بما فيها روسيا وصربيا الأرثوذكسية والثقافة الهندية، دعم المثلية الجنسية، ورفض قطر حضور شارات حماية المثلية في الملاعب والشوارع أثناء كأس العالم، فتح باب الهجوم والاستعلاء الغربي تجاه الموقف القطري والعربي تجاه هذه القضية. ورغم أن قطر لم تطالب بترحيلهم ولم تُلْقِ القبض عليهم، ولم تعلن تفتيش كل غرفة فندق لكي تعرف ما إذا كان مَن يسكنونها مثليين أم لا، إنما رفضت مثل تيار واسع في الغرب وفي أغلب الشرق، اعتبارها خيارا طبيعيّا يجب حمايته، بل في أحيان كثيرة تشجيعه، وبدا التناقض واضحا بين مطالبة الغرب باعتبار الإساءة إلى المقدسات الدينية جزءا من حرية الرأي والتعبير، ومطالبتنا باحترام الخلاف والتنوع الثقافي، وأن يهاجم بضراوة قيام بلد عربي برفض حضور شارات المثلية في محفل رياضي عام، ولا يعتبر أن الأمر يدخل في إطار حرية الرأي والاعتقاد والتنوع الحضاري والمجتمعي في العالم.
الكيل بمكيالين
شدد عمرو الشوبكي على أن احترام حرية الرأي والاعتقاد كان يتطلب عدم محاسبة اللاعب السنغالي إدريسا جاي بسبب رفضه ارتداء قميص كُتب عليه رقمه بلون عَلَم المثلية، رغم أنه لم يحرض ضد المثلية، ولم يطالب بحبسهم، كما تنص قوانين بلاده السنغال، إنما احترم قواعد المجتمع الفرنسي الذي يعيش فيه، وكان نموذجا للأخلاق والالتزام الرياضي. واحترام حرية الاعتقاد وفق بديهيات مبادئ حقوق الإنسان تقول، إنه يجب ألا يُفرض عليه موقف عكس قناعته الدينية أو الأخلاقية أو حتى الشخصية. النقاش بين الغرب والشرق يجب ألّا ينطلق من أن الخصوصية تعني العداء للقيم الإنسانية العليا من عدل واحترام حقوق الإنسان ورفض العنصرية وخطاب الكراهية، إنما تعني احترام السياقات الثقافية والاجتماعية لكل مجتمع، وعدم النظر إليها حين تختلف في بعض الجوانب على أنها أقل أو أدنى من الحضارة الغربية لأنها في النهاية ستطبق هذه المبادئ العالمية وفق سياقها الخاص وليس السياق الغربي. يجب ألّا يعتبر البعض في الغرب أو الشرق أن هناك منظومة قيم أعلى وأخرى أدنى، ويكيل بمكيالين في الثقافة كما يفعل في السياسة، فنصبح أمام عالم الصوت والرأي الواحد، وأمام منظومة القيم الواحدة، التي لا تراعي تنوع الثقافات والخبرات التاريخية، التي تُثري العالم الإنساني، وتعزز الاحترام المتبادل بين الشعوب.
نائمون إلى متى؟
استيقظت الفرق العربية والافريقية والآسيوية أيضا ونحن ما زلنا نائمين أو غائبين أو غافلين. تابع كرم كردي في “المصري اليوم” شاهدنا جميعا مباريات كأس العالم الممتعة حتى الأندية في كل شيء. وكما قالوا في الأمثال (القرعة تتباهى بشعر بنت اختها)، وهذا ما فعلناه نحن المصريين، فرحنا جميعا وأشادنا عندما فازت السعودية الشقيقة على الأرجنتين، ودعونا أن توفق في باقي مبارياتها، ورغم عدم صعودها إلى الدور 16 ولكنها خرجت بعد أن تركت بصمة قوية في كأس العالم. وهللنا لفريق المغرب، الفريق العربي الافريقي الذي فاز في مباراتين وتعادل في الثالثة وتأهل إلى دور 16، وهو أول مجموعته، وأخرج بلجيكا المصنف الثاني على العالم، بعد أن فاز عليها بهدفين نظيفين، يا للروعة والبهجة والسعادة التي شعرنا بها جميعا بفوز الشقيقة المغرب، وندعو الله أن تزيح غدا المنتخب الإسباني وتصعد إلى دور الثمانية. ورغم حزننا وغضبنا على المنتخب السنغالي لأنه خطف منا تذكرة الذهاب إلى نهائيات كأس العالم، واستعمل أساليب خارج المستطيل الأخضر، لكننا نقف له ونصفق كفريق دولة افريقية استطاعت أن تحقق فوزين في دوري المجموعات وتصعد إلى دور 16. ورغم عدم صعود المنتخب التونسي والمنتخب الكاميروني والمنتخب الغاني يجب الإشادة بالمنتخبات الثلاثة، خاصة المنتخب التونسي الذي فاز على منتخب فرنسا حاملة اللقب، وأيضا المنتخب الكاميروني الذي فاز على أسياد الكرة والمصنف الأول عالميا والدولة الحائزة كأس العالم خمس مرات. الكاميرون فازت على دولة كرة القدم التي أخرجت للعالم بيليه وجارنشيا وسقراط ودييكو وروماريو وبيبيتو ورونالدو وريفالدو ورينالدينهو ونيمار وغيرهم. إنها فرحة افريقيا التي لا تقدر. أذهلني أيضا الفريق الياباني الذي استطاع أن يفوز على الألمان والإسبان وصعد إلى دور 16 وخرجت ألمانيا صاحبة الكؤوس الأربع، ولحقتها دولة كوريا أيضا إلى دور 16 بعد أن فازت على البرتغال وأقصت أوروغواى. الدول العربية والافريقية والآسيوية تتقدم ونحن للخلف در.
مونديال فلسطيني
في مدرجات مونديال قطر 2022، ومقاعد المشجعين في المقاهي المنتشرة في طول الأوطان العربية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد حب نبيلة وجميلة، وصفها حسن القباني في “المشهد” بانها ذات دلالة، ومعبرة ومحفزة للعلاقات الإيجابية في الوقت ذاته، ترتكز على حب الأوطان، وحب العروبة والعرب، وحب فلسطين، وحب الرقي الأخلاقي، كما تظهر في لقطات محبة أسرية دافئة اجتمعت على حب التشجيع. لقد جسدت البطولة منذ لحظاتها الأولى اجتماعا عروبيا مهيبا، وتوحد الجميع خلف المنتخبات العربية بحب وود بعد شقاق أليم، وبات العلم العربي أيا كان لونه واسم دولته مهوى افئدة المشجعين العرب في مدرجات المونديال، ومنصات التواصل الاجتماعي ومقاعد المقاهي، وهو ما ظهر في مباريات السعودية وتونس والمغرب وقطر. ولا يسعني إلا أن أشكر أسود الأطلسي الذين رفعوا رأس العرب عاليا بتصدر مجموعتهم والتأهل الجميل للدور الـ”16″ بعد أداء مبهر، في ما قدمت السعودية تجربة معتبرة ومميزة، ويكفى تونس الفوز على فرنسا حاملة اللقب، ويكفي قطر التنظيم الرائع وتقديم صورة مميزة إيجابية عن جمال العروبة والحضارة الإسلامية، فضحت باقتدار، حملات التمييز والتنمر، والإسلاموفوبيا، والعربوفوبيا. ورغم أنف المطبعين، كان الحب الجارف للقضية الفلسطينية صاحب حضور متجذر، ينطلق من أساس قلبي نقي غير مدفوع الأجر.
رغم الغياب
نبقى مع التأثير الفلسطيني على المونديال بصحبة عصام كامل في “الوطن”: عشنا على المأثور «علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل» ولم يشأ أحدنا أن يعلم أبناءه رفض الاحتلال ومقاومة الغصب وكراهية إسرائيل، غير أنهم تعلموها وحدهم. كان لمراسل قناة «كان» التي تبث إرسالها من داخل الكيان المحتل تجربة فريدة بعد سفره إلى قطر وتعرض لحالة من الحصار الفلسطيني، رغم أنه لم يلتق فلسطينيا واحدا. سائق التاكسي البسيط يوقف سيارته بعد علمه أنه ينتمي إلى الكيان الصهيوني ويأمره بالنزول من سيارته ويرفض أن يتقاضى منه الأجرة ويودعه بعبارة قاسية «تقتلون أشقاءنا». يمضي إلى واحد من آلاف المطاعم التي انشأتها قطر لخدمة القادمين لمتابعة كأس العالم، فلم يكن حظه أفضل مما كان مع السائق البسيط.. يرفض المطعم خدمته أو تقديم الطعام له.. يطردونه بعبارة «تقتلون أشقاءنا». يمضي المذيع في شوارع الدوحة مطاردا، ولم يكن أمامه إلا أن يتخلى عن انتمائه لكيان يغتصب الأرض ويقتل الأطفال فيسأله مواطن مصري «من أين أنت».. يرد «من الأكوادور» ولأن المصري يعرفه قال مرددا «فلسطين حرة» ولم يكن من المذيع إلا أن قال «فلسطين حرة» وقعوا ما شئتم من معاهدات واتفاقيات مع الحكومات.. الشعوب لها موقف آخر.. المذيع الصهيوني لم يلتق مواطنا فلسطينيا واحدا من أصحاب القضية، ولكنه التقى عشرات المواطنين العرب.. أصحاب القضية أيضا. في بث مباشر شكا المذيع من المطاردة والكراهية، دون أن يعترف أن اغتصابهم للأرض وقتلهم للشباب هو أصل العنصرية والكراهية.. حاصروه وسنحاصرهم أينما ذهبوا.
يخافونها وهي أسيرة
واصل عصام كامل هجومه، وقعوا ما شئتم من اتفاقيات محبة ومودة مع السلطات.. ستأتون إلينا هنا في الشوارع والحواري.. في المطاعم والميادين.. سنطاردكم أينما كنتم وساعتها لن ينفعكم اتفاق مع غير ذي صفة. الشعوب وحدها من تحدد مع من تتعامل ومع من تتوافق ومع من تتعاهد.. الشعوب وحدها صاحبة الحق الأصيل في اتفاقيات السلام والوئام والمحبة والإخلاص.. الشعوب صاحبة الشارع والحارة والأرض والزرع. الشعوب وحدها هي التي تحارب أو تهادن أو تبنى سلاما.. الشعوب وليس الحكام فمهما وقعتم من معاهدات واتفاقيات سلام فلا سلام ولا كلام قبل أن تتحرر الأرض ويصان العرض. والسؤال: هل يستطيع رئيس وزراء الكيان المحتل أن يتجول في عاصمة عربية من عواصم الاتفاقيات وحده دون مراسم وحراسات وإفراغ للشوارع والميادين؟ سيظل الخوف يطاردكم وستظل بذور الكراهية التي زرعتموها وتزرعونها يوميا، تنبت من حولكم مقاومة بالسخط والكراهية. لن تغفو عيونكم ولن يهنأ بال لكم ولن تجدوا منا إلا ما وجدتموه في الدوحة، فكل عاصمة عربية تعرف أن لها قضية، وقضيتنا لن تموت مع الزمن، ولن يمحوها من الذاكرة تكرار الموت أو اتفاقيات الاستسلام المريعة. المذيع الذي أنكر انتماءه ليعيش أسبوعين سيرى ذلك في كل مكان عربي.. فلسطين حاضرة مهما كان قدر البيع.. فلسطين في قلوب الناس ملايين الناس ليسوا عربا فقط، فهناك من شعوب الأرض الأبية من لا يعرف حرفا عربيا، وسيظل يقاوم من أجل القيم والإنسانية والحق والعدل. فلسطين التي ليس لها فريق يعارك على أرضية الملاعب لها فرق من شعوب جاءت هنا ليس من أجل الكرة فقط، وإنما من أجل مطاردة كل ما هو صهيوني وكل ما هو مناف لقيمنا وتقاليدنا وعاداتنا. فلسطين هي الفريق الأقوى في بطولة كأس العالم قطر 2022.. وفلسطين هى الحاضرة وهي الفائزة والمنتصرة وهى بطل الأبطال وصاحبة التتويج.
رائحة الماضي
انتشر أعضاء من أطلق عليهم الدكتور محمود خليل في “الوطن” “نادي المتوسطين” في كل اتجاه في مصر، بدءا من حقبة الستينيات، قلة من أعضاء هذا النادي تمكنت من الصعود بأدائها إلى نادي المتميزين، لكنها لم تحظ بالفرصة أو تجد المساحة التي تظهر فيها تميزها، إذ كان الطلب على «التميز» آخذا في الانحسار. على سبيل المثال فنانون كثيرون ظهروا بعد ثورة يوليو/تموز كان أغلبهم متوسطين (في التمثيل أو الغناء أو الموسيقى أو الشعر) وكانت المسطرة التي يتحدد عليها مستواهم هي مسطرة التميز التي بقيت قائمة في هذا المجال من خلال جيل المتميزين الموروث عن العصر الملكي. ليس معنى ذلك خلو جعبة حقبتي الخمسينيات والستينيات من «المتميزين»، فعبد الحليم حافظ هو ابن الثورة، وكذلك بليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل وغيرهم، وهناك كتاب الرواية والشعر من جيل الستينيات، «المتميزون» ظلوا موجودين، لكن وجودهم بات مشروطا. شرط الوجود تمثل في «خدمة السلطة» والعمل في معيتها والتعبير عن توجهاتها، لم تكن هناك مساحة متاحة للأخذ والرد، كما كان حال المتميزين أيام العصر الملكي، ولم يكن أمام أي متميز له رأي سوى الانزواء، أو محاربة طواحين الهواء. فاق الطلب على الولاء الطلب على التميز والكفاءة، لذلك بدأ منحنى الأداء في الهبوط شيئا فشيئا في مجالات عديدة، مع ظهور فلتات فردية من حين إلى آخر، كانت تنال حظها من النجاح في الخارج، خصوصا مع ظهور ثم انتعاش اتجاه بعض الشباب نحو الهجرة إلى الخارج بعد نكسة يونيو/حزيران 1967.
أهم من الموهبة
لاحظ الدكتور محمود خليل أن ثنائية أهل الثقة وأهل الكفاءة كانت الأكثر شيوعا في الستينيات، وقد أثير جدل كبير حولها بعد نكسة 1967، وارتفعت الأصوات متحدثة عن النتائج الكارثية التي ترتبت على الاعتماد على أهل الثقة من متوسطي الكفاءة أو محدوديها، لكن المسألة توقفت عند عتبة «الكلام» حول الموضوع، دون أن يتغير شيء على أرض الواقع. ليس ذلك فقط، فإلى جوار هذه الثنائية بدأت أدوار العلاقات العامة في الظهور، فأصبح الصعود داخل أي مجال يرتبط بحجم ونوع علاقات الشخص. كذلك كانت الحال في السياسة والاقتصاد والفن والرياضة وشتى المجالات الأخرى.. فليس المهم حجم الموهبة، أو المهارات المتوافرة لدى الفرد، أو ما يتمتع به من تميز، فكل هذه العوامل باتت قليلة القيمة أمام العلاقات النافذة والقادرة على التأثير في مراكز صناعة القرار. العلاقات العامة مثّلت أداة مهمة من الأدوات التي اعتمد عليها أعضاء نادي المتوسطين في الصعود خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتمكن المسيطرون المتوسطون على أي من مجالات العمل أو النشاط من استبعاد أي حالة تميز تظهر هنا أو هناك، وبذا أصبح الأداء المتوسط هو القاعدة، وعاش المجتمع المصري خلال فترة الستينيات حالة أقرب إلى الثبات، وباتت الحياة فيه لا تقدم ولا تؤخر، وهي لا تقدم لأن أعضاء نادي «متوسطي الأداء» هم السائدون، ولا تؤخر، لأن البقية المتبقية من أعضاء نادي المتميزين التي ظهرت في الماضي ما زالت في الصورة. ولعلك تتفق معي في أن من لا يتقدم يتأخر، لأن معادلة «محلك سر» لا تصلح لواقع سريع التغير، وكلنا يعلم إيقاع التغيير السريع الذي ميّز النصف الثاني من القرن العشرين، حين كانت المجتمعات التي تعتمد على المتميزين تتقدم، والمجتمعات التي يسودها المتوسطون تسير داخل الحذاء.
بهدلة آخر العمر
لم تتوقع وفاء بكري في “المصري اليوم”، أن يصلها كل هذا الكم من الشكاوى عن دور المسنين داخل القاهرة، بعد تسليطها الضوء على ظاهرة انتشار كبار السن في الشوارع بشكل مبالغ فيه، ممن يعملون في بيع المناديل الورقية أو المستلزمات البسيطة، وتبدو على هيئتهم أنهم «عزيز قوم». تواصل معي بعض الأصدقاء والقراء تليفونيا وإلكترونيا، أكدوا خلالها تجارب لمسوها بأنفسهم داخل «دور مسنين»، غير مستبعدين – بل يكاد بعضهم يجزم- أن يكون هناك اضطرار لبعض كبار السن في هذه الدور، للنزول إلى الشارع للعمل اليومي، لتلبية متطلباتهم داخل الدار، ودفع القيمة الشهرية التي تبدأ من 3500 جنيه للغرف الثلاثية، وتنتهي إلى نحو 7 آلاف جنيه للغرف الفردية، وإذا تحدثنا عن الحد الأدنى فهو قيمة ليست هينة بالمرة، قياسا بحال كبار السن، خاصة أن الكثيرين يعانون من تجاهل الأبناء لدفع هذه القيمة، وقد لا تساويها قيمة معاشهم، وبالطبع دور المسنين تقوم بتقديم الطعام والرعاية الصحية، إلى جانب النظافة. وبالتالي فكيف سيوفر كبار السن في هذه الدور المبالغ المطلوبة منهم، عدة إشكاليات تواجه «كبارنا»، وهنا يكمن الخطر باستغلال بعض معدومي الضمير لهم، و«إجبارهم» بالإغراء للنزول إلى الشارع للعمل، بجانب اضطرار بعضهم «من نفسه» للنزول لتلبية احتياجاتهم اليومية، خاصة في ظل تخلي المقربين عنهم، دون رحمة أو هوادة.
الرحمة مطلوبة
لم تقف أزمة دور المسنين، كما تقول وفاء بكري عند أسعارها المرتفعة حسب، وإنما تعدت إلى تعاملات مهينة وجارحة للكثيرين منهم، خاصة ممن يعانون من مرض «الزهايمر»، وبالتأكيد جميعنا يعرف أن هؤلاء يحتاجون معاملة ورعاية خاصة جدا، بجانب تشكيك الكبار في أنفسهم، وغيرها من المهازل، ولم يبخس من تواصلوا معي حق «أهل الرحمة» ممن يسألون عنهم باستمرار ويمدونهم بالطعام والأدوية واحتفالات بعضهم بأعياد ميلادهم بينهم، هناك الكثير من المهازل لا مكان لسردها هنا. أليست وزارة التضامن الاجتماعي مسؤولة عن هذه الدور كمراقب؟ ولا تصدر تصريحا واحدا لأي دور إلا بالتأكد من تقديم كل الخدمات المطلوبة لـ«كبارنا»، إذن فلماذا لا تتم المتابعات الدورية لهذه الدور من قبل مشرفي التضامن الاجتماعي، والاستماع إلى أهالينا من الكبار، لمعرفة أحوالهم المعنوية والنفسية قبل المادية؟ وفقا لآخر إحصائية استشهدت بها الكاتبة فإن مصر لديها 6.8 مليون مسن، ولو أن هناك نسبة لا تتعدى 5 % تحتاج إلى دار مسنين، فنحن أمام رقم هزيل يمكن أن يتم حله بسهولة، ما المانع إذن من إدراج مخططات لكل مدن الجيل الرابع التي يتم إنشاؤها حاليا لإقامة دور مسنين وأيتام ودعم أصحاب القدرات الخاصة، بدلا من الدور القديمة والمتهالكة، مع فتح باب التبرع لها، فكما يقال مقياس انضباط الأمة الأخلاقي، توقير الكبير، فعلينا أن نتخيل أنه لن يكون توقيرا فقط، بل رحمة ولينا لمن يحتاجون للرفق بهم، خاصة أنهم يعيشون في زمن مغاير تماما لزمانهم.
الخطة الصينية
لا يعرف الصينيون «تويتر» أو هم يعرفونه، ولا يستخدمونه، الدولة هناك كما بين وليد طوغان في “الوطن” منعته، وأحلت مكانه موقعا محليا آخر شبيها اسمه «ويبو»، حتى «ويبو» تتدخل فيه الحكومة بالرقابة، فتمنع وتحذف وتضيف وتلغي، رغم أن كل المستخدمين صينيون، لكن صينيا عن صيني يفرق. ويبو الأسبوع الماضي كان سبب أزمة كبيرة بعد أن تداول رواده صورا وفيديوهات لتظاهرات كبرى في أرجاء الصين، احتجاجا على سياسة «صفر كورونا»، التي بدأت الحكومة هناك في إجراءاتها. عاد فيروس كورونا للانتشار من جديد في الصين، الإصابات على ودنه، والوفيات في تصاعد، ومن الصين شرقا لأمريكا غربا، كانت كورونا قاسما مشتركا في الأزمات، فالكونغرس الأمريكي، بعد سيطرة الجمهوريين، يستعد لفتح ملف «تسريب فيروس كورونا من الصين» من جديد. الملف كان أغلق منذ فترة، لكن الجمهوريين الآن، عادوا لاتهامات قديمة لإدارة بايدن بإخفائها تقارير مخابراتية، تؤكد تسرب الفيروس من معامل صينية للحرب الجرثومية. فى أمريكا الأزمة كبرى، وستتنامى، كما هي تتنامى في الصين. فالشارع الصيني يتهم حكومته بقطع العيش، ووقف الحال بالاجراءات الجديدة ضد الفيروس. وإذا كان الكونغرس يستعد لمعارك سياسية ضد بايدن وإدارته، فإن الصينيين يستعدون لاستمرار التظاهرات ضد “صفر كورونا” حتى إيجاد حلول للمسألة، أثرت إجراءات “صفر كورونا”، على كل مجالات الأعمال في الصين. أكثر ما يستغربه الشارع هو العودة للإغلاق من جديد بعد توافر اللقاحات، لكن الحكومة لسان حالها: وهل تكفي اللقاحات مع تزايد الإصابات؟ أعادت إجراءات “صفر كورونا” نسب الأشغال في المطاعم والمولات التجارية والمحال إلى أقل من 50%، وفعلت الحكومة قرارات منع الهجرة الداخلية بين بعض الأقاليم والمقاطعات.
أول مطب
توقع وليد طوغان أن لو استمرت الإصابات بتلك النسب، ربما تعود الأمور في الصين إلى المربع صفر، مع التخوفات من الوصول إلى عدم قدرة الخدمات الطبية على استيعاب المرضى على أجهزة التنفس الصناعي. رأي الشارع الصيني مختلف، يقولون إن الفيروس تطور وفى تحوره رحمة، إذ أن أعراضه لم تعد كما كانت بداية ظهوره، وهو لم يعد مميتا، وكل ما هنالك اضطرابات في الجهاز الهضمي.. ليس إلا؟ الآراء الشعبوية طريق دائم لستين داهية.. هكذا عرفنا وهكذا نعرف. عودة للولايات المتحدة، حيث الجمهوريون في الكونغرس مستحلفون لبايدن، المتطرفون منهم يقولون إنهم سيعملون على عزله، مسألة عزله هذه فيها كلام، لكن هذا لا ينفي أن معارك سياسية ضخمة يشعل الجمهوريون نيرانها في الطريق، كي تنجو إدارة بايدن، يتحتم عليها الخروج سالمة من عدة مطبات. أول مطب هو إثبات أنه ليس هناك ما تم إخفاؤه في ملف تسريب كورونا، يعني على الإدارة أن تثبت انه ليس لديها ما يفيد عن تسريب الفيروس من الصين، كما إن على بايدن نفسه أيضا إثبات أن ابنه هانتر، لم يستفيد من منصب أبيه.. لا الآن ولا وقت أن كان بايدن نائبا.. المشكلة أن هانتر بايدن قال في حوار صحافي انه لا يمكن أن ينكر.. أنه استفاد.
رواية ملهمة
هذا مقال في التاريخ السياسي لا في الأدب، كما وصفه مصطفى عبيد في “الوفد”، رغم أن مدخله هو نص أدبى جذاب صدر مؤخرا عن دار الشروق كرواية تحمل عنوان «قبل النكسة بيوم» للطبيب والروائي إيمان يحيي، صاحب الرواية الفذة «المرأة المكسيكية» التى وصلت إلى القائمة الطويلة للبوكر في 2019. تتناول الرواية جانبا من حكاية التهام نظام يوليو/تموز لمؤيديه والمبشرين به في سابقة نادرة في التاريخ الحديث. لأن الطبيعي والمنطقي أن يلتهم كل نظام خصومه، لكن من غير الطبيعي أن يلتهم أبناءه، والمؤمنين به. لقد ولد التنظيم الطليعي كحائط صد للدفاع عن نظام عبد الناصر، تحت لافتة حماية ثورة يوليو ومكتسباتها. وتمثلت فكرة جمال عبد الناصر في اختياره لبعض الأشخاص من ذوى الثقة، على رأسهم علي صبري، سامي شرف، وأحمد فؤاد، ومحمد حسنين هيكل، على أن يقوم كل شخص منهم باختيار عشرة أشخاص آخرين سريين، لا يعرفهم سواه، ويقوم كل واحد من العشرة باختيار عشرة تاليين يكون مسؤولا عنهم، وتتوالى الاختيارات بما يشبه التنظيمات الشيوعية. وتكون مهمة كل عضو في التنظيم أن يكون عينا على مَن حوله دون أن يعرفه أحد في سبيل حماية الثورة والحفاظ على مبادئها. في الوقت ذاته، فإن هؤلاء الأعضاء السريين يتم تصعيدهم في الدوائر المهنية كافة ليتولوا القيادة لاحقا. ولا شك في أن هذا التنظيم صار هدفا لمعظم الشباب من ذوي الطاقات للترقي والتحقق بحسن نية وبسوء نية، لذا فقد اجتذب شبابا كثيرا فور تأسيسه.
لفقت لهم قضية
تقدم رواية إيمان يحيى التي احتفى بها مصطفى عبيد حكاية واقعية لمجموعة من الشباب المؤمن بالاشتراكية، الذي كان جزءا من حركة القوميين العرب، ثم انضموا إلى تنظيم عبد الناصر الطليعي باعتباره تنظيما مصريا يحمل الأهداف الاشتراكية ذاتها، وهو الأولى باحتضانهم. غير أن اعتماد التنظيم كله على التقارير السرية وما تحمله من تشكيك وتحريض متبادل بين الأعضاء أدى إلى اتهام الشباب القومي بمحاولة اختطاف التنظيم المصري، ولفقت لهم قضية وتم القبض عليهم، وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والقمع لينقلبوا في يوم وليلة من أبناء وأنصار الثورة إلى خصومها وأعدائها. وكان من المؤسف ما ذكره أحمد كامل مدير المخابرات المصرية الأسبق في مذكراته، التي دونها الكاتب النابه أحمد عز الدين، إذ يقول «إن هؤلاء الشباب الأعضاء في التنظيم الطليعي، تمت معاملتهم بشكل بالغ السوء، ورغم أن بعضهم قام سامي شرف بتجنيده، إلا أنه لم يتحرك للدفاع عنهم، واحتجزتهم أجهزة الأمن في مبنى الاتحاد الاشتراكي. وجاء إليهم حسين كامل بهاء الدين، أمين تنظيم الشباب وقتها، (وزير التعليم في ما بعد)، وشارك في صفعهم بالأقلام على وجوههم، ثُم فصلوا جميعا من منظمة الشباب». ويضيف أحمد كامل قائلا «وقد كان هذا الحادث سببا في ترك الشباب المؤمن الملتزم، للتنظيم واختياره إما الانزواء بعيدا عن العمل العام، أو الهجرة إلى الخارج طلبا لمخرج». وهكذا انسحق فصيل مهم من الشباب المؤيد لنظام يوليو/تموز المؤمن بمبادئها، وانهارت أحلامهم في عدالة مثالية كانوا يحلمون بها، عندما رأوا الأفاقين والخطباء والمحرضين يصعدون ويتسع نفوذهم، ويثرون وهم يكررون شعارات العدالة والمساواة في آلية جوفاء. تلك حكاية مهمة في تاريخنا، ذكرنا بها روائي موهوب يمتلك أدواته ويُحسن اختيار لقطات سرده.
تكريما لذكراهم
وافق فاروق جويدة في “الأهرام” على اقتراح الدكتور مصطفى الفقي بإقامة مقبرة الخالدين من رموز مصر من الكتاب والمبدعين.. وقد ثارت القضية عندما أوقف الرئيس عبدالفتاح السيسي، قرار نقل رفات عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وقد تحركت القضية أخيرا بسبب ما يجرى في مدافن السيدة نفيسة، رضى الله عنها، من تطوير شمل ضريح الكاتب الراحل يحيى حقي، واقترح مصطفى الفقي حلا لذلك بإقامة مقبرة للخالدين.. اضاف الكاتب، هذا تقليد في دول كثيرة، منها فرنسا وإيطاليا وروسيا.. وفى دول أوروبية كثيرة تقام متاحف في بيوت كبار الكتاب ولا يتم بيعها أو هدمها، لتتحول إلى أبراج قبيحة.. وعندما زرت فيرونا في إيطاليا بلد روميو وجولييت، بحثت عن الشرفة الجميلة التي رسمها شكسبير في مسرحيته الخالدة، وفي باريس سألت عن غادة الكاميليا وظننتها حقيقة، وزرت في الهند بيت طاغور في مدينة كلكتا، حيث توجد جامعته الشهيرة دار السلام «سانت كتين».. وفي الأيام الأخيرة دار الحديث عن هدم ضريح عميد الأدب العربى وهددت أسرته بنقل رفاته إلى فرنسا وجاء الدور على هدم ضريح كاتبنا الكبير يحيى حقي في السيدة نفيسة، رضى الله عنها، وفى هذه المنطقة يوجد ضريح الشيخ محمد رفعت، وكانت فيه شجرة مزهرة طول العام. إن اقتراح الدكتور مصطفى الفقي سوف يلقى ترحيبا كبيرا، لأن أضرحة كبار رموز مصر موزعة في أكثر من مكان، ومنهم من دفن في مقابر الصدقة، لأنه لا يملك مدفنا.. لقد تم هدم عدد كبير من الأضرحة من أجل إقامة المحاور والكباري والطرق، ولا شك في أن تخصيص مساحة مناسبة من الأراضي لإقامة أضرحة لرموز مصر قد تتحول مع الأيام إلى مزارات ليست فقط لأصحابها ولكن لكل المصريين الذين يرغبون في زيارة أضرحة هذه الرموز. إن في ذلك تكريما للفكر والإبداع والقيمة. إقامة مقبرة للعظماء كما جاء في اقتراح كاتبنا الكبير مصطفى الفقي سوف توفر على الدولة أعباء نفسية كثيرة أمام تغيير الأماكن وإعادة الدفن وإخراج الراحلين.. كل هذه الأشياء سوف توفرها مقبرة تضم هذه الرموز، سواء كانت جماعية أو للأفراد، المهم أن نحافظ على راحتهم وهم في رحاب الله.