السيسي وأذرعه الإعلامية.. كم عمر الهبل؟!

حجم الخط
19

لم يكن اختراع عبد العاطي، الخاص بمواجهة الفيروسات بالصدمات الكهربائية، ممثلة في «صباع الكفتة»، مغامرة شخص، وإنما تبين أنه منهج حياة. فالانقلاب العسكري الذي وقع في مصر يوم 3 يوليو من العام الماضي، وهو مسخرة الانقلابات، على درجة من الضحالة غير مسبوقة في تاريخ البشرية!
لقد أعلن عبد الفتاح السيسي أن هناك مواقع إلكترونية، وقنوات فضائية، سوف تطلق قريباً بتمويل اخواني، تركي، قطري. فتداعت له أذرعه الإعلامية بالسهر والحمى، وشاهدنا «هبلاً» مطاعاً على الشاشات، وقد مثلت بعض البرامج على فضائيات الثورة المضادة مذكرة تفسيرية لما قاله للإعلاميين ورؤساء تحرير الصحف في اجتماعه بهم، فإذا بنا أمام جهل نشط، يمثل الامتداد الاستراتيجي، للجهل الذي قيل في اللقاء، والذي جاء استناداً على شطحات وليس إلى معلومات.
كتبت من قبل أنني كنت «مشروع شيخ طريقة» وفشل المشروع، لكن صوفيتي القديمة كثيراً ما تزورني هذه الأيام، بفعل الانقلاب، حتى صرت مؤمناً حقاً بأن مصر محروسة ببركة أولياء الله الصالحين، عندما نكتشف أن الأجهزة الأمنية التي أمدت السيسي بالمعلومات، تعمل وفق قواعد «ضرب الودع»، فكثير مما قاله السيسي عن الإعلام الجديد ليس صحيحاً، وإذا كنت مؤمناً بأن الانقلاب العسكري في مصر كالعنكبوت اتخذت بيتاً، فلم أكن أظن أنه على هذه الدرجة من الضعف، الذي يجعله في رعب من فضائية هنا، أو موقع إلكتروني هناك، فيدعو أذرعه الإعلامية لاجتماع طارئ ليضعها في الصورة، ويطلب منها التحرك على وجه السرعة لصد العدوان الذين تمثله محطة تلفزيونية، وموقع إلكتروني، وصحيفة في طريقها للصدور.
عبد الفتاح السيسي يؤمن بقدرة الإعلام على التأثير، ولهذا ووفق التسريبات فقد حرص مبكراً على أن تكون لديه أذرع إعلامية، وقد ساهم الإعلام في تشويه الرئيس محمد مرسي والإساءة إليه وتقديمه للرأي العام في مصر على أن استمراره يمثل خطورة على البلاد. والإعلام هو الذي صور للرأي العام في الداخل والخارج أن مظاهرة في ميدان التحرير لمدة ست ساعات هي ثورة على الرئيس المنتخب دفعت الجيش للتحرك، استجابة لنبض الشعب، ليحكم قائد الجيش البلاد، ويعيد عهد المخلوع مبارك بكل تجلياته. بل إن هذا الإعلام هو الذي نجح في إحداث خداع بصري تصور بأثره الناس أن عبد الفتاح السيسي «وسيم»، ومعشوق النساء، مع أنه وبأي مقياس لا يمكن أن يكون وسيماً البتة، ولو بمقياس ريختر.

السيسي وعبد الناصر

في خطابه في افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، ظهر من كلام السيسي أن إيمانه بقيمة الإعلام وصل حد الاعتقاد أنه هو السبب في شعبية عبد الناصر، ولأنه يقول كلاماً مبتوراً، وجملا ناقصة، واللبيب هو من ينجح في إعادة صياغة ما يقول، وتحويله لجمل مستقيمة، فقد فهمنا أنه يريد من الإعلام أن يجعله محبوباً كعبد الناصر وصاحب شعبية جارفة مثله.
كانت هذه المرة الأولى التي يذكر فيها السيسي عبد الناصر على طرف لسانه، وهو يتحاشى ذلك، رغم أن الناصريين في مصر قدموه على أنه خليفة عبد الناصر. وهذا هو التطور الجديد «للحاجة الساقعة»، أن تنحاز «الرجعية العربية» لعبد الناصر، وأن يحسب عبد الناصر على الحلف الإسرائيلي، وأن يتسلط عبد الناصر الجديد على الفقراء، ويجعلهم هدفاً له فيعمل على تجويعهم وزيادتهم فقراً على فقر!
لم ير عبد الفتاح السيسي في جمال عبد الناصر أي انجاز على أي مستوى إلا في سيطرته على الإعلام، وقد نجح من وجهة نظره من خلاله في أن يكون رئيساً له شعبية عظيمة. ولا تثريب عليه إن ظن أن الإعلام يستطيع أن يجعل من «الفسيخ شربات»، ومن «الوسيم معشوق النساء»، وإنما البأس الشديد في حجم المعلومات المغلوطة، التي رددها ورددتها أذرعه الإعلامية، على نحو قررت بسببه أن أكتب مذكراتي لأنني أجلس مع «قطب العربي».
لقد تحدث عبد الفتاح السيسي في لقائه مع أذرعه عن موقع «العربي الجديد»، الذي تموله قطر، وتركيا، والإخوان، وجمع الشامي على المغربي بقوله إنه يقوم عليه إبراهيم منير القيادي بجماعة الإخوان في لندن، والفلسطيني عزمي بشارة، فأيقنت ساعتها أن مصر محروسة ببركة أولياء الله الصالحين، عندما لا تستطيع الأجهزة الأمنية السيادية أن تتوصل إلى المعلومات الحقيقية، وتقدم لزعيمها المختار، معلومات مغلوطة تجعله يصاب بالرعب، فيدعو أذرعه لاجتماع عاجل، ليطلب منهم أن يعينوه بقوة.
في المساء والسهرة، كان أحد الأذرع الإعلامية يتحدث عن أن «الاخواني قطب العربي» هو من يدير هذا الموقع، وأنه الآمر الناهي فيه، وأن «قطب العربي» ولأنه إخواني جبار، فهو يدير الموقع كما كان يدير الصحافة المصرية في عهد الرئيس محمد مرسي.
وعندها علمت مع من كانت أزمتي في عهد الرئيس مرسي، فبعد قرار مجلس الشورى في عهد الدكتور مرسي بتشكيل المجلس الأعلى للصحافة، وبعد أن اعتمد الرئيس القرار ونشر في الجريدة الرسمية، تم تجميد عضويتي «قوة واقتداراً»، وهي عضوية بقوة القانون، إذ كنت رئيساً لتحرير أقدم صحيفة معارضة في مصر. وقد علقت بالاتهام حينئذ في رقبة قيادات اخوانية، كانت ترى أنه لا يجوز لي أن انعم بعضوية أحد مجالس الدولة في عهدهم.
وقال لي «قطب» وقت الأزمة أنه تدخل لدى رئيس المجلس الأعلى للصحافة الدكتور أحمد فهمي، حتى مل الرجل من تدخله، ولم تعد يروق له رؤيته، لا سيما وأنه لم يكن عنده رد قانوني على تجميد العضوية، وكلما ناقشه أحد قيادات المجلس الأعلى كان رده لا يخرج عن ترديد كلمة: «بعدين»، وبعد أن «غلب حمار» محمد نجم الأمين العام للمجلس معه قال لي: إن «القرار سياسي» وتصرف على هذا الأساس. وكنت أعلم أنها تعليمات عليا، فأحمد فهمي لا يعرفني ولا أعرفه، ولم أكن أعلم سوى الآن أن من كان يدير الإعلام المصري هو «الخطير قطب العربي».
هل أذيع سراً إذا قلت أن «العربي الجديد» موقعاً، وصحيفة، وفضائية لا دخل للإخوان به؟! وليس على وفاق معهم، بل سأذيع سراً بأن كل الزملاء الموالين للشرعية الذين توسطنا لهم للعمل سواء من القاهرة أو من خارجها لم يتم قبول أي شخص منهم، وكان «قطب» وسيطاً في أكثر من حالة وليس صاحب قرار، ولم تنجح وساطته ابداً؟!
المدهش أن يسري فودة، دخل «مؤاجراً» في المعركة فأرهق نفسه بتحقيق استقصائي، توصل خلاله لبيانات عن الشركة المسجلة في لندن، وهي بيانات لا تستحق كل هذا التعب لأنها معروفة، لكنها أزمة يسري الذي كان كثيرون، ولست منهم، يظنون أنه بمهنيته لا يمكن أن يكون عازفاً في كورال الانقلاب، أو متجاوزاً لجرائمه، وهو الذي لم ينجح في أن يكون على مستوى عظمة زميلته بقناة «اون تي في» ريم ماجد التي اعتزلت الفتنة عندما كان من مستلزمات الاستمرار ان تكون بوقاً وتبرر الجرائم وتنحاز للإجرام.
اصطلاح «مؤاجر» يطلق على من يشاركون في تشييع الجنائز، ويبدو أن فودة وجد أمامه جنازة فقرر أن «يؤاجر»، فكان كلامه عن الإعلام الجديد لا يليق به ولا بمهنيته. لكن أذل الحرص أعناق الرجال.
السيسي لم يفزعه فقط «العربي الجديد» لكنه أزعجته أيضاً فضائية «مكملين»، التي لم انشغل بمتابعتها، كما أزعجته «مصر الآن» وهي نفسها «مصر 25» وقد تم تغيير اسمها بعد الانقلاب وبثت من بيروت قبل أن يتم الغدر بها هناك، ومع أنها لم تكن بالفضائية المؤثرة أو الناجحة، لكن السيسي منزعج منها، ونقل انزعاجه لأذرعه الإعلامية، فكانت «وصلة الردح» التي قاموا بها.
لقد قدم السيسي صورة كلية للإعلام الجديد الممول خارجياً، والذي يهدد بإسقاط انقلابه، وأذرعه الإعلامية في وصلات الردح اجتهدت وقدمت مذكرات تفسيرية لما قاله. فذكرت رولا خرسا أن قناة «الشرق» إحدى هذه الفضائيات المتآمرة، وذكر أحمد موسى أن من المواقع موقع «التغيير» الذي يكتب فيه أحد المعتقلين من مجموعة علاء عبد الفتاح. وذكر موسى أيضاً أن من يقوم عن القناة الجديدة في لندن هو فيصل القاسم.
موعود فيصل القاسم بالاستبداد المصري، فقد ناصبه نظام مبارك العداء، لأنه جعل سيرته على كل لسان، وعامله على أنه مسخرة الانظمة في برنامجه «الاتجاه المعاكس» لكن الآن عند فيصل ما يشغله عما يجري في مصر، فهو مشغول لأرنبة انفه في الثورة السورية، لكن ومع هذا تم استدعاؤه على يد النظام الوريث لنظام مبارك ليكون هدفاً له.
المثير أن عبد الفتاح السيسي رغم أن ترسانة إعلامية تدعمه وترش بالنار من يرشه بالماء، إلا أنه يخاف من أي صوت لا ينتمي إليه فينادي أنصاره: «إني أغرق تحت الماء» فينفرون خفافاً وثقالاً.
والأكثر إثارة أن يكون هذا هو مستوى الأجهزة الأمنية المكلفة بجمع المعلومات وهو أمر كاشف عن أن القوى المؤيدة للشرعية لم يتم اختراقها بعد.
فعلاً محروسة يا مصر ببركة أولياء الله الصالحين.

صحافي من مصر
[email protected]

سليم عزوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هادي بودربالة تونس:

    تسعى سلطة الإنقلابيين جاهدة إلى كتم كل الأصوات المعارضة و حتى المفترض معارضتها فهم يحسبون كل صيحة عليهم . لذلك كان تركيز قائد الإنقلاب على الإعلام لتدجينه من ناحية و لتلميع صورته من ناحية أخرى و هو دليل على غياب الإنجازات الفعلية على الأرض و قد ازدادت هذه الحقيقة وضوحا بمرور الوقت لا سيما بسبب الأذرع الإعلامية الفاشلة التي تقف في صف النظام.

  2. يقول العز بن عبدالسلام:

    مقال رائع جداً.. وانصح بالاستماع إلى الشيخ هاني السباعي من لندن له كلام رهيب يشفي الصدور…

  3. يقول كمال التونسي ألمانيا:

    السيسي بات أفضل كوميدي على الساحة العربية يليه مباشرة عكوشة ….ذهب عصر‹‹ مدرسة المشاغبين ›› بطولة سعيد صالح و عادل إمام …وجاء عصر مسرحية ‹‹ مدرسة الإنقلابيين ›› بطولةالممثل الكبير عبد العاطي و الكوميدي القدير السيساوي و الكومبارس توفيق عكاشة و الإخراج لفيفي عبده …..فمشاهدة طيبة للجميع :) على قناة صافيناز

  4. يقول ربى/ فلسطين:

    دمت لنا ودام تألقك الدائم .

  5. يقول ام احمد:

    رائع كالعادة أستاذنا سليم عزوز .. احدي مصائب مصر الكذب السياسي والإعلامي وتلفيق التهم حتي القضاء والنيابة دخلوا في النفق السياسي الضيق الذي اثر في نفسية المواطن المصري وسمعته الخارجية .. الانحدار الذي نراه جميعا سيكون وبال علي الأجيال القادمة .. مصر تفقد دورها الريادي .. النظام المصري يسعي لتحقيق أجندته قبل التوافق والتراضي ..

  6. يقول bekhalfi:

    لو كان الانقلاب من ابناء مصر فقط لابئس لاكن حينما من الخارج و من اين ؟ من دوال لا حضارة لا تاريخ لا قوة

  7. يقول امينة ابراهيم عيسى:

    شكرا لك سيد عزوز
    مقال رائع جدا

  8. يقول ناصر الجزائري:

    فعلا مقال رائع فالاعلام المصري الحق العار بالعرب والمسلمين لم نكن نعلم ان سبب سقوط الاندلس هم جماعة الاخوان ولم نكن نعلم ايضا ان الضفاع المصرية اقتحمت الاسطول الامريكي واسرت قائده لولا الاعلام المصري لتاهت منا هذه الحقائق المبهرة والمعلوات التي
    يزودنا بها المصريون كثيرة ولا يتسع المجال لذكرها فشكرا لك اعلام المتصهينين وجزا الله المصائب عنا كل خير فبهن عرفت عدوي من صديقي

  9. يقول shivan salman:

    اللهم سهِّل فلا سهل إلا ما جعلته سهلا

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية