الشاعرة الأردنية هناء البواب: النقد غير قادر على مواكبة المنجز الشعري العربي

حاورها: نضال القاسم
حجم الخط
0

من بين التجارب اللافتة في المشهد الشعري الأردني تأتي تجربة الشاعرة هناء علي البواب، معتمدة الخروج على الأشكال الثابتة للكتابة الشعرية، حاملة رؤى مغايرة بدون استعراضات فارغة تحت مسمى المعاصرة، من هنا تأتي أهمية تجربتها الشعرية والفنية. يُذكر أن هناء البواب تحمل شهادة الدكتوراه في اللغويات، إضافة إلى كونها أكاديمية وناشطة ثقافية، وترأس تحرير مجلة «مدارج» الفصلية التي يصدرها بيت الثقافة والفنون في الأردن. وكان لـ«القدس العربي» معها هذا اللقاء..

■ بجانب الشعر وبالإضافة إلى جهودك في مجال الإخراج، فأنت تكتبين أيضاً في مجال المسرح، وأصدرت عدة كتب مسرحية، برأيك كيف يمكن لكل هذه التركيبة المتشعبة أن تنسجم في شخص واحد، وهل أنت راضية عن مسيرتك حتى الآن؟
□ الكتابة رسالة والمهم كيف أكتب للواقع اليوم، في ظل الصراعات المختلفة القائمة، هل سأتمكن بالفعل من أن أكون مرآة لمجتمعي وانعكاسًا صادقًا لآلام شعبي وآمالهم؟ أم أنني سأسعى جاهدة للخروج بالقرّاء والناس جميعًا إلى سماوات الأدب الرحبة والخيال المحلّق بما أكتبه من نصوص نثرية أو شعرية. وسواء شعراً أو نثراً لا شك في أني سأبقى مهمومة بهموم وطني متورطة، شئت أم أبيت، في الدفاع عن قضاياه، حريصة على الكشف عن مشكلاته وأزماته، وأنا في ظل هذا السعي الدؤوب أعبّر بوسيلتي الوحيدة الباقية وهي الكتابة، التي يطاردها هي الأخرى بعض المشاكل ويتناوشها الكثير من العقبات، ولكنني أراها المنفذ الوحيد للتعبير عن قدرتي على استكشاف النص الحقيقي الذي لم أصل إليه حتى الآن.
وأن تكون راضياً عن نفسك كل الرضى فأنت وصلت إلى خانة مغلقة من الجمود، ولن تستطيع أن تحرك راكداً بعد ذلك.

منذ استوعبت لغة الكتابة وحرفيتها، أصبحت أعتمد اعتماداً كلياً على الكلمة المستفزّة والراكزة والمدهشة، اللغة التي تتحدث بلا ترهّل أو زيادة.

■ متى توطدت علاقتك بالشعر؟ وما هي طبيعة التصور الشعري الذي تم على أساسه ديوانك الجديد «أنثى الكريستال»، وما هو مدلول هذه التسمية؟
□ الشعر ليس خياراً، وكتابته ليست اختياراً، فالأمر قدر، إذ وجدت نفسي أكتب بدون توجيه من أحد، وأنا في بدايات الطفولة التي أبحث فيها عن نفسي، وأتلمس طريقي، ثم اطلعتُ آنذاك على بعض مؤلفات جبران وإيليا أبو ماضي والمنفلوطي، وقرأت شعر المتنبي وشوقي وحافظ إبراهيم، وشُغِفْت بما يكتبون، وبدون ترتيب وجدتني أخطو بدوري، أحفظ الشعر وأقرأه وحدي وأردده. وحين كانت بدايات نشري للكتب مع «جدار الأعين الخرساء» وبعده «لعنة الشعراء» وصولاً إلى «أنثى الكريستال» فإنني وجدت أن الشعر والأدب والفنون في كافة تجلياتها تتجسد من خلال الذات تجاه أي موضوع وتأثيره في تلك الذات الإنسانية. أما رسالتي في الديوان فكانت خطاباً للأنثى المهزومة التي تبحث عن قوة تتشبث بها، لذلك الكريستال الذي مهما تهشم يبقى قوياً، والأنثى كذلك.
■ كيف انعكست دراستك الأكاديمية على اللغة في شعرك؟
□ منذ استوعبت لغة الكتابة وحرفيتها، أصبحت أعتمد اعتماداً كلياً على الكلمة المستفزّة والراكزة والمدهشة، اللغة التي تتحدث بلا ترهّل أو زيادة، يمكنني أن أتخلى عن الوزن والقافية، ولكن أعيش على الإيقاع الداخلي للنص وحركة المفردات فيه، فاليوم وبعد أن ارتكزت على مفاهيم أكاديمية عميقة في اللغة، واستطاعت أن تبني في داخلي مفهوماً عميقاً للكلمة، فإنني أحاول أن أكتب القصيدة السردية التعبيرية، التي تعتمد على نقل الإحساس العميق والشعور المتدفق، فلا بدّ أن أجعل لغتي تبعث في نصوصي إيقاعاً صورياً متحركاً، وحسّياً متدفقاً مختلفاً عن لغة غيري.
■ ما هي الرسالة الثقافية التي تودين إيصالها من خلال بيت الثقافة والفنون كمؤسسة ثقافية؟
□ يعمل بيت الثقافة والفنون تحت رؤية واضحة، هي ثقافة أردنية مجتمعية مدنية ذات بُعد إنساني ورسالته: النهوض بالفعل الثقافي الأردني وإطلاقه في فضاء إبداعيّ حرّ، وبناء قدرات المجتمعات المحلية لإدارة الفعل الثقافي، واحترام التنوع الثقافي، وتجسيد قيم الحوار والعيش المشترك، كذلك ترسيخ قيم الحوار وتوسيع دائرة الوعي المجتمعي، والنهوض به إلى مصاف المجتمعات المدنية، التي تؤثث حياتها بالفعل الجمالي المسالم، إلى جانب إتاحة الفرصة للتنوع الثقافي والاختلاف الإيجابي، مساحة من الحرية العالية لتبادل الآراء، فجميع أنشطته هي بمثابة تطبيق لرؤية البيت التي تذهب إلى رعاية الإبداع وإيجاد المناخ المناسب لإطلاقه والتعريف به، عبر تشاركية عضوية مع المؤسسات ذات الصلة وتوسيع رقعة الشراكة لتصل إلى جميع أراضي الأردن، بدون التخلي عن الفضاء العربي والهويّة القومية والحفاظ على خصوصيتها.
■ حصـــــلتِ مؤخراً على جائــــزة رفقـــة دودين للعمل التطوعي، التي تمنحها رابطة الكتاب الأردنيين، ماذا تعني لك هذه الجائزة؟ وأيــن أنت من الجوائز الأدبية؟
□ الجائزة هي نتاج عمل متواصل من التطوع وليست مبتغى أو هدفا، وعندما كنت أنظم البرامج وأحلم بإيصال برنامج بيت الثقافة إلى أوسع قاعدة من الناس لم أبحث عن جائزة، أو حتى أعلم بوجودها، لكنها شكلّت دافعاً مهماً لي لمواصلة العمل. علما بأن الجائزة ليست جائزة أدبية، وإنما تختص بمنجزات العمل التطوعي. أما بخصوص أن الجوائز تعاني من المحاباة والشللية فهذا أمر يتكلم به الجميع، ولم أتلمسه، كون المتقدم للجائزة يدرك بشكل دقيق بشروطها المعلنة، فعليه أن يقبل بنتائجها بغض النظر عن رأيه الشخصي، ولاحظت أن معظم المعترضين دوماً على الجوائز هم ممن لم يفوزوا بها، ويعود الأمر في النهاية إلى قوة أي نص أدبي مقدم وإلى حيوية لجان التحكيم.
■ وماذا عن المشهد الثقافي العربي؟
□ المشهد الثقافي يتغير حسب متغيرات الزمن، والحياة التي نتعايش معها، فالمثقف اليوم واقع في حيرة بين الواقع المفكك، الذي نراه، التحدي في إعادة صياغته الفكرية والثقافية، وفق القبول والتسامح والإنتاج الفكري، بدون أي أفق للرفض، فالمشهد الثقافي لم يكن في أحسن حالاته، وربما يعاني هشاشة وضعفًا في التخليق والإنتاج والتأثير عمومًا، وربما يشكو المثقف من الاستلاب الثقافي من مهمتها وقواعدها وفضائها الرحب.
■ وما هو دور الأدب في المجتمعات العربية، هل هو أداة للتغيير أم ماذا؟
□ يعاني مستقبل الثقافة العربية من ضبابية وارتباك كبيـــــرين، والأدب جــــزء من هذه الثقــافة، التي مازالت تبحث عن شكل مختلف لها لتتبلور فيه وتستطيع إقناع المثقف بشكلها، ولأن المثقف الحقيقي متمرد ومختلف، فلابدّ أن تكون كلمته الأدبية مؤثرة في المجتمع العربي. ولابد من الاعتراف بأن هناك مشكلة حقيقية تقطع بين المثقف ومجتمعه، وهي كوننا لم نستطع بعد أن نستوعب مفردات الحداثة، ولم يستطع العرب أن يتواصلوا مع تراثهم، ولا حتى مقاطعته، إذا كانت هناك قطيعة إبداعية ومعرفية.
■ هل ينافس الأدب النسوي عموماً أدب الرجال، وأيهما أصدق وأقرب إلى الواقع؟
□ المصطلح «النسوي» يحصر المرأة في جانب واحد، في الأغلب تتم صياغته بصورة البيان أكثر منه تكوين صورة أدبية، ولابد من التعامل مع الأدب في بيئته العادية، فلا توجد ضرورة تحتم الكتابة بصيغة نسوية، حيث إن الكتابة عن المرأة لا تقتصر على المرأة وحدها، فهناك أعمــــال توصـــف بالنســـوية ويكتبها أدباء رجال. فمعنى ذلك أن التصنيف للأدب يوقعنا في إشكالية أن المرأة لابد أن تكتب عن المرأة، والرجل لا بد أن يكتب عن الرجل، فالأدب هو الأدب، ولا يختلف باختلاف جنس كاتبه، وكثير من الأمثلة تدل على ذلك حين كتب نزار قباني، وإحسان عبد القدوس، وغيرهم حيث عبروا عن المرأة ومشاعرها وما يدور بوجدانها بشكل رائع، يفوق في تصويره خيال المرأة ذاتها.

الترجمة جزء مهم لأي كاتب يحترف العلاقة المهمة بين نصه والآخر، الذي يمكنه تناول الكلمة لقراءتها، فالترجمة مختبر شعريّ.

■ ما هو دور وسائل التواصل الاجتماعي في التعريف بالشاعر؟
□ في الوقت الذي ساهمت فيه وسائل التواصل بقطع المسافات الجوية عبر لحظة رقمية، لا يمكن حسابها، فهـــي ساعـــدت أيضاً في إفساد روح النص الأدبي، وذوق المتلقي الفصـــيح، وأضاعت الكلمة السليمة والكاتب المتمرس، فتم إقصاؤه، في وقت يتساءل البعض، هل أصبحت هنـــاك حاجة لقراءة نص متّزن متعافٍ من الوجع، في عصر أصبح المؤلـــف يصنع شــهرته من خـــلال مواقع التواصل الاجتماعي؟ ثم كيف من الممكن أن تقنــــع شخصاً يحصد الإعجاب بما ينشر، بأن منتجه الأدبي سيئ وبحاجة إلى إعادة ترميم؟ وهل من الممكن ضبط الناشر وإلزامه بعدم النشر، في ظل هذه الدوامة العصرية التي بتنا نضع رؤوسنا تحت قبعات الإخفاء لنهرب من فرض نصوصهم علينا، صار الكاتب الحقيقي خارج الدائرة.
■ وما هو دور الترجمة بالتعريف بالكاتب؟ وهل تعتبر الترجمة خيانة للنص الأصلي؟
□ الترجمة جزء مهم لأي كاتب يحترف العلاقة المهمة بين نصه والآخر، الذي يمكنه تناول الكلمة لقراءتها، فالترجمة مختبر شعريّ. فيها يمكن أن نتعرف على أسرار أي أعمال أدبية جديدة ومثيرة للاهتمام، ومنها نرحل إلى مناطق أبعد في المعرفة والإدراك الحسي، ويحتاج النص لمترجم يمتلك القدرة على فهم النص الأدبي واحتوائه قبل معرفته باللغة الأخرى التي سيترجم لها، فيمكن اعتبار الترجمة خيانة حين يقع النص بين يدي مترجم لا يدرك من اللغة سوى مفرداتها الحرفية بعيداً عن انزياحاتها وصورها وبناها الفكرية، فإن لم تتلبس الكلمة روح المترجم ليخرجها بصياغة فيها اللمسة الحنونة على الكلمة لا حاجة للترجمة.
■ إلى أي مدى يواكب النقاد التجارب الأصيلة؟
□ النقد سلاح متمرد على النص الأدبي، وما من ناقد إلا ويبدأ سطوته الأولى في البحث عما يريده قبل النظر إلى مجمل النص ــ على الأغلب ــ فالمشكلة في تعاطينا مع النقد وتعاطي النقاد مع النص الأدبي لا تقع على النقد أو النص النقدي، بل على الطريقة التي يتم التعامل فيها مع المنتج الكتابي، فهناك الكثير من التصادم بين الناقد الأكاديمي الذي لا يسمح بفوضى استخدام المصطلحات والتطاول على النظريات والقفز على شروحات العملية النقدية، التي جاء بها النقاد الكبار في العالم، والناقد غير الأكاديمي، بمعنى أن هناك اتهامات دائما تطلق من النقد الأكاديمي إلى النقد غير الأكاديمي، وهو ما ولّد صراعا كبيرا، وعندها ضاع النص بينهما. فهناك أصوات شابة وقصائد جيدة، ليست المشكلة في المشهد الشعري والأدبي فقط، بل تكمن المشكلة أحياناً في المشهد النقدي، فهو غير قادر على مواكبة كل المنجز الشعري، وإن حاول مواكبته فبشكل عابر، يخلو من النظرة الشمولية التي تستحضر خصوصية الكتابة الشعرية في كل الأقطار العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية