الدار البيضاء ـ من رضوان السائحي: على هامش فعاليات المعرض الدولي للكتاب في دورته التاسعة عشرة، الذي نظم بمدينة الدار البيضاء بالمغرب تحت شعار’ لنعش المغرب الثقافي’، مستقبلا بين أروقته دولة ليبيا كضيف شرف، أقيم حفل تسليم جائزة الأركانة العالمية للشعر في دورتها السابعة للشاعر الإسباني أنطونيو غامونيدا، الذي يعتبر واحداً من أهم الأصوات الشعرية المعاصرة في إسبانيا، بحضور وزير الثقافة المغربي وسفراء عدد من الدول الأجنبية، إلى جانب شعراء وأدباء ومثقفين من شتى أنحاء العالم العربي.
الجائزة يمنحها بيت الشعر في المغرب بدعم من مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، وبتعاون مع وزارة الثقافة المغربية، التي تبلغ قيمتها 12000 دولار.
في حفل التتويج أفاد رئيس بيت الشعر في المغرب الشاعر نجيب الخداري، بأن فوز الشاعر بهذه الجائزة هي التفاتة قوية ‘إلى جوار ثقافي وإبداعي ينسج عميق الصلات منذ القديم مع ثقافة المغرب وإبداعه. ولم تكن يوما أمتار المياه القليلة التي تفصل المغرب عن إسبانيا حاجزا عن صياغة مشترك خصب، شديد التوالد من التاريخ والثقافة والجوار’.
وقال وزير الثقافة المغربي ان تتويج بيت الشعر في المغرب، ‘لصديقه القديم الشاعر الإسباني أنطونيو غامونيدا بهذه الجائزة العالمية، يرسل إشارة عميقة في اتجاه المشترك الإسباني والتاريخي والثقافي بين المغرب وإسبانيا’.
وتزامن تسليم الجائزة مع إصدار كتاب يتضمن ترجمة من انجاز الشاعر المغربي خالد الريسوني، وهي ترجمة لاثنين من أهم أعمال غامونيدا الشعرية (وصف الأكذوبة) و(يشتعل الخسران). نقتطف هذا المقطع من العمل الأول:
ترسب الصدأ في لساني مثل طعم الاختفاء
اقتحم النسيان لساني ولم يصدر عني سلوك آخر سوى النسيان،
ولم أقبل قيمة أخرى سوى الاستحالة
مثل مركب محترق في بلاد انسحب منها البحر،
استمعت إلى استسلام عظامي وهي تترسب في القرار،
استمعت إلى فرار الحشرات وانصراف الظل عند التحاقه بما تبقى مني،
استمعت حتى كفَّت الحقيقة عن الوجود في المكان وفي روحي،
ولم أستطع أن أقاوم اكتمال الصمت.
لا أومن بالابتهالات لكن الابتهالات تؤمن بي:
أتت مرة أخرى مثل أشُنَّات لا مفر منها.
يتسلل اختمار الصيف إلى قلبي فتنزلق يداي المتعبتان في التمهل.
تأتي وجوه دون أن تعكس ظلا ودون
أن تجعل بساطة الهواء تطقطق
دونما هيكل عظمي ولا انتقال كما لو كان
قوامها فقط في فحوى عيني وفي وحدة كلماتي وفي كثافة أسماعي.’
وسبق للجنة تحكيم جائزة الأركانة العالمية، التي تكونت من محمد العربي المساري (رئيساً)، ومن الأعضاء الناقد عبد الرحمن طنكول، والشاعر حسن نجمي، والشاعر نجيب خداري، والشاعر خالد الريسوني، أن ذكرت في بلاغ لها أن منحها الجائزة للشاعر الإسباني هي تحية ‘لتجربة شعرية عميقة تحتفي بالتخوم وبتأمل الموت من مشارف الحياة، باعتباره يسكن عمق نظرة كونية تتشكل من مادة الوجود والحياة، وهما يتأرجحان في مسارهما بين لا وجودين: العدم والموت لشاعر إنساني كوني نسج مع الشعر علاقة مصاحبة وتأمل وود، مثلما نسج مع بيت الشعر في المغرب علاقة صداقة وطيدة منذ تأسيسه إلى الآن. فأنطونيو غامونيدا عضو في الهيئة الشرفية للبيت وشاعر أضاء بحضوره الجميل البيت في الدورة الأولى لمهرجان الدارالبيضاء العالمي للشعر، كما يتوج فيه الصوت الشعري المتفرد المقيم في خلوته المتأملة للذات وللوجود وللحياة وللموت، في تلك الضفة الشعرية الأخرى التي تسكن وجداننا العربي’. وجاء هذا التتويج بالجائزة تتويجا للشعر الاسباني كما هو ‘تتويج للصوت الذي استطاع بشعريته المتدفقة أن ينبثق من الهامش، وأن يتمرد بصمت على التجاهل والنسيان بسلطة كلمة الشعر المتألقة، وأن ينال ما يستحقه من مكانة وتشريف في عالم الشعر والأدب لأنه- ببساطة – ظل وفيا للعمق الإنساني الذي يمثله الشعر’.
ولد الشاعر الإسباني أنطونيو غامونيدا’ في أوفييدو، في 30 ايار/مايو1931، وهو ابن الشاعر الإسباني أنطونيو الذي نشر عملا وحيدا ‘حياة أخرى أرقى’ عام 1919.. انتقل مع والدته أميليا لوبون إلى ليون بعد وفاة والده عام 1934، وبفضل قراءته لكتاب والده تعلم القراءة في سن الخامسة بعد إغلاق المدارس أبوابها عام 1936. وينتمي غامونيدا إلى ما يسمى بجيل الخمسينات، الذي يطلق عليهم اسم ‘أطفال الحرب’ إلا أن أعماله الشعرية تتسم بخصائص تختلف عن الجيل الذي ينتمي إليه، فهو يتميز بالعمق في الرؤية، منعزل، وسوداوي تتميز قصائده بملامح لا عقلانية تعمل على تعميق الإحساس بالاغتراب الوجودي.
حصل غامونيدا على جوائز عديدة أهمها جائزة قشتالة ليون للآداب عام 1985، والجائزة الوطنية للشعر عام 1988، والجائزة الأوروبية عام 1993، وجائزة الملكة صوفيا للشعر الإيبيرو أمريكي عام 2006 ، ثم جائزة ثيرفانتيس للآداب عام 2006.
ومن أعماله الأدبية:
مورتال (العاطفة والنور لخوان بارخولا) (1936)
الأرض والشفاه (1947-1953 )
انتفاضة جامدة (1953- 1959)
وصف الكذب النسخة الأولى (1977)، النسخة الثانية (1986)، النسخة الثالثة (2003)، النسخة الرابعة (2003)
بلوز قشتالي (1961-1966) النسخة الأولى (1982)، النسخة الثانية (1999)، النسخة الثالثة (2007)
الدمية والقدر (1980)
شواهد القبور (1986)
العمر (1947 1986)
كتاب الصقيع (1992)
حارس الثلج (1995)
كتاب السموم (1995) عن الفساد والخرافة من الكتاب السادس لبيدسيو ديسكوريدس وأندريس دي لاجونا عن السموم القاتلة والحيوانات التي تلقى حتفها.
سيسيليا (2004)
إعادة صياغة (2004)
هذا الضوء (1947- 2004)
وحسب معطيات نشرها بيت الشعر في المغرب، فالشاعر ظل قابعا في منطقة الهامش أو منطقة النسيان والتجاهل داخل الدوائر الأدبية الإسبانية لسنين طويلة، إلا أنه استطاع أن يخرج من منطقة الظل بفضل عمق تجربته الشعرية، ليفرض صوته كقيمة مضافة وأساسية في مسار الشعر الإسباني خاصة والشعر العالمي عامة.