من الملاحظ أن الشعر العراقي الجديد، حقق خلال السنوات الأخيرة، نقلة من لغة الاستعارة، إلى لغة المجاز المرسل، التي لكونها مميّزة بالتجاور والتعاقب، تكشف عن مركز حيث المخيلة طاقة وليست بؤرة، حسب قول جاكوبسن. فها هو الشاعر ميشيل الرائي أو «دادا المعظم» في العراق قد حوّل الكلمات التي أفرزها الواقع العراقي المأساوي (فيلة مجففة، غواصات، نافورات معطلة، المنقار الشعري، نباح الطري، جدار يغادر المنزل، صفير الحمامات، إلخ)، إلى جزء من المعجم الشعري المختلف والجديد على الساحة الشعرية العراقية والعالمية، محاولا الانفلات من مقاربات جاهزة، ومن قوالب شعريه تنتظر متكأً ما. هذا الانفلات يضعه على تماس فوري مع لغة الحاضر، حراً في خلق المعنى. فكل قصيدة/ شطحة تحمل حصّتها من لب الجنون الشعري المنفلت من العلب المليئة بالصراخ، قصيدة مشغولة بمفاهيم شعرية جديدة، لم يتمكن أي شاعر من الولوج لها في هذه المخاطرة. فالقصائد في ديوانه «غرف بطيئة الحركة» عبارة عن حركة شعرية كاملة، ليس لغرفة فقط، وإنما لمدينة كاملة تزحف نحو الهاوية. فكان حواراً..
□ ما هي توابل قصيدة النثر؟
■ الهروب من «تدريب الفيلة» داخل قصيدة مليئة بالأحداث، جعل كل شيء من لا شيء. فك وإعادة تجميع الكون، وإضفاء أشكال جديدة من خلال «الاختراق الدائري» أو الاستفزازات المستهدفة على الشكل الواحد.
□ ما موقفك من تجنيس النص الشعري؟
■ قرع الطبل من أجل انتقاد النقاط العمياء للمجتمع. التجنيس بار صغير مدخن أصبح نادياً فنيا لهراء نافورة العمل. التجنيس الإعلان عن جندي مدفون في خنادقه.
□ هل الريادة خرافة بنظرك؟
■ الريادة رافعات عملاقة تطلق القبر في البحار البرية
□ هل القصيدة كائن حي؟ ومتى تموت؟
■ نعم القصيدة كائن حي يشيخ، وتموت القصيدة عندما يكون هناك «الكثير من الضوضاء ضد أي شيء».
□ بعد الانشقاق عن التراكيب الأخرى لفيزياء النوم إلى أي جيل تنتمي؟
■ إن «الادعائية أو الدائرية» هي أكبر خدعة في القرن..
«في مغامرات جديدة
ستذهب إلى أرض البوق
دادا يحبك! دادا يريدك! عش هنا».
أنا لا أنتمي لأي جيل. أنا انتمي لفني وعبثي بالكلمات، أنا أتمرن على قصيدة تكون كالانفجار، على حد تعبير هوغو بال، ولا أريد من أحد أن يضعني تحت أي مسمى.
□ ماذا عن تجربة جيل ما بعد التغير وهل تعد مرحلة للتجديد في الشعر العراقي؟
■ جيل محطم جيل ولد بشكل مكرر لتجارب مشوهة وفهم مغلوط لما يسمى بقصيدة النثر العربية. لا أنكر أن هناك محاولات فردية في هذا الجيل، رغم أنني لا أؤمن بمفهوم المجايلة. أنا أعتقد أن هناك جيلا مركزيا واحداً (الجيل الستيني) أما الأجيال الأخرى، فهي أجيال إعادة ترتيب الأدوار. ففي الجيل الستيني صراع بين المد الشيوعي والبعثي، وصراع الهوية من جهة وصراع الريادة. هذا تكرر في الجيل السبعيني والثمانيني في العراق، أما في الجيل التسعيني قلّ هذا الصراع.
□ ما هو تعريف الكتابة والشاعر في نظرك؟
ـ الشاعر صندوق لمواد مستهلكة والكتابة عملية كب لمحتوياته بحثا عن شيء غير ضروري.
□ متى يتوقف بث دادا عن العالم؟
■ هناك دادا التاريخي، وهناك دادا المكان المفتوح، الخضر السام في نهاية الغرفة. هناك دادا الفوضى (بيان القمامة ثنائي اللغة) وهناك دادا اللب الدادائية، تجعلك لا مؤلفا، أو هو وسيط بين الكتابة واللاكتابة. هناك دادائية القشرة، ويمثلها التيار الألماني، خصوصا ريتشارد هولزنبك الذي أراد من الدادائية أن تكون البلشفية الألمانية، حيث القتال الشرس ضد التعبيرية، وهذه الدادائية التي باتت مهرج الله على حد عبارة هولزنبك نفسه. وهناك الدادائية اللب المتمثلة بخط تريستان تزارا، حيث كل واحد ينجز نمطه الفني الخاص به. فدادا هي لوح إعلانات التجريد، أنا أنتمي إلى التيار الثاني الذي لا يموت ولن يتوقف عن البث. .. الفن مات وعاش الدادا
كاتب عراقي
حوار عظيم و ميشيل عظيم بكل شيء