الشباب وما أدراك ما الشباب سيادة الرئيس!

سيادة الرئيس: هناك غضب بعضه معلن وكثير منه مكتوم، ويبدو أن مصر الرسمية ليست على دراية كافية في سبر أغوار المواطنين كي تتعرف على مشاعرهم ونواياهم الحقيقية، خاصة سبر أغوار الشباب بتنوع توجهاته وتعدد مهاراته وأفكاره، وتتعامل معهم بمنطق الآمر الناهي وبطريق الضبط والربط، ويتسم جهدها بالسطحية وغياب العقل المؤهل. ويبدو الاحتقان غالبا على المشاعر العامة، بجانب استقطاب حاد بين مهتمين بالقضايا العامة والسياسية، وبين مواطنين شغلتهم مصاعب الحياة ومتطلبات الرزق ورغبات الاستقرار.
وتتواصل كتابة الرسالة الممتدة إليكم بعد عودة إلى القاهرة، ولمست من الانطباعة الأولى والسريعة مع أول من التقيتهم اعجابا بما تقوم به وزارة التموين، والإشادة بجديتها في حل مشكلة الخبز المزمنة، حتى أصبح يزيد عن حاجة المستهلك العادي، بجانب ما وفرته من ملايين الجنيهات تبعا لذلك. وقد لا تشعر الفئات الأكثر دخلا بهذا الاعجاب، أو التغيير الذي مس مصالح الفقراء وحاز رضاهم.
هذا مدخل وجدته ضروريا وأنا أتعرض لحال الشباب، وإذا كان التعاطي معه قبل كانون الثاني/يناير 2011 قد قام على اختزال أجيال الشباب في شخص جمال مبارك، ومن معه، من حيتان المال والثروات والأراضي والشركات العامة المنهوبة. وبعد ذلك التاريخ تجاوز الشباب ذلك الاختزال المشخصن إلى سيولة وتعددية فيها اتفاق واختلاف، وحياد وتناقض، وصداقة وعداء، وهذا عَكَسَ طبيعة ثورة لم تتوجه شطر الأكثر احتياجا للإنصاف والعدل، ولم تنحز لهم بالدرجة الكافية رغم شعاراتها النبيلة والإنسانية التي لم تُطبق بعد. وإذ أكرر نفسي حين أقول إن حكومة مصر تدخل السباق بجواد واحد يمسك بلجامه المقاولون ورجال المال والأعمال، بعد نجاحهم في إبقاء الخريطة السياسية والاجتماعية على حالها وبشكل أكثر استفزازا وتحديا من ذي قبل، وما زالت لم تتجاوز حدود المصالح الخاصة، وحصرها داخل دائرة القوى القديمة بقدر الإمكان!!

سيادة الرئيس:
علينا أن نسأل ماذا يريد الشباب من مصر وهي في هذا الحال؟ والرد باختصار هو أن ما يريدونه يختلف من فئة إلى أخرى، وبين كل فئة يختلف المسيَّسون عن غير المسيَّسين والقادرون عن العجزة والموهوبون عن الخاملين، لكن كلهم يتفقون تقريبا على ضعف الاهتمام بهم، وإن كان هناك اهتمام فيتوجه للقادرين والمحظوظين بالثروة أو النفوذ والقوة، وعلى غيرهم العمل على خدمتهم والسهر على راحتهم، مقابل بعض فتات من حصيلة الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي الذي يمارسه هؤلاء.
هناك اتفاق غير مكتوب بين أباطرة القطاع الاحتكاري المصري بتطويع الشباب من لحظة التحاقه بالعمل، حتى أن بعضهم يرغمه بالتوقيع على الاستقالة في لحظة التوقيع على عقد العمل، ويتحول رب العمل إلى «كفيل» يتحكم في حياة الموظف أو العامل الوظيفية والخاصة، وإنْ احتج يُفصل بلا حقوق أو تعويض عن سنوات عمله، قلت أم كثرت.
أما القطاع الخاص الصغير وأصحاب سيارات الأجرة والورش والمحلات والمطاعم والعيادات الطبية فالعلاقة تكاد تكون شخصية وأكثرها بؤسا وبلطجة كانت مع سائقي الحافلات الصغيرة (الميكروباص)، وكذا كان حال صبية «التك تك»، وكانت تعبيرا عن مصالح كثير من أرباب السوابق، وغالبا ما تحميهم عناصر في الشرطة، من المستثمرين في هذا المجال، وانتشرت تبعا لذلك ما يمكن تسميته «ثقافة الميكروباص»، التي نشرت الأغاني الهابطة وخطب التحريض على الفتنة الطائفية. وهذا موضوع غير مطروق كثيرا، ويتم تفاديه قدر الإمكان.
ومن بين خريجي الجامعات من يتملك أرضا زراعية من الدولة عوضا عن تشغيلهم في تخصصاتهم، في حين يحرم شباب الفلاحين والمزارعين من حق التملك، وهذا يبدو منطقيا عند أصحاب القرار، نظرا للعطب الذي نجم عن الصياغة المنحرفة للعلاقات الريفية، وصارت أقرب إلى نظام «الكاست» الهندي، أي بين سادة وأقنان، والمشكلة ليست في شباب الفلاحين والعمال وصغار الكسبة ومحدودي الدخل، إنما في سلوك الدولة وسلطاتها ومؤسساتها وأجهزتها تجاههم، واعتماد التوريث في المهن والوظائف المتميزة، ودعم أبناء الطبقات القديمة والأغنياء.

سيادة الرئيس:
الشباب الجامعي إما أنه يعمل بعيدا عن تخصصه، ومسؤولية الدولة مساعدته بالتدريب وإعادة التأهيل إذا ما اضطرته الظروف لذلك. في نفس الوقت يحرم من النشاط النقابي، وإذا كان النشاط السياسي يجلب المشاكل للاحتكارات المصرية ولوكلاء الاحتكارات الأجنبية الأحرص على المصالح الاحتكارية غير الوطنية.
وتهتم الدولة بنوع من الشباب، تغرس فيهم روح الاستهلاك والعمل الهامشي غير المنتج، بدعوى تحويلهم إلى رجال أعمال صغار! وإما أن يقبل بهذا أو عليه الانضمام لطوابير البطالة والهجرة والهرب للخارج. وغابت البرامج التي تركز اهتمامها على العمال والفلاحين، إلى أن طال الاضطهاد أبناءهم المتفوقين، حيث كُتب عليهم الحرمان من شغل وظائف القضاء والنيابة والسلك الدبلوماسي. ومؤخرا رفض مجلس القضاء الأعلى تعيين أكثر من مئة وثلاثين متفوقا في القانون في وظائف النيابة العامة والقضاء لكون آباؤهم من غير الحاصلين على شهادات جامعية عليا!!، وتطبيقا لمبدأ «اللياقة الاجتماعية»، الذي يُغلِّب معايير الثروة والنفوذ على العلم والكفاءة والتفوق، وهو مبدأ يعمل عمل «كشف الهيئة» للمتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة، وهدفه فرز ذوي الوساطات وأبناء المسؤولين الكبار والأثرياء ومن دفعوا «الإتاوة المالية» الميسرة للالتحاق بسلك ضباط الشرطة.
من المؤكد أن حرمان شباب وأبناء الفلاحين والعمال من حصاد تميزهم وتفوقهم، ومنعهم من الالتحاق بسلك القضاء والنيابة، يعيد مصر إلى عصر أشبه بعصر الاحتلال، وإلى زمن الفرز الطبقي واصطفاء الطبقات الأغنى والأقوى نفوذا وعصبية، ومصادرة حقوق الباقين!

سيادة الرئيس:
وإذا ما ربطنا ما سبق بعودة الألقاب وثقافة العبودية لاكتشفنا فداحة تأثير ذلك على الشباب. كيف يرى شاب قاضيا كبيرا يطلق على زملائه وتلاميذه من القضاة وأعضاء النيابة «ألقاب بك وباشا» في جلسة النطق بالحكم على الرئيس المخلوع، وهو ما استشرى بين سلطات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها.
والألقاب والرتب المدنية أُلغيت في الرابع من ايلول/سبتمبر 1952، وقبل سقوط النظام الملكي ذاته في العام التالي 18حزيران/يونيو 1953، وإذا أخذت النظم الملكية بنظام الرتب والألقاب المدنية فذلك لا يحدث في الحكم الجمهوري.
واستمرار قيم وتقاليد بقايا السلالات البشرية القديمة وراء انتشار ثقافة التمييز والعنف، ووصولها إلى الشباب، وتستغل في الانتقام منهم!!
مواجهة هذه الأوضاع مهمة شاقة للغاية لكنها ممكنة، إذا ما وجدت الإرادة وفتحت الآفاق المسدودة، ولذلك فمصر في حاجة لثورة بالمعنى الثقافي والعلمي تتجه صوب الشباب، وتشجعهم على التلاقي والتفاعل والتقارب وتبادل الأفكار وعرض المشروعات والرؤى والبرامج والمقترحات، مع إقامة «مفوضية جامعة للشباب». تتبنى ذلك وتدعو إليه من خلال مؤتمرات ولقاءات ودورات تأهيل لشباب الفلاحين والعمال والعلماء والمهنيين والعلميين والأكاديميين وأساتذة الجامعات والخبراء والمعلمين والمهندسين والفنانين ورجال الدين. وبها يمكن مواجهة الحراك الدموي لجماعات «العنف المسلح» وإيجاد حركة شابة حقيقية اجتماعية واعية وتنويرية. ويمكن للنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الزراعية والصناعية والحرفية، وأندية الجامعات واتحادات وروابط الطلاب والمرأة والرياضة والمنظمات الحقوقية الوطنية، يمكن لها أن ترفد كل هذا وتعمل على نشره في أنحاء البلاء. هذا إذا أرادت الدولة أن تتغير وتتجه نحو «الحكم رشيد»، الذي تتطلع إليه كل الأجيال.

٭ كاتب من مصر يقيم في لندن

محمد عبد الحكم دياب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سمير الإسكندرانى.....لابد لليل ان ينجلى:

    يعتقد السيد عبد الحكم وهو مصيب فى ذلك، ان الانجاز الوحيد الذى تحقق على ارض الواقع بعد الانقلاب، هو حل مشكلة الخبز المزمنة..
    وينوه السيد الكاتب لإعجاب من التقاهم بوزارة التموين ، والاشادة بجديتها فى حل هذة المشكلة ….
    لكن مالم يقلة السيد الكاتب هو ان صاحب هذة الفكرة الرائعة والتى ادت لحل هذة المشكلة ليس السيد الدكر وليست وزارة التموين او وزيرها!!
    صاحب هذة الفكرة الرائعة هو السيد الدكتور باسم عودة وزير التموين فى عهد الرئيس المختطف من قِبل وزير دفاعة والميلشيات التابعة لة!!!
    سيادة الرئيس الدكر:
    انقلابك فاشل !!
    سيادة الرئيس :
    عن طريق ذراعك الإعلامى، باستطاعتك ان تخدع بعض الناس لبعض الوقت ….لكن لا يمكنك ان تخدع كل الناس طوال الوقت…
    سيادة الرئيس:
    هذة الايام نداولها بين الناس..
    ولو كانت دامت لغيرك مكانتش وصلتلك !!!
    سيادة الرئيس:
    يسقط حكم الدكر
    يسقط حكم الكفتة
    يسقط حكم العسكر

  2. يقول عبد القادر:

    رسائل يوحي صاحبها من خلالها ان الرئيس مخلص ومن حوله فاسدون تماما كالمطبلين لحسني مبارك حينما كان رئيسا .

  3. يقول محمود المصرى:

    سيدى العزيز
    تلخيص المشكلة جيد و لكن الحل لم يخرج عن الحلول التى وضعت فى الستينيات لمواجهة “نفس المشكلة” و نتج عنها منظمات الاتحاد الاشتراكى و التى تغول اعضائها مع الزمن و استولوا على كل مقدرات الدولة لانفسهم و عائلاتهم و منهم الان المستشارون و القضاه و العسكريون و رجال المال و الاعمال الذين تنتقهد فى مقالك. الحل يكمن فى قوانين عادلة تطبق على الجميع لا تنظر الى وضع العائلة المالى او الاجتماعى و الا الانفجار قادم من الشباب لا محاله …. فقط مسئلة وقت

إشترك في قائمتنا البريدية