الشعوب تسأل فهل تجيب الدول؟

حاولت المرة تلو المرة أن أجد مبرّراً مقبولاً واحداً للتعامل السّكوني شبه اللاّمبالي، من قبل تجمعات قادة الأمتين العربية والإسلامية، بشتّى صورها ومستوياتها، تجاه المشهد المأساوي الكارثي المبكي، لعذابات وموت عشرات الآلاف من أطفال ونساء وشباب غزة المحاصرة المجوّعة المدمّرة المحترقة، المسحوقة في كرامتها وحقها في الوجود.
حاولت أن أجد في كل قواميس الدنيا كلمة واحدة، وفي كل أقوال حكماء الدنيا قولاً واحداً، وفي كل ديانات البشر ديناً واحداً، يستطيع تفسير أو تبرير ردّ هذا الفعل المحيّر، الذي تمارسه مجتمعات وسلطات دول العرب والمسلمين، يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد شهر، وقريباً سنة بعد سنة، من دون أن تُظهر ما تتطلبه الأخوة، أو المروءة، أو حتى النخوة الإنسانية، ومن دون أن تخاف أن تحلُ بهم لعنات الله وملائكته فيصبحوا على ما فعلوا ويفعلون نادمين.
أسأل نفسي يومياً: كيف يستطيع المسؤولون عن الذّود عن وجود وكرامة الأمتين العربية والإسلامية أن تغمض أعينهم في كل ليلة، من دون أن تلاحقهم أشباح عذابات غياب الالتزام العروبي والإسلامي والخلقي، ومن دون أن تمتلئ نفوسهم وقلوبهم وعقولهم بأصوات الاستغاثة والأحزان لفقدان الأم والأب والإخوة والأبناء والجيران، التي تطلّ عليهم يومياً، بل في كل لحظة، عبر شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، وعبر دموع القلّة الصحافية الشجاعة وهي تصف ما ترى وما تسمع يوماً بعد يوم، من دون أن ترى أو تسمع أية استجابة تكون أكثر من كلامية أو استجدائية عابرة. أسأل هذا العالم كله، بغضب يائس وباستغراب بائس: ما فائدة مئات مواثيق واتفاقات العهود والحقوق الإنسانية، بشأن حماية الطفولة ومنع الأذى عن المرأة، وبشأن معاقبة المجرمين القتلة الدوليّين إذا كانت جميعها صمّاء بكماء لا تسمع أنين الضحايا المدنيين المسالمين وهي تصرخ في وجه المجرمين، وتوقفهم عند حدّهم؟ أهو الخوف المريض المذل من قبل البعض، من ردود أفعال أمريكا هو الذي أوصلنا إلى هذا؟ أم هو الخوف من بطش اللوبي الصهيوني العولمي ومسانديه في الكونغرس الأمريكي؟ ثم هل يعقل أن أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، يساندها العديد من الدول غير الخاضعة للابتزازات الأمريكية الشهيرة، لا تستطيع أن تجعل الكيان الصهيوني يتراجع عن جنونه وحيوانيتّه واستهزائه، بقوانين الكون كلّه، ورفضه لكل قرار دولي حقوقي إنساني إغاثي، يؤدّي إلى إيقاف الجوع والعطش والأمراض والتدمير الممنهج لكل شبر من غزة وكل فرد من شعبها؟

أسأل هذا العالم كله، بغضب يائس ما فائدة مواثيق واتفاقات العهود والحقوق الإنسانية، بشأن حماية الطفولة ومنع الأذى عن المرأة إذا كانت جميعها لا تسمع أنين الضحايا المدنيين المسالمين

ألا تستطيع جميع هذه الدول أن تقرر قطع كل علاقة سياسية واقتصادية وثقافية وسياحية وأمنية، مع هذا الكيان في الحال، إذا ما استمر الإجرام الصهيوني في غيّه وجبروته؟ ألا يرى قادة تلك الدول العربية والإسلامية أن تصرفاتهم الغامضة تلك، قد قادت إلى مجتمعات، هي الأخرى لا تعرف ماذا تفعل، وتقف متفرجة ومنقسمة حتى لا تجد من يجيّشها لنصرة أخوتها، بعد أن نجحت سلطات الكثير من تلك الدول عبر السنين والعقود وعبر السطوة والإذلال في ابتلاع تلك المجتمعات، وفي تهميشها، وفي إشغالها بالخلافات والصراعات الطائفية والعرقية والثقافية المصطنعة؟ ألا يخبر المخبرون قادة تلك الدول بأن العالم كله أصبح يسأل يومياً عن ردود أفعال العرب والمسلمين، بعد أن أصبحنا في طريقنا لنكون أضحوكة واستهزاء لكل من هبّ ودب؟
ثمّ لماذا خلق القادة مؤسّستي الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إذا كانت المؤسستان لا تساهمان في إنقاذ شرف الأمتين العربية والإسلامية، إبّان مثل هذه المحن التي تعيشها شعوبهما وهم منكّسو الرؤوس وفي حيرة من أمرهم، ويسألون يومياً هذه الأسئلة من دون أن يسمعوا جواباً؟
من هنا هذا الغضب واليأس اللذين تحملهما هذه المقالة وأمثالها، ذلك أنه آن لقادة العرب والمسلمين أن يعرفوا أننا لا نفعل أكثر من إعلامهم بأن مشاعر الغضب واليأس تلك، قد أصبحت نفسها مشاعر الملايين من العرب والمسلمين التي تتداول في كل مكان، وعلى قادتنا أن يحذروا من غضب الشاعرين بالذل وقلة الحيلة. فبعد الصبر مهما طال يأتي أحياناً الطوفان الكاسح المدمّر، وعند ذاك لا ناجي من أمر الله. وكل ما نرجوه هو أن لا يوصلوا شعوبهم إلى تلك الحالة التي ستكون كارثة على الجميع.
كاتب بحريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية