غزة– “القدس العربي”: تشير الوقائع على الأرض بأن الملف الفلسطيني كان أحد أسباب الخلاف الرئيسة بين الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، بخصوص تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي كلف بتشكيلها بنيامين نتنياهو زعيم “حزب الليكود”، وذلك بسبب طلب الكثير من قادة الأحزاب المتطرفة تقلد مناصب وزارية لها علاقة بالملف الفلسطيني، وبالأخص الاستيطان، لكسب ود جمهور اليمين المتطرف.
ورغم أن التقارير العبرية الجديدة أشارت إلى حدوث “اختراق” في المفاوضات التي يجريها “حزب الليكود”، خلال الساعات الماضية، بشأن تشكيل الحكومة القادمة، إلا أن ما كُشف كان مردّه عمليات الإرضاء التي قدمها نتنياهو لبتسالئيل سموطريتش، زعيم حزب “الصهيونية الدينية”، من خلال تكليفه بوزارة المالية، التي كان قادة الليكود يطالبون بها، مع إعطائه صلاحيات أكبر، تعطيه حق صرف الموازنات الخاصة بالاستيطان، بعدما كان يطالب بوزارة الجيش، وهي الجهة الإسرائيلية التي تشرف مباشرة على هذا الملف الخطير، المتوقع أن يشهد تصعيدا خلال فترة تولي حكومة اليمين عملها في الفترة المقبلة.
وبسبب الخلاف، الذي ظل قائما حتى مساء الإثنين، مع “الليكود” كادت تنهار المفاوضات التي تجري مع حزب “الصهيونية الدينية” للدخول في الائتلاف الحكومي، حتى وجد نتنياهو مخرجا يرضي جميع الأطراف المتطرفة، يبقي وزارة الجيش الهامة في يد حزبه، ولا يغضب في ذات الوقت الإدارة الأمريكية، التي اعترضت على تولي سموطريتش حقيبة الجيش، كما لا يغضب حليفه الأخير في الحكومة.
وقد ظل سموطريتش، طوال الفترة الماضية، يطالب بوزارة الجيش، التي كان يخطط من خلالها لمنح تراخيص بناء كبيرة في المستوطنات، وإطلاق مشاريع بنى تحتية توسع رقعة الاستيطان، وتصادر المزيد من الأراضي الفلسطينية، فيما منحته التفاهمات المبدئية على إدارة حزبه لهذا الملف، من داخل وزارة الجيش دون أن يكون وزيرها.
ووفق ما كشف في إسرائيل، فإن المفاوضات الأخيرة التي جرت بين “الليكود” والأحزاب اليمينية الفائزة في انتخابات “الكنيست”، أفضت إلى التوصل إلى حلول تقوم على “تبادل الصلاحيات”، والتنازل في بعض الصلاحيات والوزارات مقابل تشكيل الحكومة.
وذكرت قناة ” i24news” الإسرائيلية أن المحادثات الائتلافية التي أجراها نتنياهو، أفضت إلى نتائج أكثر وضوحاً وشبه نهائية في ما يخص الحصص الوزارية الممنوحة لكل طرف، مع بقاء بعض النزاعات التي لم تجد حلا، لا سيما على صعيد وزارة الأديان المختلف عليها، ومطلب إلغاء العلة القانونية الصادرة سابقا عن المدعية العامة، لتمهيد الطريق أمام رئيس “حزب شاس” بتسلّم وزارات في حكومة نتنياهو دون أن تنسف محكمة العدل العليا ذلك.
ويتردد أن في أعقاب اجتماعات عدة في غرف المفاوضات الائتلافية، تقرر توزيع الوزارات بأن يحصل سموطريتش على وزارة المالية، فيما يحصل أرييه درعي (شاس) على وزارة الأديان، وكذلك وزارة الضواحي والنقب والجليل، علاوة على وزارة الداخلية التي سبق لدرعي أن ترأسها وأطيح به على خلفية قضية فساد وتلقي الرشاوى.
كما يطالب درعي بتولي منصب “القائم بأعمال رئيس الحكومة”، علما بأن القانون الحالي ينص على أن القائم بأعمال رئيس الحكومة يجب أن يكون من حزب الرئيس.
وبموجب الاتفاق المبدئي، يتولى المتطرف ايتمار بن غفير، زعيم حزب “القوة اليهودية”، وزارة الأمن الداخلي وكذلك وزارة الزراعة، وقد سعى بن غفير منذ البداية لتولي منصب وزير الأمن الداخلي، وهو المنصب الوزاري المكلف بصلاحيات الأمن في القدس، ويعطي الموافقات لاقتحام المسجد الأقصى، حيث رفع شعارات متطرفة بعد فوزه، ووعد ناخبيه بأن يسمح للمستوطنين بأداء “الطقوس التلمودية” التي كانوا يمنعون منها سابقا.
كما تعهد بتوسيع رقعة الاقتحام، وتوفير كل التسهيلات لذلك، وهو ما أثار حفيظة الإدارة الأمريكية، التي اعترضت في اتصالات غير معلنة على هذا التكليف، كون أن جزء من التنسيق معها في مجالات الأمن يخضع لسلطة هذا الوزير، كما حذرت كل من الأردن صاحبة الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس على هذا التوجه، إلى جانب القيادة الفلسطينية، التي توقعت أن يتصاعد الاستيطان في الفترة القادمة.
وكانت الخلافات بين أقطاب الحكومة المنتظرة في تل أبيب تفجرت بعدما طالب آرييه درعي بأن يُسند إليه منصب وزير المالية، لكن الأمور آلت بعد جلوسه مع نتنياهو وسموطريتش إلى استلامه منصب وزير الداخلية بدلاً من ذلك.
ومع ذلك، قد يكون هناك تعارض قانوني يحول دون قدرة درعي على تسلم وزارات حكومية، على خلفية تحذير المدعية العامة غالي بهراف ميارا من إمكانية منعه بسبب حكم وقف التنفيذ الذي صدر ضد درعي في إطار صفقة ادعاء، بعد إدانته بمخالفات جنائية والحكم عليه بعقوبة السجن مع وقف التنفيذ، وأنه بذلك لصقت به وصمة عار.
ومن المتوقع أن يعمل نتنياهو على حل هذه الأزمة من خلال تعديل “قانون أساس الحكومة” بحيث لا تلصق “وصمة عار” بمدانين فُرضت عليهم عقوبة السجن مع وقف التنفيذ، وإنما بالذين يدانون بعقوبة السجن الفعلي، وسن قانون آخر يقضي بمنع المحكمة العليا من شطب قوانين يصادق عليها الكنيست.
وتقول القناة الإسرائيلية أن الصراع برز بين الأطراف المفاوضة من خلال نجاح “شاس” بالحصول على حقيبة الأديان، فضلاً عن حصوله على حقيبة ابتغاها لنفسه بن غفير، وهي الضواحي والنقب والجليل.
ونقلت القناة عن محللين قولهم إن ما جرى على أرض الواقع، كان أشبه بلعبة تنازلات وليس معادلة صفرية، حيث اقتلع درعي لنفسه حصة من مطالب كل من سموطريتش وبن غفير، وأن الأمر نفسه ينطبق على سموطريتش، الذي يطالب بوزارة المالية، ويبدو أنه سيحصل عليها، علاوة عن بسط نفوذه فوق لجان مختلفة ومناصب نواب داخل وزارة الأمن، وبالأخص “ملف الاستيطان” داخل هذه الوزارة، بينما لا يحتفظ فعليًا بالسيطرة الكاملة على هذه الوزارة.
وكان سموطريتش رفضَ اقتراحاً قدمه “حزب الليكود” سابقا، بتولي وزارة الخارجية في الحكومة المقبلة، للخروج من مأزق طلب وزارتي الجيش أو المالية.
والجدير ذكره أن سموطريتش طالب “حزب الليكود” بإقرار مخططات الضم، لتلبية مطالب الجمهور اليميني الذي انتخب بوضوح حكومة يمين، وفق زعمه، دون أن يوضح “الليكود” موقفه بعد من ذلك المطلب الذي تعارضه الإدارة الأمريكية بوضوح.
وكان عضو الكنيست سيمحا روتمان، من قائمة “الصهيونية الدينية”، طالبَ، في تصريحات لهيئة البث الإسرائيلية، بأن تسند حقيبة الجيش لرئيس القائمة سموطريتش “في حال أردنا توسيع البناء في التجمعات السكنية اليهودية في الضفة الغربية، ومنع الاستيلاء الفلسطيني على أراض في المناطق المصنفة”، وفق زعمه.
والجدير ذكره أن مطلب درعي تسلم وزارة الداخلية ووزارة المواصلات أغضب حزب “يهدوت هتوراة”، الذي طالبَ بدوره بوزارة الأديان لنفسه، كما أعرب حزب بن غفير عن استيائه من قرار “الليكود” عدم تمكينهم من وزارة النقب والجليل.
وكان بن غفير الفاشي أوقف في وقت سابق محادثات التفاوض مع “الليكود”، بزعم تراجُع الأخير عن موافقته على منحه وزارة تطوير النقب والجليل، وقال إنه وعد ناخبيه بذلك.
وشهد مساء الأحد كذلك توترات بين “الليكود” و”الصهيونية الدينية”، الذي يترأسه بتسلئيل سموطريتش، الذي رفض انتقادات موجهة إليه من قِبل أنصار نتنياهو في تغريدة كتب فيها: “لا يمكن أنه في كل مرة لا نقف فيها مكتوفي الأيدي أمام مطالب الليكود، سيكون هناك من يحوّلنا إلى أعداء، ويحرض علينا ويشوهنا”.
جدير ذكره أن اللجنة المنظمة في الكنيست كانت قد صادقت على انقسام قائمة “الصهيونية الدينية” إلى ثلاث كتل برلمانية، بموجب الاتفاق المبرم قبل الانتخابات بين الأحزاب الثلاثة التي تشكل هذه القائمة اليمينية المتطرفة. والكتل الثلاث هي حزب “الصهيونية الدينية”، برئاسة بتسلئيل سموطريتش، وسيكون ممثلا بسبعة أعضاء في الكنيست، وحزب “القوة اليهودية” برئاسة بن غفير، وسيكون ممثلا بستة أعضاء كنيست، وحزب “نوعام” العنصري وسيمثله عضو كنيست واحد، هو رئيسه آفي عوز.
ويأمل نتنياهو أن يتمكن من الخروج من مأزق تشكيل الحكومة، الأسبوع الحالي، ليقوم بالإعلان عنها بالشكل النهائي في الأسبوع القادم، وتقديمها لـلكنيست لنيل الثقة.
وكان الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أكد أن حكومة نتنياهو التي ستضم بن غفير وسموطريتش تعد “مؤشراً على ما ستكون عليها المرحلة المقبلة بوجود حكومة يمينية إسرائيلية متطرفة”، وقال “هذه الحكومة اليمينية ستكون مسؤولة عن تدهور الأوضاع وعدم الاستقرار”.
وأكد أن مخططات نتنياهو تكشف نواياه الحقيقية بالتهرب من أي عملية سياسية تقود لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية.