الناصرة- “القدس العربي”:
تنظر المحكمة العليا الإسرائيلية بهيئة قضاة موسعة، اليوم، في التماسين يطالبان بإلغاء قانون سنّه الكنيست، قبل شهور، يحول دون عزل رئيس الحكومة، وقد حيك على مقاسات رئيس حكومتها نتنياهو، المتهم بالفساد، وفق اتهامات المعارضة.
وكان الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال قد قام، في مارس/آذار الماضي، بتعديل “قانون أساس الحكومة” يتعلق بـ “حجة التعذر”، الذي يحول دون عزل رئيس حكومة، إلا بحالة نادرة يبادر فيها هو بنفسه بالإعلان عن أنه غير قادر جسمانياً أو نفسياً على أداء مهامه، أو بحال طالب 75% من أعضاء الحكومة بعزله، بخلاف رغبته، وعندئذ ينبغي أن يصادق على قرارهم 80 من 120 عضو كنيست، ما يعني جعل المهمة شبه مستحيلة.
هذا القانون الذي ترفضه المعارضة جملة وتفصيلاً، لا يتحدث عن عزل رئيس حكومة بحال تعرّض لتهم جنائية، علماً أنه حتى تشريع هذا القانون (أو بالأحرى تعديل قانون أساس عزل رئيس حكومة) كان المستشار القضائي للحكومة يتمتع بصلاحية عزل رئيس وزراء على خلفية جنائية، أي تقديم لوائح اتهام ضده، ووجود تناقض مصالح في مثل هذه الحالة. كذلك، حتى تشريع التعديل القضائي المذكور تطرق “قانون العزل” أو “قانون التعذر” للحالة التي يتعذر فيها على رئيس وزراء أداء مهامه دون تحديد الظروف التي تستوجب ذلك، وطالما افتقد التفصيل والتحديد كانت المحكمة العليا تتدخل لتقدّم تفسيراً للقانون، وتحديد متى يكون عزل رئيس حكومة، ومِن صلاحية مَن يكون ذلك.
وحتى تعديل قانون أساس هذا كان التفسير المتداول لحالة عزل رئيس الحكومة نتيجة تعذّر قيامه بأداء وظائفه يرتبط بسبب صحي بالأساس، وبأسباب أخرى. في حالة سابقة تقدمت جهات إسرائيلية في 2008 بالتماس للمحكمة العليا من أجل عزل رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت، بعدما فتح ملف تحقيق بتلقي رشوة ضده، لكن المحكمة رفضت الالتماس، وأكدت أن الجهة المخولة لإعلان تعذّر رئيس حكومة عن أداء وظيفته هو المستشار القضائي للحكومة فقط، وأنه يمكن فعل ذلك بحكم فتح مسيرة جنائية، كفتح ملف تحقيق، أو تقديم لائحة اتهام ضده، ولكن هذا في حالات نادرة وشاذة. وقد جاء تعديل قانون أساس الحكومة في مارس/آذار الماضي وألغى هذه الإمكانية، وحصرها في استقالة رئيس الوزراء بنفسه، أو عزله بأغلبية واسعة من الحكومة والبرلمان لسبب صحي جسماني أو نفسي فقط. وكانت المحكمة العليا قد تداولت، في آب/أغسطس الماضي، بالتماس ضد هذا التعديل القضائي، الذي تعتبره المعارضة، وأوساط إسرائيلية واسعة، دعماً للفساد، ووجهت له انتقادات بسبب الدافع الشخصي الواضح له، وأكدت، وبخلاف موقف الحكومة، أنه من صلاحيتها أيضاً انتقاد قوانين أساس، تعديلها أو شطبها، بحالات معينة، ووسط حساسية كبيرة.
حيوت: هناك بصمات إصبع واضحة تشير لسنّ هذا التعديل على مقاسات رئيس الحكومة الحالي
وخلال التداول في الالتماس المذكور، خلال الشهر الماضي، قالت رئيسة المحكمة الإسرائيلية العليا استير حيوت إن الحديث يدور عن “قانون شخصي”، وتساءلت بالقول ألم تصل الشخصنة لحد إساءة استخدام الكنيست لقانون أساس! وتابعت: “هناك بصمات إصبع واضحة تشير لسنّ هذا التعديل على مقاسات رئيس الحكومة الحالي”.
ويؤكد الملتمسون ضد القانون المذكور (الحركة من أجل جودة الحكم، وعضو الكنيست عوديد فورير من حزب “يسرائيل بيتنا” المعارض) أن تعديل قانون أساس الحكومة أعلاه هو قانون شخصي يزعزع أركان النظام العام في إسرائيل، والقاضي بأن تواصل السلطة القضائية موازنة وكبح السلطتين التنفيذية والقضائية، وأنه نقلة خطيرة نحو نظام دكتاتوري. كما تؤكد “الحركة من أجل جودة الحكم” معارضتها لتطبيق فوري للقانون الجديد، معتبرة أن ذلك ينتج سابقة خطيرة.
أما المستشارة القضائية لحكومة الاحتلال غالي ميارة بهراب، التي من وظيفتها تقديم النصائح والتوجيهات للحكومة لتوضيح الحد الفاصل بين المسموح والمحظور قانونياً، فدعت لشطب هذا القانون، بخلاف موقف الائتلاف الحاكم. وفي ردها على القرار الاحترازي الصادر عن المحكمة العليا، قبل أسبوع، قالت إنه على الأقل ينبغي تأجيل تطبيق هذا القانون للكنيست القادم لا الحالي، وهذا كي لا يستفيد منه نتنياهو المتهم بالفساد، ويتمكّن عندئذ من التدخل بـ “الإصلاحات القضائية” كما يحلو له، رغم وجود تناقض مصالح في مثل هذه الحالة، لكونه متهماً من قبل الجهاز القضائي بثلاث تهم فساد. وعلّلت بهراب– ميارة موقفها هذا بالقول إن قانون أساس لا يستطيع أن يشكل مورداً خاصاً فردياً لإزالة مشاكل خاصة من طريق السياسيين بكل ما يتعلق بنظافة اليد والقانون الجنائي.
يشار إلى أن المتعارف عليه في إسرائيل أن من صلاحية المحكمة العليا إلغاء قوانين عادية يسنّها الكنيست، لكن لا قوانين أساس (هناك 11 قانون أساس في إسرائيل تشكّل أرضية للدستور المفقود فيها لأسباب مختلفة).
وبعد أيام من تقديم التماسات للمحكمة العليا، في مطلع فبراير/شباط الماضي، تطالب بإلغاء تعديل قانون أساس الحكومة المذكور، وبإلزام نتنياهو بتعليق صلاحياته، سارعَ نواب من مختلف كتل الائتلاف الحاكم لطرح مشروع قانون لتعديل قانون أساس الحكومة المتعلق بعزل رئيس حكومة، وهذا ما تم تشريعه فعلاً بعد شهور، ومن وقتها شرعَ نتنياهو يتدخل في تغيير القضاء من خلال “الإصلاحات” القضائية (انقلاب على النظام طبقاً للمعارضة) بشكل علني، بل أعلن ذلك بنفسه بحجة أنه يستجيب لنداءات شعبية تطالبه بالتدخل من أجل إيجاد تسوية للمأزق الإسرائيلي الداخلي الخطير.
وبعد ذلك، وبعدما اتضحت ملامح “خطة الإصلاحات القضائية”، في 20 شباط/فبراير الماضي، قامت المستشارة القضائية للحكومة بإطلاع نتنياهو على ضرورة التزامه بالتسوية الخاصة بتناقض المصالح، بسبب مقاضاته بتهم جنائية، وأنذرته بعدم المشاركة في الإصلاحات والتغييرات القضائية الجارية.
وأكدت بهراب- ميارة أن تعديل القانون المذكور من قبل الائتلاف الحاكم يهدف لتحقيق مأربين: تحرير رئيس الحكومة من القيود الخاصة بحال نظافة اليد، وإعفائه من التبعات القضائية التي من شأنها أن تنبع من وقوع تضارب المصالح في حالته، علاوة على منع المحكمة العليا من التدخل في هذه الالتماسات المطالبة بتعليق عمله، كونها تتعلق بـ “قانون أساس”.
هرتسوغ جدّد إطلاق صافرات الإنذار بقوله إن إسرائيل في حالة تشظٍ خطير
في رده على الالتماسين المطالبين بتعليق عمله بسبب تضارب المصالح، قال نتنياهو للمحكمة العليا رسمياً إنه في دولة ديموقراطية- ليبرالية صالحة يُنتخب القادة من قبل الشعب، ويُعزَلون من قبله فقط. وتابع: “في حالات نادرة يتم توقيف عمل قائد، ولكن ليس بالإطاحة، وذلك عندما يفقد قدرته على أداء وظائفه، في حالة فقدان دراماتيكي للقدرة الجسمانية أو النفسية”. كما زعم نتنياهو أن تحديد حالة “تعذّر” رئيس حكومة عن أداء مهامه في دول ديموقراطية يتم فقط على يد القائد نفسه، أو على يد منتخبي الجمهور، أما تفسيرات الملتمسين للتسوية القضائية السابقة وبموجبها يستطيع مستشار قضائي للحكومة أو محكمة بإجبار رئيس حكومة لتعليق صلاحياته دون أسباب تتعلق بحالته الصحية أو النفسية، فهي منافية تماماً للمبادئ الأساسية للنظام الديموقراطي.
كما ادعى نتنياهو، في مذكرته للمحكمة العليا، أنه “لا توجد صلاحية للمستشارة القضائية للحكومة لإخراج رئيس وزراء لوضع تعليق صلاحيات وعزله بخلاف رغبة معظم الجمهور، ومثل هذه الحالة غير منطقية، ولم يكن ذلك قصد المشرعين في الماضي ولا في الحاضر”، رافضاً التعقيب على سؤال إذا ما كان سيحترم حكم “العليا” في هذين الالتماسين، وهكذا معظم وزرائه يتحاشون القول إنهم سيحترمون قرارها في كل الأحوال.
وتبعه زير القضاء ياريف لافين، الذي يعتبر دينامو هذه “الإصلاحات القضائية”، إذ قال، في تصريحات إعلامية، اليوم، إنه ليس من صلاحية المحكمة العليا التدخل وإلغاء قانون أساس، واتهمها بالانقلاب على رغبة الناخبين.
قائد جيش الاحتلال: كل من يعتقد أن الجيش محصن من التبعات المدمرة لحالة الاستقطاب في الشارع الإسرائيلي مخطئٌ وواهم
وحَمَلَ عدد كبير من زراء ونواب الائتلاف الحاكم على المحكمة العليا مجدداً، وبلغت هجمتهم حدّ شيطنة القضاة، واتهامهم بالخلط بين القضاء وبين السياسة وغيره.
وشنّ قادة المعارضة حملة مضادة على ياريف ومؤيديه، وقالوا إنهم يمارسون الترهيب والبلطجة ضد قضاة المحكمة العليا.
وبعد نحو الشهر على تداول المحكمة في التماسات تطالب بإلغاء قانون حجة المعقولية، الراغب بتقليص صلاحيات القضاء لصالح السلطة التنفيذية، يتزامن هذا السجال المتجدد اليوم مع تحذيرات رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ، الذي جدد إطلاق صافرات الإنذار بقوله من جديد إن إسرائيل في حالة تشظٍ خطير، وإن جسر الهوة بين الفرقاء فيها هو الخطوة الأولى المستحقة من أجل الحفاظ عليها وبقائها.
وتبعه قائد جيش الاحتلال، الذي أطلق تحذيرات مشابهة قال فيها إن كل من يعتقد أن الجيش محصن من التبعات المدمرة لحالة الاستقطاب في الشارع الإسرائيلي مخطئٌ وواهم.
من جهتها، حَمَلَت صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها اليوم، على نتنياهو وزمرته، وقالت إنه بقانون منع التعذر يسعون لتحصين مواقعه في الفساد، لا تحصين الديموقراطية.