لم يشهد العالم الإسلامي من قبل انتشار ظاهرة القتل العبثي بالسعة التي يشهدها في الوقت الحاضر. وربما الأخطر من ذلك غياب الموقف الشعبي أو الرسمي الفاعل للتصدي لتلك الظاهرة التي أصبحت تستعصي على فهم ذوي الألباب.
هذا برغم التحريم الشرعي القاطع لقتل الأبرياء «ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا». فما حدث في باكستان مؤخرا من قتل أطفال المدارس ومعلميهم ليس الحالة الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة طالما بقيت أسباب الظاهرة قائمة، وقادة المسلمين الدينيون والسياسيون غافلين او متغافلين عنها. فماذا يعني اقتحام أشخاص يتشحون بزي الدين مدرسة عادية وحصد أرواح أكثر من 130 طالبا في أعمار الزهور؟ ماذا تعني حوادث القتل الأخرى التي لم توفر إلا القليل من بلدان المسلمين؟ في البداية لا بد من طرح قاعدة يمكن اعتبارها قانونا طبيعيا، مفادها ان النار لا توفر أحدا حين يشتعل إوارها، وان من يؤسس للعنف ويدعمه لن يكون بمنأى منه، وان عمل الشر ينقلب على فاعليه.
ان قاعدة «التكفير» التي طرحت في البداية لتبرير استهداف المسلمين في العراق هي التي مهدت لقتل المسلمين السنة في باكستان ونيجيريا وشمال العراق وسوريا. كما ان شعور البعض بالامتعاض تجاه أطراف سياسية أو إسلامية أخرى إنما كان بسبب الضوضاء الإعلامية والتغييب الممنهج لـ «العقل» وإثارة الجوانب الشيطانية في النفس الإنسانية بدلا من العقل والحكمة والإيمان ونزعات الخير. وهذه الظاهرة اشتركت فيها القطاعات كافة ذات الشأن في توجيه الأمور، من سياسيين وأجهزة استخباراتية وعلماء دين ومفكرين.
فكأن الأمة كلها وقعت فريسة لمجموعات التطرف والعنف والإرهاب. لم يحدث ذلك خطأ أو صدفة بل كان جزءا من خطة محكمة وضعتها «قوى الثورة المضادة» التي أرعبها تحرك الشعوب العربية قبل أربعة أعوام من أجل الحرية والإصلاح السياسي. ولذلك فمن المنطقي طرح السؤال التالي: لماذا لم تصل حمامات الدم إلى الكيان الإسرائيلي؟ وكيف أمكن تجنيد ضحايا ذلك الاحتلال للتورط في العمليات الانتحارية في بلدان غير فلسطين؟ ولماذا انحرفت بوصلة «الجهاد» فجأة عن «الغرب الكافر» لتتوجه نحو «المشرك القريب»؟ ثم لماذا توسعت دائرة هذا «المشرك القريب» لتشمل أطفال المدارس، الأولاد منهم في باكستان، والبنات منهم في نيجيريا، والنساء منهم في شمال العراق؟
عندما كان مقاتلو «داعش» أو «النصرة» ينحرون ضحاياهم في سوريا أو العراق قبل عامين ربما كان دافعهم «الغيرة المذهبية» و«الانتقام من العدو المذهبي الآخر». ولكن ما الذي يمكن ان يطرحه الشباب السبعة الذين اقتحموا برشاشاتهم مدرسة باكستانية وقاموا برش أطفالها بوابل الرصاص ليقتلوا 132 منهم وتسعة من مدرسيهم؟ ما الذي يمثله أولئك ضمن «الأهداف» العسكرية التي يفترض ان المجموعات المسلحة تستهدفها؟ وما النتيجة الإيجابية المتوخاة من ذلك القتل الجماعي؟
الأمر الواضح ان تلك الجريمة غيرت سياق السجال الفكري والسياسي المتداول في وسائل إعلام المجموعات المسلحة، وفرضت واقعا جديدا سيؤدي للقضاء عليها. ومن المؤكد ان عناصر أجهزة الأمن والاستخبارات الباكستانية ستكون الهدف الأول لأي محاولة لفحص الدور الباكستاني والسعودي في دعم قيام حركة طالبان.
وفجأة ظهر الجنرال الباكستاني المتقاعد، حميد جول، ليبرر الدعم الذي وفرته أجهزته للمجموعات المتطرفة منذ أيام «الجهاد الأفغاني».
فمن تلك الأرض انطلق أشد التنظيمات شراسة وإرهابا، ابتداء من «القاعدة» وصولا إلى «النصرة « و»داعش». ولم يكن سرا ان تعاونا قويا بين الاستخبارات الباكستانية والسعودية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أدى لبلورة جبهة «المجاهدين» لمواجهة الاحتلال السوفييتي لافغانستان. ربما اختلفت مواقف هذه الجهات الثلاث لاحقا فأصبحت سي آي أيه أقل حماسا للتعاون مع تنظيم القاعدة بل استهدفتها بعد حوادث 11 سبتمبر/ايلول، ولكن التأسيس كان مشتركا.
يومها (أي قبل ربع قرن) لم يكن الباكستانيون والسعوديون ليجرأوا على التدخل في الملف الأفغاني بدون موافقة الأمريكيين.
الاختلاف بينهم حدث بعد عشرة أعوام عندما بدأت القاعدة تستهدف الأمريكيين بشكل مباشر وعنيف. ولكن كان لكل من الطرفين السعودي والباكستاني مصلحة في الاحتفاظ بالمجموعات المسلحة. فباكستان كانت تأمل ان تساعدها تلك التنظيمات في صراعها مع الهند، بينما كانت السعودية تأمل ان تكون تلك التنظيمات (بعد اختراقها وإعادة توجيه بوصلتها إلى ما هي عليه الآن) ذراعا لتقوية نفوذها الإقليمي خصوصا في صراعها مع طرفين مهمين يمثلان «الإسلام السياسي» هما إيران والحركات الإسلامية المعتدلة خصوصا الإخوان المسلمين.
الاختلاف بين الأطراف المذكورة حدث في عهد الرئيس اوباما الذي كان يسعى لانتهاج سياسة مختلفة عن سلفه، جورج بوش. فقد كان يسعى للتركيز على مواجهة «القاعدة» والاتجاهات المتطرفة مع إعادة العلاقات مع «الأعداء التقليديين» وكما اتضح الآن فقد تمكن من ترطيب الأجواء مع إيران وأعاد العلاقة مع كوبا بعد انقطاع استمر خمسين عاما.
وبشكل تدريجي بدأت واشنطن تلمح تارة وتصرح أخرى بعدم جدوى التحالف الباكستاني والسعودي مع المجموعات الإرهابية. وفي يونيو/حزيران 2012 اطلقت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، تصريحات واضحة في نقاش تلفزيوني بحضور وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جيمس بيكر: «قلنا لباكستان إذا كان هناك اختلاف في الماضي حول دوركم السلبي في افغانستان بدعم شبكة حقاني أو طالبان الافغانية أو لواء طيبة ضد الهند، فقد انتهت تلك الأيام».
وأضافت: «ان ذلك يشبه من يحتفظ بثعابين سامة في حديقته الخلفية وهو مقتنع بأنها ستهاجم جيرانه فحسب».
وقد ظهر الآن ان تلك المجموعات تحولت إلى مصدر خطر حقيقي على أمن الأنظمة التي رعتها. فالجريمة التي هزت باكستان الاسبوع الماضي بقتل الطلاب ومعلميهم سلطت الأضواء على دور جهاز الاستخبارات الباكستاني الذي أثبتت تطورات الأوضاع ان سياساته ساهمت في تحويل باكستان إلى ساحة للصراعات السياسية والعرقية والمذهبية، وتكاد باكستان تصبح «دولة فاشلة».
ولقد أثبتت التجربة الإنسانية ان الفشل في تحقيق تقدم سياسي أو عسكري يدفع المجموعات المسلحة للبحث عن ساحات أخرى. والواضح كذلك ان المجموعات التي تعمل في سوريا والعراق لم تستطع قلب المعادلات السياسية أو العسكرية، وبالتالي أصبح متوقعا ان تبحث عن ساحات أخرى للحفاظ على وجودها وسلامة مقاتليها. وليس مستبعدا ان تتوجه نحو الجزيرة العربية، المترامية الأطراف والمتعددة المذاهب لإبقاء كوادرها في حالة حركة تتناسب مع ما رسمته من أهداف.
وثمة خشية من تحول تلك المجموعات إلى مصدر للقتل الجماعي العبثي. ويؤكد منحى تطورات الأمور في نيجيريا بأن ذلك هو السيناريو المقبل للمجموعات المسلحة، فقد مارست مجموعة «بوكو حرام» قتلا عبثيا جماعيا على نطاق واسع. ففي الاسبوع الماضي شنت اعتداء على قرية أزايا كورا في منطقة مافا التابعة لولاية بورنو.
وقال زعيم القرية ملام بولاما : «لقد أحصينا 45 جثة في نهاية الهجوم»، وقتل عدد آخر من الأشخاص بعد أن فروا إلى الأدغال.
وبالاضافة لذلك اختطفت المجموعة أكثر من 100 امرأة وطفل في تلك الحادثة، ولا يعرف شيء عن مصيرهم. وفي شهر مايو/ايار الماضي ارتكبت حركة «بوكو حرام» الإسلامية النيجيرية مجزرة راح ضحيتها أكثر من 300 شخص عندما هاجم مسلحوها مدينة في شمال شرق نيجيريا بالقرب من الحدود مع الكاميرون. وقد بدأت مؤخرا حملة تعبئة دولية ضد الحركة المتطرفة التي تحتجز قرابة 250 تلميذة، في عملية خطف جماعية غير مسبوقة. ما مبررات هدر هذه الدماء البريئة؟ وأي دين يبرر إزهاق أرواح الأبرياء؟ هذه الجرائم لا تختلف عما يحدث في شمال العراق على أيدي مجموعة «داعش». فبعد قتل أكثر من ألف عسكري عراقي في ما سمي مجزرة «سبايكر» قتل في شهر اغسطس/آب الماضي أكثر من 80 من الطائفة الإيزيدية. وذكرت وزارة حقوق الإنسان العراقية ان تنظيم داعش قتل أكثر من 150 امرأة من مدينة الفلوجة بسبب رفضهن جهاد النكاح. وفي مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني قامت بتصفية 85 من أفراد عشيرة «البونمر» بمنطقة الانبار، وقتلت 16 من أفراد العشيرة مطلع الشهر الحالي.
حمامات الدم هذه أصبحت ظاهرة تمارس على نطاق واسع. المشكلة ان القبول باستهداف المخالفين دينيا أو مذهبيا أو عرقيا والصمت عليه أو تشجيعه إنما يشجع القتلة لارتكاب مجازر أخرى حتى بين حلفائهم. فقد تجاوز عدد من قتل في الصراعات البينية بين المجموعات المسلحة خلال العام أكثر من 5000 شخص. ان الصمت على القتل الجماعي العبثي أو تشجيعه أو تبريره، أو حماية مرتكبيه، إنما يؤسس ظاهرة القتل غير المشروع، وهي ظاهرة لا توفر أحدا، ولا يحدها حدود.
ومن غير الأخلاق أو الشرف أو الدين الرضا القلبي بتلك الجرائم. فمن يبرر التفجيرات اليومية في بغداد إنما يشجع من يقتل أهالي الفلوجة أو الانبار، ومن يطرح ذرائع للإرهاب العبثي في سوريا إنما يبرر ممارسات بوكو حرام في نيجيريا.
ومن لا يستنكر قتل الأبرياء في مساجد بغداد وأسواقها يعتبر مشجعا على استهداف طلاب المدارس في باكستان. فالقاتل واحد وإن تعددت وجوهه، والجريمة نفسها وإن اختلف لون ضحيتها أو عرقه أو دينه أو مذهبه. وكلما طال الصمت تغول شبح الموت العبثي واستبدلت آمال ثوار «الربيع العربي» باليأس من التغيير والإصلاح، وهذا أهم أهداف قوى الثورة المضادة.
٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن
د. سعيد الشهابي
ما بين سنة 2006 و 2008 قتلت الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران مئات الآلاف من سنة العراق
ومنذ سنة 2011 قتلت الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران عشرات الآلاف من سنة سوريا
فعبثية القتل هي فعل وردة فعل
ولا حول ولا قوة الا بالله
الذي هنأ المجرمين والمليشيات الشيعية في بغذاذ ومن بغداد هناهم بمذابح اهل السنة الابرياء منهم خصوصا لاارهابهم واسكان قبائل الفيلية اللور محلهم في بغداد وكركوك وغيرها.