الأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على حرب أخرى في المنطقة العربية، ستبدأها قريبا. لكن الأكيد (الآخر) هو أنها لا تعرف متى وكيف ستنهيها وما الثمن المطلوب دفعه.
صحيح أن هذا الثمن لكن يكون أرواحا لأن الجيش الأمريكي، عكس حاله في العراق في 2003 وفي أفغانستان منذ 2001، لن يقاتل في الأرض، لكنه سيكون ثمنا سياسيا واستراتيجيا واقتصاديا باهظا.
هناك درسان تعلمهما صنّاع القرار في واشنطن من حروبهم الكثيرة في الشرق (بالمعنى الثقافي والجغرافي). الأول هو الحرص ما أمكن على الأرواح الأمريكية دون غيرها، لأن الرأي العام المحلي لا ينسى بسهولة. عدا ذلك، الحرب في العقيدة الأمريكية هي حركة سياسية ـ اقتصادية أخرى ضرورية بين كل فترة وأخرى.
الدرس الثاني هو الاهتداء الى «قنص» رؤوس وقادة التنظيمات التي تعتقد واشنطن أنها تشكل خطراً عليها، والاكتفاء بذلك ضمن حرب صامتة ولكن متواصلة.
هذا ما يفسر استلهام أوباما للحرب الجديدة المقبلة على «داعش» من تجربتي الصومال واليمن.
في البلدين كانت حرباً عن بُعد بالطائرات بدون طيار وفرق محدودة على الأرض تلعب دور جمع المعلومات وتحليلها واستغلالها، إضافة إلى تقديم الاستشارة للقوات والحكومات المحلية.
من حيث قتل الرؤوس، يستطيع أوباما أن يفتخر بأنه حقق أشواطا لا بأس بها ويتباهى بقائمة الاسماء المستهدفة، من اليمني الأمريكي أنور العولقي إلى آخر ما فيها، زعيم حركة الشباب المجاهدين الصومالية أحمد عبدي غودان، مروراً بأحمد بوختالة الليبي وأسامة بن لادن ذاته وغيرهم.
في هذا النوع الجديد من الحروب والعمليات الاستخباراتية والأمنية، ليس معروفاً أن الجيش الأمريكي أو ضباط وكالة الاستخبارات المركزية تكبدوا خسائر في الأرواح. وإن حدث ذلك فمحدود جداً.
لهذا أبدى أوباما استعداداً لتكرار التجربتين.
يستطيع أوباما وفريقه الأمني التباهي بأنهم قضوا على الرؤوس، لكن لا أحد يجرؤ على القول إنهم قضوا على التنظيم.
تلكم هي المشكلة التي ستواجه الحرب الجديدة المنتظرة على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. ستتلقى واشنطن تشجيعا دوليا هائلا، وستتنافس الحكومات العربية في دعمها من حيث المعلومات واللوجيستيك بما يمكنها من الوصول إلى الرؤوس إن في العراق أو سوريا، وقد تقضي عليها في وقت معلوم، لكنها لن تتمكن من اجتثاث التنظيم والفكرة.
إذا كان لا بد من الاستشهاد بحالتي الصومال واليمن اللذين شكلا المرجعية في خطاب الرئيس أوباما الأخير، سيتحتم القول إن تنظيم القاعدة موجود في اليمن وقد وصل إلى مشارف صنعاء، وأخباره اليوم تراجعت في الشاشات ووكالات الأنباء العالمية فقط لأن أخبار الحوثيين غطت عليها.
أما في الصومال، فحركة الشباب المجاهدين أعطت إشارة ساطعة على أنها لم تتأثر بمقتل زعيمها في غارة أمريكية بدليل تعيين خليفة له في اليوم نفسه. وسيسمع العالم قريبا أخبارا عن «إنجازاتها» المقبلة.
الوضع الذي سيواجهه الائتلاف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية مختلف تماماً عن الصومال واليمن. . الحضور الأمريكي في اليمن والصومال غير محفوف بمغامرات أمنية وسياسية كبيرة، لأن حكومتي البلدين، إن وُجدتا، فجاهزتان للمساعدة في الحرب الأمريكية. في سوريا والعراق لا يوجد نفس الاستعداد بنفس الوضوح والحسم. النظام السوري سيرفض أي عمل دولي فوق أراضيه من دون الرجوع إليه، ولو أدى ذلك إلى إطالة عمر إرهابيي تنظيم الدولة وجرائمهم.
الحقيقة المرّة أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يمكن هزمه ما لم تـُحَل الأزمة السورية. لن يجد نظام بشار الأسد أفضل من هذه الفرصة لإعادة تأهيل نفسه، ولن يتركها تمر بسهولة. والنظام السوري من المكر بحيث يمكنه حتى عرقلة عمل الائتلاف الدولي.
أيضا، أي عمل غير محسوب جيداً سيثير رد فعل إيران، الحليف الأقوى لدمشق في المنطقة، والتي يحتاج لها الائتلاف، بغض النظر عن تعنت وتصريحات القادة الامريكيين، لأنها تمتلك الكثير من المفاتيح في البلدين اللذين سيكونان مسرحا للحرب الجديدة.
وفي العراق هناك استعداد حكومي لكن يقابله تململ وسط فئات وطوائف من المجتمع، كلٌّ وفقا لحسابات ومصالحه.
بدايةً هناك الطائفة السُنية التي رأى بعض أطيافها في هجوم تنظيم الدولة على العراق انتقاما من حكومة نوري المالكي الشيعية، وما أعقب ذلك من ممارسات الميليشيات الشيعية المتطرفة التي رأت في كل سُنّي حليفا لتنظيم الدولة الإسلامية.
وهناك الشيعة الذين لن ينظروا بعين الرضا لأي حرب على «داعش» ما لم تكن لتعزيز مكاسبهم المكرسة منذ 2003 وما بعدها. وهناك الأكراد الذي لن يرحبوا بالائتلاف الدولي ما لم تثمر حربه حفاظا على انتصاراتهم الميدانية التي حققوها منذ استيلاء تنظيم الدولة على أجزاء من العراق الصيف الماضي.
حتى من السماء وبطائرات من دون طيار ومقاتلات تحلق عاليا في الفضاء، يبدو الرئيس أوباما وفريقه الأمني والعسكري كمن يمشي في حقل ألغام.
كل الحروب الأخيرة أثبتت أن بدءها أسهل بكثير من إنهائها. وقد تنطبق على الرجل فعلا مقولة بعض المعلقين الأمريكيين من أن جورج بوش الإبن أخطأ بدخول العراق وأوباما أخطأ بالخروج منه.
واقع الحال أن تنظيم الدولة أربك الجميع، محاربته معضلة وتركه معضلة أكبر.
٭ كاتب صحافي جزائري
توفيق رباحي
انت شرحت الموقف و حللت الموضوع جيدا , ولكنك لم تقل لنا ماهو الحل من وجهة نظرك
كما قالها خامنئي ان دخول امريكا العراق كان خضأ و ان بقائها خطأ و الخروج منه خطأ.
السياسة الامريكية اليوم هي الحرب و لكن بالتكنولوجيا و ليس بالبشر.
الاستراتيجية الامريكية كانت و لا تزال هي الاحتفاظ بالسيطرة على المنطقة و هي المسؤولية التي ورثتها عن اوروبا الاستعمارية بعد ان آلت اليها القيادة. واحد اركان هذه الاستراتيجية هو وجود اسرائيل في المنطقة ككيان ينتمي للغرب و لا يمكن الا ان يكون معاديا للشرق يعمل على اضعاف المنطقة و الحيلولة دون تكوين دولة قوية فيها كما يمكن استعماله بالعدوان المباشر( كما حدث في مرارا منذ 1956 و 1967 ) و بحوث تطوير الاسلحة الخ
المهم كما ذكر الكاتب الفاضل. يمكن لامريكا ان تسقط نظاما و لكن التجارب اثبتت ان النتيجة هي الفوضى و الدمار و بما لا يحقق مصلحة اي طرف بما فيها امريكا نفسها