‘الضربة’ التي لا تميتك… تقويك بالضرورة

حجم الخط
0

بصرف النظر عن الانقسام الذي أحدثه التسخين الإعلامي الكبير الذي فاضت به وكالات الأنباء والفضائيات الغربية والعربية (تبعاً لها) حول قرب موعد الضربة العسكرية الغربية للنظام السوري (لا سورية) وما قد يجره ذلك من ذاكرة وويلات شبيهة بما حدث في العراق وليبيا وأفغانستان، وغيرها من المناطق التي جرى فيها التدخل العسكري الأمريكي والغربي عموماً، على الشعب السوري والمنطقة برمتها، كما يتخوف من ذلك كل الجيران من عرب وعجم، فإننا لا يمكن إلا أن نسجل عدداً من الملاحظات على الضربة الأمريكية والغربية المتوقعة:
أولى هذه الملاحظات اختلاف الوضع الجيوسياسي بين سورية وغيرها من المناطق التي دخلت إليها الآلة العسكرية الأمريكية وحلفاؤها، فسورية بلد بات مدمراً أساساً وشبه منهار اقتصادياً وعسكرياً وسكانياً، وعرف أكبر حالة نزوح ولجوء في تاريخ الأمم المتحدة الحديث، فضلاً عن النزوح الداخلي الأكبر باتجاه المناطق الآمنة، بخلاف النموذجين الليبي والعراقي وكذلك الأفغاني.
ثاني هذه الملاحظات، أن التصعيد الإعلامي الأمريكي والغربي إزاء الضربة المتوقعة استحث رداً قومياً ويسارياً عربياً، وانقلاباً في بعض المواقف العربية المؤيدة للحراك السوري وثورته، والحجة رفض أي ضربة عسكرية خارجية لسورية، ولنا أن نقف أمام حالة التماهي التي لا يزال أنصار هذا الفريق يعيشها وفق نظرياته الأيديولوجية، والتماهي بين الدولة والنظام في أي بلد عربي، إلى الحد الذي لا يمكن أن يقيموا فيه أي تمايز بينهما. وكأن أي ضربة سوف تمحو من الوجود الكيان السوري ودولته ومؤسسته ولن تكون موجهة وفق أهداف معينة. ثالث هذه الملاحظات.. هناك مخاوف كبيرة باتت تتعاظم من ارتدادات هذه الضربة ومخاطرها ومحاذيرها، فالضربة مهما كانت مركزة ودقيقة، قد توقع خسائر بشرية ومادية في صفوف المدنيين العزل، بسبب تجاور كثير من القطع العسكرية للمناطق السكنية في سورية، وهو أمر حرص عليه النظام منذ إنشائه العديد من المطارات وفروع المخابرات والأمن بجانب الكثير من المناطق السكنية، حتى باتت تعرف باسمها لا باسمه الحقيقي (مطار النيرب) (فرع المزة) (فرع الخطيب)….
وعليه، فالخوف أن تحصل نسبة، ولو كانت ضئيلة، من الخطأ في أي ضربة جوية أو صاروخية، والأنكى من ذلك ما سربه بعض الناشطين من مخاوف لدى المدنيين من قيام النظام نفسه باستهداف نفس المناطق التي تقوم الضربة باستهدافها بصواريخ سكود أو أرض ـ أرض واتهام الأمريكان ومن والاهم بذلك، بل وتشديد القصف في نفس إحداثيات الطائرات والصواريخ وإلصاق ذلك كله بالضربة الغربية المتوقعة.
رابع هذه الملاحظات، أن استهداف المعارضة المسلحة بفصائلها الوطنية والإسلامية وارد جداً، في ظل حالة التداخل العسكري والميداني بين الجانبين (النظام والمعارضة) وهناك مخاوف متزايدة لدى الكتائب الإسلامية التوجه أو غير المنضوية تحت جناح الجيش السوري الحر، أو ذات التوجه المتشدد وفق التصنيف الغربي، من أن يتم استهداف مواقعها عن عمد بهدف التخلص منها والتمهيد لسيطرة طيف معين من المعارضة السورية والتمهيد بالتالي لمؤتمر جنيف اثنين.
مصادر المعلومات في كل من لندن وواشنطن تكاد تتفق على أن أي ضربة عسكرية محتمل توجيهها لـ(تأديب) النظام السوري لتجاوزه ‘الخط الأحمر’ ستتم يوم الخميس 29-8-2013. في حين يتوقع أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة لتحديد الاختيارات للقيام بتدخل عسكري في سورية، رداً على استخدام الأسلحة الكيميائية، وأكد مسؤولون أمريكيون من جانبهم أن ‘ضربة صاروخية قد توجّه إلى سورية بحلولِ الخميس’. وقالت قناة ان بي سي الأمريكية إن ‘الضربة الصاروخية قد توجه إلى سورية بحلول الخميس كأقرب موعد’. ونقلت القناة عن المسؤولين أن الضربات ستكون محدودة وصارمة وتستمر ثلاثة أيام، وهي تهدف إلى توجيه رسالة إلى الرئيس بشار الأسد وليس لتدمير قدراته العسكرية’.
وفي لندن، تقول مصادر عسكرية بريطانية إن أي ضربة عسكرية من المحتمل أن تستهدف بشكل رئيسي مراكز القيادة التي يعتقد أنها متورطة في استخدام الأسلحة الكيميائية’. وأن صواريخ كروز قد تستخدم لضرب الأهداف المحددة من على سطح السفن الأمريكية الحربية في البحر المتوسط والخليج، أو من قطع البحرية للسلاح الملكي، ومن بينها الغواصة اتش ام اس.
والحال أن النهج الغربي في التعامل مع الأزمة السورية يثبت يوماً بعد آخر حالة البراغماتية ونموذج الاستنزاف في التعامل مع الملف السوري، رغم فداحة خسائره البشرية والمادية، فالضربة المتوقعة ‘تأديبية’ كما يقول الغرب، وهي تمتد لثلاثة أيام لا أكثر ولن تطول لأسابيع، وسوف تستهدف أهدافاً معينة ومحددة مسبقة ومختارة سلفاً.
وفي ظني أن الخوف لا ينبع من التلويح بالضربة الغربية العسكرية، ولا من حجمها (كما يرى ذلك مؤيدو النظام) بل تنبع الخطورة من الرد الحكومي السوري على الضربة بحد ذاته، فإن اختار النظام أو أي من حلفائه الرد على الضربة بأي وسيلة أو أسلوب كان، فسوف يعني ذلك إشعالاً لحرب إقليمية وضوءاً أخضر للغرب وحلف الناتو لشن هجوم عسكري واسع على الجيش السوري، وبما يؤدي الى تدميره بالكامل حينها، لكن إن احتفظ النظام السوري ‘بحق الرد’ وقام بضبط نفسه، كما جرت العادة، وهو ما لا أتوقعه شخصياً، فإن ذلك يعني أن الضربة ‘التأديبية’ ستمر من دون تسجيل خسائر سياسية أو عسكرية أو بشرية أكبر.
وبكل الأحوال… ينطبق على هذه الضربة العسكرية المتوقعة المثال القائل: الضربة اللي ما بتقتلك… بتقويك… وربما بالضرورة ولاعتبارات سياسية أضيف: وهو المطلوب!

‘ كاتب وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية