الضمير العالمي يستيقظ

المجازر التي ارتكبتها إسرائيل الصهيونية بحق المدنيين في غزة، بدعم أمريكي وبريطاني، هزّت بشدة ضمير الإنسانية، وتسببت في حدوث حراك اجتماعي في العديد من بلدان العالم. وأدت الأحداث الأخيرة في غزة إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق من جانب المجتمع المدني، ضد قتل الأطفال والنساء. وأظهرت الإنسانية أنها لم تعد قادرة على التزام الصمت إزاء الآثار المدمرة للحروب والصراعات على المدنيين الأبرياء.
يجتمع أشخاص من مختلف الثقافات والطبقات الاجتماعية، خلال المظاهرات التي تجري في مختلف البلدان للاحتجاج على المجازر والقمع الذي تمارسه إسرائيل، محدثة أصداء واسعة في العديد من المنصات، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي. يعبر الناس عن رغبتهم في العيش في أجواء من السلام، وإبداء موقف مشترك ضد الظلم. ولا تحظى ردود الفعل هذه بدعم من المنظمات الأهلية أو الناشطين فقط، بل إنها تلقى اهتماما كبيرا من الفنانين والكتّاب وقادة الرأي في الوقت نفسه، وتدفعهم إلى استخدام منصاتهم الخاصة للمطالبة بإنهاء العنف والحرب.

أصبح العالم بحاجة إلى ساسة ومفكرين وفنانين أكثر شجاعة وقادرين على التضحية حتى بأرواحهم ويرفعوا أصواتهم مثل جون لينون الذي يقول: «تخيلوا عالما لا يُقتل فيه الأطفال»…

الصحافي الأمريكي المعروف كريس هيدجيز، الحائز جائزة بوليتزر، قال في رسالة إلى أطفال غزة: «لقد خذلناكم». وفي «خطاب إلى غزة»، قالت النائبة عن حزب العمال في مجلس العموم البريطاني، ناز شاه: «أعزائي أطفال غزة، أنا آسفة، فالإنسانية مليئة بالقادة الذين يهتمون بسفن الشحن أكثر من حياتكم، ومصالحهم الخاصة أكثر من الإبادة الجماعية التي تعيشونها». بدوره عبّر الكاتب والناقد الفني البريطاني الشهير جون برجر، عن دعمه لقطاع غزة، من خلال قراءة قصة «رسالة من غزة» للكاتب الفلسطيني الشهير غسان كنفاني، أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع قبل 8 سنوات. الرسالة التي تلاها جون برجر، وهو يقول إن «الشعر يخاطب الجرح النازف»، شاركه بها الشباب على العديد من المنصات في وسائل التواصل الاجتماعي. وبفضل التسهيلات التي يوفرها العصر الرقمي، يمكن للحركات التي تخاطب الضمائر أن تصل إلى جمهور أوسع بكثير. ومن المؤكد أن حملات وسائل التواصل الاجتماعي والعرائض عبر الإنترنت والمظاهرات الافتراضية، تُحدِث تأثيرا عابرا للحدود. وبهذه الطريقة، يمكن للناس من جميع أنحاء العالم أن يتحدوا من أجل الهدف نفسه، وأن يجعلوا أصواتهم مسموعة بقوة أكبر، خاصة أن جيل الشباب يقف في طليعة هذه الحركات. الشباب، الذين يعتبرون قادة المستقبل، يناضلون من أجل عالم يسوده السلام والعدالة. وهم يؤمنون بأن التغيير ممكن وبقوة العمل الجماعي. وفي بعض الحالات، تُجبر الحركات العالمية هذه، السياسيين والمنظمات الدولية على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وقد تؤدي ردود الفعل الدولية على المجازر في بعض الأحيان إلى اتخاذ خطوات ملموسة وتغيير السياسات، وقد بدأ المجتمع الدولي في اعتماد نهج حساس أكثر في التعامل مع مثل هذه الأحداث. وتشير الإحصائيات كافة إلى أن غالبية شعوب العالم (95%) والدول (85%) تبدي ردود فعل ضد هذا القمع وهذه المجازر. ومع ذلك، هناك أقلية صغيرة تواصل دعم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل. ولو اتحد العالم كله، فلن يتمكن هؤلاء البرابرة من مواصلة وحشيتهم. لكن لا تزال هناك مسافة طويلة يجب قطعها على هذا الطريق. ورغم أن استيقاظ الضمير العالمي يمثل خطوة مهمة نحو ضمان العدالة وإنهاء الحروب، إلا أن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتحقيق السلام والهدوء الدائمين، ويبرز الوعي الاجتماعي والتعاون الدولي كعنصرين لا غنى عنهما في هذا المسار.
تصادف هذه الأيام، الذكرى الـ44 لمقتل الموسيقار الأسطوري وناشط السلام المؤثر جون لينون، وقتل إسرائيل ما يقرب من 20 ألف طفل. وعندما يذكر اسم جون لينون، أنا متأكد من أن أغنية «تخيل» تتبادر إلى أذهان الكثيرين على الفور. وحين ترسل الولايات المتحدة حاملة طائرات وتخصص ميزانية إضافية لدعم نفقات حرب إسرائيل، وتلتزم دول الاتحاد الأوروبي الصمت وتتواطأ في «قتل الأطفال»، فإن الكلمات التالية لأغنية «تخيل» تلفت الانتباه في هذه الأيام على وجه الخصوص: «تخيل، ليس من الصعب فعل هذا، لا شيء لتقتل أو تموت من أجله، تخيل أن كل الناس يعيشون في سلام، تخيل أُخوّة الإنسان، تخيل أن كل الناس يتقاسمون كل العالم». لا شك في أن استيقاظ الضمير العالمي يثبت قوة التعاطف، وهو أحد أهم القيم الإنسانية، كما أن ردود الفعل على قتل الأطفال والنساء تثبت أن الأمل يمكن أن يزدهر في عصر المجازر الوحشية الذي نعيش فيه اليوم. هذه الحركات توحد الناس في جميع أنحاء العالم وتشجعهم على النضال من أجل مستقبل أكثر عدلا وسلاما. أصبح العالم بحاجة إلى ساسة ومفكرين وفنانين أكثر شجاعة وقادرين على التضحية حتى بأرواحهم ويرفعوا أصواتهم مثل جون لينون الذي يقول: «تخيلوا عالما لا يُقتل فيه الأطفال»…
كاتب تركي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية