بعد أن قضى على وباء كورونا الذي ضرب الدول الأوروبية بشدة، وتغلب على الصدوع الحادة التي برزت في صفوفه، تفرغ الاتحاد الأوروبي لمعالجة الموضوع المستحب عنده: إسرائيل.
الحكومة التي تشكلت بصعوبة لم تنشر بعد خطة عملها، وإذا بالاتحاد الأوروبي يسارع إلى تهديدها بأنه سيتخذ إجراءات عقابية، بما في ذلك عقوبات اقتصادية بل وسيعلق العلاقات الدبلوماسية، إذا تجرأت إسرائيل على تنفيذ نيتها بسط القانون الإسرائيلي على أجزاء من يهودا والسامرة.
لا يمكن للبيروقراطيين في قيادة الاتحاد في بروكسل حقاً أن يجروا أوروبا إلى حرب ضد إسرائيل، فللعديد من دول القارة، مثل النمسا، وتشيكيا، وهنغاريا، وغيرها، علاقات وثيقة مع إسرائيل. ولكل أولئك بطن مليئة على الاتحاد الأوروبي الذي فشل في لحظة الحقيقة، وتركها، كل واحدة على حدة، في وجه تحدي الحجر، والموت والأزمة الاقتصادية التي جلبها كورونا. ولكن بضع دول رائدة في أوروبا، وعلى رأسها فرنسا، وبلجيكيا، وإسبانيا وإيرلندا، والتي لبعضها عداء واضح لإسرائيل، مصممة على اتخاذ خطوة مناضة لإسرائيل وهددت بتفعيل خطوات عقابية حتى لو لم تنضم معظم دول الاتحاد.
إن الخلاف بين الأصدقاء مشروع، ولكن في كل ما يتعلق بعلاقات إسرائيل وأوروبا، وللدقة، بضع دول في الاتحاد، ليس هكذا هو الأمر. فالفلسطينيون يهمون الاتحاد الأوروبي كما تهمهم قشرة الثوم. كما أن الحرص على القانون الدولي الذي على حد قوله تخرقه إسرائيل، ليس في رأس اهتمامه. فبعد كل شيء، يبدي الاتحاد الأوروبي استخفافاً بالاحتلال التركي لقبرص. وكذا التبت أو الصحراء الغربية، الأمر الذي لا تسكت عنه بروكسل ولا تذكره.
ولكن إسرائيل تعتبر دوماً هدفاً جذاباً لضربه من أجل تحقيق عطف عربي وعموم إسلامي. فضلاً عن ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال ملتزماً بثابت يعود لعشرات السنين ويقضي بأن المسألة الفلسطينية هي المفتاح لحل مشاكل الشرق الأوسط كله. هذا لا يعني أن الأوروبيين يهمهم الفقر والضائقة في أرجاء الشرق الأوسط، ولكنهم قلقون من موجات الهجرة التي تجتاح أوروبا، نتيجة عدم استقرار العالم العربي، ومقتنعون بأن هذا سيمكنهم من وقفها.
يخيل مع ذلك أن للهوس الأوروبي بإسرائيل دافعاً عميقاً آخر. الأوروبيون يضربون إسرائيل ولكنهم يقصدون بالضربة الرئيس ترامب الذي يراه الكثير من الأوروبيين خصماً. هذا جزء من مشاعر متجذرة مناهضة لأمريكا، تختلط بحسد متبل بمشاعر التعالي على من يشكل نظرية مضادة ناجحة ويتفوق على “القارة القديمة”.
إن الارتباط الوثيق والتحالف الحميم بين إسرائيل والولايات المتحدة هما بلا شك نقطة قوة لإسرائيل ويشقان لها السكك في أرجاء العالم. ليس في أوروبا. ففي عيون الأوروبيين، التماثل المتعمق بين القدس وواشنطن والحميمية المزدهرة في العلاقات بينهما هي مثابة خطيئة أولى أو شراكة مهددة. هكذا تطلق السهام من أوروبا إلى إسرائيل بدلاً من أن توجه نحو واشنطن، على أمل أن لا يقتصر الشعور بهذا الألم على حكومة إسرائيل، بل ويشعر به البيت الأبيض أيضاً.
يدور الحديث إذن عن تيار عميق ومتجذر في أوروبا، حتى التسوية مع الفلسطينيين لن تحله على ما يبدو. علاقات إسرائيل ودول أوروبا ستعود إلى مجراها على أي حال، إذ هناك ما يكفي من الزعماء الراشدين في أوروبا مثل المستشارة ميركل وآخرين، الذين ينصتون لإسرائيل ومشاكلها، بل ويعترفون أيضاً بالمصلحة الأوروبية بوجود العلاقات معها. ولكن يمكن الافتراض بأن البيروقراطيين في بروكسل وخلفهم بعض من الدول في أوروبا سينتظرون الفرصة التالية ليضربوا إسرائيل.
بقلم: ايال زيسر
إسرائيل اليوم 19/5/2020