الرباط ـ «القدس العربي»: تواصلت في بعض المؤسسات التعليمية المغربية مقاطعة الدراسة لليوم الثاني على التوالي منذ تطبيق التوقيت الصيفي الجديد، وسط استنفار أمني كبير، مع أنباء عن اعتقال تلاميذ متهمين بارتكاب أعمال يعاقب عليها القانون.
وأصيبت بعض المؤسسات التعليمية في مدينة الدار البيضاء بالشلل التام بعد أن وصلت نسبة المقاطعة تقريباً ما يقارب المئة في المئة ـ حسب مصادر إعلامية ـ رغم محاولة بعض الكوادر التعليمية والإدارية ثني التلاميذ المضربين عن مواصلة المقاطعة ودعوتهم لاستئناف الدراسة.
لضمان راحة التلاميذ
ويطالب التلاميذ المحتجون حكومة سعد الدين العثماني بالتراجع عن قرار تغيير توقيت المغرب «غرينتش+1» وهو التوقيت الذي يعتبره عدد كبير من التلاميذ لا يتناسب وطبيعة المغرب وخصوصياته، ما سيؤثر لا محالة على السير العام العادي للموسم الدراسي.
واعتبر مسؤول حكومي مغربي أن هناك أشخاصاً لا علاقة لهم بالتعليم يقومون بتشجيع التلاميذ على عدم الالتحاق بأقسامهم ويدفعونهم للخروج إلى الشارع، داعياً الآباء والأساتذة لحث التلاميذ على الالتحاق بمؤسساتهم.
وجواباً عن سؤال في جلسة للبرلمان المغربي، أول أمس، قال سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إن الإدارات المحلية التابعة له في أقاليم المغرب قامت بحملات تواصلية على مستوى المدارس، وذلك لضمان راحة وأمن التلاميذ، بعد اعتماد التوقيت المدرسي الجديد، موضحاً أنه أعطيت لتلك الإدارات الصلاحية من أجل تحديد الصيغ الأنسب للتوقيت المدرسي وفق الخصوصيات المجالية لكل إقليم.
وفي السياق نفسه، قال إدريس الأزمي، رئيس فريق حزب «العدالة والتنمية» (أغلبية)، في مجلس النواب، إن رسالة التلاميذ وصلت، وعليهم العودة إلى مدارسهم. وحذر من المساس بالرموز الوطنية، واصفاً في الوقت نفسه القيام بحرق العلم الوطني بأنه حالة معزولة، مثنياً على طريقة تعامل الحكومة والسلطات الأمنية مع احتجاجات التلاميذ، موضحاً أنها تميزت بالحكمة والمسؤولية.
وفي المقابل، أعلنت حركة «قادمون وقادرون – مغرب المستقبل» أنها تتابع بقلق شديد الاحتجاجات الطلابية الواسعة التي اندلعت في مجموع مدن المغرب، إثر القرار الحكومي المفاجئ بخصوص الساعة الإضافية. وحذرت الحركة، في بلاغ لها، «الحكومة مرة أخرى من مغبة تداعيات هذه الحركة الاحتجاجية السلمية، التي تضاف لكل أصناف الاحتجاجات التي تشهدها بلادنا منذ سنوات، احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية المتردية في كل القطاعات الحيوية، في غياب الحوار التشاوري المجتمعي والإنصات إلى نبض الشعب»ꓸ وطالبت الحركة بـ»حماية بنات وأبناء وطننا مما يمكن أن يهدد سلامتهم إذا ما تم اللجوء مرة أخرى إلى المقاربة الأمنية بدل الحوار، وحتى لا تتكرر جراح وآلام سنوات سابقة، وفتح حوار جدي ومسؤول مع التلاميذ وأوليائهم، ومع الأسرة التعليمية بمختلف مستوياتها حول الوضع الراهن للتربية والتكوين، وتحديد مكامن الضعف والاختلالات، واعتماد النقاش البناء في مقاربة قضايا التعليم العمومي، والاستجابة إلى المطالب الملحة من دون توقف أو انتظار، وفي مقدمتها الإنصات إلى مطالب نساء ورجال التعليم والمتعاقدين والطلبة.
ودعت «قادمون وقادرون» الحكومة إلى حوار اجتماعي حقيقي لوضع حد للاحتقان الاجتماعي والسياسي عبر تفعيل وعودها، مع ما يتطلب ذلك من ترسيخ لمدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة والارتقاء بمكانة الجيل الجديد من التلاميذ، واحترام تطلعات الشعب المغربي، وضمان حقه في الحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية، ضماناً للسلم الاجتماعيꓸ
وأفادت خمس نقابات تعليمية بجهة سوس ماسة أنها تابعت موضوع التوقيت الإداري «غرينيتش+ 1»، الذي أقدمت الحكومة على اعتماده كتوقيت رسمي ودائم، «وما خلّفه من تداعيات، وطنياً وجهوياً ومحلياً»، حيث ناقشت التنظيمات النقابية «انعكاساته على المنظومة التربوية بجميع أقاليم الجهة، مستحضرة ما تعرفه المؤسسات التعليمية من ارتباك جراء رفض التلاميذ لهذا التوقيت».
وأعلنت النقابات التعليمية عن «رفضها المبدئي لإضافة ساعة على الساعة القانونية، ناهيك عن الطريقة البئيسة والغريبة التي مرّ بها هذا المرسوم»، معتبرة ذلك «اعتداءً على الحقوق الطبيعية للمغاربة». وأصدر حزب الحرية والعدالة الاجتماعية في طانطان (جنوب البلاد) بياناً عبر فيه عن تضامنه التام مع تلاميذ الإقليم، بعدما أقدموا على تنظيم مسيرات احتجاجية سلمية ضد اعتماد الحكومة لتوقيت «غرينتش+1»، وعبر الحزب عن قلقه الشديد من «المنحى الخطير الذي أخذته الحياة السياسية في المملكة والذي يمس بمصداقية المؤسسات».
منطق المؤامرة
من جهته، قال حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الشبيبة الطليعية، إن السلطات الأمنية في مدينة طنجة اعتقلت اثنين من المناضلين هما: نزار الهسكوري وعمر بوزيدي من أمام منزل هذا الأخير، وهما ينتظران وسيلة نقل للاتجاه إلى الكلية. وأوضح الحزب أن قوات الأمن عللت ذلك بكون الموقوفين كانا مشاركين في احتجاجات التلاميذ.
وكتب نبيل شيخي، رئيس فريق العدالة والتنمية في الغرفة الثانية في البرلمان المغربي (مجلس المستشارين)، تدوينة اعتبر فيها أنه «مخطئ من يتصور أن هذه الاحتجاجات الطلابية، وأخرى غيرها، تحصل كلها بمنطق المؤامرة، وكأن ليس للناس رأي في ما حدث ويحدث». وأضاف: «مخطئ أيضاً من يتوهم أن الإسهام في تأجيج هذه الاحتجاجات والركوب عليها بأساليب ممجوجة ومكشوفة بغرض المس بصورة الحكومة والحزب الذي يقودها، يمكن ضبط آثارها وتداعياتها، والتحكم في مشاعر الحنق والكراهية والانقسام المترتبة عنها، حتى لو بدا ذلك ممكناً على المدى المنظور».