توجد أشياء كثيرة مضلّلة تعلّمناها ورسخت هي فينا محا الزمان كلّ شيء، أمّا هي فظلّت في الأذهان عالقة. حكم كثيرة ردّدوها أمامنا على أنها نتائج عقل تجريبي موجّه لصلاحنا، أجبرونا على أن نحفظها، وحين عشنا معها وعاشت معنا كنّا إزاء أمرين: إمّا أن نرميها لأنّها شيء عقيم يدمّر توازننا الفريد، وإمّا أن نتركها تعيش معنا وكأنّها شيء مستقيم. علمونا أن الظلّ لا يستقيم الظلّ والعود أعوج، لكنّنا في حياتنا رأينا عيدانا معوجّة وظلها مستقيم، ورأينا ظلالا معوجّة وأعوادها مستقيمة: نحن في جنح الظلام نقيم ظلّ كل ذي أصل معوجّ، ونعوّج ظلّ كلّ ذي أصل مستقيم: هذه مسألة أخرى يعرفها من عاش رجبا ورأى عجبا، كما تقوله الأمثال عندنا.
سوف ننصرف في هذا المجال إلى النظر في مسألة عدم التطابق بين الشيء وانعكاسه من منظار لساني يخصّ العلاقة بين العبارة (كلمة كانت أم جملة) وسياقها الثقافي الذي أنتجها، أو الذي يبنى لكي يفسرها. نريد أوّلا وقبل كلّ شيء أن نكسّر أوّلية العود وفرعيّة الظلّ، فنحن حين نتحدّث عن العبارة وسياقها، لا نتحدّث عن أصل ثابت هو العبارة، وعن ظلّ فرعي يتخذ شكله هو السياق: في نظرية الدلالة تكون العبارة ظلا وعودا، ويكون السياق عودا وظلاّ، وهذه مسألة يطول شرحها نختصر بأن نقول إن العبارة هي نفسها سياق لغيرها، وإنّ السياق (اللغوي ) هو أيضا عبارة تريد أن تدلّ على غيرها حين تكون محيطا أو سياقا له.
لم يعد جديدا القول الذي ردّده الفلاسفة واللسانيّون، وبعض من ممارسي النقد الأدبي، إنّه لا يمكن أن تتصور الدلالة خارج أنساقها السياقية. هذه الفكرة آمن بها شرّاح الشعر قديما، حين أوجدوا قصصا شرحوا بها بيتا أو مقاطع من قصيد فعلوا ذلك مثلا حين ابتدعوا قصصا فسّروا بها مناسبة قول القصيد. هذه القصص هي في رأينا نصوص قبل أن تكون وقائع ابتدعها الشراح لجعلها مقاما ممكنا، ولكنّه ضروريّ لكي يفهم النصّ الشعريّ. لن نسمّي هذا الفعل اختلاقا لظروف أو وقائع غير صحيحة، لن نسمّيها بأيّ تسمية أخلاقيّة، بل ننظر إليها على أنّها وقائع ممكنة أو قابلة لأن تكون ممكنة، كانت ضرورية في عمليّة الشرح، بنوا بها ما يسمّى بالسياق البراغماتي.
السياق البراغماتي هو سياق ثقافي طبيعته غير لغويّة، ضروريّ كي تفهم فيه العبارات والأقوال، وهو غير السياق اللغوي الذي يلازم الكلمات، ويعدّ جزءا من محيطها اللغوي. ذلك أن السياق اللغوي للعبارات هو سياق ملازم للكلام لا يبرحه، وهو سياق متنوّع بتنوّع المستويات اللغوية فهو جوارٌ ثابت ونسبيّ للكلمات أو للجمل في نصّ معيّن. فعلى سبيل المثال فإنّ قول المتنبّي (لا تشتر العبد إلاّ والعصا معه) فإنّ السياق اللغوي للفعل المضارع المجزوم يتحدّد بعلاقاته الإعرابية والدلالية مع فاعله ومفعوله، ومع بقية عناصر الجملة، وهذا السياق الإعرابي يختلف عن السياق الدلالي المعجميّ للفعل نفسه من أنّه يفيد نهيا عن فعل وهو نهي مشروط. السياق التركيبي والدلالي العامّ لهذا الصدر ينزّله في إطار مقولي إعرابي دلالي هو إطار الامتناع المشروط عن الشراء، ويوجد بعد ذلك برنامج حوسبي تفصيلي يوسّع هذا القول بأن يحدّد أطرافه (الناهي/ المنهي/ المنهي عنه).
السياق البراغماتي هو سياق ثقافي طبيعته غير لغويّة، ضروريّ كي تفهم فيه العبارات والأقوال، وهو غير السياق اللغوي الذي يلازم الكلمات، ويعدّ جزءا من محيطها اللغوي.
هذا السياق اللغوي لا يمكن أن يحيط بمعطيات أخرى غير لغويّة هي مهمّة، لا في فهمنا لقول الشاعر، بل في تبليغ مقاصد القول. هنا لا بدّ من سياق اجتماعي ثقافي يفسّر لنا الإطار التعاملي المخصوص، وهو إطار البيع والشراء ويدقّقه لأنّه ليس اتجارا في الأشياء والقيم المنقولة كما نقول اليوم، بل هو اتجار في البشر يمنعه الواقع الحاليّ لكنّ الواقع التاريخي السابق يبيحه.
لكن من أين لك أنت، الذي ولد في مجتمع حرّ لا يُباع فيه العبيد ولا يُشترون بالقانون، أن تفهم سياقا اجتماعيّا كان فيه ذلك ممكنا؟ السياق البراغماتي ليس سياقا متقيّدا بالتاريخ، بل هو سياق تفهم فيه التعاملات بالأقوال على أنّها تدور في إطار، وكلّ قول منها، أو جزء قول، إنّما يحيل على ضرب من التعامل الفعلي بالقول: إن كلّ قول يكون فعلا بشرط وقوعه الموقع الصحيح في مقام تنفيذه الصحيح. على سبيل المثال لا يمكن أن يقول القاضي في المقهى رفعت الجلسة، إلاّ على سبيل غير السبيل الذي يقولها فيه في المحكمة. بعبارة أخرى إن ما قيل من شراء العبيد بقيد ملازمة العصا، ينبغي أن لا يفهم إلاّ في سياق تداولي يكون ذلك فيه ممكنا. السياق البراغماتي ليس سياقا واقعيّا مطابقا، بل قد يكون سياقا ممكن المطابقة إذ يمثل شراء العصا المؤدّبة للعبيد جزئية ممكنة في سياق أكبر هو سياق شراء العبيد. براغماتيّة السياق الممكنة هي التي أتاحت لجزئيّة ممكنة أن تكون مرافقة لأصل الفعل التاريخي: الاتجار في العبيد، وهذه البراغماتية هي التي جعلت قول المتنبّي محيلا على تداول: شراء العبد، وعلى وجه منه مخصوص: شراء العصا معه وعلى وجه أشدّ تخصيصا: يتحدّد بتحديد الأطراف والوقائع المقصودة (كافور وسيّده محمّد بن طغج).
التعريف المبسّط للبراغماتية هي تلك الدراسة التي تهتم بالعلاقة بين الأشكال اللغوية ومستعمليها. ما فعله شرّاح شعر أبي الطيب، أنهم حدّدوا أوّلا المقصود بقول الشاعر وهو كافور الإخشيدي، ثمّ بحثوا عن طبيعة العلاقة بين الطرفين، وربّما زادها بعضهم أسباباً لتوتّر تلك العلاقة، ومعطيات كهذه يحتاج إليها في الشرح لتمتين العلاقة بين القطعة الشعرية وغرضها: الهجاء، لكن يحتاج إليها أيضا لإثبات أن الخطاب في القصيدة هو خطاب مخصوص في سياق تداولي مخصوص، لك أن تضع هذا السياق المخصوص في إطاره الغرضي العامّ وهو إطار الهجاء، لكن تفاصيل معاني الهجاء التي يتنزّل فيها الصدر المذكور هو مبتغى البناء السياقي البراغماتي.
(لا تشتر العبد إلاّ والعصا معه) لا يمكن أن توثق صلتها بغرض الهجاء، إلاّ إذا توثقت صلتها بتحديد عناصر من السياق البراغماتي، نعني الطرف المقصود بهذا الخطاب. الطرف المقصود بالخطاب براغماتيّا ليس هو نفسه الطرف المقصود بالخطاب دلاليّا. المقصود بالخطاب دلاليّا هو المخاطب الذي يمكن أن يكون أنا وأنت وأيّ قارئ لقول المتنبّي. لكنّ المقصود بالخطاب براغماتيّا ليس المخاطب، بما هو ضمير من الضمائر التي يسند إليها الكلام، الضمير براغماتيّا هو طرف حاضر في مقام الكلام، هو مؤشّر يكون مرجعه متغيّرا من مقام إلى مقام إنّها من جهة قيمته الإحالية كلفظتي (اليوم) أو (غدا): يختلف معناهما باختلاف زمن قائلهما. هذه تسمّى المؤشّرات Indexicals ولها شيء ثابت هو شكلها النحويّ أو اللغوي، هذا هو معناها النحويّ، لكنّ لها محتوى يتغيّر من سياق تداولي إلى آخر. سأبني على سبيل الافتراض مقاما تداوليّا كأن أقول، إن المتنبّي يوصي صديقه بأن يأخذ حذره من العبيد. يكون ضمير المخاطب في هذه الحالة شخصا قريبا من المتكلم وله عليه واجب النصح، لكنّ من يبنون المقام لهذا الصدر لا يفترضون أن الشاعر يخاطب صديقا بقدر ما يفترضون بأنّه يخاطب موهوما، هذا الموهوم قد يكون في النهاية الشاعر نفسه إذ يعتبر بزلاّته. مقام براغماتي كهذا يظلّ منقوصا لأنّ العبد المقصود هو تسمية باعتبار ما كان، وباعتبار ما هو كائن، فإنّ كافورا هو الحاكم بأمره لا يباع ولا يشترى بل يبيع ويشتري.. ربّما كان المتنبّي الشاعر ممّن اشتراه كافور الحاكم من غير عصا، ولكنّه تركه فلم يبعه أو أنّه باعه بالعصا. كثير من المثقفين لا يريدون بناء كهذا للمقام البراغماتي لا لأنّها لا تناسب النصّ بل لأنها لا تناسبهم هم.. إن الظلّ قد يكون أعوج من نفسه ومن غير عصا ومن غير عود.
أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية
القولبة لزيادة إنتاج الآلة شيء، والقولبة أو التنميط اللغوي شيء آخر،
لأن في اللغة لكل سياق معنى مختلف، ولذلك كانت وما زالت وستبقى الترجمة الآلية (مُضحكة)، بسبب أسلوب القولبة/التنميط يا د توفيق قريرة، أستاذ لسانيات في الجامعة التونسية، تعليقاً على عنوان مقالك (الظلّ الأعوج)، في جريدة القدس العربي البريطانية، ولكن الأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
عقلية (الموظف) عبد المأمور، لم تفهم في تعليقاتها على عنوان (حركة طالبان تعلن “عفوا عاما” عن كل موظفي الدولة) سبب ذلك العفو؟!
كما لم تفهم سبب مقاطعة (رائد صلاح) الإشتراك في العملية السياسية في الكيان الصهيوني، بينما منصور عباس، اضطر زعماء الكيان الصهيوني، تجرّع السمّ كما تجرّع (الخميني) يوم 8/8/1988، وقبول السلام، من أجل طرد التيار الفكري ل(نتنياهو) من كرسي السلطة والحكم والعلم، بإدخال ممثل (الإسلام السياسي) ليكون من ضمن نخب الحكم، في دولة الكيان الصهيوني،
أي أخيراً، وصلت (أفغانستان)، إلى ما وصلت إليه إيران، في سياق موعد وصول (الخميني) من فرنسا في عام 1979، ولكن الإشكالية، هي في كيف يتم فهم الإنسان في دولنا هذا الموضوع؟!
أول ردة فعل على عنوان (السفارة الأمريكية في كابول تصدر تعليمات لموظفيها بتدمير “المواد الحساسة”)، والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
أشكر (جواد بولص)، وأشكر جريدة القدس العربي (البريطانية) على نشر عنوان («سيف» نفتالي بينيت وعرب الـ48) كمثال عملي عن تناقضات التعامل (الإنساني)،
في دولة من دول كيانات سايكس وبيكو (الديمقراطية)، التي فيها الدولة ترفض الاعتراف بالإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمنتجات الانسانية ك(شريك)،
بل تتعامل معه، وفق مفهوم أنت ومالك وحتى لغة جسدك ملك الدولة، بإسم الحرية، والحقوق والقانون، كتمثيل عملي لمعنى حقيقة التناقض والنفاق والدجل والرياء، في الصراع بين مفهومي (Subject VS Citizen) على أرض الواقع، أليس كذلك؟!
السؤال بالنسبة لي، لماذا رفض الاعتراف ب(الأرشيف العثماني) قانونياً، في محاكم الكيان الصهيوني، إذن؟!
لو كان الكيان الصهيوني مهتم بحقوق الإنسان أو الأسرة أو الشركة المُنتجة للمنتجات الانسانية،
هو أول ردّة فعل على ما ورد تحت عنوان (معهد أرشيفي: إسرائيل سلمت أطفالا مصريين من سيناء لعائلات أوروبية للتبني غير القانوني)، والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
إشكالية دولة الكيان الصهيوني، بُنيت على مفهوم أنت ومالك وحتى مهنة لغة جسدك ملك الدولة،
ولذلك في ديمقراطيته، يحق لها تأميم/سرقة أي شيء، تحت حجج أمنية/عسكرية، بحجة بناء كيبوتسات الشيوعية الجنسية، لتكوين إقتصاد الدولة، الزراعية والصناعية والخدمية، بشكل عام،
ومن هنا، بدأت معاناة أهل فلسطين، بعد عام 1947، وكذلك بعد 2/8/1990، كل (البدون)، في دول مجلس التعاون في الخليج العربي،
حيث صدرت تعليمات وقوانين تعمل على حرمان (البدون) والأجانب من خدمات الدولة التعليمية والصحية وغيرها من خدمات الدولة، بشكل عام،
زاد الطين بلّة، أن النموذج الاقتصادي في (الكيان الصهيوني) لكيبوتسات الشيوعية الجنسية، لم يصل حتى إلى الاكتفاء الذاتي،
بينما دول مجلس التعاون في الخليج العربي أو الفارسي، كل دولة عندها صندوق سيادي استثماري، استخدمته، في جميع دول العالم بلا استثناء أحد، كمثال عملي من أنها تمثل ثقافة النحن كأسرة انسانية، على أرض الواقع،
عكس عنصرية دولة الكيان الصهيوني (ثقافة الأنا)، الواضحة، في طريقة تعاملها مع رفض تعامل (رائد صلاح) بتلفيق عليه قضايا قانونياً، أو من خلال قصة هؤلاء الأطفال من سيناء، التي عملت على تسفيرهم إلى دول أوربا، بحجة لم تجد من يتبناهم فيها، لإختلاف (الدين)، ولا حول ولا قوة إلّا بالله،
ثم هل تعرف، ما علاقة المخابرات/ الإنتربول مع علم اللسانيات/اللغة؟!
https://youtu.be/K8rxbNYFfOI
برنامج من برامج AJ+، يحاول توضيح ذلك،
ولكن السؤال بالنسبة لي، لماذا بواسطة (سوري)، بالذات؟!??
??????