العائدون من تنظيم “الدولة”: أزمة تتصاعد في بريطانيا

مثل المقاتلون الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” قوات النخبة في هذا التنظيم الذي استقطب شبابا متحمسا للقتال وربما باحثا عن المغامرة في جبهات الحرب الأهلية في العراق وسوريا. وقد حاولت بعض الدول الأوروبية التي شهدت مشاركة واضحة من رعاياها في الانضمام للتنظيم الإرهابي وضع حلول لمعالجة هذه الظاهرة، إلا أن الحالة بقيت على ما هي عليه. وقد ذكرت الأمم المتحدة إن ما يزيد على 40 ألف مقاتل أجنبي قدموا من 110 دول دخلوا سوريا والعراق ‏للانضمام إلى جماعات إرهابية‎. ‎

وأشارت دراسة موثقة بالبيانات الرسمية والأكاديمية نشرها المركز الدولي ‏لدراسات التطرف التابع لكينغز كولدج في لندن في تموز/يوليو 2018 أن عدد الأجانب في صفوف تنظيم ‏الدولة الإسلامية تحديدا يبلغ 41490 شخصا (بواقع 32809 من الرجال و 4761 امرأة ‏و4640 طفلا) من 80 دولة‎.‎ واليوم تشهد هذه الدول ومنها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وكندا والولايات المتحدة أزمة حقيقية، فقد قاربت صفحة تنظيم “داعش” على النهاية وباتت حكومات هذه البلاد أمام أمر واقع هو عودة رعاياها الذين كانوا جزءا من التنظيم الإرهابي. المحنة التي تواجهها حكومات الدول الغربية اليوم تتمثل في أنها إذا قبلت عودة الجهاديين إلى أوطانهم فان مجتمعاتهم ستظل في حالة رعب من تحول هؤلاء الجهاديين إلى بؤر لخلايا إرهابية مستقبلية، ولكن، من جهة أخرى نجد أن القانون الدولي وقوانين الدول الأوروبية ومنظومات حقوق الإنسان تفرض على حكومات الغرب ‏التعاطي مع هؤلاء الجهاديين ومحاولة استيعابهم وإعادة تأهيلهم وعدم تركهم للموت في مناطق النزاع.

الأمر في بريطانيا انفجر إعلاميا مع ما عرف بموجة أخبار “عروس داعش” شميما بيجوم، وهي مراهقة بريطانية المولد من أصول بنغلاديشية كانت تعيش مع عائلتها شرق لندن، هربت من بريطانيا مع اثنتين من صديقاتها هما أميرة عباسي وخديجة سلطانة، إذ غادرن لندن ‏ووصلن عبر تركيا إلى سوريا للانضمام لصفوف تنظيم “داعش” عام 2015 بعد أن تأثرن بدعاية التنظيم. وهناك تزوجت شميما من جهادي هولندي يدعى ياغو ريدجيك (26 عاما) ‏لكنها بعد أربع سنوات قضتها في مدن يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، ومع انتهاء آخر صفحات الدولة والخلافة الإسلامية المزعومة باتت ترغب في العودة لبلدها بريطانيا لتربية الطفل الذي وضعته توا وأسمته جراح وذلك ‏بعد أن فقدت طفلين قبله بسبب المرض وسوء التغذية.‏

المفارقة ان شميما بيجوم أجرت عدة لقاءات صحافية مع وسائل إعلام بريطانية أثناء تواجدها في معسكر الإيواء في شمال شرق سوريا الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، وأخبرتهم برغبتها العودة لبريطانيا للتفرغ لتربية ابنها. لكنها من جانب آخر لم تبد ندمها على الانضمام للتنظيم الإرهابي، وعندما سئلت عن قتل “داعش” للصحافيين والرهائن الأجانب وقطع رؤوسهم، ردت: “الصحافيون قد ‏يكونون جواسيس أيضاً عندما يدخلون سوريا بطريقة غير قانونية، كانوا يمثلون خطراً أمنياً على دولة ‏الخلافة”. من جانبها حذرت الكاتبة أليسون بيرسون عبر تغريدة على حسابها في تويتر من عودة شميما بيجوم قائلة: “عندما سئلت شميما ‏عما إذا كان قطع الرؤوس يزعجها، قالت ما أفهمه أنه مسموح به من الناحية الشرعية الإسلامية”. وكتبت بيكهامش هيبستر: “لماذا لا نعيد فقط طفل شميما إلى المملكة المتحدة ونوفر له ‏الرعاية مع عائلة جيدة للتأكد من أنه لن يصبح مثل والدته؟ أما هي فيمكنها البقاء في الشرق الأوسط ‏مع بقية الخلافة وحصد ما زرعته”.‏ من جانبها صرحت وزارة الداخلية البريطانية، إنه تم تجريد شميما بيجوم من جنسيتها البريطانية، مشيرةً إلى أنه تم سحب الجنسية منها ضمن 100 أخريات التحقن للتنظيم الإرهابي، إذ تسلمت عائلتها خطابا الثلاثاء 19 شباط/فبراير يفيد بأن وزير الداخلية ساجد جاويد أصدر أمرا “بتجريدها من الجنسية البريطانية”.

قضية شميما بيجوم أثارت جدلا واسعا في بريطانيا بين من يرفض عودتها ومن يعتبرها ضحية يجب ‏مساعدتها واتخاذ إجراءات إنسانية بحق الراغبين في العودة من الجهاديين. لكن ومن ناحية أخرى وعلى مستوى ردود الأفعال الشعبية في الشارع البريطاني على موضوع عودة الجهاديين، ذكرت بعض التسريبات أن أكثر من نصف مليون بريطاني وقعوا طلبا موجها للبرلمان يدعون فيه إلى منع الجهاديين البريطانيين من العودة إلى البلاد. وحسب القانون البريطاني فان البرلمان ملزم أن يناقش أي طلب يوقعه 100 ألف مواطن فأكثر.

أرقام وحقائق

 

ويعتقد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أن الأغلبية ‏العظمى من مسلحي التنظيم قد ماتوا أو اعتقلوا، بيد أنه يرفض تقديم عدد محدد للقتلى من المقاتلين ‏الأجانب في صفوفه. ‎وقال رئيس جهاز الأمن الداخلي البريطاني”IM5″ في تشرين الأول/اكتوبر 2017 أن أكثر من 130 ‏بريطانيا ممن سافروا إلى سوريا والعراق للقتال مع تنظيم “الدولة” قد قتلوا‎.‎

كما قال عبد الكريم عمر أحد قيادات قوات سوريا الديمقراطية في 18 شباط/شباط الماضي، إن نحو 800 مقاتل أجنبي في صفوف تنظيم “الدولة” من ‏نحو 50 دولة هم الآن قيد الاعتقال لدى قوات سوريا الديمقراطية‎. وأضاف عمر أن ما لا يقل عن 700 امرأة ‏و1500 طفل محتجزون في معسكرات إيواء. كما خلص باحثون في المركز الدولي لدراسات التطرف إلى أن ما لا يقل عن 7366 مقاتل من المقاتلين ‏الأجانب في صفوف تنظيم “الدولة” الإسلامية قد عادوا إلى بلادهم، بينهم 256 إمرأة وقرابة ‏‏1180 طفلاً‎.‎

‎وحسب تقرير المركز الدولي لدراسات التطرف، فقد تأكدت عودة امرأتين وأربعة أطفال فقط من بين 425 شخصا ‏عادوا إلى المملكة المتحدة. ويقود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة للضغط على الدول الأوروبية لاسترداد رعاياها من الجهاديين المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا، لكنه من جانب آخر يرفض ان تستقبل الولايات المتحدة رعاياها من الجهاديين الدواعش المعتقلين أو عائلاتهم الموجودة في معسكرات الإيواء. فقد كتب ترامب بهذا الصدد تغريدة على حسابه في توتير مفادها أنه: أعطى التعليمات إلى وزير الخارجية، مايك بومبيو، بعدم السماح لهدى ‏مثنى “عروس داعش الأمريكية من أصل يمني” بالعودة إلى الولايات المتحدة. وقال بومبيو في وقت سابق إن المرأة، البالغة من العمر 24 عاما، ‏ليست أمريكية، ولن يسمح لها بدخول الولايات المتحدة. لكن من جانبه قال محامي عائلة هدى مثنى، حسن شبلي، إن ترامب “يناقض نفسه” عندما يطلب من الدول الأوروبية ‏استقبال مواطنيها المقاتلين السابقين في صفوف تنظيم “الدولة” الإسلامية، ثم “يحاول التلاعب” عندما ‏يتعلق الأمر بالمواطنين الأمريكيين‎. ‎‏ وأضاف المحامي في تصريح لقناة سي بي أس إن”: “إدارة ترامب ‏تواصل محاولاتها سحب الجنسية الأمريكية من مواطنين أمريكيين، دون وجه حق‎”.

 

كرة الأزمة في حضن العراق

في معارك الأيام الأخيرة في بلدة باغوز الحدودية السورية، سلم نحو 50 ألف شخص، بين مدني وأفراد من عوائل تنظيم “داعش” بينهم أكثر من 5 آلاف عنصر من التنظيم، أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية بعد أن تحصنوا لأشهر في مناطق ومزارع ضفاف شرق الفرات قرب البلدات الحدودية مع العراق، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقد ذكرت بيانات عراقية تسلم القوات العسكرية العراقية من قوات سوريا الديمقراطية 410 مقاتلين من التنظيم، ويفترض أن تتسلم آخرين في وجبات جديدة، بعد أن اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية مئات من مقاتلي “داعش” العراقيين خلال معارك الأيام الأخيرة لدولة الخلافة. كما تسلمت 13 مقاتلا فرنسيا لمحاكمتهم في العراق.

وذكرت بعض التسريبات ان رئيس جمهورية العراق برهم صالح قد طمأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة لباريس، وأبلغه استعداد العراق لمحاكمة الداعشيات الفرنسيات في المحاكم العراقية. وهنا يثار التساؤل المحوري: لماذا يا دولة الرئيس هذا الكرم العراقي؟ لماذا لا تحاكم فرنسا رعاياها من الإرهابيين بعد أن تستردهم وتودعهم سجونها؟ وقد علق البعض على الأمر بالقول: إن هذه سابقة خطيرة ربما ستتلوها ثانية وثالثة حتى يتحول العراق إلى مكب لنفايات العالم من الإرهابيين. ويبقى الجدال مفتوحا عن آلية قانونية يتم من خلالها معاقبة الإرهابيين لكن في الوقت نفسه يجب توفير فرص لاستعادة تأهيل الأبرياء من الأطفال والنساء لاسترجاعهم لمجتمعاتهم بعد ان يتخلصوا من درن الإرهاب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هناك الآلاف من الأكراد الأوروبيين ذهبوا للعراق وسوريا لقتال داعش ثم رجعوا لأوروبا بدون محاسبة! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول S.S.Abdullah:

    يا د صادق الطائي عنوان مقالك (العائدون من تنظيم “الدولة”: أزمة تتصاعد في بريطانيا) في جريدة القدس العربي يوضح تناقض (المثقف والسياسي الأوربي والأمريكي) فاحش، على الأقل من وجهة نظري، لماذا؟!

    المشكلة عراقية وسورية، أو مفهوم الإيمان، لأهل ما بين دجلة والنيل بشكل عام أولا،

    لماذا مناصرة جانب، ضد جانب آخر، يمثل أزمة من زاوية تتطلب محاسبة قانونية؟!

    ومن زاوية أخرى، يمثل حل يتطلب التكريم قانونياً، في الدول الأوربية والأمريكية؟!

    يجب أن يكون في التقييم مسطرة واحدة ما معنى البناء وما معنى الهدم، وما معنى الإحتلال والعبودية والاستعباد، لجميع الأطراف بخصوص الإنسان والأسرة والشركة المنتجة، لأي منتج ذو عائد اقتصادي، يمكن بيعه في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني.??
    ??????

  3. يقول BOUMEDIENNE:

    هذا الشباب المتحمس للقتال، لماذا لا يقاتل في فلسطين، التي اغتصبها الصهاينة، البعض يدلي بدلوه ولا يكشف ان بريطانيا،هي العدو الاول والاخير للمسلمين، هذه الدولة تحتضن نواة المحفل الماسوني الصهيوني واكبره في الغرب،ومكيدة العراق وسوريا وقبله افغانستان والجزائر، حيكت خيوطها في بريطانيا، ونفذتها اجهزت مخابراتها في اطار الناتو، ومجلس الامن الدولي، فالذين جندوا للقتال في بلاد المسلمين، باستثنائ فلسطين، هم اولا وقبل كل شيئ ضحايا الاقصاء، الممارس ضدهم في الغرب، وهم اصبحوا في وضع فكري وعقلي يسمح، باستعمالهم ضد مصالح امتهم واوطانهم وشعوبهم، فتحولوا الئ مرتزقة مجرمين، وليسوا شبابا متحمسين للقتال، لان الحماس خاص بمن لديه شعور نبيل التجاه قضايا امته المصيرية، وهولائ لم يتحمسوا للقتال ضد مشاريع الغرب المتصهين الظالم في فلسطين، بل المغريات اقتادتهم الئ وجهة خاطئة، اذن يجب تسمية الامور بمسمياتها، هولائ مجرمون مهما قيل عنهم، الله ينتقم منهم ومن من جندهم لتخريب اوطان المسلمين، وتشريدهم….

إشترك في قائمتنا البريدية