عاشت الإنسانية كلها، وأنصار السلام والديمقراطية، فترة أسبوع عصيب مع الانتخابات الأمريكية، متابعة للصغيرة والكبيرة في تفاصيل النتائج التي تصعد وتنزل بشكل حاد، للمترشحين.
لا لشيء سوى لأن البشرية في عمقها تحلم بالسلام في عالم تمزقه الحروب والنيران، وتخاف من الآتي المظلم الذي كان يلوح في الأفق مع رجل عالمه لا يتجاوز فتحة سحاب سرواله، كما تقول عنه ابنة أخيه الأكبر فريد، عالمة النفس الإكلينيكي، ماري ترامب، في كتابها الذي أصبح في فترة وجيزة بيست سيلر: بلا هوادة/ كيف خلقت عائلتي أخطر رجل في العالم. أظهرت في كتابها الصورة الباطنية للرجل الذي يمكن في أية لحظة من اللحظات أن يجرّ البشرية كلها إلى الهلاك.
قد يكون في الكتاب شيء من ردة فعل ماري ترامب ضد عمّها لأنه كان السبب في وفاة والدها، لكن الجوهر يظل هو نفسه، لا يبتعد مطلقاً عما قاله جون بولتن، مستشار الأمن القومي لدى ترامب (2018-2019) حول التمركز الذاتي المجنون حول النفس. رجل لا يسمع إلا لنفسه، حتى ولو جر البلاد إلى الهلاك. ما ظهر أثناء/ بعد الانتخابات يبين أن دونالد ترامب أكثر جنوناً مما توقعه جميع المحللين. ما يزال حتى اللحظة بين ملعب الغولف والبيت الأبيض، يخطط لإجهاض الانتخابات بكل الوسائل القانونية وغير القانونية الممكنة. لا يمكن طبعاً لرجل بهذه الصورة وبعقلية السوبرمان، والمهين لمن هو أضعف منه، أن يكون غير ذلك. يضاف إلى هذا كله، التاجر البراغماتي الذي يعرف أن أي تنازل قد يقوده إلى الجحيم. لهذا، أينما وجد حفرة مالية، عمّقها أكثر حتى الإنهاك.
هو يعرف أن صاحب المال سيقبل بمناوراته لأن لا خيار له، فحياته رهينة إرادته. ممارسات المافيا المهيكلة. لم يعد سراً أن الرجل لا يفكر بمنطق آخر خارج سلطتي المال والقوة، وهما سبب خراب البشرية عندما يكون كل شيء بين أيدي الظلم. لنازية تركت في سجلها التاريخي ملايين الضحايا من الأموات والمشردين، بين 60 إلى 80 مليون قتيل، لأن القوة الألمانية كان يجب أن تتجلى للاستيلاء على أراضي الغير، ومال الدول الأخرى، فأعطت ألمانيا النازية لنفس هذا الحق، من خلال نظرية آرية عنصرية بدائية رفعت بها نفسها إلى السماء، قبل أن يبدأ التدمير المنظم لكل ما لا ينضوي تحت سلطتها.
أعتقد أن البشرية اليوم سعيدة لأنها انتهت من كابوس اسمه دونالد ترامب، حيث تحضر القوة وجنون العظمة، ويغيب العقل كلياً. فقد عمق العداوات داخل أهله، وحزبه، والعالم. لقد زرع الشقاق العالمي، وخرب النسيج الداخلي للبلدان في أمريكا اللاتينية والعالم العربي، واحتقر أوروبا، بل إن الحلف الأطلسي نفسه أصبح مثار جدل. بجرة قلم وتوقيع، محا من وزرائه كل من لا يسير في خطه، وخلق مناطق ملتهبة ظلت تتهدد السلم العالمي، من بينها المعضلة الإيرانية. الناس الذين قضوا أوقاتاً عصيبة لم يقضوها حتى في مع انتخابات بلدانهم المزورة، وقفوا ينظرون إلى مؤشرات الأرقام التي تصعد وتنزل بالنسبة للمترشحين، في نظام ديمقراطي غير مسبوق في شفافيته وعلانيته، على الرغم من صعوبته وتنوعه بحسب المناطق وفكرة المنتخبين الكبار، واحترام لمقتضيات دستور لا أحد يستطيع مسه، بما في ذلك ترامب بكل يقينه وعنجهيته. لا يعني هذا أن بادين سيكون أفضل من السابقين.
لا توجد أوهام كبيرة عند الناس. الإيتابلشمنت الأمريكي مرتب ومستقر ولن يتغير بالنوايا الحسنة. لكن بالمقابل سيكون بادين حاملاً بعض الأمل للبشرية التي كسرها ترامب في عمودها الفقري، لدرجة أن بدا العالم كأنه غابة لا يوجد فيها إلا ذئب مفترس ونعاج تنتظر من يحميها. لا أوهام كبيرة، فالديمقراطية التي جاءت برئيس مثل بايدن هي نفسها التي كادت تأتي بترامب هذه المرة؟ هي نفسها أيضاً التي تسببت في مقتل رئيس مثل لينكولن الذي وحد أمريكا في حرب انفصال دامية، وهي نفسها أيضاً التي قتلت جي. إيف. كينيدي. يمكننا أن نحلل طويلاً في هذا الموضوع، لكن المؤكد أن الخيار الديمقراطي هو أفيد للمجتمع الأمريكي، وربما الإنسانية على الرغم من أنها خاضت حروباً خارجية مدمرة. أكثر ما أتساءل أحياناً كيف لم يضغط ترامب على الزر النووي ضد كل البلدان المارقة التي يكرهها، ولا يحبها. حظ كبير أنه لم يفعل، وإلا لحل الخراب الكلي في حروب لا تنتهي.
فقد ظل الرجل يتحرك دوماً بمنطق المال والقوة. هو يعرف، وربما مستشاروه المقربون، أنه بالمال والقوة يستطيع أن يتحكم في العالم، العالم المرتسم في ذهنه، لأن العالم تغير كثيراً. مشروعه لحل القضية الفلسطينية يشبه في كل شيء خيارات إسرائيل التي لولا الانتفاضات والمقاومة لفرضتها على الشعب الفلسطيني. مشروع خال ليس فقط من الحق التاريخي الفلسطيني، ولكن أيضاً من أي تقدم في القضية لحل يأخذ بعين الاعتبار معطيات الأرض، ولكن التاريخ أيضاً. كلها خطوات إسرائيلية كان وسيطها وعرابها كوشنر لإجبار الفلسطينيين على الانصياع، أي القبول بموتهم. إسرائيل عرفت سر اللعبة منذ مجيء ترامب في 2016. أدركت في وقت مبكر، أن وجود ترامب مؤقت. يجب مضاعفة سرعة التحولات في الفترة المناسبة، وعدم الانتظار، لتمرير كل مشاريعها المعلقة بسبب الضغوطات الدولية، فحققت ما لم تحققه منذ عشرات السنين: اعتبار القدس، كل القدس، عاصمة لإسرائيل، وإنهاء اتفاقية أوسلو وقبر فكرة الدولتين، وتوسيع مساحة المستوطنات بما في منطقة القدس من أجل ابتلاعها نهائياً، والضفة الغربية، بتزكية أمريكية كلية. فرض خطة سلام جديدة لم تأخذ بعين الاعتبار أياً من المطالب العربية والفلسطينية في حدودها الدنيا، وتحويل الفلسطينيين إلى تجمعات سكنية يعيشون ويموتون داخلها، لا تختلف كثيراً عن تجمعات الهنود الحمر في أمريكا.
لا سلطة ولا حياة سياسية؛ أي إنهاء الحق الفلسطيني، والتدمير النهائي لاتفاقيات أوسلو، التي على الرغم من سلبيتها، بينت على الأقل أن الفلسطيني محبّ للسلام، وليس إنسان حروب. حتى تعامل ترامب مع العرب، هو تعامل يحركه المنطق البراغماتي الإسرائيلي.
كيف يمكن وضع اليد على مال عربي لا تُعرف قيمته ما دام جزء منه يذهب في الحروب البينية والعداوات. كيف يمكن نهبه، إما بشكل مباشر مثلما حدث أن أخذ وبشكل هستيري قرابة 500 مليار دولار، أو بشكل غير مباشر بجر العرب نحو الحروب البينية وشراء الأسلحة، أو جرهم بكل بساطة نحو مباركات إسرائيلية لا تهم فيها المصلحة العربية مطلقاً. هو يعرف جيداً الهشاشة العربية التي يحفر فيها ويعمقها بالتخويف المستمر من العدو الداخلي، ومن إيران. ماذا يفيد الدول العربية، بالخصوص دول الخليج الصغيرة الآمنة، الدخول في حروب أكبر منها؟ بينما أمامها مشاريع تنموية كبيرة يمكنها أن تقفز بها نحو الواجهة العالمية، في عز الطفرة المالية التي بدأت تتضاءل وتجفّ؟
في كل الأحوال، لن يكون العالم أسوأ بعد هزيمة ترامب. رجل «مصاب بمرض العظمة، يسهر على عقدته باهتمام، لأنه يدرك جيداً في أعماقه أنه ليس بتلك الصورة التي يظهرها» (من كتاب ماري ترامب).
ترامب هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم يشن حربا منذ 40 سنة! ورفض كل الضغوط للدخول في مغامرات عسكرية. وتصرفاته غير المسؤولة ،مثل التراجع عن الإتفاقات والعقوبات غير الإنسانية، لاشيء أمام ما فعله ريغان وبوش الأب وبيل كلينتون ،الذي شن 14 عدوانا ضد العرب فقط، والذي أبلغ في رسالة رسمية للأمين العام للأمم المتحدة أن أمريكا لم تعد ملزمة بأخد الإدن من الهيئة قبل شن أية حرب، و جورج بوش الصغير وأوباما، الذي لم يكتف بالإعتداء على الأنظمة، بل سعى لإستئصال الدولة من أساسها والعودة بنا لأشكال ما قبل الدولة.
لم نشعر بالراحة والهدؤ النسبي سوى في أيام ترامب. معه إختفت صورة أمريكا كإمبراطورية مفزعة ومخيفة، وتجلت أمريكا أخرى أكثر إنسانية. نجاح بايدن بفضل ملايين البطاقات عبر البريد! يعني عودة أمريكا الحرب والحصار.
لقد شارف حكم اليهود للعالم على النهاية بعد تعديهم على ما هو مقدس بفلسطين وثروة روتشيلد سوف تذهب هباءا.
ذلك ما يتمناه الكل*الجزائر
إسمح لي أستاذي وأنت القامة الأدبية والفكرية المتوقدة ان أخالفك الرأي في فرحك بهزيمة ترامب..
صحيح انه تاجر أهوج وغامض.. لكنه يبقى هو وجمهوريوه افضل للحالة العربية وللسلام العالمي من أي ديمقراطي سيتربع على عرش البيت الأبيض..
لن يكون بايدن اقل صهيونية من ترامب.. ولكن وهو نائب أوبما وحليف هيلاري السابق يستحسن أن نبدأ بعد الدول العربية التي سيتم نحطيمها بعد ليبيا وسوريا واليمن..
ترامب يخضع دوما لمنطق المصلحة.. الاقتصادية منها اساسل وبها يمكن لجمه.. اما الديمقراطيون فيخضعون فقط لايديولجية الشرق الاوسط الجديد عبر طريق الفوضى الخلاقة.. وبعد ما فعله ترامب بالقدس ستكون مهمة الديمقراطينن ان يثبتوا انهم اشد منه حبا ودفاعا لاورشليم..
بيع الأسلحة للمتحاربين هو بمثابة الشراكة الأساسية في تلك الحروب. أكتفي بالرد على هذه النقطة لأنها تتكرر كثيرا في التعليقات، أما الانتخاب عبر البريد فهو شأن داخلي أمريكي ( شأن سيادي على رأي حكومات العرب) يجيبك عليه من نظموا الانتخابات و من انتخبوا إن شاؤوا أن يجيبوا.
شكرًا أخي واسيني الأعرج. لن يكون العالم أسوأ بعد هزيمة ترامب ولكن هل سيكون حالنا العرب أفضل! لاأعتقد هذا من جهة ولنتذكر أن كورونا ساعدت كثيرًا في هزيمة ترامب وهذا يكفي للقول أن العالم ليس أيضًا كما يجب أن بكون، أي أفضل.