العبوا أرضي…

حجم الخط
15

فوجئ الإسرائيليون بالرّفض الشّعبي العربي للتعامل مع صحافييهم، وهتاف البعض في وجوههم بعفوية «فلسطين فلسطين»، علماً أنهم توقعوا على ما يبدو أن تهتف الجماهير «عاشت إسرائيل عاشت إسرائيل»، عاشت من البحر إلى النهر»، توقّعوا أن يهتف العرب «الموت للعرب الموت للعرب» على طريقة جمهور بيتار القدس، أو «الموت لنا لأننا عرب»، «أهلاً بأبطال الإعلام الإسرائيلي، أهلاً بممثلي أرحم وأجمل وأفخم احتلال في التاريخ».
فوجئوا لأنه كان يفترض أن يستقبلوهم بالدبكة والمزامير وهتاف… «أهلاً بالنكبة الجديدة، أهلاً بالنكبة الجديدة»، «هيّا هيّا يا أحباب اهدموا الأقصى وأريحونا منه»، «إسحاق يِس…إسماعيل نو… سارة يِسّْ، هاجر نووو…
فوجئوا أن البعض من جمهور الدول المطبّعة ومن عقدت اتفاقيات سلام قال لهم.. بلّوا الاتفاقيات واشربوا ميّتها، فهي لا تمثلنا.
في فلسطين فوجئوا من مفاجأة الإسرائيليين، ولم يصدّقوا بأن الإسرائيليين يتحدّثون بجدّية عن تفاجُئِهم! عنْ جدّ متفاجئون؟ ماذا توقّعتم مثلاً؟ ولَك يخرِب بيتكم، على شو تريدون من العرب أن يحبّوكم! تكذبون الكذبة ثم تصدقونها! هل توقّعتم أن تحبس الجماهير العربية أنفاسها وتنتظر وصولكم، لتهلّل وتكبّر وتنشد طلع البدر علينا! يبدو أن الإسرائيليين يعيشون وهماً بأنّ الأنظمة العربية هي نُسخة صادقة عن شعوبها.
ممكن يا حضرة الإسرائيلي أن تسأل مثلاً، هل توجَّه مُوقِّعو اتفاقات السّلام أو التطبيع وغيرها إلى شعوبهم باستفتاءات نعم أم لا؟ هل أجريت استطلاعات رأي في الوطن العربي عن العلاقة بإسرائيل وكيف يرونها؟ ومن يتحمل مسؤولية سفك الدماء في فلسطين مثلاً؟
توجّه الصحافيون إلى جماهير كرة القدم، وهي عموماً الشرائح الأكثر شعبية وعفوية، وطلبوا التقاط الصور معها، وليس هذا فقط، بل مع التعريف بأنفسهم «نحن إسرائيليون»، فيقفز العربي وحتى البرازيلي والياباني مبتعدين: «إسرائيل نووووو».
محبطٌ جداً أن لا تحظى من بين آلاف المحاولات، بمن يقبل بالتقاط صورة معك! يعني فُرصة الفوز باللقطة المشتهاة، هي مثل نسبة الفوز لمن يملأ نماذج اليانصيب الرّقمي (اللوتو).
في الحقيقة لاحظت أنّ الجماهير العربية مهذّبة جداً، فقد رفضت الإسرائيلي عموماً بصورة حضارية، رفضته ونبذته مع ابتسامة أحياناً، ومن دون غضب في أكثر الحالات، بعضهم وضع العلم الفلسطيني على رأسه أو أمام الكاميرا، ومن دون أذى، بل بخفّة دمّ في أحيان كثيرة، أما من هتفوا في وجوههم غاضبين، فهم أولئك الذين أصرَّ الصحافيون على استفزازهم، بكلمات مثل إسرائيل أمر واقع، وإسرائيل إلى يوم القيامة، وغيرها.
تصرّفَّ الإسرائيلي في وهم بأن العرب ضاقوا ذرعاً بقضية فلسطين وأصحابها، وصاروا متلهفين للقاء السّوبرمان الأسطوري لالتقاط صورة تذكارية معه، توهّموا بأن البُعبع الإيراني وحّد العرب مع إسرائيل، وأنساهم حقيقتها!
وهو موقف غريب، يعني حتى لو رأى بعض العرب في إيران خطراً عليهم، فهل هذا يعني التواطؤ مع جرائم الاحتلال في فلسطين؟!
ما يجري في فلسطين ليس معزولاً عن الشعوب العربية ولا العالم، رغم تعتيم بعض الأنظمة، فوسائل التواصل الاجتماعي تنقل ما يحدث في اللحظة ذاتها، وصورة مستوطن ملثّم بقناع أسود يقطع بمنشاره أشجار الزيتون الفلسطينية ويعتدي على مُسنٍ يعتمر الكوفية بالضّرب، تحت سمع ونظر وحماية الجيش، ممكن أن توقظ كراهية عشرات ملايين العرب، وتُشعرَهم بالإهانة، وتذكّرهم بكل ما قامت به إسرائيل في الماضي وما تمارسه في الحاضر. ناهيك عن الشُّهداء من مختلف الأعمار والحالات.
أيها المتفاجئون، هل تذكرون صوت وصورة شيرين أبو عاقلة، هل تذكرون جنازتها؟ هل تذكرون كيف غطّيتم الحدث؟
ما هو موقفكم من مقتل حوالي ستين صحافياً فلسطينياً وعربياً في قطاع غزة والضفة الغربية منذ انتفاضة عام 2000 إلى يومنا برصاص جيش الاحتلال! هل اتّخذتم ولو مرة واحدة موقفاً مناصراً لمهنتكم وللحقيقة بلا لف ولا دوران!
هل تعتبرون أنكم صحافة حرّة، وأنّكم أفضل من غيركم رغم تجندكم وانحيازكم وامتثالكم إلى روايات الجيش والشرطة، فيما يخص كل حوادث القتل للفلسطينيين والعرب؟
كم ألف مرة أدنتم الضحايا ظلماً وكذباً؟
الجيش يحقّق مع نفسه وكذلك الشرطة، وأنتم تردّدون ما يقوله الجيش.
صحافي إسرائيلي يصيح مستغرباً موقف شاب مغربي: نحن عقدنا معكم اتفاقات سلام.
هل توقيع اتفاق سلام يعني التسامح مع جرائم الاحتلال، هل هذا فهمكم للسّلام؟!
لقد أوهم الإعلام الإسرائيلي نفسه وشعبه، بأن ظهور عربي هنا أو آخر هناك، على وسائل التواصل معبّراً عن عشقه لإسرائيل ويرفع رايتها، ويغني بضع كلمات بالعبرية، بأنها حالة عامة تشير إلى نبض الجماهير العربية!
الشعوب العربية ستكره إسرائيل ليس فقط لقمعها الفلسطينيين، بل لأنها بالذات حليفة لأنظمة تقمع شعوبها.
من جهة أخرى، فهذه رسائل للأنظمة العربية بأن تنصت جيّداً لنبض شعوبها،
حتى الجماهير الأجنبية شعرت بأن التقرّب من الإسرائيليين ليس عملاً حكيماً، ولهذا ابتعدوا عنهم، وراح بعضهم يرفع الأعلام ويهتف لفلسطين، ليكسب شعبية بين الجمهور العربي، بل إن المراسلين الإسرائيليين صاروا ينكرون إسرائيليتهم، درءاً للتعرُّض للسخرية والهتافات، ولا نقول الضرب والرصاص كما يحدث للصحافيين الفلسطينيين والعرب.
كل هذا يجري على خلفية الغرور الغربي ورهانه على فشل المونديال، وانتقاداته العنصرية وتحريضه الذي استهدف دولة قطر، بما في ذلك الإعلام الإسرائيلي الذي انضم إلى هذه الجوقة، وصوّر المونديال في قطر ككارثة بيئية،
وهذا جعل العرب يشعرون أكثر وأكثر بأنهم مستهدفون، بلا استثناءات.
لا أظن أن الإسرائيليين سوف يستوعبون الدرس، فالإجابة عندهم واضحة، وبكل بساطة سيقولون إن الشعوب تكرهنا لأننا أفضل، وأشدُّ ذكاءً وأغنى وأجمل، سوف يستحضرون المبررات منذ فرعون إلى يومنا، سوى الاعتراف بالحقيقة.
عندما يكون لاعبو فريق كرة القدم قصيري القامات، تسمع كابتن فريقهم يصيح بهم «إلعب أرضي»، أي اجعل التمريرات أرضية، لأنه لا نصيب لك مع القامات العالية.
العب أرضي، صار مجازاً، فمن يختلف مع شخص ما ويريد تحذيره يقول له: «العب أرضي»، والآخر يفهم بأن يخفّف قليلاً من الهجوم أو من الحدة في طرح الأمور، وبأن لا يذهب بعيداً، وأن لا يوسّع دائرة الخلاف والمواجهة أكثر، بل عليه أن يتراجع، ولا داعي لتسخين الوضع أكثر، فالعبوا أرضي بقاماتكم القصيرة يا صحافة الاحتلال….

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو عمر. اسبانيا:

    و نقول أيضا: العب بعيد.

  2. يقول أبو عمر. اسبانيا:

    و نقول ايضا: العب غيرها

  3. يقول كمال - نيويورك:

    ما أجمل هذا المقال، روعة من كتاباتك الواقعية و المواكبة للأحداث. سلمت يداك و دام قلمك حراً.

    لقد رُدّ في نحرهم غرورهم و خبثهم و جرائمهم في حق الفلسطينيين و العرب.

    إن الكريم إذا تمكن من أذى جاءته أخلاق الكرام فأقـــلعا
    وترى اللئيم إذا تمكن من أذى يطغى فلا يبقي لصلح موضع

    هذه أخلاقنا و تلك أخلاقهم.

    قال الله جل في علاه:
    “إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون”

    “يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار”

    “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا”

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    ” بل إن المراسلين الإسرائيليين صاروا ينكرون إسرائيليتهم، درءاً للتعرُّض للسخرية والهتافات، ” إهـ
    لقد تنكروا لصهيونتهم العفنة خوفاً من مقابلة عنف ما !
    أحد المواسلين قال بأنه من الإكوادور , فتم تكذيبه !!
    معظم من قابلوهم طالبوهم بالرحيل من قطر.
    فلسطين كانت بقلوب معظم المشجعين !!!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول محمد ابونار:

    مقاله رائعه الله ينور

  6. يقول صلاح ابونار:

    مقاله رائعه الله ينور

  7. يقول عابر سبيل:

    ستبقى مواقف الجماهير المشرفة ومضات مضيئة في تاريخ قطر. فلو كان قد تم تنظيم بطولة العالم في أحد دول التطبيع لكان هنالك موقف مختلف ١٨٠ درجة من قبل تلك الأنظمة تجاه المشجعين الذين رفضوا التحدث لوسائل الإعلام تلك وكل من رفع علم فلسطين ويمكن تم أستبعادهم من البطولة و ترحيلهم …

  8. يقول ابو خالد:

    والله مقال زرع الفرح والأمل بقلوبنا
    اجماع عربي رائع في تشجيع فرقهم واجماع كبير صدم الأعداء ، اجماع على حب فلسطين ، فلسطين الحبيبة لكل عربي ولكل مسلم ، خسئتم يا صهاينة عودوا الى اوكاركم التي اتيتم منها ، نحن نكره القتللة امثالكم ، نحن لا نحبكم … لا نحبكم …. لا نحبكم …. ، لأنكم قتلة ، قتلة ، تقتلون اهلنا في فلسطين وتسرقون ارضه وسماءهُ وترابه وشجره وحجره ، ارحلوا ارحلوا عنا ، نحن كرهناك، نحن لا نريدكم

  9. يقول كاملة الصيداوي:

    مقال رائع ويوصف حال الإعلام الإسرائيلي لأول مرة يواكب حدث رياضي عالمي على ارض عربية والإلتماس في هذه الحالة إجباري ، أظن ان المونديال في قطر وكما شددت انت في مقالك كان بمثابة اثر رجعي لكذب وافتراءات الحكومات الإسرائيلية أوهمت الشارع الإسرائيلي أن التطبيع أصبح أمر واقع وأن الشعوب العربية ستقبل في الاخير وترضخ لحكوماتها ولكن ما حدث صدم الصحافة رغم انني أدرك ان هنالك طبقة من الإعلاميين يدركون حقيقة أن تقبل اسرائيل كذبة لا تتعدى خرافات وتخيلات حتى في أكبر ستوديو تحليلي إسرائيلي ، الشعوب طالما قالت كلمتها وطالما ظلت على موقفها رغم تغييب القضية الفلسطينية اعلاميا منذ عقدين ولكن وبفضل وسائل التواصل الإجتماعي وبفضل جهودات فردية من قبل أفراد في كل العالم فلسطين حاضرة في وجظان كل شريف ! مع أنني على مستوى آخر أقول إذا اردت ان تلهي شعب اخلط الرياضة بالدين بالسياسة ولكن هذا المونديال مختلف !! يا رباه لأول مرة يكسر أنف الرجل الأبيض المتعجرف قطر فعلت ما لم تفعله هيئات ومؤسسات وووو هنيئًا للشعب الفلسطيني أيقن ان بوصلة الشعوب كلها عربية وإسلامية لا زالت توصل للقدس ?

  10. يقول رسيله:

    مقاله قيمه جدا تثير الانفعالات حين قراءتها فحقا انطلاق المونديال شكل فرصة ذهبية للشعوب العربية وحفز حال الوعي التي كانت حاضرة لتسخير كل طاقاتها في مناهضة التطبيع مع “إسرائيل” وقطع الطريق على محاولتها الظهور بصورة الكيان الطبيعي في المنطقة.
    ففي مونديال قطر 2022 تجلى بوضوح حضور فلسطين وعلمها بألوانه الأربعة (المثلث الأحمر والمستطيلات الأسود والأبيض والأخضر) في كل يوم، بل في كل ساعة من ساعات هذه الأيام في قطر، وبالتأكيد غياب السردية الإسرائيلية، والعلم الإسرائيلي بطبيعة الحال.
    اللافت بين زحمة الأعلام رفع العلم الفلسطيني، لواء قضية العرب الأولى بين الجماهير العربية والأجنبية بكثرة، إلى جانب الكوفية الفلسطينية التي تجاوزت العالم العربي ووصلت إلى العالمية بوصفها لباساً مفضلاً لدى كل المؤيدين لفلسطين، ورمزاً للمقاومة والهوية الفلسطينية، ورفض الظلم والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني. 
    حال التعاطف العربية والأجنبية الشعبية التي أظهرتها الجماهير بمختلف جنسياتها بالالتفاف حول قضية فلسطين ومقاطعتهم الفرق الإعلامية الإسرائيلية أو الحديث معها داخل قطر وإطلاقهم شعارات ( يتبع)

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية