الكويت ـ ‘القدس العربي’ ـ من أحمد الخليفي: في الجزء الأول تناول التحقيق صورة المشهد الثقافي وعلاقته بالمشهد السياسي في الكويت خلال السنوات الأخيرة مع تزايد وتيرة التقلبات السياسية وظهور أنواع من الخطاب التوجيهي الثقافي بصوره المختلفة وصيغه المتعددة عبر ما طرحته الشاعرة سعدية مفرح وأستاذ الفلسفة الدكتور أحمد العنزي، ونستكمل في الجزء الثاني زاويتي التاريخ السياسي مع الدكتور عبدالهادي العجمي أستاذ التاريخ في كلية الآداب والناقدة سعاد العنزي فلكل مشهد أربع زوايا لا تكتمل إلا به.
من جانبه أكد الدكتور عبدالهادي العجمي في بداية مشاركته بأن الواقع الثقافي السياسي في الكويت خلال السنوات الماضية واجه اشكالية المتغيرات المتعددة نتيجة لحالة الفرقة بين النخب الثقافية والنخب السياسية وقواعد كل منهما الشعبية في الخطاب الذي سوقته كل مجموعة خرج من رحم متغيرات وتحديات عصر التجديد والإعلام الالكتروني بعد انتشار برامج التواصل الإجتماعي الجديد.
وقال ان السياسيين الذين طالما استمتعوا ببعد أهل الثقافة عن الشأن السياسي وجدوا أنفسهم في ظروف مختلفه وكذلك طبقة المثقفين التقليدية صعقت بغزو مثقفي النت الشباب، فقد أصبح الشباب في الانترنت ناقداً حاداً يتجاوز كل حدود الألقاب والسلطات السياسية او الفكرية ويقدم رأيه في موقف المثقف ويناقش بل يفند أفكاره ويحاسب السياسين على أطروحاتهم من وجهة نظره التي تكونت لديه نتيجة لذلك الانفتاح الفكري.
وتابع قائلا: ففي السنوات الاخيرة لم يعد المثقف في الكويت محصنا أو مسموحا له بالانعزال فقد أصبح المجتمع قادرا على ان يصعد فوق كل الابراج العاجية ويهدد من يستقرون فيها لنجد هذه الظاهرة انتجت تمازجا وتقاربا لامتلاك الجيل الحالي مساحة أوسع في التواصل والتأثير، وبدا السياسي المعاصر متابعا لقدرات مثقفي التواصل الالكتروني مما نتج عنه توجه عدد من السياسين لهذه من النوعية للتواصل مع المجاميع الشعبية، وكذلك فعل عدد كبير من الادباء والمؤرخين والشعراء. وهذا جعل الجميع متاحا للامتحان في قضايا المجتمع العامة والإنسانية والأخلاقية، وأوجد ظاهرة الأنشطة الانسانية والاجتماعية بين السياسيين والمثقفين، وألزم الجيل الجديد من المثقفين بالمشاركة والتعليق على قضايا المجتمع العامة ونجح بعض المثقفين في تقديم صورة صادقة وجادة وفاعلة تسعى لتحسين واقع الانسان.
وقال يبقى ان نتحدث بصورة مباشرة عن من فشل في محاولة الاستجابة لمتغيرات التكنولوجيا سواء على صعيد السياسي أو الثقافي، فهؤلاء ما زالوا يقبعون في محابس وأطر المنظومة التقليدية ولا شك أن هؤلاء سيكون لهم مكان في الماضي وليس المستقبل.
وقال من الجدير بالملاحظة ان هذا التفاعل الذي يقوده جيل شاب بدأ يطرح إشكاليات معمقة على الصعيد الثقافي والسياسي لأن الأطر الجديدة التي يعبر هذا الجيل فيها عن نفسه لا تمتلكها وتحركها أي جهة ثقافية او دينية او سياسية، فلم يعد هناك رقابة إلا اختيارات المتلقي مما أوجد على الصعيد السياسي نقاشات تعيد تقييم الأثر السياسي للدستور الكويتي أو الدور السلبي الذي تلعبه الأسرة الحاكمة في الواقع السياسي أو كمية الفساد والسرقات والتعدي الذي تقوم به النخبة الفاسدة من التجار المتحالفين مع السلطة.
وذكر قائلا: أما على الصعيد الثقافي فقد طرحت في الأدب الشعري محاولات شعرية سياسية متعدده تنتقد السلطة والفساد، كذلك في الرواية فاز الروائي الكويتي ‘السنعوسي’ بجائزة البوكر عن رواية ‘ساق البامبو’ التي تناولت قضية المقيمين في الكويت ‘البدون’ وهذا يكشف عن أن المثقفين الشباب يعيدون تقييم القضايا العامه كطرح د. احمد عقلة العنزي أستاذ الفلسفة تصورات في عدة مقالات تتحدى السرد التاريخي الممجد لـ عبدالله السالم الصباح والدستور الكويتي بفرضية لم تكن لتقدم في أي ظروف اعتيادية تسمح بنشرها كمطبوعات تقليدية. هذه الأمثلة وغيرها إشارات فقط على أن التغيرات التي استجلبت الربيع العربي قلصت كمية ومساحة تأثير السلطات (السياسية/الثقافية) في عقل الفرد العربي والكويت نموذج لذلك.
من جانبها فككت الناقدة سعاد العنزي هذه الحالة لأهمية الموضوع كما قالت لتبدأ طرحها بنظرية الهرم المقلوب من رأسه فارشة مساحته العريضة اللا منتهية في نهاية الامر حيث استفتحت بقولها ان الأدب والسياسة والمجتمع كلها مفاهيم لانستطيع فصلها بعضا عن البعض إلا ان ما يحدث في الأدب العربي بوصفه حاضنا أكبر للأدب الخليجي والكويتي تحديدا هو شبه ضياع ولا أقول ضياع عن دور الأدب بمفهومه الحيوي والراديكالي في تمثيل قضايا المجتمع كافة من سياسية وثقافية وغير ذلك، فكثير من الأدباء يتبنى فكرة الأدب العالمي الإنساني الذاتي الذي ينشغل بالقضايا الفردية لكل إنسان، فيهمشون القضايا الهامة في المجتمع، ويركزون على قضايا تافهة وسطحية وثانوية هذا سبب، اما السبب الثاني هو ذاكرة جمعية أدبية حافلة بمذكرات أدب السجون، فمن كانوا يحملون لواء التعبير عن القضايا الكبرى تجدهم في السجون والمنافي، فكانت هذه النماذج عبرة للأدباء تعبئ بئر الخوف القابع في روح العربي في عدم التطرق لتابوهات الخوف الثلاثة: الدين، السياسة، الجنس، أضيف لها تابوها رابعا وهو السلطة المجتمعية متمثلة بالعادات والتقاليد غير قابلة للنقد الحقيقيز من هنا فإننا سنجد الأنا الأعلى لهذا التيار الأدبي أصحاب القضايا الهامشية هم مثقفو السلطة ،الذين لا يبارحون الدور التتفيهي والتهميشي ناقلينه إلى الوجدان الجمعي للأمة العربية، مشكلا هويتها الجمعية، ولنتخيل المأساة عندما تصبح القضايا الهامشية مشكلة لهوية جمعية.
واستدركت بقولها ولكن هذا لا يمنعنا من القول إن المجتمعات العربية المعدمة والفقيرة والمشغولة بخارطة وجودها والتي لديها الكثير الذي تريد أن تسمعه من مثقفيها لم يعد يرضيها هذه التفاهات، وبدأت تبحث عن بطل اجتماعي غير الأديب العربي يكمن هذا بالناشط السياسي والمفكر الحقوقي والإنساني، نذكر على سبيل المثال لا الحصر د. فارس الوقيان، ود. عبيد الوسمي، من الكويت وحتى لا أبخس حقوق الآخرين لدينا في الكويت الكثير من الأسماء الأكاديمية الشبابية تحديدا، لديها هذا الهاجس التنويري في تطوير المجتمع.
وتابعت أعود بعد هذه المقدمة السريعة للأدب الكويتي، والذي لا ينفصل عن علاقته الديناميكية والجذرية بالأدب العربي، ولا عن الأسباب المانعة من دلق زيت السياسة على نار الأدب، أقول إن الأدب الكويتي في حقبات سياسية سابقة كان له دور كبير في تزامن السياسي مع الأدبي، وفي ربط السياسة بالأدب والتعبير عنها، نتيجة للمد القومي العربي، مثل محمد الفايز، خالد الشايجي، علي السبتي، خليفة الوقيان، والشاعرة د. سعاد الصباح ولكن بعد الغزو العراقي أصبح هناك نزول تدريجي لهذه الأولوية السياسية، وصولا إلى التعبير عن القضايا الأقل أهمية في وعي المجتمع. وقالت لكن هذا لا يمنعنا من الإشادة بروايات حمد الحمد وقصائد الشاعر وليد القلاف لحرصهما المستمر على تمثيل قضايا المجتمع، والسياسية منها بشكل خاص حيث حدثت بعد ذلك بدايات نهضة أدبية تعانق المجتمع، وقضاياه الحساسة كالهوية الكويتية التي للأسف اختزلت فقط في المهمشين، من البدون، والعمالات الوافدة كما في ساق البامبو، والصهد، ورائعة إسماعيل فهد اسماعيل ‘في حضرة العنقاء والخل الوفي’ التي تقدم تطورات قضية البدون في الوعي الكويتي مع رصد ملابساتها وظروفها التاريخية والسياسية بينما تركت بقايا قضايا الهوية الكويتية كـ ‘عجلات طائشة في الهواء’ فما تم تقديمه لحد الآن سوى قضية البدون هو هامشي جدا، ولحد الآن نجد الأديب الكويتي بعد الربيع العربي لا يستطيع أن يتجاوز هذا الحد البسيط من نقد السياسة، فالسياسة الكويتية لم تمثل في الأدب التخييلي، ولا بمقالات كتابها أدباء تتعرض للواقع السياسي كما هو.
وخلصت الى انه من المضحك جدا أن نجد الأدباء الكويتيين بمعزل عن الساحة السياسية، مع محاولات البعض إثبات وجودهم برش كم عبارة لغوية في تويتر تثبت التواجد المرغم في حقل السياسة، أو من خلال كتابة بعض المقالات بعناوين رنانة تقرأها لا تجد شيئا جوهريا وعميقا، أما النوع الآخر فهو يعتبر نفسه حرا في نصه التخييلي، لما للتخييل من قدرة فذة للتبرئة السياسية من ارتكاب الفعل الكلامي المعارض أو المؤيد لمواقف الحكومة، ويرفض الكتابة أو التصريح المباشر بأي أمر سياسي، رغم ان الأدباء والمثقفين في الكويت لديهم فرصة عظيمة في خلق فضاء ثالث بين الحكومة والمعارضة، وجمع الطرفين في هذا الفضاء للاتفاق على صالح البلد، فليس المطلوب منهم نقد الحكومة دوما وأبدا ولا نقد المعارضة على الاطلاق، ولكن تقديم رؤى موضوعية شفافة للأحداث، وآليات تفسير الأحداث، ليكون ضمير الوعي الحقيقي في المجتمع، بدلا من ترك الثنائيات الضدية تتصارع، وبالنهاية، يذهب مع الرابح الأكبر. فالتزم الحياد، هذا النوع من الأدباء الذي يراودني إحساس أحيانا بأنه لا يريد من الأدب إلا الشهرة وصورة تكون في أهم جرائد الشرق الأوسط. وحبذا لو تم عبور إبداعه إلى المجلات الغربية التي لا يقرأها إلا شرق أوسطي الانتماء أوالتخصص.
العلاقة بين المشهدين الثقافي والسياسي في الكويت (2)