صدر عن القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في مدينة الرياض قرار لكسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية. وقرار آخر يطلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، البدء في تحقيق فوري بجرائم الحرب وضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
هذان القراران لم ينفذ منهما شيء، بالنظر لتفاقم المعاناة الإنسانية الشديدة في غزة، وبدء انتشار الأمراض المعدية نتيجة تراكم النفايات وانهيار القطاع الصحي، إضافة لشبح الجوع الذي يهدد نصف مليون فلسطيني، فبعد أكثر من 109 أيام من بدء العدوان، واقتراف جيش الاحتلال لكل جرائم الإبادة والحرب الدموية، نرى الخذلان العربي الرسمي لقراراته المتخذة، بشأن التوجه نحو المحكمة الجنائية الدولية، و ترك جنوب افريقيا تتقدم بالملف وحدها، أو بالنسبة لكسر الحصار وفرض إدخال المساعدات والأدوية والوقود للسكان هناك، وربط كل ذلك بالإرادة الصهيونية، وما دخل من دواء لغزة مؤخراً، كان بصفقة تبادل مع المقاومة لإدخال الدواء للأسرى الإسرائيليين مقابل دخول شحنة دواء لا تلبي الحاجة المطلوبة للأوضاع الصحية الكارثية كما تقول وزارة الصحة في غزة، أو ما تم إدخاله من شاحنات أغذية كان بفضل صفقة التبادل الأولى.
محاسبة الذات
لا يوجد تأثير يُذكر لفاعلية عربية على ما يجري في غزة، من عدوان وغيره، سوى ما يتم تسريبه من كواليس عربية تقيم جسوراً جوية لمد الاحتلال بنقص الخضروات، أو تحمسها لرؤية هزيمة غزة ومقاومتها بسرعة تحفظ لهم بعض الشعارات.
ولا يعرف الشارع العربي ما يدور من أحاديث بين القادة والمسؤولين العرب مع نظرائهم في العالم أو فيما بينهم، حول هذه القضية غير ما يتداوله إعلامهم عن الرفض والتنديد والشجب، وتوصيف العجز الدولي دون محاسبة الذات عن هذا العجز والتقصير، ومنذ اليوم الأول لبدء العدوان، اتجهت الأنظار نحو مصر بوابة غزة الوحيدة نحو عربها وعمقها القومي، لكن واقع الحال العربي شبيه بأوضاع مصر المرهونة للجانب الإسرائيلي، من ناحية اتخاذ القرارات المتعلقة بالجرأة والشجاعة وامتلاك الأخلاق الإنسانية للحفاظ على استراتيجية حفظ الأمن القومي والإمساك بقواسم مشتركة عن المصير والهدف، بمعنى أن خسارة غزة، أو الفلسطينيين للأرواح والبيوت والأعداد الهائلة من الجرحى، مقابل استراتيجية عربية مهزومة أمام العدوان الصهيوني، تؤشر الى أن هذه الاستراتيجية قد خسرت عمقها الأخلاقي والإنساني والسياسي وظهرت فاقدة بشكل كلي للإرادة، والكلام العربي على مدار الساعة بتوصيف كارثية الأوضاع الإنسانية والصحية في غزة، والتعبير عن القلق والأسف ساهما في تأزيم الأوضاع على الأرض.
الكل العربي رسمياً، يرفض ما تتعرض له غزة من عدوان، والكل يرفض خطط الاحتلال من التدمير إلى التهجير والقتل، لكن لم يلاحظ الفلسطينيون موانع عربية لعدم حدوث هذه الخطط، فالجرائم الإسرائيلية تستنسخ بكل محافظات قطاع غزة وبنفس المصير للمربعات السكنية وللمشافي والمدارس والبنية التحتية، القصف متواصل والتهجير والنزوح الداخلي غير مسبوق والجرائم على مدار الساعة وأعداد الضحايا في ارتفاع مخيف، والجوع ينتشر، وشاحنات الإغاثة المفترض دخولها تتكدس على الحدود من رفح إلى العريش، وكأن استخدام هذه “الدعاية” من قوافل المساعدات والوقود وبشكلها البائس أتت لتخفف في البداية من حالة الاحتقان الشعبي في شوارع عربية ليكشف بعدها الخضوع العربي للإملاءات والشروط الإسرائيلية فيما يتعلق بإنقاذ الغزيين وخضوع عربي رسمي فيما يتعلق بإدارة الظهر خوفاً من العواقب الأمريكية للطلب من مدعي عام الجنائية الدولية للتحرك بالتحقيق في جرائم الإبادة في غزة وخذلانه للموقف الجنوب إفريقي.
«حنكة سياسية»
عدم تفعيل النظام العربي وجامعته لقراراته التي يفترض معالجتها لقضية استراتيجية ومصيرية مثل قضية فلسطين والدفاع عن شعبها أمام المذابح والمجازر اليومية، وفقدانه لأي “حنكة سياسية” و تأثير فيما يخص حتى في مطلبهم “العبقري” الممسك بالسلام والمفاوضات، بحيث لم تعد لمسألة الذهول والإندهاش من أهوال ما يحصل للفلسطينيين قضية تدفع الجانب العربي ليكون أكثر قدرة وحزم للحفاظ على ثوابت من القضية الفلسطينية برمتها.
على العكس، المتتبع للإستراتيجية العربية في ذروة العدوان على غزة وبقية المدن الفلسطينية المحتلة في الضفة والقدس، واستمرار المذابح، لم يدفع السياسة العربية للخروج من وضعها المهين والمذل، لأن ما كشفته الأيام والأسابيع الغزية، مع العقود الفلسطينية الماضية، أن المشتركات العربية الرسمية مع المؤسسة الصهيونية أكبر بكثير من مزاعم صدور قرارات عربية رسمية بشأن فلسطين وشعبها، ليصبح السؤال المنطقي المطروح، أين هو الدعم العربي لسكان غزة ليبدد شبح الجوع ويضمد الجراح ويسند الصمود بينما الحصار ودوام الجرح مفتوحاً بتأثير عربي واضح؟ بعد هذا كله، أين هو السلام والدولة الفلسطينية؟ وماذا بقي في جعبة الكلام العربي عن قضيته المركزية وبقية القضايا المرتبطة بالأخلاق والسياسة والضمائر؟
كاتب فلسطيني