بغداد-“القدس العربي”: وأخيرا حسمت الحكومة العراقية موقفها من النزاع الأمريكي الإيراني بإعلان الوقوف مع طهران في مواجهة العقوبات الأمريكية وعدم الالتزام بها، بل مع زيادة حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين الجارين في كل المجالات، وسط مخاوف العراقيين من شمول بلدهم بالعقوبات الأمريكية وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي العراقي المنهك أساسا.
وبعد يومين من زيارة رئيس الجمهورية برهم صالح إلى طهران، التي ذكر فيها “أن العراق وإيران تربطهما وشائج اجتماعية وثقافية متجذرة في التاريخ وسنعمل جاهدين لتعزيز روابطنا وتعاوننا الاقتصادي”، فقد أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، “أن العراق ليس جزءا من منظومة العقوبات الأمريكية على إيران، وأن بغداد غير ملزمة باحترامها”، مبررا ذلك بأن “العقوبات الأمريكية ضد إيران ليست قرارات أممية، بل هي قرار أمريكي يخص سياستها”. وكان تصريح عبد المهدي حديا عندما أشار إلى انه أبلغ الجانب الأمريكي صراحة: “لا تأتوا إلينا بأوامر، لديكم خطط تناقشونها مع العراق، والعراق يتخذ منها موقفا، أما الإملاءات، فنحن لا نقبلها”. ويربط المراقبون هذا التصريح، بالاتصال الهاتفي الذي تلقاه عبد المهدي قبل أيام من وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، ومسؤولين أمريكان آخرين، لبحث موقف العراق من العقوبات الأمريكية على إيران.
والحقيقة ان المتابعين لوضع الحكومة العراقية الحالية لم يستغربوا موقفها من العقوبات الأمريكية على إيران، لعدة حقائق يتميز بها المشهد العراقي، منها تحكم أصدقاء وحلفاء إيران (شيعة وسنة وأكراد) بمقاليد السلطة، وقدرة طهران على خلق الأزمات والفوضى والاضطرابات داخل العراق، والوضع غير المستقر في البلد وسط صراع سياسي على المناصب وتحديات أمنية ومشاكل اقتصادية متعددة.
وقبل أيام هدد السفير الإيراني في بغداد ايرج مسجدي، بأن “تداعيات العقوبات الأمريكية ستطال العراق إذا أوقف وارداته من إيران”، معربا عن نية بلاده زيادة حجم التعاون الاقتصادي مع العراق من 12 مليار إلى 22 مليار دولار سنويا. وقال مسجدي وهو من قيادات الحرس الثوري الإيراني، إن “79 شركة إيرانية تعمل في العراق لإنشاء محطات الطاقة والمصافي والفنادق والملاعب والمنازل” داعيا الشركات الإيرانية لمزيد من الاستثمارات في المشاريع.
وتناغما مع هذه التطورات دعت جميع الأحزاب والقوى الشيعية وبعض الشخصيات السنية، ومنهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الحكومة العراقية إلى رفض التقيد بالعقوبات الأمريكية على إيران، تحت مبرر أنها ستلحق الضرر بالعراق، وذلك بالتزامن مع حملة للنواب الشيعة في البرلمان لإخراج القوات الأمريكية من العراق.
وقد دفع موقف الحكومة العراقية المراقبين إلى القول إن تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني محمد جعفري مؤخرا، بأن إيران فازت على الولايات المتحدة في العراق 3 – 0 في إشارة إلى اختيار الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والبرلمان) كان مصيبا، بدليل عدم اعتراض الحكومة العراقية عليه ولو بتصريح يتيم، إضافة إلى موقفها الأخير من العقوبات.
ولا يستبعد المراقبون أن تكون أزمة إكمال تشكيلة حكومة عادل عبد المهدي، جزءا من ترتيبات المشهد العراقي لمرحلة مقبلة قد تشهد تداعيات خطيرة على العراق جراء تطورات الصراع الإيراني الأمريكي، حيث صدرت تحذيرات من قوى سياسية من تداعيات أمنية خطيرة قد تبرز نتيجة الخلافات الشديدة بين القوى السياسية في صراعها على السلطة وامتيازاتها، في ظل وجود جماعات مسلحة متنفذة وحكومة غير مستقرة. وعكست رسائل الصدر إلى حليفه القيادي الشيعي هادي العامري عمق الخلافات حول تشكيلة الحكومة التي رفض الصدر أن تكون امتدادا للحكومات السابقة التي سادها الفساد والفشل.
وفي تطور قد يندرج ضمن مساعي الحكومة والقوى السياسية لترتيب البيت العراقي لمواجهة احتمالات التصعيد الأمريكي ضد العراق وصل مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى بغداد لإجراء لقاءات مع الحكومة المركزية وقادة الأحزاب والكتل السياسية لبحث المشاكل المزمنة بين الإقليم وبغداد، وهي أول زيارة له إلى العاصمة العراقية منذ قيادته الاستفتاء على انفصال كردستان في أيلول/سبتمبر 2017 والذي أعقبه دخول القوات الاتحادية إلى كركوك والمناطق المتنازع عليها وإخراج البيشمركه منها.
والتساؤل الذي يلح على العراقيين هذه الأيام، هو هل أن الولايات المتحدة سوف تسمح للحكومة العراقية ان تخرق عقوباتها على إيران، لتكون مثالا يشجع الدول الأخرى على الحذو حذوها، وليؤدي ذلك إلى فشل خططها في إطباق طوق الحصار على إيران؟ وكيف سيكون الرد الأمريكي المتوقع، وما تأثيره على أوضاع العراق؟